نبع الوفاء
17 - 10 - 2009, 10:22 AM
"كاوست" خارطة طريق لإصلاح مناهج التعليم
شاكر النابلسي
-1-
الحديث عن إصلاح مناهج التعليم لم ينتهِ، منذ عشر سنوات أو أكثر. الندوات تُقام، والمؤتمرات تُعقد، والتقارير تصدر، والبحوث تُكتب، والمقالات تُنشر عن ضرورة إصلاح مناهج العربية، ولا مجيب جاداً، وشجاعاً، وفعّالاً حتى الآن.
تقارير الأمم المتحدة للتنمية البشرية، التي بدأت بالصدور منذ 2**2 الى الآن، أرجعت كلها أسباب التخلُّف، والفقر، والبطالة العربية، وغير ذلك من الأزمات، والمحن، والمشاكل العسيرة، التي تعاني منها أقطار العالم العربي إلى سوء التعليم وتخلُّف مناهجه، وتدني مستوى مخرجاته. وهذا سبب وجيه وصحيح. فرغم ما يُنفق على التعليم في العالم العربي، وبنسب متفاوتة، حسب دخل كل دولة، إلا أن التعليم لم يلعب حتى الآن دوره المفروض، والمطلوب، في التنمية البشرية في العالم العربي.
-2-
ورغم أن السبب الرئيسي للبطالة في العالم العربي، التي تصل في بعض البلدان العربية إلى 20% أو أكثر، يرجع إلى مناهج التعليم ومخرجات التعليم، فما زلنا في العالم العربي عامة، نفتقر إلى وضع السياسة التعليمية في مقدمة الأولويات العربية، قبل الدفاع العسكري، وقبل العناية الصحية، وقبل السياسة الخارجية. ونظرة سريعة إلى ما يجري في الصين الآن، وفي الماضي القريب، وتساؤل العامة عن سرِّ تقدم الصين هذا التقدم الاقتصادي والاجتماعي، الذي سيدفعها في المستقبل القريب إلى أن تصبح قوة عظمى تُنازع أمريكا في قوتها العسكرية والعلمية، وهي التي نازعتها الآن في قوتها الاقتصادية (بلغ النمو الاقتصادي الصيني 8% في شهر أكتوبر الجاري. وهو من أعلى معدلات النمو في العالم، نتيجة للصناعة وليس للموارد الطبيعية) بحيث أصبحت أمريكا مُدانةً للصين بمليارات الدولارات، وأصبحت الصناعة الصينية عامة، من بين الأغطية المالية الحمائية للدولار الأمريكي نفسه.. كل هذه النجاحات سببها نظام التعليم الصيني. وهذه النجاحات تمَّت، ليس بفضل الإيديولوجيا الماركسية، وليس بفضل "الثورة الثقافية" الماوية، ولكن بفضل نظام التعليم الصيني، الذي تفيد بعض التقارير بأنه الأول في العالم. وأن الطالب الصيني في الرياضيات والعلوم الطبيعية هو الأول في العالم. وأن بينه وبين الثاني (الياباني) في العالم عشر درجات على أقل تقدير. أما الطالب الأمريكي فيأتي في الدرجة الثالثة. وهذه المرتبة مُقلقة جداً بالنسبة لصُنَّاع القرار في أمريكا، وتحتاج إلى علاج سريع، حتى لا يُعتمد تقدم التكنولوجيا الأمريكية على المهاجرين الجدد إليها، وإنما على قوة مناهج التعليم الأمريكية ذاتها، كما هو الحال في الصين، واليابان.
-3-
نهضت "كاوست" شامخة فجأة وسط الرمال، وعلى شاطئ البحر الأحمر. ففاجأت الناس كلهم.
لم يكن خبر افتتاح "كاوست"، مجرد خبر افتتاح جامعة تقليدية، ولكنه كان خبر نزول طبق علمي من الأطباق العلمية المتقدمة من عالم آخر، على سطح رمال "ثول".
كانت "كاوست" - كما قال الأمير خالد الفيصل- قد وضعتنا فجأة في قلب العالم الأول.. فماذا نحن فاعلون؟
كان السؤال فجائياً، ومربكاً، وسريعاً ، وحاسماً.
ماذا نحن فاعلون بهذا المخلوق العلمي الجديد الطارئ على حياتنا؟
فـ "كاوست" تحمل الجدة كل الجدة. بل إنها الجدة بعينها في حياتنا.
ليست "كاوست" عبارة عن أرض واسعة، وبناء فخم، وحدائق جميلة، و(كامبس) فسيح، ومختبرات حديثة، وصناعة جديدة للعلم والتعليم والتعلُّم.
إنها أكثر من هذا كله.
إنها حزمة من الجديد، والجدة، وآفاق العلم الواسعة.
وهي إضافة لهذا كله، خارطة طريق لإصلاح التعليم العربي في مجمله، لكي يتأهل طلبته للالتحاق بالدراسات العليا في هذا الصرح العلمي الكبير.
فكيف سيتم ذلك؟
-4-
1- لا شك أن مستوى هذه الجامعة العلمي، سوف يكون في مستوى باقي الجامعات العلمية العريقة في الغرب.
ويتناسب مع مستوى المدرسين والأساتذة الذين عُيّنوا في هذه الجامعة، وجاؤوا من كل بقاع العالم. كما يتناسب هذا المستوى مع مستوى الأموال الطائلة، التي أُنفقت على هذه الجامعة، والمرصودة لها سنوياً، مما سيمكِّن هذه الجامعة من أن تكون بمختبراتها، وأدواتها، وأجهزتها، وأساتذتها، ومستوى طلابها على المستوى العلمي نفسه للجامعات الغربية. وتلك مهمة ليست باليسيرة، بل هي العسيرة والشاقة جداً، فيما لو علمنا أن عُمر الجامعات الغربية العريقة، وذات السمعة الممتازة، لا يقل عن مئة سنة.
2- وعلى هذا الأساس، فإن "كاوست" لن تقبل غير الطلبة المؤهلين للدراسة في مثل هذه الجامعة ذات المستوى العلمي العالي جداً. والطلبة المؤهلون للالتحاق بها، هم من أتم الدراسة وحصل على شهادة الليسانس الجامعية، ويريد إكمال مشواره العلمي بالحصول على الماجستير والدكتوراه.
وهذا الطالب - في ظني- عليه قبل قبوله في هذه الجامعة، أن ينجح في اختبار القبول، الذي أظن أنه سيكون عسيراً على الطلبة العرب المتخرجين من الجامعات العربية الحالية، ذات المستوى العلمي المتواضع.
وهو نفسه الطالب الذي جاء من المدارس الإعدادية والثانوية العربية ذات المستوى العلمي المتواضع أيضاً. ولذا، لن يكون حظ الطلبة العرب القادمين من الجامعات العربية الأخرى كبيراً، ما لم يتم سريعاً إصلاح مناهج التعليم العربية.
3- سوف يزيد عدد الطلبة العرب غير المقبولين في "كاوست" في السنوات القادمة، نتيجة لتدني مستواهم العلمي. وسوف يعلم التربيون العرب بهذه النتيجة السلبية. وعكس هذه النتيجة من السلب إلى الإيجاب لن يتم إلا بتدارك الأمر سريعاً، وبإعادة النظر في المناهج العلمية ومناهج اللغة الإنجليزية (لغة العلم الآن) من حيث زيادة حصصها وتكثيف علومها، وتحديث مناهجها، واستقطاب الأكفاء من مدرسيها، لكي تستطيع الجامعات والمعاهد العربية، تخريج طلبة مؤهلين لدراسة الماجستير والدكتوراه في "كاوست". وبذا، ستكون "كاوست" قد قامت بدورها التعليمي الحضاري غير المباشر، وقدمت خارطة طريق، لإصلاح المناهج العلمية في المدارس والجامعات الأخرى لكي يتمكِّن طلابها من الالتحاق بالدراسات العليا في "كاوست".
http://www.alwatan.com.sa/news/writerdetail.asp?issueno=3305&id=15160&Rname=23
شاكر النابلسي
-1-
الحديث عن إصلاح مناهج التعليم لم ينتهِ، منذ عشر سنوات أو أكثر. الندوات تُقام، والمؤتمرات تُعقد، والتقارير تصدر، والبحوث تُكتب، والمقالات تُنشر عن ضرورة إصلاح مناهج العربية، ولا مجيب جاداً، وشجاعاً، وفعّالاً حتى الآن.
تقارير الأمم المتحدة للتنمية البشرية، التي بدأت بالصدور منذ 2**2 الى الآن، أرجعت كلها أسباب التخلُّف، والفقر، والبطالة العربية، وغير ذلك من الأزمات، والمحن، والمشاكل العسيرة، التي تعاني منها أقطار العالم العربي إلى سوء التعليم وتخلُّف مناهجه، وتدني مستوى مخرجاته. وهذا سبب وجيه وصحيح. فرغم ما يُنفق على التعليم في العالم العربي، وبنسب متفاوتة، حسب دخل كل دولة، إلا أن التعليم لم يلعب حتى الآن دوره المفروض، والمطلوب، في التنمية البشرية في العالم العربي.
-2-
ورغم أن السبب الرئيسي للبطالة في العالم العربي، التي تصل في بعض البلدان العربية إلى 20% أو أكثر، يرجع إلى مناهج التعليم ومخرجات التعليم، فما زلنا في العالم العربي عامة، نفتقر إلى وضع السياسة التعليمية في مقدمة الأولويات العربية، قبل الدفاع العسكري، وقبل العناية الصحية، وقبل السياسة الخارجية. ونظرة سريعة إلى ما يجري في الصين الآن، وفي الماضي القريب، وتساؤل العامة عن سرِّ تقدم الصين هذا التقدم الاقتصادي والاجتماعي، الذي سيدفعها في المستقبل القريب إلى أن تصبح قوة عظمى تُنازع أمريكا في قوتها العسكرية والعلمية، وهي التي نازعتها الآن في قوتها الاقتصادية (بلغ النمو الاقتصادي الصيني 8% في شهر أكتوبر الجاري. وهو من أعلى معدلات النمو في العالم، نتيجة للصناعة وليس للموارد الطبيعية) بحيث أصبحت أمريكا مُدانةً للصين بمليارات الدولارات، وأصبحت الصناعة الصينية عامة، من بين الأغطية المالية الحمائية للدولار الأمريكي نفسه.. كل هذه النجاحات سببها نظام التعليم الصيني. وهذه النجاحات تمَّت، ليس بفضل الإيديولوجيا الماركسية، وليس بفضل "الثورة الثقافية" الماوية، ولكن بفضل نظام التعليم الصيني، الذي تفيد بعض التقارير بأنه الأول في العالم. وأن الطالب الصيني في الرياضيات والعلوم الطبيعية هو الأول في العالم. وأن بينه وبين الثاني (الياباني) في العالم عشر درجات على أقل تقدير. أما الطالب الأمريكي فيأتي في الدرجة الثالثة. وهذه المرتبة مُقلقة جداً بالنسبة لصُنَّاع القرار في أمريكا، وتحتاج إلى علاج سريع، حتى لا يُعتمد تقدم التكنولوجيا الأمريكية على المهاجرين الجدد إليها، وإنما على قوة مناهج التعليم الأمريكية ذاتها، كما هو الحال في الصين، واليابان.
-3-
نهضت "كاوست" شامخة فجأة وسط الرمال، وعلى شاطئ البحر الأحمر. ففاجأت الناس كلهم.
لم يكن خبر افتتاح "كاوست"، مجرد خبر افتتاح جامعة تقليدية، ولكنه كان خبر نزول طبق علمي من الأطباق العلمية المتقدمة من عالم آخر، على سطح رمال "ثول".
كانت "كاوست" - كما قال الأمير خالد الفيصل- قد وضعتنا فجأة في قلب العالم الأول.. فماذا نحن فاعلون؟
كان السؤال فجائياً، ومربكاً، وسريعاً ، وحاسماً.
ماذا نحن فاعلون بهذا المخلوق العلمي الجديد الطارئ على حياتنا؟
فـ "كاوست" تحمل الجدة كل الجدة. بل إنها الجدة بعينها في حياتنا.
ليست "كاوست" عبارة عن أرض واسعة، وبناء فخم، وحدائق جميلة، و(كامبس) فسيح، ومختبرات حديثة، وصناعة جديدة للعلم والتعليم والتعلُّم.
إنها أكثر من هذا كله.
إنها حزمة من الجديد، والجدة، وآفاق العلم الواسعة.
وهي إضافة لهذا كله، خارطة طريق لإصلاح التعليم العربي في مجمله، لكي يتأهل طلبته للالتحاق بالدراسات العليا في هذا الصرح العلمي الكبير.
فكيف سيتم ذلك؟
-4-
1- لا شك أن مستوى هذه الجامعة العلمي، سوف يكون في مستوى باقي الجامعات العلمية العريقة في الغرب.
ويتناسب مع مستوى المدرسين والأساتذة الذين عُيّنوا في هذه الجامعة، وجاؤوا من كل بقاع العالم. كما يتناسب هذا المستوى مع مستوى الأموال الطائلة، التي أُنفقت على هذه الجامعة، والمرصودة لها سنوياً، مما سيمكِّن هذه الجامعة من أن تكون بمختبراتها، وأدواتها، وأجهزتها، وأساتذتها، ومستوى طلابها على المستوى العلمي نفسه للجامعات الغربية. وتلك مهمة ليست باليسيرة، بل هي العسيرة والشاقة جداً، فيما لو علمنا أن عُمر الجامعات الغربية العريقة، وذات السمعة الممتازة، لا يقل عن مئة سنة.
2- وعلى هذا الأساس، فإن "كاوست" لن تقبل غير الطلبة المؤهلين للدراسة في مثل هذه الجامعة ذات المستوى العلمي العالي جداً. والطلبة المؤهلون للالتحاق بها، هم من أتم الدراسة وحصل على شهادة الليسانس الجامعية، ويريد إكمال مشواره العلمي بالحصول على الماجستير والدكتوراه.
وهذا الطالب - في ظني- عليه قبل قبوله في هذه الجامعة، أن ينجح في اختبار القبول، الذي أظن أنه سيكون عسيراً على الطلبة العرب المتخرجين من الجامعات العربية الحالية، ذات المستوى العلمي المتواضع.
وهو نفسه الطالب الذي جاء من المدارس الإعدادية والثانوية العربية ذات المستوى العلمي المتواضع أيضاً. ولذا، لن يكون حظ الطلبة العرب القادمين من الجامعات العربية الأخرى كبيراً، ما لم يتم سريعاً إصلاح مناهج التعليم العربية.
3- سوف يزيد عدد الطلبة العرب غير المقبولين في "كاوست" في السنوات القادمة، نتيجة لتدني مستواهم العلمي. وسوف يعلم التربيون العرب بهذه النتيجة السلبية. وعكس هذه النتيجة من السلب إلى الإيجاب لن يتم إلا بتدارك الأمر سريعاً، وبإعادة النظر في المناهج العلمية ومناهج اللغة الإنجليزية (لغة العلم الآن) من حيث زيادة حصصها وتكثيف علومها، وتحديث مناهجها، واستقطاب الأكفاء من مدرسيها، لكي تستطيع الجامعات والمعاهد العربية، تخريج طلبة مؤهلين لدراسة الماجستير والدكتوراه في "كاوست". وبذا، ستكون "كاوست" قد قامت بدورها التعليمي الحضاري غير المباشر، وقدمت خارطة طريق، لإصلاح المناهج العلمية في المدارس والجامعات الأخرى لكي يتمكِّن طلابها من الالتحاق بالدراسات العليا في "كاوست".
http://www.alwatan.com.sa/news/writerdetail.asp?issueno=3305&id=15160&Rname=23