التلاميذ المشاكسون داخل المدرسة الابتدائية: مشكلة بحاجة إلى حل

**ابولمى** · 22 - 1 - 2005, 06:57 AM

أصعب ما يمكن أن تشاهده هو دمعة طفل، والأصعب من ذلك دمعة طفل مقهور... قد يأتيك ابنك يوماً من المدرسة يبكي من أذى تعرض له من قبل زملائه في المدرسة... ربما ضربه أحدهم أو نعته بألقاب لا يصح أن تقال داخل أو خارج المدرسة... ماذا يكون التصرف السليم حينها؟ منا من يؤنب ابنه لعدم قيامه بالرد اللازم سواء بالشتم أو بالضرب! ومنا من يذهب إلى المدرسة، ويصب جام غضبه على المعلمين والإدارة! ومنا من يتصل بأهل المعتدي للتهديد! التصرف السليم رغم صعوبته هو أنه يجب أن نتملك أعصابنا وأن نحاول أن نعرف لماذا استهدف الابن؟ وهل هذه هي المرة الأولى؟ ومن هو المعتدي؟ هل هذه عادة عنده؟ وأخيراً كيف يمكن أن أساعد ابني لكي لا يتعرض لمثل هذا الموقف ثانية؟ وكيف يمكن أن أساعد الطالب الآخر على ألا يؤذي مرة أخرى ابني أو غيره؟ من خلال تناولي لهذا الموضوع أرجو أن يشعر القارئ بأهمية هذه المشكلة ويشارك في إيجاد الحل المناسب لها لأنها ليست مشكلة طفل أو اثنين... إنها مشكلة الكثير من الأطفال.
كما يشير رون بانكس (أحد الأخصائيين في مجال تربية مرحلة الطفولة المبكرة) إن الأذى الجسدي والنفسي الذي يتعرض له بعض التلاميذ في المراحل التعليمية الأولى من قبل المشاكسين أو المستأسدين (يتعدون على من هم أضعف منهم) يعتبر مشكلة عالمية وليست فقط في مدارسنا... إنه أحد أسباب تحول المدرسة من مكان آمن للحصول على العلم إلى مكان مرعب يخشاه الطلبة المستهدفون للأذى، ويحرمهم من حقهم في النمو والتطور العلمي والنفسي والاجتماعي... وعادة ما يحدث هذا الأذى على شكل سلوكيات مباشرة مثل الاستهزاء، التهديد، الضرب أو سرقة أشياء الضحية فقط للإغاظة... وقد يتم ذلك عن طريق شخص أو عدة أشخاص يكونون شلة تستهدف الضعفاء داخل أسوار المدرسة... أما السلوك غير المباشر فيكون عن طريق منع الآخرين من داخل أو خارج الشلة من التعامل مع الضحية... وبذلك يصبح التلميذ المستهدف وحيدا منعزلا لا يجرؤ أحد على مساعدته وإلا سوف يواجه نفس المصير... وهذه الطريقة كانت إلى وقت قريب الطريقة المفضلة لدى بعض التلميذات، حيث يقمن بنشر الشائعات عن التلميذة المستهدفة وبهذا يتم استبعادها... ولكن اليوم نجد أن الأذى الجسدي أصبح من الطرق المفضلة لدى التلميذات أيضاً!.
كيف نتعرف على هذا النوع من التلاميذ (المؤذين)؟ إن هذا النوع من الطلبة عادة ما يشعرون بالحاجة إلى الشعور بالقوة والتحكم بالآخرين... بل يشعرون بالرضا حين يقومون بهذه السلوكيات العدوانية دون أدنى إحساس بشعور الآخرين... يأتي هذا النوع من التلاميذ من أسر تمارس العنف الأسري أو تشجع العنف في حل النزاع... أو من أسر تفتقر الحنان والعطف ولا تعطي الأبناء الاهتمام الكافي... فيتبنون السلوك العدواني إزاء الآخرين... وقد يتطور هذا السلوك ليصبح على صورة تحد واعتراض لأوامر المسؤولين سواء في الأسرة أو المدرسة مما يجعلهم غير اجتماعيين، فيتهرب منهم الجميع... وتطالهم المشكلة كما تطال ضحاياهم... وما بادروا به إزاء الآخرين عادة ما ينقلب عليهم وبالتالي يرفضهم المجتمع، كما أنهم إذا شبوا على هذا السلوك فسوف يجدون الرفض في مجال العمل، فمن يريد الموظف المشاكس؟ وفي المجال الاجتماعي، من يريد أن يزوج ابنته أو يتركها تحت رحمة رجل متطرف الغضب لا يعرف لغة التفاهم؟ أما عن ضحايا الأذى عادة ما يكونون ذوي شخصيات قلقة قليلي الثقة بأنفسهم، ويعانون من انخفاض في الشعور باحترام الذات... وهم قليلا ما يدافعون عن أنفسهم، قد يكونون منعزلين في المدرسة لكن غالباً ما يكونون على علاقة قوية بأسرهم... وقد نجد أن بعضهم لهم أمهات يفرطن في حمايتهم مما يتسبب لهم بالإحراج ويجعلهم هدفا سهلاً للسخرية والاستهزاء... قد يُنعت "بابن أمه" أو "الدلوع" أو ما شابه ذلك من الأقوال التي تهين التلميذ وتشعره بالنقص. أما عن مظهرهم الخارجي فعادة ما يكونون من ذوي الأحجام الصغيرة، ضعاف البنية، يخافون من المواجهة أو طلب المساعدة خصوصاً من أولياء أمورهم، لأنه حسب اعتقادهم أن ذلك سوف يُعقّد الأمور، هذا بالإضافة إلى أن تدخل الكبار، بالنسبة لهم، غير مفيد، ولن يحميهم بالنهاية من الأذى.
إن تأثير هذا النوع من الأذى قوي، لدرجة أنه يؤثر سلبياً على التلاميذ أكاديمياً ونفسياً واجتماعياً، لذا يجب أن توضع الخطط والاستراتيجيات لمنع حدوث مثل هذه السلوكيات داخل مدارسنا.
ويمكن أن يكون ذلك عن طريق توعية أولياء الأمور عن هذه السلوكيات العدوانية لكي يساهموا في حلها من خلال مشاركتهم ودعمهم عن طريق التحدث مع أبنائهم في هذا الموضوع، وشرح تبعيته كما يمكنهم تحديد ومراقبة البرامج التلفزيونية التي يقوم أبناؤهم بمشاهدتها، لأن العنف الذي يبث هذه الأيام على الشاشة يساهم في تضخم المشكلة. أما المعلمون فيمكنهم أن يقوموا بوضع قوانين صفية تمنع حدوث مثل هذه السلوكيات داخل وخارج الصف، كما يمكنهم استخدام أسلوب التعلم التعاوني لمساعدة الطلبة المنعزلين وتشجيع العمل الجماعي. ثم يأتي دور المشرف الاجتماعي الذي بدوره يمكن أن يضع برنامجا تدريبياً لكي يعلم التلاميذ كيف يضبطون انفعالاتهم؟ وكيف يمكنهم حل مشاكلهم بعيداً عن استخدام القوة؟.. هذا بالإضافة إلى تدريب التلاميذ على كيفية مساعدة زملائهم في حال تعرضهم للأذى وكيف يقفون صفاً واحداً ضد هذا النوع من التصرفات اللاعقلانية؟ مما يساهم في توفير جو آمن للجميع.
وفي النهاية أعود وأكرر أن مشكلة الأذى الجسدي والنفسي التي يتعرض لها بعض التلاميذ في مدارسنا مشكلة ذات تأثير قوي قد يعطل نموهم الأكاديمي والاجتماعي، لذا يجب علينا أن نتدخل فوراً كي نستطيع تأمين بيئة خالية من الخوف والرعب، حيث يستطيع جميع أبنائنا التعلم والنمو السليم. إن عدم الاعتراف بوجود هذه المشكلة أو اعتبارها مشكلة الآخرين وليست مشكلة "ابني" أو "ابنتي"، سوف يساهم في ضياع الفرصة للقضاء عليها... ومن ثم يكبر هؤلاء التلاميذ ويدخلون المرحلة المتوسطة ومن ثم الثانوية فيتطورعنفهم إلى أن يظهر في صورة تحد للمعلمين والإدارة، وأحياناً التعدي عليهم، وإلى نشر عنفهم خارج أسوار المدارس في الشوارع والأحياء.