بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة لفضيلة ال*** : عبد الوهاب العمري
بتاريخ 7 – 1 – 1433 هـ
بعنوان [ حديث فيم يختصم الملأ الأعلى]
[الجزء الأول – الخطبة الأولى]
بدأ فضيلته بحمد الله والثناء عليه وتمجيده وتوحيده والصلاة والسلام على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم , ثم قال بعد ذلك
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )) ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )) .
أما بعد عباد الله : أوصيكم ونفسي بتقوى الله فهي خير الزاد وخيرلباس وخير ماينفعك في المعاد واعلم عبدالله أن الله قدأعظم عليك المنة إذ فضلك على كثير من خلقه إذجعلك من المسلمين وجعلك من أتباع محمد الأمين صلى الله عليه وآله وأصحابه والتابعين , فاذكر نعمة الله عليك واستمسك بهذا الفضل من الله عزوجل وكن عليه حتى تلقاه فكل نعمة تصغر عند هذه النعمة وكل مصيبة تهون مع هذه النعمة , اللهم اهدنا صراطاً قويماً اللهم اهدنا صراطاً قويماً والزمنا دينك الذي اخترته لعبادك حتى نلقاك يارب العالمين .
أحبتي في الله كنت في خطبة الجمعة الماضية ذكرت استشهاداً حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذكر [ الكفارات والدرجات ] لكونه حديث عظيم أمرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم بأن نتدارسه ونتعلمه أحببت أن نقف عنده في هذه الخطبة نسأل الله أن ينفعنابه إنه على كل شيء قدير فقد خرج الإمام أحمد رحمه الله في مسنده من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : (( احتبس عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة في صلاة الصبح حتى كدنا نتراءى قرن الشمس فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعاً فثوب بالصلاة فصلى وتجوز في صلاة الصبح فلما سلم قال : كما أنتم على مصافكم ثم أقبل إلينا فقال : سأحدثكم ماحبسني عنكم الغداة إني قمت من الليل فصليت ماقدر لي فنعست في صلاتي فاستثقلت فإذا أنا بربي عزوجل في أحسن صورة فقال : يامحمد فيم يختصم الملأ الأعلى فقلت: لاأدري أي ربي فقال : يامحمد فيم يختصم الملأ الأعلى قلت لاأدري أي ربي قال : يامحمد فيم يختصم الملأ الأعلى قلت لاأدري أي ربي , فرأيته وضع كفه بين كتفي وحتى وجدت برد أنامله في صدري وتجلى لي كل شيء وعرفت فقال : يامحمد فيم يختصم الملأ الأعلى , قلت في الكفارات والدرجات قال : وماالكفارات , قلت نقل الأقدام إلى الجمعات وفي لفظ إلى الجماعات , والجلوس بعد الصلوات , وإسباغ الوضوء على الكريهات وفي لفظ إسباغ الوضوء في السبورات , فقال وماالدرجات فقلت : إطعام الطعام ولين الكلام وفي لفظ وإفشاء السلام والصلاة بالليل والناس نيام , فقال : سل فقلت : اللهم إني أسألك فعل الخيرات , وترك المنكرات ، وحب المساكين ، وأن تغفر لي وترحمني ، وإذأردت فتنة في قوم فتوفني غير مفتون ، وأسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربني إلى حبك ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنها حق ، فادرسوها وتعلموها )) .
وقد خرج هذا الحديث الإمام الترمذي رحمه الله فقال حسن صحيح وقد سألت الإمام البخاري فقال : حديث حسن صحيح ، اللهم لك الحمد ماأعظم فضلك وما أكثر منتك ، اللهم اجعلنا شاكرين اللهم اجعلنا شاكرين اللهم اجعلنا شاكرين .
أيها الأخوة هذا الحديث يفيد فوائد كثيرة وأحكاماً عظيمة فهذا رسولكم صلى الله عليه وسلم انتظره الناس في صلاة الفجر ليخرج كعادته ، فإن من عادته صلى الله عليه وسلم أن يصلي الفجر في أول وقته يصلي ( بغلس ) أي في شدة الظلام قبل أن يبين النور وينتشر هكذا كانت عادته صلى الله عليه وسلم لكنه في ذلك اليوم تأخر عنهم وانتظروه صلى الله عليه وسلم فهاتنان فائدتان . الأولى : أن السنة أن يصلي الفجر في أول وقته قبل أن ينتشر النور . والثانية : أن الجماعة ينتظرون إمامهم ولايستعجلون في الإقامة حتى يخرج إليهم إلاإذا علموا أنه لن يخرج أو أنه غير موجود أو أذن لهم مسبقاً إذا تأخر عنهم مدة معلومة هكذا السنة عباد الله ، ثم صلى بهم صلى الله عليه وسلم فإنه لما خرج ثوب بالصلاة أي أقيمت الصلاة فصلى بهم فتجوز في صلاته أي صلاها صلاة أخف مما اعتادوه فإن صلاة الفجر تختص بأنها طويلة فكان صلى الله عليه وسلم يطيل القراءة في صلاة الفجر وصلاة الفجر على الخصوص ركعتين ليست كغيرها لأنه يشرع فيها تطويل القراءة عن غيرها وهذه السنة التي هجرها كثير من الناس لكنه لما تأخر صلى الله عليه وسلم وخشي أن يخرج الوقت قبل أن ينتهي من صلاته خففها على غير عادة صلى الله عليه وسلم فتجوز فيها أي خففها ولما سلم صلى الله عليه وسلم قال لهم على مصافكم أي انتظروا لاتقوموا وابقوا على صفوفكم ثم انحرف والتفت إليهم صلى الله عليه وسلم وهذا يدل على أنه يجوز للمصلين إذا كان لهم حاجة في الإسراع أن يخرجوا بعد السلام ، ولكن الأفضل انتظار الصلاة بعد الصلاة والجلوس في المساجد بعد الصلوات فهي عبادة مستقلة فلما التفت إليهم صلى الله عليه وسلم أخبرهم بسبب تأخره وهذا فيه مظهر من مظاهر حسن خلقه صلى الله عليه وسلم إذيعتذر إذا أثقل على الناس وهم ينتظرونه ، ويطيب خواطر الناس إذا أثقل عليهم في شيء من الأمور على غير عادة وهذا من حسن الخلق وينبغي لكل إمام مسجد أن يكون حسن الأخلاق مع مصلي المسجد يعتذر إذا أثقل عليهم ويبين لهم ماأشكل منه عليهم وإذا عمل عملاً لايعرفوه علمهم فإن رسولنا صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك ثم أنه صلى الله عليه وسلم أخبرهم فقال : إني قمت من الليل فصليت ماقدر لي وفي هذا كشف لبعض أعماله السرية في بيته صلى الله عليه وسلم فإن صلاتك أيها المسلم من الليل في بيتك من الصلاة التي لايطلع عليها أحد غيرك أوبعض أهل بيتك فيسن أن تبقى سرية لايعلم بها إلاالله عزوجل فهي من الخبايا التي تجعلها خبيئة بينك وبين الله تجدها خالصةً خاليةً من الرياء والسمعة لكن لابأس بأن يبين الإنسان بعض عمله السري إذاكان له عذره لكي يقتدي به من يجب أن يعلم من أهله أوتلاميذه أومن أصحابه أو ليبين أمراً تتابع تلو هذا العمل السري يجب تبيينه لهم وإلا فالمسلم ينبغي أن يكون عمله خالصاً لله عزوجل لايريد به رياءً ولاسمعةً ، قال صلى الله عليه وسلم : فنعست في صلاتي فاستثقلت أي أنه من طول قيامه أوجلوسه صلى الله عليه وسلم أصابه نعاس والنعاس أول النوم ثم يأتي بعد ذلك الإستغراق في النوم وهوالإستثقال وهذا ماجرى لرسولنا صلى الله عليه وسلم فهو كغيره من البشر عليه الصلاة والسلام ينعس في صلاته إذا طال عليه المقام وقد يعرض له النسيان كما حصل في أحاديث كثيرة وهو الذي يقول إنما أنا بشر فإذا نسيت فذكروني صلى الله عليه وسلم وقد جاء في الحديث وجاء في الأثر : (( أن الرجل إذا قام إلى صلاته من الليل ثم غلبته عينه فنام باهى الله به الملائكة وقال هذا عبدي في طاعتي وروحه في طاعتي وروحه عندي ، فالمؤمن عندما ينام تذهب روحه إلى الله عزوجل فكيف بعبد بين هذين المقامين المقام الحسي أنه في مصلاه بين يدي الله والمقام المعنوي وهو أن روحه عند الله فوق العرش لاإله إلاالله أي كرامة للمؤمن أعظم من هذه الكرامة . صل ياعبد الله من الليل فإن استثقل رأسك فأنت على خير إن كملت وإن نمت نسأل الله من فضله ، قال صلى الله عليه وسلم : فإذا بربي رآه عزوجل ورؤيا الأنبياء وحي يوحى ، ورأى ربه عزوجل وقام يخبرهم صلى الله عليه وسلم بما راى لأنها رؤياعظيمة لاتخصه صلى الله عليه وسلم بل هي عامة للمسلمين وفي هذا إعلام بسنة أن المؤمن إذا رأى رؤيا حسنة استبشر بها وللناس فيها خير سُن له أن يخبر بها من يحب كما جاء في أحاديث أخرى ، فإن كانت تحتوي على مالايحب أوعلى أمريكره أو أمر يخيف فالسُنة أن لا يخبر بها أحد ولايعبرها فإن رسولنا صلى الله عليه وسلم أرشد إلى ذلك فإذا رأيت في نومك ماتكره فلاتلتفت إليه ولاتخبر به أحداً واستعذ بالله من شرها وتحول عن حالك فإنها لاتضرك بإذن الله ، أما ماترى مماتحب لنفسك أو للمسلمين فاخبر به من يحبك خاصة ولاتعرض رؤياك على من يحسدك ولاعلى من يكرهك ولاعلى من تعرف حاله وهذه من آداب الرؤى التي تفوت على كثير من الناس ، فأخبر نبينا صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث وسمعه المسلمون منه في المسجد وحدثنا به أصحابه رضي الله عنهم فإن هذا الحديث مروي عن معاذ ومروي عن أبي ذر ومروي عن عبدالله بن عباس ومروي عن عدد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذا كثرت ألفاظه وكل منه سمع وعبر بلفظه فاختلفوا في الألفاظ فهذه رواية عن الإمام أحمد بسنده عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال فيها : فإذا بربي عزوجل في أحسن صورة رأى الله عزوجل في صورته والله سبحانه وتعالى له الصفات العلى وله الأسماء الحسنى وله الكمال المطلق وهو المنزه عن كل نقص تبارك وتعالى ، فقال الله لرسوله صلى الله عليه وسلم : يامحمد فيم يختصم الملأ الأعلى أي تكريم وتعظيم أكرم من هذا المقام لرسولنا صلى الله عليه وسلم أن يكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان ، هذه من المقامات العليا لرسولنا صلى الله عليه وسلم ثم الحديث يثبت أن لله صورة والحديث يثبت أن الله يتكلم ولايزال يتكلم متى شاء بما شاء كيف شاء بكلام مسموع له صوت وحرف لاكما يقول المعطلون والمبطلون قال صلى الله عليه وسلم : قلت لاأدري أي ربي : يعني يارب لاأدري فهو تودد في الجواب مقابل لفضل الله عزوجل في السؤال بمايناديه بالتحبب يامحمد فناداه باسمه واسمه أخص من كل وصف فلم يقل ياعبدي ولم يقل يارسولي وإنما ناداه باسمه يامحمد اللهم صل وسلم على محمد فقال لاأدري أي ربي قال فيم يختصم الملأ الأعلى قال : لاأدري أي ربي قال فيم يختصم الملأ الأعلى قال : لاأدري أي ربي ثلاث مرات ليعلم محمد صلى الله عليه وسلم ثم ليعلم الناس أنه لاعلم بما في الغيب إلامن علم الله (( فلايظهر على غيبه أحدا إلامن ارتضى من رسول )) ولذا أمر الله رسوله أن يقول : (( وقل رب زني علما )) وفوق كل ذي علم عليم ومهما علم الخلق معلمهم لايساوي شيئا في علم الله عزوجل ، قال صلى الله عليه وسلم : فرأيته وضع كفه بين كتفي فوجدت برد أنامله في صدري اللهم صل وسلم على رسول الله ، وضع الله كفه بين كتفي رسولنا صلى الله عليه وسلم من الخلف فكان لحلاوة وضع كفه أن وجد برد أنامله في صدره من الأمام , وقد جاء في لفظ آخر قال : وتجلى لي كل شئ وعرفت أي بهذا الوضع كشف الله له ملكوت السماوات والأرض , كما فعل إبراهيم عليه السلام , وكلمه في هذا الحديث كما كلم موسى عليه سلام الله فكشف الله لرسوله مافي السماوات ومافي الأرض , وقد جاء في الحديث أن الله جلى لإبراهيم عليه السلام في قصة هجره لأصنام قومه (( كذلك لنري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض )) أن الله كشف له مافي السماوات والأرض . إلا الخمس التي لايعلمها إلا الله اللهم صل على رسول الله فبهذا عرف رسول الله ماكان جارياً قبل عندما سأله ربه ليعلمه قال : فيم يختصم الملأ الأعلى يامحمد , وهذا ياعباد الله يثبت أن لله سبحانه وتعالى يد وأن يده لها كف وأن كفه لها أنامل كل ذلك نثبته كما جاء عن الله وعن رسوله بلاتمثيل ولاتكييف ولاتعطيل , بل كما جاء عن الله عزوجل وهذا هو شأن أهل الإيمان فيما يشكل عليهم من هذه الأحاديث أن يرد علمه إلى الله كما قال الله عزوجل : (( والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا )) نوقن تمام اليقين أن الله لايشبهه خلقه ولايتشبه به شئ من خلقه ونثبت له من الصفات مايليق به سبحانه ومن غير تمثيل ولاتعطيل ولاتكييف ولاتشبيه نعم وهذه الآيات والأحاديث يثبتها أهل السنة والجماعة كماجاءت ويؤمنون بها على حقيقتها كمايليق بالله عزوجل , جلس ابن عباس رضي الله عنه يعلم الناس فذكر شيئاً من هذه الأحاديث وكان في مجلسه أحد أهل البدع فانتفظ كأنه عصفور كراهية ذكر صفات الله عزوجل فقال رضي الله عنه وأرضاه : مابال هؤلاء القوم يرقون عند محكه ويزلفون عند متشابهه أما أهل الإيمان الذين لاغيض في قلوبهم فيقولون : (( آمنابه كل من عند ربنا ومايذكر إلاأولوا الألباب )) , فأجاب بعدها رسولنا صلى الله عليه وسلم فقال : فيم يختصم الملأ الأعلى , الملأ الأعلى : هم الملائكة يختصمون أي الملائكة أوقيل هم الطبقة العليا من الملائكة حملة العرش ومن حوله يختصمون أي يتجادلون ويتناقشون ويتراجعون . ماهي الكفارات وماهي الدرجات قال : في الكفارات والدرجات نعم عباد الله : إن أعلى الملائكة مرتبة عند الله وأقدرهم على مايأمرهم به الله وأخصهم بالمرتبة قرباً من الله مشغولين بمصالح المسلمين بعد توحيدهم لرب العالمين , عندما قال الله في سورة غافر (( الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شئ رحمة وعلماً فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم )) وهنا يخبرنا الله ويخبرنا بعده رسولنا صلى الله عليه وسلم أنهم عليهم السلام مشغولين بما فيه مصلحتنا من الكفارات والدرجات . قال قلت : في الكفارات والدرجات , قال تعالى : وما الكفارات قلت : الكفارات نقل الأقدام إلى الجمعات والجلوس في المساجد بعد الصلوات وإسباغ الوضوء على الكريهات . نعم عباد الله : الدرجات والكفارات هي مشغلة للملائكة في الدرجات العلا عليهم سلام الله وهي أي الكفارات : نقل الأقدام إلى الجمعات وفي لفظ إلى الجماعات وهذه من نعم الله العظيمات التي من بها على المسلمين أن شرع لهم الصلوات في المساجد فإنك ياعبد الله حينما تخرج من بيتك خارجاً إلى المسجد أو راجعاً من المسجد فأنت تعيش في كفارات تكفر بها السيئات وت**ب بها الحسنات وترفع بها في الدرجات إذ بكل خطوة تخطوها إلى المسجد يرفع لك بها درجة ويحط عنك بها سيئة ويكتب لك بها حسنة ولذا كان السلف عليهم رضوان الله إذا مشوا إلى المساجد قاصروا الخطى طمعاً في زيادة العدد , كان رجل يمشي إلى مسجد رسول صلى الله عليه وسلم من مكان بعيد ولايفوته صلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له الصحابة : لواشتريت ****اً لتركب عليه إذا أتيت إلى المسجد للتقي الهوام والنكبات في الظلمات , فقال رضي الله عنه وأرضاه كما في حديث أبوهريرة عن أبي بن كعب : إني أحتسب على الله أوبتي كماأحتسب عليه ذهابي إلى المسجد فسمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : (( إن ذلك كتب لك كله)) , ولما سمع من بني سلمة أنهم يريدون أن ينتقلوا من بيوتهم إلى جوار مسجده صلى الله عليه وسلم قال : (( يابني سلمة دياركم تكتب آثاركم )) دياركم : أي ابقوا في دياركم واستكثروا الخطى إلى المساجد فإنها تكتب في آثاركم , وكانت سنة رسول الله الحضور إلى المسجد صلى الله عليه وسلم فهذه من النعم العظيمة التي حرم منها كثير من الناس فيبحث عن أي سبب للتقاعس عن الحضور إلى المسجد والصلاة فيه متعذراً ببعد الدار ونحن في زمن عبدت فيه شوارعنا وأنيرت واصبحنا في خير عظيم من الله عزوجل ولاخوف ولاهم ولاحزن ولابرد ولاوحل ولاطين فما أعذارنا , أيها المسلمون في الحديث : (( بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة )) يفزع الناس ولايفزعون , يفزع الناس يوم القيامة وأما أهل المشي إلى المساجد في الظلمات فلايحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة , هل يفوز بها من فضلوا المراتب والمراقد على صلاة الفجر ثم قاموا فنقروها نقر الغراب , هل يفوز بهذا من تعمد أن يقوم إلى الصلاة إلا مع ساعة الخروج إلى العمل وقد طلعت الشمس فيتوضأ فلايسبغ وينقرها لاخشوع فيها ويؤديها مجاملةً روتيناً كما يقولون , هل يفوز بهذه المكاسب العظيمة إن هذا فضل الله يؤتيه من يشاء والله تعالى يقول عن أولئك : (( تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون * فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاءً بما كانوا يعملون )) قال كثير من اهل العلم تتجافى جنوبهم عن المضاجع بقيامهم إلى صلاة الفجر , فلماذا نستثقل عباد الله لماذا نتكاسل وعلى الخصوص صلاة الفجر يوم الجمعة والخميس عندما تقضى ليالي الإجازات في السهرات الضائعات ثم يرجع فيرمي نفسه قبيل الفجر فلايستيقظ لصلاة الفجر كم فاتك من الخير , وافضل الصلوات على الإطلاق كما جاء في الحديث الصحيح صلاة الفجر يوم الجمعة , ألافاتقوا الله عباد الله .
قال صلى الله عليه وسلم : والجلوس في المساجد بعد الصلوات .
جلوسك في المسجد عبادة سواءً وأنت تنتظر الصلاة لتقام أو وأنت تنتظر بعد الصلاة لتأتي الصلاة الأخرى أو لتسمع درساً أو لتجلس لذكر الله عزوجل والخلوة به وهي من أعظم العبادات عند الله عزوجل , جاء في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنه : (( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من بيته بعد صلاة المغرب مسرعاً وقد ارتفع نفسه وحسر عن ركبته صلى الله عليه وسلم لسرعتة حتى وقف على حلقة في المسجد جلوس فقال : مالذي أجلسكم هنا قالوا : يارسول الله جلسنا نتذاكر نعمة الله علينا بالإسلام وماكنا عليه في الجاهلية وننتظر الصلاة قال : آلله ماأجلسكم إلاهذا قالوا : والله ماأجلسنا إلاهذا كررها ثلاثاً صلى الله عليه وسلم ثم قال أما إني لا أكذبكم ولكن الله أوحي إلي أنه يباهي بكم ملائكته . جلستك في المسجد عبادة وقد جاء فيها احاديث كثيرة ولا أريد الإطالة عليكم وللحديث إن شاء الله بقية نسأل الله عزوجل أن ينفعنا وإياكم بما علمنا وأن يجعلنا هداة مهديين أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم .


[الخطبة الثانية من الجزء الأول ]
من خطبة بعنوان [ حديث فيم يختصم الملأ الأعلى ]

الحمد لله وصلى الله وسلم على خير خلق الله سيد ولد آدم أول شافع وأول من ينشق عنه قبره يوم القيامة صلى الله عليه وآله واصحابه وسلم تسليماً كثيراً , أما بعد عباد الله :
ذكر رسولنا صلى الله عليه وسلم في إجابته على سؤال ربه ما الكفارات ذكر الكفارة الثالثة : وهي ( إسباغ الوضوء على الكريهات ) , وجاء في لفظ إسباغ الوضوء في السبورات وإسباغ الوضوء : إكماله وإبلاغه المبلغ الشرعي في أعضاء الوضوء , فالوجه من منابت الشعر إلى ماانحدر من الذقن طولاً ومن الأذن إلى الأذن عرضاً واليدين غسلها بأن تغسلها حتى تبلغ بها مافوق المرفقين فتدخل المرفقين فيها ولاتستعجل فتنسى المرفقين فتتركها بياضاً ومسح الرأس بأن تبل يدك في الماء فتقبل بها وتدبر إلى القفا ذهاباً وإياباً تدخل السبابتين في الأذنين وتجعل الإبهامين من على الصماخين فتديرها عليها مرة واحدة , وغسل القدمين بأن تغسل القدمين إلى الكعبين والكعبان هما العظمان الناتئان بين الساق والقدم فتدخلهما في المغسول فإذا بلغت في الماء ذلك كله ولم تترك فيه لمعة فقد أسبغت الوضوء أسبغت الوضوء وهو من اعظم القربات إلى الله عزوجل .
استعجل الصحابة في سفر فسبقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الماء فتوضؤا سراعاً قبل ان يلحق بهم الجيش فجاء إليهم عليه الصلاة والسلام فرأى أقدامهم تلوح لم يصب مؤخرتها الماء فنادى بصوت عال (( ويل للأعقاب من النار ويل للأعقاب من النار )) , ودخل المسجد فجاءه رجل قدتوضأ فدخل فكبر فرأى في رجله لمعة مثل الدرهم فقال : (( ارجع فتوض فإنك لم تتوضأ )) فإسباغ الوضوء على الكريهات أي على المفروضات في الوضوء وقديكون إسباغ الماء مكروهاً في البرد حينما يشتد عليك برد الماء وتكره أن يصيب بعض أعضاء جسدك فإذا تذكرت أنها عبادة لله واستعملت نعمة الله عليك في أداء حقه فزت بهذه الكفارة العظيمة فنبينا صلى الله عليه وسلم ذكر في احاديث كثيرة كثيرة كثيرة : أن الوضوء يمحوا كل السيئات فإذا توضأت تساقط من وجهك كل ذنب فعلته بعينيك أو بفمك أوبلسانك فتحادر مع قطر الماء وإذا غسلت يديك تحادر مع قطر الماء كل خطيئة **بتها بيدك في أخذك أو إعطائك أو غير ذلك , وإذا مسحت رأسك مسح الله بها كل خطيئة أصبتها في تفكيرك أو في ماتصيبه في هذا الأمر حتى يتحادر مع قطر الماء من شعرك وإذا غسلت قدميك تحادر مع قطر الماء كل خطيئة مشيت إليها بقدميك فتخرج من الذنوب كما ولدتك أمك , والصلاة بعد ذلك نافلة أي زيادة , وفي حديث عثمان عندما جاء بتور فيه ماء فتوضأ أمام الناس رضي الله عنه وهو خليفتهم فتوضأ كوضوء رسول الله ثم قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا ثم قال : (( من توضأ نحو وضوئي هذا ثم قام فصلى ركعتين لايحدث فيها نفسه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه )) . وفي حديث عمر بن عبسة : (( أن المؤمن إذا تمضمض خرج من فمه كل ذنب **به فإذا استنشق خرج من انفه كل ذنب **به بأنفه فإذا غسل وجهه تحادرت ذنوب وجهه مع قطر الماء إلى أن أتم الوضوء ثم قال : ثم قام فصلى ركعتين يحسن قيامها وخشوعها إلارجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه , قالوا ياعمر بن عبسة أنظر ماتقول هذه يخرج بها من ذنوبه كيوم ولدته أمه , قال والله لقد كبر سني ورق عظمي ولولم أسمع هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة إلامرتين إلاثلاث إلى أن عد سبعاً ماحدثتكم بهذا )) هذا فضل الوضوء والكثير يستعجل وقديتوضأ بغير نية وقديصلي بغير وضوء ليجامل الناس وليرائي الناس .
أحبتي في الله الكلام في هذا طويل وممتع وشيق لكن لاأريد أن أطيل عليكم ثم اعلموا رحمكم الله أن يوم الإثنين والثلاثاء القادمة بإذن الله عزوجل من أفضل أيام الصيام للتطوع فهو يوم عاشوراء ولأن هلال هذا الشهر لم يثبت دخوله لكون مابعد مغرب الجمعة الماضية كانت السماء ملبدة بالغيوم في كثير من مناطق المملكة فلم يثبت دخول هلال شهر محرم وبالتالي فإنه يكون هذا الشهر قد بدأ بيوم الأحد لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( فإن غم عليكم فأتموا عدة الشهر ثلاثين يوماً وعليه فيكون يوم عاشوراء يوم الثلاثاء القادم وصوم يوم الإثنين وهويوم التاسع إقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخالف اليهود إذ قال : (( لإن عشت إلى قابل لأصومن التاسع والعاشر )) وهذا اليوم يوم عظيم أعز الله فيه الإسلام وأهله وأذل الله فيه الكفر وأهله إذ أنقذ الله موسى ومن معه واغرق فرعون ومن معه فصامه صلى الله عليه وسلم في مكة ثم صامه في المدينة وامر الناس بصيامه فكان صيامه واجباً ثم نسخ وجوبه بفضل صوم رمضان وبقي على الإستحباب , وكان كثير من الصحابة يأمرون به أمراً أكيداً أن يصام يوم عاشوراء ويأمرون به صبيانهم وأخبر نبينا صلى الله عليه وسلم : (( أن الله يكفر به ذنوب السنة الماضية )) فاحمدوا الله على فضله واجتهدوا في طاعته وتقبلوا نعمة الله التي ساقها إليكم واسألوا الله أن يبلغكم ذلك وقتاً وقبولاً ,
ألا وصلوا على البشير النذير والسراج المنير نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .