--------------------------------------------------------------------------------

فقد وفقني الله وعملت عشر سنوات من عام (1419هـ) إلى عام (1429هـ) مديرًافي محافظة الرس في أربع مدارس ثلاث منها مجمع متوسط وثانوي ، وواحدة مرحلة متوسطة فقط، سرت في إدارتي على منهج واضح رسمته لعملي بناءً على قناعات ومنطلقات في نفسي، وسرت بخطى ثابتة نحو تحقيق أهداف واضحة.
جعلني هذا المنهج وهذه المنطلقات والأهداف أسعد بعملي كمدير، وأنتظر بفارغ الصبر الصباح لكي أذهب إلى المدرسة، وأباشر عملي وأستمتع به، وكم عكفت مستمتعًا للبحث عن حل لمشكلة فنية، أو تربوية، أو سلوكية...، فكان المهم عندي تحقيق الهدف، ويهون في سبيل تحقيقه كل جهد وتعب.
ولذا كنت (سابحًا ضد تيار)، وأخالف الكثير من زملائي مديري المدارس ممن يتضجرون من الإدارة وهمومها ومشاكلها، فمهما كانت المسؤولية، وكثرت الأعباء، وشدة المعاناة وكثرة المشاكل والعقبات إلا أن سعادتي لا توصف حينما أقف على نتائج إيجابية تم تحقيقها، أو أكون قد خففتُ معاناة، أو فرجت كربة، أو ساهمت في إنهاء مشكلة كانت تعيق مصالح الطلاب والمدرسة عمومًا، أو ابتكرت فكرةً أو مشروعًا استفاد منه غيري في عمله، وكان سببًا في التطوير ونفع الآخرين.
وظللت طيلة هذه السنوات العشر وأنا أراجع منهجي وقناعاتي وأهدافي، وأعدل وأغير فيها، مستفيدًا من تجارب الأيام والسنين، حيث إن مضي الأيام كان يزيد من تجربتي وخبرتي ومعرفتي بعملي وبالإدارة، وكنت أقارن نفسي بغيري فأكتشف أني بحاجة إلى إعادة نظر في كثير من الأمور، فمنها ما أتخلى عنه، ومنها ما أطوره، ومنها ما أستمر عليه، فكم من الأفكار فشلت في مكان ونجحت في مكان آخر! وكم من الطرق الناجحة في مدرسة أصبحت مصدر قلق ومشاكل في مدرسة أخرى! والمدير هو من يقيم ذلك، فالإدارة علمتني الكثير في حياتي.
ولا يعني ذلك أن منهجي صواب، وغيره خطأ، بل هو اجتهاد شخصي، ولكل إنسان طريقته الخاصة في إدارته للعمل، فهذا المنهج تمثل بعنوان : ( هكذا إدارتي )

هذه العشر سنوات تخللها مواقف وقصص وذكريات وبرامج ومشاريع ونماذج وكلها سوف أضعها بين ايديكم هدية مني لكل مدير ومديرة وخاصة المستجدين واتمنى نقلها الى كل منتدى تعليمي فالحقوق ليست محفوظة

فالى الموقف الأول

سلسلة مواقف من الميدان الأول
في أول يوم استلمت العمل مديرًا للمدرسة في تاريخ: 18/5/1419هـ .
ولقد وُجهت إلى متوسطة وثانوية تبعد عن سكني (1** كم) ولما قدمت المدرسة وجدت المدير قد درس معي بالجامعة؛ فطلبت منه أن ينتظر يومين فقط لكي أطلع على سير المدرسة، وأستفيد منه فيما أحتاج إليه، فأنا جديد على المدرسة والعمل الإداري، فرحَّب بالفكرة، وجلست معه، ومما لفت نظري طالب يأتي معه ملف فيطرده المدير، وبَيَّنَ أنه سيئ السلوك، ثم أتى من الغد طرده المدير أيضًا، وكذلك في اليوم الثالث، ولَمَّا استلمت الإدارة أتى الطالب، فقلت: تأتي غدًا، وقام المعلمون بصف واحد قائلين: لا تقبل هذا الطالب.. لأن فيه وفيه وفيه...............الخ ؟؟!!
وأتى من الغد وقلت له: تأتي غدًا، ولما كان من الغد في يوم الأربعاء فأتى، وقلت له: تأتي نهاية الدوام؛ لأني لن أقبله بسهولة، ولما خرج الطلاب والمعلمون وبقيت أنا لوحدي فأتى، قلت له: اجلس، وما خبرك ؟
فقال: يا أستاذ ! المدير الأول ومعلم الرياضة الذي انتقل مع المدير.. وذكر عنهم أن فيهم وفيهم كذا وكذا...........الخ ؟!!
فقلت: أريدك أن تعلم أن المعلمين كلهم رافضون قبولك، وأنا لست قاضيًا لكي أحكم بينك وبين المدير الأول ومعلم الرياضة، ولكن أثبت لي أنهم ظلموك، وأنك على حق، وسوف أخالف جميع المعلمين في المدرسة وأقبلك، ولكن بشرط أن تتعهد لي بعدم المخالفة، والأيام بيننا، وملفك سيكون عندي؛ لأن جلوسك مؤقت على حسب أدبك مع المعلمين..، فاتفقنا على ذلك وخرج الطالب.
وكان الطالب يظهر عليه سلوك سيء، وأنه انفعالي بشكل غريب، درست حالة الطالب، فماذا تتوقعون من حاله؟ وجدت أنه يتيم الأم والأب!! ويسكن هو وأخواته عند عمه!! فسبحان الله !!
ولما رأيت من شدة عصبيته وانفعاله جعلته عريفًا على فصله، فكان انفعاله سببًا في ضبط الفصل، وتكلمت مع المعلمين وقلت لهم: نثبت النجاح لأنفسنا إذا استطعنا احتواء هذه النوعية من الطلاب.
وفي إحدى المرات وجدته يغش من زميله في امتحان شهري أمام باب إدارة المدرسة، فأخذت الورقة ومزقتها، ورميتها في وجهه، وما كان منه إلا أن قام برمي ملف العريفية بعصبية وانفعال!!
فقلت له: بدلاً منك يوجد ستون طالبًا، ولا تظنن أنه لا يوجد عريف غيرك!!
ولما انتهى الدرس أوقفته عند الإدارة، وكان في غاية الانفعال والعصبية، وكان عندي أحد المعلمين، فقلت له: الطالب لو دخل علي في هذه الحالة ستكون مشكلة!! وربما نخسر هذا الطالب، فاذهب إليه وكلمه، وقل له: أنت قد غششت! والذي أمسكك هو المدير! وماذا تنتظر منه أن يفعل بك؟ ثم انتبهْ!! قد تخسر شيئًا كثيرًا!! فالمدير يمكن أن يعيد لك الاختبار، ويمكن أن يصحح لك الورقة، فذهب إليه - جزاه الله خيرًا - وكلمه بعقل وحكمة، وامتصَّ ما فيه من الغضب، ثم أتى به إلى الإدارة، وقال الطالب: أنا آسف يا أستاذ!! وأستحق الصفر، ولدي طلب.
قلت: ما هو؟
قال: لا أريد أن أكون عريفًا !!
قلت: غيرك كثير !!
ثم ذهب إلى الفصل، ومباشرة طلبت رائد الفصل وقلت له: إذا لم يبق الطالب عريفًا فسوف ينهدم كل ما بنيناه مع الطالب !!
قلت له: تكلم مع الطالب وقل له: أنت العريف، وليست جميلة أن يطردك المدير من عرافة الفصل، وسيكون وضعك أمام الطلاب سيئًا، حيث إنك كنت العريف ثم طردك المدير منها، ذهب المعلم وتكلم مع الطالب، وأقنعه بأن يبقى عريفًا؟!
ومر العام الدراسي ونحن في المدرسة نعتبر الطالب حالة خاصة جدًّا ونداريه، وفي نهاية العام نجح ولله الحمد، وكلما تذكرت تلك المدرسة وذكرت ذلك الطالب أقول: يكفي ذكرى طيبة، ونجاح وعمل خير قدمته من أجل ذلك الطالب، فنسأل الله القبول.
أعطيت الطالب شهادة النجاح، وقلت لا تنسنا من دعائك !



عبد الله محمد العواجي

محافظة الرس

سابح ضد تيار

مدير سابق