كيف يتم التعلم ؟!

نظريات التعلم:

لابد لكل كائن حي من مزاولة نشاط للحصول على مقومات الحياة من البيئة المحيطة به. فهو يسعى مدفوعاً بدوافعه وحوافزه النفسية للحصول على حاجاته الجسمية والنفسية والاجتماعية المختلفة، وبذلك تعمل هذه الدوافع على إرضاء حاجات الإنسان الحيوية حتى يتسنى له التكيف مع البيئة.

ولما كانت حاجات الإنسان مختلفة وتتنوع باختلاف نموه وظروفه النفسية والاجتماعية، وكان أغلبها يرجع إلى حاجته إلى الأمن والبقاء والحصول على الرفاهية، نزع الإنسان الأول إلى البحث عن قوته ليرضي حاجته من الغذاء، ونزع إلى بناء المأوى ليأمن شر الحيوانات المفترسة وتقلبات الجو، واتجه نحو الاجتماع بغيره ليشعر بالانتماء إلى الجماعة ...إلخ.

وفي أثناء حصول الإنسان على حاجاته ومقاومته للطبيعة وتوافقه معها ومع أمثاله من الأفراد بفضل ما له من ذكاء فإنه يكتسب خبرات ويحصل على تجارب تترك أثرها في الذاكرة حتى يتسنى له استخدامها كلما احتاج إليها. ويرى الفيلسوف الأمريكي (جون ديوي) أن الإنسان لا يشط إلى العمل والتفكير إلا إذا واجه مشكلة تهدد سير حياته المنتظم، فإنك إذا وجدت طعامك كل يوم حاضراً فإنك لا تفكر في كيفية الحصول عليه. ولكنك إذا لم تجد غذاءك في يوم ما فإنك ستواجه مشكلة الجوع وتجد نفسك مضطراً للتفكير في كيفية الحصول على الغذاء.

وعلى كل حال، فقد وضعت مجموعة من النظريات التفسيرية التي تبين كيفية حدوث التعلم، ولا يسعنا في هذا المحضر ذكرها هذه النظريات بالتفصيل، ولكن نظراً لأهميتها فسوف نستعرضها بصورة مختصرة قدر الإمكان.


أولاً: نظرية المحاولة والخطأ:

يفسر التعلم وفقاً لهذه النظرية بأنه قيام الفرد بمحاولات في سبيل الحصول على طلب معين، وكلما فشلت محاولة، حاول الشخص مرة أخرى مع عدم تكرار الطريقة الأولى إلى أن يصل إلى الحل الصحيح. ومثال ذلك أنك إذا دخلت غرفة ورأيت مجموعة من الأزرار لإضاءة عدد من المصابيح، وأردت إضاءة مصباح معين فإنك تجرب جميع الأزرار وبالترتيب حتى تصل إلى الزر الخاص بالمصباح المطلوب، وعندئذ تكون قد تعلمت أن هذا الزر دون غيره هو المسبب لإضاءة هذا المصباح. فطريقة المحاولة والخطأ في التعلم تدل على وجود مستوى معين من التفكير إذ يدرك الكائن الحي أنه لابد من المحاولة وإنه إذا فشلت هذه المحاولة فلابد من إعادتها، أما إذا نجحت فانه يحتفظ بأسلوب المحاولة الناجحة، ويطرح الأساليب الفاشلة.


ثانياً: نظرية الاستبصار (كوهلر):

أما هذه النظرية فترى أن التعلم يرجع إلى عامل ذكائي يجعل الطفل يدرك في لحظة خاطفة أن حل المشكلة ليس في تكرار المحاولات وإنما في وظيفة جديدة لها علاقة بالمشكلة.
إن الفضل في وضع هذه النظرية يعود للعالم الألماني (كوهلر) حيث وضع قردا جائعاً قي قفص ووضع موزة خارج القفص بعيدة عن متناوله ولكنها مربوطة بخيط في متناول يده. فحاول القرد في البداية أن يحصل على الموزة بيده إلا أنه لم يتمكن من فعل ذلك حتى أدرك وظيفة الخيط فشده في الحال وحصل على الموزة. وفي تجربة أخرى استعاض كوهلر عن الخيط بعصا فكانت النتيجة أن أدرك القرد الصلة بين العصا ورغبته في الحصول على الموزة فاستخدمها، ونجح في تحقيق رغبته.

وفسّر كوهلر إدراك القرد لوظيفة الخيط والعصا كعنصرين ديناميكيين في الموقف الكلي بأنه استبصار، أي أنه فهم مفاجئ لصيغة ديناميكية متأزرة في حل المشكلة.


ثالثاً: نظرية التعلم الشرطي (بافلوف):

يعود الفضل في وضع هذه النظرية إلى العالم البيولوجي الروسي (بافلوف) الذي وضعها وكرس كامل جهده هو وتلاميذه للتدليل عليها ضمن تجربة كان يجريها على كلب لدراسة العملية الهضمية وتتبع مسيرتها. وكانت نتيجة هذه الدراسة أن وضعت قوانين عامة للاستجابة الشرطية هي:

1. تحدث الاستجابة الشرطية بالتكرار والتعزيز. ومثال ذلك اشتراط بافلوف لوجود منبه محدد كصوت الجرس أو لمسة على القدم أو الجسم أو أي منبه قد يجذب الانتباه دون أن يحدث ازعاجاً، لحدوث الاستجابة اللعابية للكلب.
2. تنطفئ الاستجابة الشرطية بسهولة.
3. يمكن استعادة الاستجابة الشرطية بالتكرار دون التعزيز.
4. يمكن أن ينتقل المنبه غير الشرطي إلى منبه شرطي آخر بفضل التعزيز، ثم يتحول المنبه الشرطي إلى غير شرطي وينتقل تأثيره إلى منبه شرطي آخر، ولكن تكون الاستجابة الشرطية في المنبه الثاني أقل منها في المنبه الأول.
5. يكون التعلم الشرطي بالتعميم، ومثال ذلك تعلم الكلب التمييز بين ذبذبات صوتية متقاربة.
6. إن الاستجابة الشرطية ترتبط مع المنبه الشرطي بزمن محدد.