عُثر على بكتريا تعيش في ترسبات على عمق 30 مترا تحت قاع المحيط الهادئ بعيدا عن ضوء الشمس والمغذيات الطرية وأي شيء يستحق الحياة بمعايير البشر.
قال علماء ان عمر بعض الكائنات العضوية التي عثر عليها في قاع المحيط لا يقل عن 1000 سنة وعمر بعضها الآخر قد يكون ملايين السنين. وتتمثل استراتيجية هذه المتعضيات للبقاء على قيد الحياة في ان تكون بالكاد حية. فان عملية التمثيل الغذائي فيها تكاد تكون معدومة ، وهو أفضلية تكيفية في مكان شحيح بالموارد مثل العيش تحت قاع المحيط. والبكتريا التي تعيش في مثل هذه الظروف هي التي تستطيع الاكتفاء بمقادير ضئيلة من الاوكسجين ونظام غذائي متقشف من المواد العضوية المتاحة منذ ملايين السنين.
وكان العلماء عثروا على مثل هذه البكتريا المدفونة عميقا في السابق ولكن دراسة جديدة نُشرت على موقع مجلة ساينس العلمية تتيح القاء أوضح نظرة حتى الآن على إيقاع وجودها البطيء الى حد يقرب من الجمود. ويعني ذلك باختصار ان البكتريا قادرة على البقاء بمعدلات شديدة التدني من تنفس الأوكسجين وأن أعدادها لا تحددها إلا قلة الطاقة المتاحة في الترسبات المدفونة.
وقال الباحث الدنماركي هانز روي من جامعة آروس الذي قاد فريق الباحثين ان هذه الكائنات العضوية تعيش حياة بطيئة بحيث عندما ننظر اليها بمعاييرنا الزمنية تبدو وكأنها ذات حياة مجمدة أو معلقة. واضاف ان الدرس الرئيسي من ذلك هو ضرورة الكف عن النظر الى الحياة على مقياسنا الزمني.
وثمة رسالة أخرى مكملة تفيد بأن على البشر ألا يكونوا متعصبين لجنسهم حين يتعلق الأمر بما يشكل الكائن الحي أو خصائصه المميزة. ويمنح تعدد اشكال الحياة املا للعلماء الباحثين عن أدلة على وجود حياة خارج الأرض. ويمكن رصد هذه الحياة بمسابير فضائية آلية تُرسل الى المريخ مثلا أو الى محيط يكسوه الجليد على قمر بارد خارج منظومتنا الشمسية.
ويعتقد علماء الآن ان غالبية اشكال الحياة على الأرض الآن بالكاد تكفي لتضبيب سطح مرآة وان البكتريا التي تعيش في اعماق البحار قد تكون مثالا متطرفا على شكل لا يحب الظهور. كما ان الكثير من اشكال الحياة على الأرض ، محسوبة بالارقام ن ليست صاخبة وكاريزمية كأشكال الحياة التي تعيش في اشعة الشمس ، وهي لا تمت بصلة قربى الى بكتريا تنمو بسرعة في صحن داخل مختبر. ويقول العلماء انها في الغالب حياة مملة تعيش بعيدا عن الانظار ، تحت السطح ، في ظلام دامس حيث تستخدم الطاقة استخداما بطيئا وبكفاءة عالية.
ونقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن الباحث في وكالة الفضاء الاميركية توري هولر ان الاكتشاف الجديد نافذة على الحياة في ممر السرعة البطيئة من طريق النشوء ، بعيدا عن المراتب المتقدمة على سلم الارتقاء ، ولعل هذا الشكل المتدني هو وضع الكائنات عموما على الأرض.
ولم يدرك العلماء ان الحياة على السطح ليست إلا مظهرا براقا يغلف المجال الحيوي إلا في العقود الأخيرة. ونعرف الان ان الحياة قادرة على ايجاد طرق للبقاء في اماكن لا تخطر على بال ، من الانفاق المائية ـ الحرارية والترسبات الملحية غابرة القدم في قاع الميط الى عيون الماء الساخن في محمية يلوستون الاميركية. وهناك بكتريا تعيش جسيمات متذررة في الغلاف الجوي ايضا.
ولكن البكتريا التي تعيش مدفونة تحت قاع البحر تقدم شكلا من الأشكال القصوى على النهاية الصغرى من طيف الحياة. وان قدرتها على البقاء في مثل هذه الظروف من الشح وفقر الموارد يسند الاعتقاد بأنها قادرة على البقاء في مادة تُطلق الى الفضاء من احد الكواكب نتيجة ارتطام كوكيب به. ويمكن ايداع مثل هذه البكتريا لاحقا في كوكب آخر بتهريبها على نيزك.
وتكهن علماء في السنوات الأخيرة بأن الحياة ربما ظهرت في الأصل على المريخ عندما كان أكثر دفئا ورطوبة قبل نحو 4 ملايين سنة ثم نقلتها نيازك الى الأرض. وكان فريق الباحثين برئاسة روي أبحر الى بقعة في شمال المحيط الهادئ بعيدا عن اقرب كتلة من اليابسة ليكونوا بمنأى عن غالبية الترسبات المحمولة بقوة الريح أو التيارات المائية. واختار العلماء مكانا يمنع التيار فيه وصول ترسبات من مسافات بعيدة. وتكفل هذا عمليا بأن يكون قاع البحر صحراء قاحلة عمليا بلا أي قدر يُذكر من المادة العضوية.
واستخدم العلماء المحيط الهادئ بمثابة مختبر لدراسة ملايين السنين من النشاط البيولوجي بحفر ثقوب تغور قرابة 30 مترا تحت قاع المحيط. وكان قاع المنطقة المركزية من ترسبات هذا الرقعة يحوي مواد وجدت هناك منذ 86 مليون سنة. وما عثر عليه العلماء في هذا المكان هو أحدث مثال على إبداعات الحياة. وكما كان متوقعا وجدوا بكتريا أكثر على قمة العمود الرسوبي منها في العمق. ولكن حتى في القاع تماما ، في اوحال حمراء لم تعرف الاوكسجين أو مغذيات جديدة وأقل من ذلك ضوء الشمس منذ 124 مليون سنة أو ما يُعرف حقبة الكريتاسيوس ـ في هذا الركن المظلم تمكنت كائنات عضوية من ايجاد طريقة عبقرية للحياة والبقاء.