كلمة الوزير في لقاء الأربعاء 6 ربيع الأول 1424هـ

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه .. وبعد :
1 - فإن تجديد التكليف والتشريف الذي وجّه به ولي الأمر ، وهو – بحمد الله – استمرار لثقة غالية ، لا يمكن أن يستحقها شخص بمفرده مهما علت كفاءته ، إنها – أيها الأخوة – ثقة متجددة بكم جميعًا ، وثناء عليكم جميعًا ، فالنجاح الذي تحقق ، والإنجاز الذي تمّ ، كان أولاً بفضل الله ، ثم بجهودكم أنتم ، وإخلاصكم ، وتفانيكم ، وما أنا إلا واحد منكم ، فشكر الله لكم ، وجزاكم أحسن الجزاء ،وزادكم توفيقًا وعطاءً.
2 - إن التسمية مظهر ، والمظهر عنوان على الجوهر ، وقد جاء تغيير اسم الوزارة إلى ( التربية والتعليم ) بدلاً من ( المعارف ) ليكون أكثر دلالةً على حقيقتها ، وأشدَّ إيضاحًا لوظيفتها؛ فالتعليم ركنه الشاملُ هو المعرفة ، والتربية أساسها الأول التعليمُ ، وهدفنا جميعًا هو : التربية والتعليم .
3 - التربية التي ننشدها مستقاةٌ جملةً وتفصيلاً من الدين الإسلامي الحنيف في أصوله وفروعه ، لذا فهي تسعى لإعداد الإنسان المسلم الصالح ، والمواطن المخلص الصالح.
الإنسان الذي نريده هو الذي يعبد الله على بصيرة ، ويؤدي شعائر دينه كاملة غير منقوصة ، يأتمر بأوامر الله، وينتهي بنواهيه. وتظره في سلوكه آثار تربيتنا الإسلامية لـه وتعليمنا إياه ، وهو الذي يفخر ويشرف بالانتساب إلى دينه العظيم ، متمثلاً دائمًا قول الفاروق رضي الله عنه : " نحن قوم أعزّنا الله بالإسلام ، ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلّنا الله" .
4 - إنني أقطع قطعًا ، وأجزم جزمًا أن السبب الأول لتخلّف أمتنا عن المكانة الجديرة بها هو عدم تخلّقها بالإسلام ، وتمسكها بفضائله . ومع أن بذور هذه الفضائل لا تزال موجودةً فينا بحمد الله ، لكنها ليست بالقوة اللازمة لترتفع بها الأمة ، إن تلك الفضائل تتمثل بالصفاء والنقاء في السريرة ، والاستقامة في السلوك والسّيرة . تتمثل في حبّ العمل وإتقانه ، وفي الصدق ، والأمانة ، والعدل ، والتسامح ، والمودة ، والرحمة ، والتعاون ، والتآلف ... فلْنقوِّمْ أعمالنا في مجال التربية والتعليم وفق هذه المعايير ، فإن أدت إليها فنحن على صواب ، وإن لم تؤدّ إليها فلنبحث عن الخلل ‍ ولنجعل الله تعالى غايتنا في كل خطوة نخطوها ، فإنه عندئذ لن يضيّعنا ، ولن يكلنا إلى أنفسنا .
5 - وإن من أهمّ أركان تعليمنا : اللغةَ العربيةَ المجيدة ، ولا أقبل عذرًا – كائنًا ما كان – في أن تكون مناهجنا ، أو طرق تدريسنا لهذه اللغة العبقرية متخلِّفةً عن تحقيق مقاصدنا . إن قرآننا عربي ، ورسولَنا الأكرمَ ، صلى الله عليه وسلم ، عربي ، وإن من أجلّ نعم الله علينا أن لساننا عربي : نعمةٌ لم نبذل أي جهد في تحصيلها ، فلماذا لا نؤدي حقها من الشكر بحسن رعايتها والعناية بها : تعلّمًا ، وتعليمًا ، وحديثًا ، وكتابة ، وتذوقًا لذخائرها المكنونة ، وروائعها المصونة؟‍ .
فلنبذل الجهدَ كلَّه في تطوير أساليبنا ، وتحبيب ناشئتنا بلغة القرآن ، لتستقيم بها ألسنتهم وأقلامهم ، وتُصقَلَ بها عقولهم وملكات تفكيرهم ، فقد قال العالِمون : إن اللغة للتفكير كالأرقام للحساب ، فكما أنه لا يمكن أن نتصور عملية حسابية بدون أرقام ، كذلك لا يمكننا أن نتصور أفكارًا بدون لغة .
6 - كذلك لا بد في تربية المواطن الصالح من أن يُغرس في قلبه حبَ وطنه ، ومعرفته لمكانته وإمكاناته ، ولتاريخه ، وحاضره ، واستشرافه لمستقبله . وهذه أمور يجب أن تبنى على العلم لا على الدعاوى والأماني ، ومن أهمّ ما يبعث روح القوة في نفوس الناشئة استشعارهم أنهم جزءٌ من الأمة الإسلامية الكبرى، وأنهم يَشْرُفون بخدمة أطهر البقاع التي تهفو إليها أفئدة ملايينها.
7 - إنّ واجبنا أنْ نأخذ بأسباب القوة دائمًا وأن نزاحم الأمم بالمناكب ، وعلى الأخص في هذه الحقبة التي يعيشها العالم اليوم، وأهم أركان القوة في نظري هي على الترتيب الآتي :
العقيدة الصحيحة ، والخلق القويم ، والتعاون والتآزر ، نعزز ذلك بامتلاك ناصية العلم والتقانة ، ونركز عليهما في برامج تعليمنا ومناهجه متابعين لكل جديد فيهما ، لأنهما أهم أركان القوة المادية التي نحن مطالبون بإعدادها.
8 - إن ( مدرسة اليوم ) تواجه تحديات ما كانت تعرفها ( مدرسة الأمس ) ، هي – بعد الأسرة – أهمّ مؤسسة تربوية في تحقيق الغايات التي أشرنا إلي بعضها . وركن المدرسة الركين : مديرها ومعلّموها : أما المدير فهو قائد السفينة ، والمشرف التربوي المقيم فيها ... وأما المعلمون فهم الذي يصنعون – بتوفيق الله – من الخامات المتاحة : النابهين ، والنابغين ، والمتميزين ، بل يصنعون مستقبل الأمة كلها بعون الله . فلننظر إلى واقعنا : نصلح ما يمكن إصلاحه ونرشد من يحتاج من المربين إلى إرشاد، وندرب من يحتاج إلى تدريب ، ونأخذ بيد المجيدين ليعطوا المزيد، ونستبعد من تقضي المصلحة استبعاده ، ونراقب في ذلك الله أولاً ، نبتغي خير الناشئة ، ونطبق المعايير الموضوعية العلمية دون اتباع للعواطف والمجاملات.
ولأنّ المدرسة هي المَحْضِنُ الأهمُّ للناشئة ؛ لذا يجب أن نتأكد من أنها تربي الطالب داخل مجتمعها الصغير تربية سليمة : تقدح زناد فكرة ، وتشعل في نفسه جذوة الشوق للمعرفة ، وتفجّر مواهبه ، وتعلّمه أدب الحوار ، وفقه الاختلاف ، واحترام آراء الآخرين ، فهي مطالبة أن تكون دائمًا جاذبة غير نابذة ، مغرية غير منفرة ، مقرّبة غير مُبعِدة.
9 - ومما يساعدنا على تحقيق غاياتنا أن تسود بيننا – في أماكن عملنا وخارجّها – أجواء الأخوة والتوادد والعمل بروح الفريق. إن ما يُسمى " البيروقراطية " هو عندي أشبه ما يكون بحبل ممدود ، فرجل يأخذه ويقيد به نفسه أو غيره ، فيعيق حركته ، ويعطل مصلحته ، وآخر يشدّه ويتسلق عليه نحو ما يريد الوصول إليه .
10 - أذكرّ نفسي وإخواني بأهمية أن نتصف جميعًا بالشفافية والصفاء فلا نظهر خلاف ما نبطن ، ولا نكتم ما ينبغي أن نعلن ؛ ذلك أن حرية التعبير عن الرأي مكفولة للجميع ، وليس من واجب أحد أن (يقتنع) برأي (رئيسه) في العمل . دعونا نناقش الأمور طلبًا للحقيقة لا ابتغاءً للغَلَبة ، وبعد أن يدلي كل واحد بحجته ، ويَتَّخذَ القرار ، فلا بد من تنفيذه ، حتى من قِبَل المعارضين له . وهذا يتيح لكل صاحب اقتراح أن يطرحه ، ولكل من عنده فكرة رائدة أن يبديها ، ولكل مبدع أن يعرض إبداعه ، والمجموعة تأخذ من كل شيء أحسنه .
11 - كما علينا أن لا نحمّل ما يقوله الآخرون مالا يحتمل من المعاني ، لأنَّ أقوالهم تخالف رأينا واقتناعنا ، فنسيء الظن بهم ، ونكون - بقصد أو بدون قصد – محققين قول أبي الطيب المتنبي :

إذ ساء فعل المرء ساءت ظنونه وصدق ما يعتاده من توهــم
12 - والبذرة الأولى للتربية كامنة في " التعليم قبل المدرسي " ، لذا علينا بذل غاية الجهد لتنفيذ قرار اللجنة العليا لسياسة التعليم الذي تُوّج بموافقة المقام السامي بجعل رياض الأطفال مسؤولية هذه الوزارة ، وتعميمها في جميع أنحاء المملكة ، وجعلها متاحة للأطفال كافة .

13 - إن التغيّر هو سنة الحياة ، لذا فنحن مطالبون بالاستمرار في تطويرنا للبرامج والمناهج والوسائل والمباني والتجهيزات . كلّها أمور ضرورية لا يستغني عن أحدها.

14 - أما المسؤولون في الجهاز المركزي – وأنتم أيها الأخوة الكرام معنيون أولاً بهذا الكلام – فهم إلى جانب التخطيط والتوجيه لمن هم في الميدان من : الطلاب والمعلمين والمديرين وسواهم ... لابد لهم من الصلة المستمرة بهم ، وتلقي المعلومات والخبرات ، والاستجابات ، والآراء ، والاقتراحات منهم ، وتحليلها ، والاستفادة منها ، لأننا جميعًا في نهاية المطاف نعمل لمصلحتهم وفي خدمتهم.

15 - وفقنا الله جميعًا إلى كل ما يرضيه عنا في القول والعمل ، وإلى كل ما فيه رفعة شأن ديننا ووطننا ، وجزى عنا أولي أمرنا خير الجزاء ، وأخذ بنواصيهم إلى الخير ، وزادهم من فضله وتأييده .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وزيـر التربية والتعليـم

محمد بن أحمد الرشيد