يبدو عنوان المقال شديد العنف، لكنه للأسف حقيقيٌ للغاية، بغض النظر عن كم التقلبات العنيفة والتغيرات الجسدية والنفسية الهائلة التي يتعرض لها المراهقون في سنوات البلوغ الأولى، وبالرغم من كون الهرمونات متهمّة في تلك التغيرات وما ياصحبها من مشاعر قوية وإثارة شديدة، إلا أنها لا تفسر بالكامل سلوك المراهقين الخالي من التعقل، ولا تجيب إجابةً شافيةً عن شكاوى الأهل من المسائل التي يتعرض لها أبناؤهم في تلك المرحلة العمرية الحرجة، مثل الإدمان، العنف، الانحرافات الجنسية، الميول الانتحارية، وغيرها من السلوكيات المدمّرة.
ما الأمر إذن؟ أين تكمن المشكلة؟
لكي نفهم جيداً ما يحدث يجب أن نستوعب بعمق ذلك التسلسل الزمني للتغيرات الهرمونية لدى المراهقين، الذين لن يصلوا للنضج العقلي قبل العشرينيات من العمر، لكنهم يعانون من تبعات البلوغ وتوابعه قبل ذلك العمر بكثير.
هؤلاء الشبان والشابات الصغار هم مصدرٌ غنيٌ للإبداع الفني، وقودٌ للثوارت العنيفة، مادةٌ جيدةٌ لترسيخ التطرف وعناصر منفذةٌ للعمليات الانتحارية. و ربما تراهم على النقيض يقودون السيارات برعونة ويتعاطون المخدرات بل ويمارسون الجنس دون أي حذر وكأنهم يملكون مناعة لا نهائية ضد المخاطر.
من السهل جداً ملاحظة السرعة التي يتأرجح فيها المراهق بين الشعور بالإلهام، ثم الاغتراب عن المحيط، ثم الغضب العنيف، فالحزن الشديد في زمن قصير جداً. أو انتقاله دون مقدمات من الحماسة الشديدة تجاه أمرٍ ما إلى الملل الذي لا دواء له من ذات الأمر بعد قليل.
ولكي نفهم كيف يمكن لكل هذه الطاقة المبدعة والحساسية والرهافة أن تجتمعا في فترة زمنية بهذا القصر، يجب أن نحاول النظر لما هو أبعد من الشغف والميل للإثارة الذي يميز حياة الكثير من المراهقين، وأن ننتبه للدور الذي تلعبه المسارات العصبية في عقول المراهقين وعواطفهم، إضافةً إلى التغيرات الهرمونية القوية المصاحبة للبلوغ، والدور الاجتماعي الذي يقوم به أولئك الذين لم يعودوا صغاراً لكنهم لم يصبحوا كباراً بعد
في سنوات المراهقة، تصل الصحة البدنية إلى ذروتها، فلا يصبح المراهق أكبر وأقوى من الطفل العادي فحسب، بل ويكتسب مدى واسعاً من القدرات الجسدية والذهنية، بما فيها سرعة الاستجابة، مهارات الفهم والربط بين الحقائق، حل المسائل المعقدة، ارتفاع القدرة المناعية للجسم والقدرة كذلك على تحمل الكثير من الضغوط والتحديات. أليست مسألة عجيبة أن يصاحب كل هذه الكفاءات معدلاتٍ مخيفة للوفاة المفاجئة أو الإعاقات؟ أو أن نشهد تزايداً مرعباً للحوادث الخطيرة، الانتحار، القتل، العنف والتعدي على الآخرين؟
وبينما يكتسب المراهق مزايا جسدية وعقلية رائعة، تكتسب الإحصاءات أرقاماً أخرى مرتفعة لتعاطي المخدرات، الاضطرابات العاطفية، والمضاعفات الصحية الناجمة عن الممارسات الجنسية الخطرة!
هذا التضاد العنيف تفسره تلك العلاقة الدقيقة بين النمو العقلي والذهني للمراهق، والبلوغ بما يصاحبه من نشاط هرموني ونمو بيولوجي لجسد المراهق وأعضائه الظاهرة، والتأثيرات الاجتماعية على حياة المراهق بكل مكوناتها.
البلوغ.. تلك المرحلة مابين بدء النضج الجنسي والوصول إلى النضج الكامل.. هي الوقت الذي يمتلئ بالتغيرات الدرامية.. وتلك المقولة السائدة أن الدماغ البشري يكتمل نموه تماماً في السنوات الأولى من الحياة هي مقولةٌ خاطئةٌ تماماً، فالكثير من أوجه النضوج العقلي تستمر خلال الطفولة وتمتد حتى سنوات المراهقة المتأخرة.
لابد لنا قبل أن نتحدث عن استراتيجية التعامل مع المراهق أن نتعرف على خواص مرحلة المراهقة، والتغيرات التي تصحب هذه المرحلة.
وهنا نقسم هذه الخصائص إلى ثلاثة عناوين رئيسية، هي
1- التغيرات البدنية.
2- التغيرات النفسية.
3- التغيرات العقلية والمستوى الفكري.
أولاً: التغيرات البدنية
ما أن يدخل الشاب هذه المرحلة الجديدة من العمر حتى تبرز مجموعة من التغيرات السريعة على بنيته الجسدة، تكون نتيجتها تشكل مزاج جديد للمراهق. فإفرازات الغدد الهرمونية في الجسم ونشاطها المتزايد في هذه المرحلة يتسببان بصورة مباشرة في إزالة التعادل النفسي الذي يرافق مرحلة الطفولة، ووضع الشاب في مواجهة مرحلة عمرية جديدة لم يجر الإعداد المسبق لها.
إن نمو الجسم في هذه المرحلة يكون بمعدل سريع نسبياً بحيث يكون الأوسع في مختلف المراحل العمرية للإنسان، ولا يتوقف هذا النمو المتسارع إلا ببلوغ سن الخامسة والعشرون تقريباً.
ويكون نمو البنية الجسدية للفتاة في هذا السن أسرع منه في الشاب، إلا أنه في بعض جوانبه كخشونة الصوت مثلا يكون أسرع بالنسبة للشاب مقارنة بالفتاة. ومع نمو الجسم يبدأ الوزن بالتزايد، كما تبدأ قوة الأداء الجسمي بالتضاعف. ولعل زيادة القوة الجسمية هذه هي أحد الدوافع وراء انخراط المراهقين في بعض الأمور التي قد تبدوا للمحيطين بهم أمورا تافهة أو عبثا غير مجدي ذلك أن المراهق يكون متحيرا بهذا الكم الهائل من الطاقة والقدرة الذي نزل عليه بصورة (مفاجئة).
ويلاحظ في هذا السن بروز العضلات وازدياد الطول حيث يبدأ الهيكل العظمي بالاتساع الطولي أولا ثم العرضي، كما ينمو الشعر ويزداد غلظة في المناطق التناسلية والوجه. وبصورة خاصة يبدأ السائل المنوي لدى الشاب بالتكون والنزول من مجرى البول، في حين تبدأ الدورة الشهرية عند الفتيات.
كل هذه التغيرات البدنية تجعل المراهق يقف متأملاً ومتفكراً، ومن ثم ينطلق بقوة نحو تنفيذ ما أملاه عليه فكره وفهمه لهذه التغيرات، معتمداً في ذلك على القوة الكامنة داخله.
ثانياً: التغيرات النفسية
الإرادة:
قد يتجه المراهق أحياناً لخلق بعض المشاكل دون التفكير في العواقب فقط من أجل أن يضع نفسه في مواجهتها، ويثبت بالتالي للمحيط بأنه أصبح يمتلك إرادة قوية لا سيّما إذا كانت المشاكل من النوع الذي يمكن للشاب أن يتغلب عليه حيث الإحساس بالفخر والقوة والبهجة هي الهدف المبغى.
وتشير الدراسات في هذا المجال إلى موردين أساسيين، هما:
- عدم التورع والتهور اللذان يأتيان عن جهل بالخير والشر فضلا ً عن الجهل بعواقب الأمور نظراً لانعدام التجربة.
- موارد المنافسة والتسابق والتي يحفزها تشجيع الآخرين.
تحمل المسؤولية:
يداخل المراهق شعور قوي بالقدرة على تحمل كامل المسؤوليات والالتزام بأي أمر تماماً كالرجال، إلا أنه قد يتجنب تحمل المسؤولية لا لشيء إلا لخوفه من الفشل أو العجز. ولعل ذلك يفسر مدى سرور الشاب أو الفتاة في هذا السن عندما توكل إليهم مهمة يعرفون مسبقا أنهم يستطيعون القيام بها والسيطرة عليها. وقد يعود التردد في هذه الحالة إلى كثرة الالتصاق بالوالدين أو أحدهما وبالتالي الخوف من مضايقتهم بالفشل أو أحيانا الخوف من التوبيخ.
ولذلك فإننا ننصح الوالدين بإعطاء بعض المسؤوليات وبصورة تدريجية للشباب والفتيات في سن المراهقة حتى يتسنى لهم بناء الثقة بالنفس والشخصية المستقلة القادرة على اتخاذ القرار وتحمل المسؤولية في النجاح أو الفشل.
الخيال:
من الظواهر الملحوظة في هذه المرحلة ارتباط الشباب بالخيال والأحلام، ولعل الأمر أكثر وضوحاً وجلاءً عند الفتيات نظراً لارتباطه بالعواطف والأحاسيس، إلا أن ذلك لا يعني انعدامه عند الشباب.
وقد يجد المراهق نفسه منقادا إلى الاختراع والاكتشاف أو إلى الفن أو الرسم أو الموسيقى أو حتى الزهد والورع أو التطرف الديني والعقائدي والفكري، دون أن يكون قادراً على إيجاد التفسير العقلاني لذلك.
ويعتقد علماء النفس والاجتماع أن الخيالات في هذه المرحلة العمرية هي أساس التفكير عند الشباب، إذ تُحركه وعن طريق التداعيات وتجمع الخواطر وتركيب الصور في الذهن تخلق صوراً جديدة، وعندها ينتقل إلى عالم الواقعيات مرة أخرى.
ثالثاً: التغيرات العقلية والمستوى الفكري
إن فكر الشباب فكر متجدد يتطرق لمختلف المواضيع إلا أنه يمتاز بعدم الثبات وسرعة التغير رغم نشاطه القوي. وقد يكون ذلك عائد إلى قلة التجارب وانعدام الخبرات بالدرجة الأساس.
ويرجع علماء النفس الاجتماعي سبب هذه التغيرات إلى أن ذهن الشاب يستقبل باستمرار أفكارا وآراءا خارجية تؤثر عليه دون أن تكون لديه القدرة على تقييمها وتحليلها واكتشاف مواطن القوة والضعف فيها. وهذا ما يجعل الشاب في مهب الأفكار المنحرفة والمغرضة والتي تطلى بمظاهر خداعة على غير واقعها.
ولهذا، نرى أن أصحاب الفكر الجديد أو أصحاب الأفكار الهدامة إذا ما رغبوا في نشر فكرهم يعمدون إلى هذه الفئة من الناس لسهولة السيطرة على تفكيرهم وبساطة تشكيل معتقداتهم وتسخيرهم بالتالي لتحقيق أغراضهم الخاصة.
ويرى أغلب علماء النفس أن الشاب في مرحلة المراهقة يمر بأخصب مراحل النمو العقلي وتزايد الذكاء الذي يصل إلى ذروته حيث أن جميع القوى المرتبطة بالعقل تأخذ بالاتساع كالذاكرة والمخيلة والقدرة على الإبداع والابتكار علما بأن تجاهل هذه القدرات العقلية سيتسبب بصورة حتمية ومباشرة إلى ضمورها بمرور الزمن، لذا فإنه لابد من العمل على تنميتها وتقويتها.
وعلى الرغم من بروز الشاب بمستوى عقلي متميز إلا أنه يكون عاجزا في أغلب الأحيان عن تحليل الأمور وتفسيرها وذلك لبطئ تبلور المستوى العقلي إلى الحد الذي يجعله قادرا على التمييز بين الصح والخطأ أو بين الخير والشر.
ولهذا فإن آراء الشباب في هذه الفترة تتميز بالسطحية لكونها مبنية على مشاهدات لا على خبرات عملية وواقعية، ولكون هذه المرحلة خاضعة لتأثير العواطف التي غالبا ما تكون هي المسيطر الأول على القرارات والأحكام التي يهتدي إليها.
والجدير بالذكر هنا، هو أن المراهق يتأثر تأثرا شديدا بتجاهل الآخرين له ولآرائه الشخصية لجهله بالسبب وراء ذلك، الأمر الذي قد يعود عليه بنتائج سلبية تنعكس آثارها على العملية التربوية بشكل عام ومدى استجابة المراهق للإرشاد والتوجيه.
ومن هنا، فإن أي استراتيجية تربوية للتعامل مع المراهق لابد وأن تبنى على فهم هذه الخصائص واستيعابها لضمان سلامتها، وإلا كانت النتيجة انفلات زمام الأمور من يد الأهل والكبار من المخالطين للمراهق، وبالتالي انجرار المراهق شاباً كان أو فتاة نحو السلوكيات المنحرفة.