صفة الحج والعمرة
أنواع الأنساك :
الأنساك ثلاثة : تمتع ـ إفراد ـ قران .
فالتمتع : أن يُحرم بالعمرة وحدها في أشهر الحج. فإذا وصل مكة طاف وسعى للعمرة وحلق أو قصر . فإذا كان يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجة أحرم بالحج وحده وأتى بجميع أفعاله .
والإفراد : أن يُحرم بالحج وحده، فإذا وصل مكة طاف للقدوم وسعى للحج ولا يحلق ولا يقصّر ولا يحل من إحرامه بل يبقى محرماً حتى يحل بعد رمي جمرة العقبة يوم العيد وإن أخّر سعي الحج إلى ما بعد طواف الحج فلا بأس .
والقران: أن يُحرم بالعمرة والحج جميعاً، أو يُحرم بالعمرة أولاً ثم يدخل الحج عليها قبل الشروع في طوافها، وعمل القارن كعمل المفرد سواء ، إلاَّ أن القارن عليه هدي والمفرد لا هدي عليه .
وأفضل هذه الأنواع الثلاثة التمتع وهو الذي أمر به النبي  أصحابه وحثهم عليه حتى لو أحرم الإنسان قارناً أو مفرداً فإنه يتأكد عليه أن يقلب إحرامه إلى عمره ليصير متمتعاً ولو بعد أن طاف وسعى؛ لأن النبي  لما طاف وسعى عام حجة الوداع ومعه أصحابه أمر كل من ليس معه هدي أن يقلب إحرامه عمرة ويقصر ويحل. وقال  : "لولا أني سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم به" .
صفة العمرة :
إذا أراد أن يُحرم بالعمرة، فالمشروع أن يتجرد من ثيابه ويغتسل كما يغتسل للجنابة ويتطيِّب بأطيب ما يجده من دهن عود أو غيره في رأسه ولحيته ولا يضره بقاء ذلك بعد الإحرام .
والاغتسال عند الإحرام سنة في حق الرجال والنساء حتى الحائض والنفساء .
ثم بعد الاغتسال والتطيب يلبس ثياب الإحرام ثم يصلي غير الحائض والنفساء الفريضة إن كان في وقت فريضة وإلاَّ صلى ركعتين ينوي بها سنة الوضوء .
فإن فرغ من الصلاة أحرم وقال : "لبيك عمرة ـ لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك" . يرفع الرجل صوته بذلك والمرأة تقول بقدر ما يسمع من بجنبها .
وينبغي للمحرم أن يكثر من التلبية خصوصاً عند تغير الأحوال والأزمان مثل أن يعلو مرتفعاً أو ينـزل منخفضاً أو يقبل الليل أو النهار وأن يسأل الله بعدها رضوانه والجنة ويستعيذ برحمته من النار .
والتلبية مشروعة في العمرة من الإحرام إلى أن يبدأ بالطواف وفي الحج من الإحرام إلى أن يبتدئ برمي جمرة العقبة يوم العيد .
فإذا دخل المسجد الحرام قدّم رجله اليمنى وقال : "بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك، أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وبسلطانه القديم من الشيطان الرجيم" .
ثم يتقدم إلى الحجر الأسود ليبتدئ الطواف فيستلم الحجر بيده اليمنى ويقبله فإن لم يتيسر استلامه بيده فإنه يستقبل الحجر ويشير إليه بيده إشارة ولا يقبلها .
والأفضل أن لا يزاحم فيؤذي الناس ويتأذى بهم .
ويقول عند استلام الحجر : "بسم الله والله أكبر، اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك ووفاءً بعهدك واتباعاً لسنة نبيك محمد  ".
ثم يأخذ ذات اليمين ويجعل البيت عن يساره، فإذا بلغ الركن اليماني استلمه من غير تقبيل فإن لم يتيسر فلا يزاحم عليه ويقول بينه وبين الحجر الأسود : "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار اللهم إني أسألك العفو العافية في الدنيا والآخرة".
وكلما مر بالحجر الأسود كبّر .
ويقول في بقية طوافه ما أحب من ذكر ودعاء وقراءة قرآن، فإنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله .
وفي هذا الطواف أعني الطواف أول ما يقدم ينبغي للرجل أن يفعل شيئين :
أحدهما : الاضطباع من ابتداء الطواف إلى انتهائه، وصفة الاضطباع أن يجعل وسط ردائه داخل
إبطه الأيمن وطرفيه على كتفه الأيسر، فإذا فرغ من الطواف أعاد رداءه إلى حالته قبل الطواف؛ لأن الاضطباع محله الطواف فقط .
الثاني : الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى فقط، والرمل إسراع المشي مع مقاربة الخطوات، وأما الأشواط الأربعة الباقية فليس فيها رمل وإنما يمشي كعادته .
فإذا أتم الطواف سبعة أشواط تقدم إلى مقام إبراهيم فقراً : {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}
[سورة البقرة: الآية 125] ثم صلى خلفه ركعتين خفيفتين يقرأ في الأولى : {قُل يأيها الكافرين} [سورة الكافرون] وفي الثانية : {قل هو الله أحد} [سورة الإخلاص] بعد الفاتحة .
فإذا فرغ من صلاة الركعتين رجع إلى الحجر الأسود فاستلمه إن تيسر له.
ثم يخرج إلى المسعى فإذا دنا من الصفا قرأ {إنَّ الصفا والمروة من شعائر الله} [سورة البقرة، الآية : 185] ، ثم يرقى على الصفا حتى يرى الكعبة فيستقبلها ويرفع يديه فيحمد الله ويدعو ما شاء أن يدعو. وكان من دعاء النبي  هنا : (لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده) ويكرر ذلك ثلاثاً مرات ويدعو بين ذلك .
ثم ينزل من الصفا إلى المروة ماشياً، فإذا بلغ العلم الأخضر ركض ركضاً شديداً بقدر ما يستطيع ولا يؤذي فقد روي عن النبي  أنه كان يسعى حتى ترى ركبتاه من شدة السعي تدور به إزاره، وفي لفظ وإن مأزره ليدور من شدة السعي، فإذ بلغ العلم الأخضر الثاني مشى كعادته حتى يصل إلى المروة فيرقى عليها ويستقبل القبلة ويرفع يديه ويقول ما قاله على الصفا .
ثم ينـزل من المروة إلى الصفا ماشياً فيمشي في موضع مشيه ويسعى في موضع سعيه .
فإذا وصل إلى الصفا فعل كما فعل أول مرة وهكذا المروة حتى يكمل سبعة أشواط ذهابه من الصفا إلى المروة شوط ورجوعه من المروة إلى الصفا شوط آخر .
ويقول في سعيه ما أحب من ذكر ودعاء وقراءة قرآن .
فإذا أتم سعيه سبعة أشواط حلق رأسه إن كان رجلاً وإن كانت امرأة تُقَصّر من كل قرنٍ أُنملة .
ويجب أن يكون الحلق شاملاً لجميع الرأس. وكذلك التقصير يعم به جميع جهات الرأس.
والحلق أفضل من التقصير إلا أن يكون وقت الحج قريباً بحيث لا يتسع لنبات شعر الرأس فإن الأفضل التقصير ليبقى الرأس للحلق في الحج .
وبهذه الأعمال تمت العمرة .
ثم بعد ذلك يحل منها إحلالاً كاملاً ويفعل كما فعله المحلون من اللباس والطيب وإتيان النساء وغير ذلك .
صفة الحج :
إذا كان يوم التروية وهو يوم الثامن من ذي الحجة أحرم بالحج ضحىً من مكانه الذي أراد الحج منه .
ويفعل عند إحرامه بالحج كما فعل عند إحرامه بالعمرة من الغسل والطيب والصلاة.
ثم ينوي الإحرام بالحج ويلبي .
وصفة التلبية بالحج : "لبيك حجاً، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك" .
وإن كان خائفاً من عائق يمنعه من إتمام حجه اشترط فقال : "وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني" وإن لم يكن خائفاً من عائق لم يشترط.
ثم يخرج إلى منى فيصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر قصراً من غير جمع.
فإذا طلعت الشمس يوم عرفة سار من منى إلى عرفة فنـزل بنمرة إلى الزوال إن تيسّر له، وإلاَّ فلا حرج؛ لأن النـزول بنمرة سنة .
فإذا زالت الشمس صلى الظهر والعصر على ركعتين يجمع بهما جمع تقديم كما فعل النبي  ليطول وقت الوقوف والدعاء .
ثم يتفرغ بعد الصلاة للذكر والدعاء والتضرع إلى الله عز وجل ويدعو بما أحب رافعاً يديه مستقبل القبلة ولو كان الجبل خلفه؛ لأن السنة استقبال القبلة لا الجبل .
وكان أكثر دعاء النبي  في ذلك الموقف العظيم : "لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير" .
فإن حصل له ملل وأراد أن يستجم بالتحدث مع أصحابه بالأحاديث النافعة وقراءة ما تيسر من الكتب المفيدة خصوصاً فيما يتعلق بكرم الله وجزيل هباته ليقوي جانب الرجاء في ذلك اليوم كان ذلك حسناً .
ثم يعود إلى التضرع إلى الله ودعائه ويحرص على اغتنام آخر النهار بالدعاء فإن خير الدعاء دعاء يوم عرفة.
فإذا غربت الشمس سار إلى مزدلفة . فإذا وصلها صلى المغرب والعشاء جمعاً إلاّ أن يصل مزدلفة قبل العشاء الآخرة فيصليها في وقتها .
لكن إن كان محتاجاً إلى الجمع إما لتعب أو قلة ماء أو غيرهما فلا بأس بالجمع وإن لم يدخل وقت العِشاء .
وإن كان يخشى أن لا يصل مزدلفة إلاَّ بعد نصف الليل فإنه يصلي ولو قبل الوصول إلى مزدلفة ولا يجوز أن يؤخر الصلاة إلى ما بعد نصف الليل .
ويبيت بمزدلفة فإذا تبين الفجر صلى الفجر مبكراً بأذان وإقامة ثم قصد المشعر الحرام "مكان المسجد" إن تيسَّر، فوحد الله وكبر ودعا بما أحب حتى يسفر جداً .
وإن لم يتيسر له الذهاب إلى المشعر الحرام دعا في مكانه ويكون حال الذكر والدعاء مستقبلاً القبلة رافعاً يديه .
فإذا أسفر جداً دفع قبل أن تطلع الشمس إلى منى ويسرع في وادي محسر .
فإذا وصل إلى منى رمى جمرة العقبة وهي الأخيرة مما يلي مكة بسبع حصيات متعاقبات واحدة بعد الأخرى كل واحدة بقدر الحمّصة تقريباً يكبر مع كل حصاة .
فإذا فرغ ذبح هديه ثم حلق رأسه إن كان ذكراً وأما المرأة فحقها التقصر دون الحلق . ثم ينـزل لمكة فيطوف ويسعى للحج .
والسنة أن يتطيب إذا أراد النـزول إلى مكة للطواف بعد الرمي والحلق .
ثم بعد الطواف والسعي يرجع إلى منى فيبيت بها ليلتي الحادي عشر والثاني عشر ويرمي الجمرات الثلاث إذا زالت الشمس في اليومين .
والأفضل أن يذهب للرمي ماشياً وإن ركب فلا بأس .
فيرمي الجمرة الأولى وهي أبعد الجمرات عن مكة وهي التي تلي مسجد الخيف بسبع حصيات متعاقبات واحدة بعد الأخرى ويكبر بعد كل حصاة .
ثم يتقدم قليلاً ويدعو دعاء طويلاً بما أحب فإن شق عليه طول الوقوف والدعاء بما يسهل عليه ولو قليلاً ليُحَصِّل السنة .
ثم يرمي الجمرة الوسطى بسبع حصيات متعاقبات يكبر مع كل حصاة .
ثم يأخذ ذات الشمال فيقف مستقبل القبلة رافعاً يديه ويدعو دعاء طويلاً إن تيسر له وإلا وقف بقدر ما تيسر .
ثم يرمي جمرة العقبة بسبع حصيات متعاقبات يكبر مع كل حصاة ثم ينصرف ولا يدعو بعدها .
فإذا أتم رمي الجمار في اليوم الثاني عشر فإن شاء تعجل ونزل من منى وإن شاء تأخّر فبات بها ليلة الثالث عشر ورمى الجمار الثلاث بعد الزوال كما سبق .
والتأخر أفضل، ولا يجب إلاّ أن تغرب الشمس في اليوم الثاني عشر وهو بمنى، فإنه يلزمه التأخر حتى يرمي الجمار الثلاث بعد الزوال .
فإذا أراد الخروج إلى بلده لم يخرج حتى يطوف للوداع لقول النبي  : "لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت" .
إلاَّ أنه خفف عن الحائض ، فالحائض والنفساء ليس عليهما .
فائدة :
يجب على المحرم بحج أو عمرة ما يلي :
1ـ أن يكون ملتزماً بما أوجب الله عليه من شرائع دينه كالصلاة في أوقاتها مع الجماعة.
2ـ أن يتجنب ما نهى الله عنه من الرفث والفسوق والعصيان {فمن فرض فيهن الحجَّ فلا رفث ولا فُسُوق ولا جدال في الحج} [سورة البقرة، الآية : 197] .
3ـ أن يتجنب أذية المسلمين بالقول أو الفعل عند المشاعر أو غيرها .
4ـ أن يتجنب جميع محظورات الإحرام .
أ / فلا يأخذ شيئاً من شعره أو ظفره فأما نقش الشوكة ونحوه فلا باس به وإن خرج دم.
ب/ ولا يتطيب بعد إحرامه في بدنه أو ثوبه أو مأكوله أو مشروبه ولا يتنظف بصابون مطيّب فأما ما بقي من أثر الطيب الذي تطيّب به عند إحرامه فلا يضر .
ج/ ولا يقتل الصيد وهو الحيوان البري الحلال المتوحش أصلاً .
د/ ولا يجامع .
هـ/ ولا يباشر لشهوة بلمس أو تقبيل أو غيرهما .
و/ ولا يعقد النكاح لنفسه ولا غيره ولا يخطب امرأة لنفسه ولغيره .
ز/ ولا يلبس القفازين وهما شراب اليدين فأما لف اليدين بخرقة فلا بأس به .
وهذه المحظورات السبعة محظورات على الذكر والأنثى .
ويختص الرجل بما يلي :
1ـ لا يغطي رأسه بملاصق فأما تظليله بالشمسية وسقف السيارة والخيمة وحمل العفش عليه فلا بأس به .
2ـ لا يلبس القميص ولا العمائم ولا البرانس ولا السراويل ولا الخفاف إلاَّ إذا لم يجد إزاراً فيلبس السراويل أو لم يجد نعلين فليلبس الخفاف .
3ـ لا يلبس ما كان بمعنى ما سبق فلا يلبس العباءة ولا القباء ولا الطاقية ولا الفنيلة ونحوها .
ويجوز أن يلبس النعلين والخاتم ونظارة العين وسماعة الأذن وأن يلبس الساعة في يده أو يتقلدها في عنقه ويلبس الهميان والمنطقة وهما ما تجعل فيه النفقة .
ويجوز أن يتنظف بغير ما فيه طيب وأن يغسل ويحك رأسه وبدنه وأن سقط بذلك شعر بدون قصد فلا شيء عليه .
والمرأة لا تلبس النقاب وهو ما تستر به وجهها منقوباً لعينيها فيه ولا تلبس البرقع أيضاً والسنة أن تكشف وجهها إلاَّ أن يراها رجال غير محارم لها فيجب علهيا ستره في حال الإحرام وغيرها ....منقول