السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أتمنى أن يفيدك هذا
الطب عبر العصور
الطب هي مزاولة قديمة قدم الإنسان ذاته حيث ارتبطت في بدايتها بأعمال ***** و الشعوذة و ذلك في العصور القديمة و المجتمعات البدائية حيث مارسها الكهنة و *****ة ثم تقدمت نوعاً ما مع الحضارات القديمة في بلاد الرافدين و مصر (الفراعنة الذين برعوا في تحنيط الأموات) و الهند و الصين (الوخز بالإبر)إلى أن حدثت النقلة النوعية في زمن الإغريق و اليونان و ظهور أبقراط (أحد أشهر الأطباء عبر التاريخ و صاحب القسم المعروف باسمه و المتعلق بأخلاق المهنة) و جالينوس و غيرهم ومع ظهور الحضارة العربية و الإسلامية و تطور الممارسة العلمية التجريبية بدأ الطب يأخذ شكله المعروف اليوم من خلال أعمال علماء و أطباء كبار أمثال ابن سينا (ال*** الرئيس الذي عرف بأنه أول الباحثين في مجال الطب النفسي و أول من أعطى الدواء عن طريق المحقن و غير ذلك الكثير) و ابن النفيس (مكتشف الدورة الدموية الصغرى) و الزهراوي و غيرهم الكثير ممن ظلت كتبهم و أعمالهم تدرس في مختلف أنحاء العالم حتى القرن السابع عشر مما مهد الطريق أمام التطورات الكبيرة اللاحقة التي حدثت مع ظهور عصر النهضة في أوربا ثم الثورة الصناعية وصولاً إلى الأزمنة الحاضرة و التي أدت إلى تطورات كبرى في كافة العلوم و منها الطب.
????: الملتقى السوري لأطباء الأسنان http://www.syrdent.com/vb2/showthread.php?t=609
ويمكن أن نتصور تاريخ الطب مكونا من خطوط القوّة التي تخلق وتوجه السيل المتدفق من النظريات والمعلومات والتقنيات التي تشكل تاريخ الطب ومن أهمّها :
ـ الارتباط بالإيديولوجيا ...
ـ الارتباط بالتكنولوجيا.
ـ التغير الدائم للمشاكل .
ـ التطور الجدلي للمعارف الصحية.
ـ تصاعد سرعة حركة المعرفة.
ففي المجتمعات البدائية كانت تصوراتهم للطب والصحة هي امتداد لتصوراتهم للعالم، فهذا الأخير كائن حي ومسرح لقوى غيبيّة متعدّدة
تتكون من آلهة وشياطين وأرواح الشر وهي في تعامل دائم مع الإنسان ومن ثمة فإن المرض بتصورهم حينها هو نتيجة ما يلي:
1 ـ غضب الآلهة وعقابها به للكفار أو للمتطاولين على المحرمات.
2 ـ غضب الأجداد المتوفّين لنسيانهم السريع (مع العلم أن تذكّر الموتى في هذه المجتمعات هوبمثابة تخليدهم).
3 ـ عمل *****ة لحسابهم الخاص أو لحساب عدو شخصي.
4 ـ ضياع "الروح "ومفارقتها للجسد إثر تدخل قوة غيبية أو ساحر شرير.
5 ـ تقمّص الأرواح الشريرة للمريض.
????: الملتقى السوري لأطباء الأسنان http://www.syrdent.com/vb2/showthread.php?t=609
6 ـ ضياع التوازن داخل الجسم عادة بدخول برد أو حر مفرطا
-7حسد العين.
ومن هذا التصور العام ينبع العلاج فكان يتم ذلك على أيدي *****ة و المشعوذين من خلال تعاملهم مع الأرواح الشريرة وغيرها من العناصر المسببة للأمراض حسب تصورهم.
و في عصور ما قبل التاريخ (الحضارة الأولى) نرى قدرات التشخيص والعلاج محدودة للغاية حيث لا يتوفّر الطب إلاّ على بعض الحجارات المدبّبة لفتح الجمجمة ، أما إبّان الفترة التي شكلت فيها الزراعة الفتح التكنولوجي (الحضارة الثانية) فإننا سنرى الطب يستعمل كلّ إمكانيات هذه الحضارة من آلات بسيطة كالمقصّ والمشرط الخ ... وخاصّة الأعشاب في المداواة. لكن التقدّم المتسارع في الاكتشافات التكنولوجي الذي صاحب ظهوره الصناعة (الحضارة الثالثة) هو الذي كان وراء التقدّم المتسارع في الطب.
وهكذا وصولا الى مرحلة بارزة في تاريخ الطب وهي العهد العربي الإسلامي وما قدمه من إسهامات في هذا المجال.
فقد أنشئت في العالم الإسلامي أولى الصيدليات ومعامل الكيمياء وكانت تعد بالمئات في قرطبة وبغداد والقاهرة وكثير من المدن الأخرى، وكان العرب هم أول من قدموا لأوروبا الأدوية مثل الراوند Ruibarbo والكافورا camphor وجوز الطيب Vomicanut وعلى سبيل الذكر أورد ابن سينا في مؤلفه الطبي أكثر من سبعمائة دواء.
وجرى إنشاء أول بيمارستان ( مستشفي ومؤسسة طبية ) خلال الحكم العربي في بغداد أثناء حكم الخليفة المنصور ( 754 - 775 م )
وكانت البيمارستانات ( المستشفيات والمؤسسات الطبية الملحقة بها ) من أهم المؤسسات التعليمية في العالم العربي من أسبانيا حتى الهند العربية.
كان الأطباء العرب الأوائل بالعلاج الكلى للإنسان الفرد وليس التوقف عند مرض بعينه، حيث أنهم أدركوا العلاقات بين أحوال المريض العضوية والنفسية ومن أهم اكتشافات العرب كان اكتشاف " العدوى ".
كان العرب أول من عالج الأمراض العقلية بطريقة إنسانية ففي كل مستشفي كبير كان يوجد قسم خاص لهذه الأمراض وكان الحكام يهتمون بأمورهم، ويزورونهم أحياناً.
فرق الأطباء العرب بين الأمراض العصبية والنفسية، فالأمراض العصبية هي الأمراض التي ترجع إلى أسباب عصبية أي عضوية أو جسمية.
وقد فرق الأطباء العرب بين الأمراض العصبية والنفسية من جهة وبين الأمراض العقلية أو الذهانية من جهة أخرى حيث أن هذه الأخيرة تدل على الجنون ، فالمريض يعتبر خطرا على نفسه وعلى المجتمع الذي
يعيش فيه.
وهكذا انتقلت كل العلوم الإسلامية والطب العربي العظيم إلى أوروبا وذلك بفضل الروابط. القوية بين الباحثين الأوائل من المسيحيين ومن بينهم روجر باكون Roger Bacon " الذي يعرف بأنه مبتكر العلوم في أوروبا والذي استقى المعرفة من العرب، كذلك جربوتو Gerberto، الذي أصبح فيما بعد البابا سيل فستر الثاني والذي عاش قبل باكون وكان يعيش في قرطبة المسلمة حيث درس على يد الأساتذة العرب، أيضاً ألبرت العظيم Albert the Great الذي يشير في مؤلفاته إلى ما يقرب من اثني عشر عالماً عربياً اطلع جيداً على كتبهم من خلال ترجماتهم اللاتينية، وأخيراً وتفادياً للإطالة نذكر رايمندوليليو Raimundo Lulio المولود في باليرز والذي كان يتقن اللغة العربية وتحوي مكتبته مئات المؤلفات الإسلامية، ومنها استقى معرفته العلمية العالية.
الا انه في العصور الوسطى تعرض علماء الطب في أوروبا أحيانا الى التكفير ومواجهة التعصب الفكري، فعلى سبيل العدّ لا الحصر نذكر بأن نقاش نظريات أرسطو وخاصة قالينوس في العصور الوسطى كان يعتبر بمثابة الكفر, بالإضافة لوقوف الكنيسة ضد أفكار التشريح.
وعرف الطّبيب السّويسري الكبير MICHEL SERVET مصيرا أتعس لأنّه أعاد إلى الأذهان سنة 1553 نظرية الدّورة الدمويّة التي قال بها ابن نفيس وقد اعتبرت نظريّته إلحادا ومات الرّجل محروقا وهو حيّ في مدينة جوناف.
وبهذا بدأت مرحلة جديدة ومتطورة في تاريخ الطب مبنية أساسا على ما نهله الغرب من علوم الشرق بالإضافة الى ما قدمه علماء ومفكري الغرب حديثا من ابتكارات و اكتشافات ساهمت بشكل فعال بحدوث قفزة في علم الطب.
فعلى سبيل المثال، تقدمت علوم الأحياء بفضل اكتشاف المجهر من طرف(Leeuvenhook(1723-1631
وكان هذا الرجل تاجرا. كما أدّت اكتشافات Volta, Edisson في القرن التاسع عشر في ميدان الكهرباء إلى تطوّر التنظير الداخلي للجهاز البولي من طرف (GNITZE 1880) والتـنفسي (Killtan 1897) والهضمي (Scidenla 1922).
وكان للأبحاث في ميدان الفيزياء مترتبات هائلة في تطور الطب حيث استعملت لوضع طرق للتخطيط الكهربائي للقلب (Waller 1887) و (Lewis 1921) والتخطيط الكهربائي للدماغ (BERGER 1931) وخاصّة التصوير بالأشعة (ROENGTEN 1895)).
ولا شـك أن استعمال المواد المشعّة في ميـدان التشخـيص والعلاج ما كـان له أن يصبـح ممكـنا لولا أبحاث الفيزيائيـين Becquerel و Pierre وزوجته Marie Curie واكتشاف مادّة الأورانيوم سنة 1896 ومن ثـمّة تتضح هذه البديهية أنّ تطور الطبّ مرتبط أوثق الارتباط بحالة وقدرات التكنولوجيا داخل المجتمع وأن أي تطور نوعي فيها يؤدّي إلى قفزة في ميدان إمكانيات الطبّ.
وبذلك يمكن القول أن التغييرات التي شهدها تطور الطب تتمثل في نوعين : الطفيفة وتكون بالتراكم المعلوماتي طالما بقي التصور القديم سائدا ، والجذرية إذا تغيرت نظرة المجتمع للعالم ، وهي الوضعية التي تعرفها حاليا جل المجتمعات المتخلفة حيث هي بصدد استبدال تصورها للعالم ، ومن ثمة لتصورها وتعاملها مع الأمراض سواء أكان هذا التعامل على صعيد مستهلك المعلومات الطبية أو منتجها.
كما أن تاريخ الطبّ يعرف بصفة مستمرة ظاهرتين أولهما التغيّر الدائم لتصنيفنا للأمراض وثانيهما تغيّر الأمراض نفسها.
ولهذه الظاهرة مغزاها العميق ، إذ تعني أننا نرى في عصرنا هذا أمراضا لم يكن الطب القديم يراها ولا نرى أمراضا كان هو يجاهد للقضاء عليها ، ولا شك أن تصنيفنا نحن اليوم للأمراض عرضة للتغيّر إذ قد تكون بصدد وصف أمراض غير موجودة لأننا سجنّا أنفسنا داخل تصنيف معيّن ولغة معينة واصطلاحات معينة، في حين أننا نمر أمام أمراض حقيقية سيتم وصفها مستقبلا.
إنّ عملية تفكيك الأمراض وإعادة توصيفها واختفاء بعضها وظهور أخرى في أدبيات الطبّ ستتواصل إمّا لظهور أمراض جديدة واختفاء أمراض أخرى، وإمّا لإعادة النظر في تصنيف الأمراض المتعارف عليها نظرا لاكتشافات تسمح بها التكنولوجيا المستقبلية خاصّة وأنّ تصنيفنا الحالي للأمراض غير مقنع فنحن نجمع الأمراض تارة حسب الجنس (أمراض النّساء) وتارة حسب العمر (أمراض الأطفال) وتارة حسب الجهاز (أمراض القلب) ونسمّي أمراضا نفسية أو نفسية ـ جسدية عددا من الأمراض الغامضة.
????: الملتقى السوري لأطباء الأسنان http://www.syrdent.com/vb2/showthread.php?t=609
ولعل تصاعد سرعة تراكم المعلومات وتذرّرها وتخصّصها المفرط، ظاهرة هامّة في وصف خطوط القوّة لتطوّر الطّب وهي ظاهرة عامّة في تطوّر المعارف, وهذه الحركيّة في ميدان النشر صورة للحركيّة في ميدان البحث النّاتجة بدورها عن تصاعد عدد المراكز وعدد الباحثين ، وتزايد الإمكانيات المادية المخصّصة للبحث والأهميّة القصوى التي أصبحنا نوليها له.
لا غرابة أن نشهد انفجارا في كميّة المعلومات وتراكمها وتغيّرها في ظرف وجيز من الزّمن ، فالأغلبيّة السّاحقة للأدوية الفعّالة مثلا وليدة الثّلاثين سنة المنصرمة وكذلك الكثير من التّقنيات الحديثة التي لا يتجاوز عمرها النّصف قرن وهذه فترة قصيرة إذا ما قارنّاها بالقرون الطّويلة التي شاهدت تطوّرا بطيئا للغاية تصاعدت سرعته في الغرب في بداية القرن التّاسع عشر ثمّ إلى أن اكتسبت هذه الخاصيّة الانفجارية التي نعيشها اليوم
إلاّ أنّنا لا ندري هل نحن في بداية المرحلة السّريعة للتطوّر أم أنّنا على باب قوسين أو أدنى من الوصول إلى نهايتها لأنّ المفاعلات الانفجارية في أيّ ميدان تتبّع نفسن القوانين أي : تحضير بطيء ثمّ تطوّر سريع ، ثمّ وصول إلى حالة توازن تنذر بانتهاء التطوّر، وفي بعض الأحيان بالتّراجع فيه . ولا شكّ أنّ مؤرّخو المستقبل هم وحدهم الذين سيردون على هذا السؤال ، بينما نبقى نحن نواجه ما يترتب على هذه الظّاهرة ومن أهمّها ضرورة المتابعة اليقظة والتي لا تنتهي بسبب حركيّة علميّة أصبحت تهدّد أكبر العلماء بالتّجهيل لكثرة ما تنتج حتّى في أدق الميادين .
ولا شك أن الطب قد حقّق انجازات جبّارة في مناهجه ووسائله وعلاجاته السريعة في تخفيف الألم وإزالته ومع هذا ورغم التطور الحاصل في الطب وصناعات الأدوية الا أننا نلحظ ، في السنين الأخيرة، عودة الطب الى الأَخذ بأساليب المداواة القديمة التي اعتمدها قدامى اليونان والهنود والفرس وشعوب بلاد ما بين النهرين والعرب وسواهم. وجُلُّ اعتمادهم في هذه المجالات يقوم على المداواة بالأعشاب الطبيّة.
إن الطب، الذي بدأ سحرياً ثم أصبح ممارسة علمية تقوم على الملاحظة والتجريب، لا يمكن أن يتطور بمعزل عن التطور السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
فالطب الغربي الحديث ذا الطابع العالمي ليس نتاجا خالصا لجهود الغرب وحده، بل هو نتاج الجهد التراكمي لكل الشعوب في كل مراحل التاريخ، حيث أسهم كل شعب، بحصته من المهارة ونصيبه من المعرفة، في إرساء دعائم هذا الفن الذي لا يعالج وفق منظومته سوى ثلث البشرية فقط، بينما يعالج الباقون وفق مبادئ ومناهج شديدة التباين، لكنها جمعياً تهدف إلى تخفيف الألم ورفع المعاناة عن الإنسان.
المفضلات