وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته


أختي وجدت عدة خطب عن آفات اللسان أرجوا أن تستفيدي منها

- قد يكون السكوت أولى وقد يكون الكلام. 2- أهمية اللسان وعمله. 3- ذكر بعض آفات اللسان والتحذير منها. 4- أمر الشريعة باختيار الطيب من القول. 5- نهي الشريعة عن بعض الألفاظ القبيحة أو المستقبحة المعاني أو الملبسة. 6- الفحش في الشعر.


الخطبة الأولى



أما بعد:

لقد امتن الله سبحانه وتعالى على الإنسان بنعم عديدة ،وأحوال متكاثرة فريدة ،ومن تلكم النعم ،نعمة البيان واللسان ،نعمة النطق والكلام الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان.

فلم يبق إلا صورة اللحم والدم



لسان الفتى نصف ونصف فؤاده




اللسان نعمة جليلة ،ومخلوق صغير ،داخل كيان هذا الإنسان ،لكن له شأن عظيم ،فما أصغر حجمه وما أصغر أثره على الإنسان.

اللسان أيها الأحبة يعتريه شيئان ،الكلام والسكوت، فكلام اللسان له سلبيات، وهي ما تسمى بالآفات، وله إيجابيات وهي الطاعات والقربات.

وسكوت اللسان قد يكون آفة، فالساكت عن الحق شيطان أخرس ،وقد يكون عملاً صالحا ،كما قال صلى الله عليه وسلم: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)) [البخاري]. فالسكوت والصمت خير من الكلام بالباطل وبالفحش.

فإذا نطقت فلا تكن مكثارا
ولقد ندمت على الكلام مرارا



الصمت زين والسكوت سلامة
ما أن ندمتُ على سكوتي مرة




أيها المسلمون: اللسان تتعلق به آفات كثيرة ،وخصال عديدة ،ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: فيما رواه الترمذي بسند حسن عند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان)) – أي تخضع له – فتقول: ((اتق الله فينا ،فإنما نحن بك فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا)) وعندما سأله معاذ بن جبل عن العمل الذي يدخله الجنة ويباعده من النار ،أخبره النبي صلى الله عليه وسلم برأسه وعموده ،وذروة سنامه ،ثم قال: ((ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قال بلى يا رسول الله:فأخذ بلسان نفسه ثم قال:كف عليك هذا)) [رواه أحمد]. ولرب كلمة يقولها الإنسان لا يتبين فيها تزل به في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب.

إن الحديث أيها المسلمون عن اللسان وآفاته ،حديث لا ينقطع ولا ينتهي ،لأنك إن أردت الحديث عن ذلك فإنك ستلاحقك سائر شئون الحياة التي يحياها الإنسان، فهناك الكذب وبضده الصدق ،وهناك الكف عن أعراض الناس وبضده الغيبة والنميمة ،وهناك التقعر في الكلام، وقد هلك المتنطعون، وهناك قول الزور ولغو الحديث والخوض في الباطل ،وهناك التحدث بالأخبار من غير تثبت ،وهناك الطعن في نيات الصالحين والتلذذ بتشويه سمعة من آتاه الله فضلاً وعلماً وعفة.وهذا إذا صار معه الهوى والعياذ بالله كان الكلام مطيته الكذب وسوء الظن قال الله تعالى: إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم وقال تعالى: سنكتب ما قالوا وقال تعالى: وما تكون في شأن وما تتلوا منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهوداً إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين. وقال جل شأنه: أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون.

أيها المسلمون: إن أقل الورع يكون في اللسان ،قال بعض السلف: "فتشنا الورع فلم نجده في شيء أقلّ منه في اللسان".

فإنك مأخ**;وذ بما أنت لاف**;ظ



لسانك لا يلقيك في الغ**;ي لفظه




اللسان معبر عندما اشتمل عليه قلب الإنسان ،فإن كان القلب زكياً مؤمناً كانت ألفاظه طيبة. وإن كان القلب خرباً مظلماً بظلمة المعصية ،كانت ألفاظ اللسان سيئة بذيئة.

إن من الناس من يعيش مع كل أسف ،بذيء اللسان، شرس الطبع ،لا تحجزه مروءة ،ولا يردعه أدب ،جرد لسانه مقراضاً للأعراض ،بكلمات تنضح فحشاً ،وألفاظ تنهش نهشا ،يسرف في التجني على عباد الله بالسخرية واللمز ،وكأنه قد وكل إليه تجريح عباد الله. ويزداد الأمر ،وتعظم البلية حين ترى من عليه ملامح الاحتشام وسيماً الوجاهة ،وهيئات العلماء يسفر عن بذاء وثرثرة ،يزعج بكلامه الباطل كل من جالسه ،لا يدع لأصحاب الفضل فضلاً ،يحمل على أهل الخير ومن شهد له بالصلاح حملات شعواء ،أحياءً وأمواتا ،لزلة لسان ،أو سبق قلم ،هذا حجزه عن عيوب الناس ما يعلم من عيوب نفسه.

ودينك موفور وعرضك صيّنُ
فكلك سوءات وللناس ألسن
فقل لها يا عين للناس أعين



إذا رمت أن تحيا سليماً من الأذى
لسانك لا تذكر به سوءة امرئ
وعيناك إن أبدت لك معايباً




ذكر رجل آخر بسوء عند إياس بن معاوية ،فقال له: هل غزوت الترك والروم؟ فقال: لا ،فقال:سلم منك الترك والروم ،ولم يسلم منك أخوك المسلم.

إن الاشتغال بالطعن في الناس ،خاصة من عرف بالدعوة والعلم ،وذكر نقائصهم ،والتسلي بالخوض في معائبهم ،وإفشاء مقالة السوء بينهم من طبائع القلوب المريضة ،والصدور الحاقدة ،وهو من أظهر الدلائل على قلة التوفيق ،والعياذ بالله ،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ،والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه)) [رواه البخاري ومسلم].

فاحذر أيها المسلم من لسانك ،وزن كلامك، وتأمل عاقبة قولك قبل أن تتلفظ به ،فرُب كلمة سلبت نعمة ،وإن الكلمة إذا خرجت من فمك لا يمكن استردادها ،وقد يصعب تدارك خطرها ،فالملائكة كتبوا ،والناس سمعوا ،والمرجفون علقوا وشرحوا وزادوا ،وأنت وحدك الذي تتحمل كل هذه التبعات والمسئوليات.

أيها المسلمون: لقد جاءت الشريعة، وحثت على اختيار الطيب من القول ،وأمرت بحسن الكلام ،ونهت عن الضد من ذلك ،قال الله تعالى: وقولوا للناس حسناً. وقال: وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن وقال: لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس. وقال: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم والله جل وتعالى أنكر على الصحابة قول المنكر من الألفاظ ونهى عنها ،ألم تسمع لقول الله تعالى: الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هنّ أمهاتهم إن أمهاتُهُم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكراً من القول وزوراً قالوا ألفاظ الظهار، وهي ألفاظ محرمة ،لا يليق بمؤمن أن يتلفظ بها مع زوجته ،لما فيها من التعدي والتحريم ،فقول الرجل لامرأته "أنت عليّ كظهر أمي" ،هذا قول منكر ولفظ لا يجوز للمؤمن أن يأتي به ،ولهذا شرعت له الكفارة.

بل إن الله عز وجل لينكر على الصحابة الجهر بالقول والزيادة في الصوت ،فضلاً عن اللفظ نفسه يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون. ولهذا فقضية اللفظ والقول ،وحُسن تخيّر الكلام مع من تخاطبه ،قد جاءت بها الشريعة.

ثم اسمع لهذه الآية: يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذابٌ أليم نهى الله عز وجل الصحابة ،أن ينادوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلفظة:راعنا ،لا تقولوا راعنا ،وقولوا انظرنا. السبب؟ السبب هو أن الأمة الغضبية ،اليهود ،كانوا يقولون يا محمد راعنا ،وكلمة راعنا لها عدة معاني ،فتأتي بمعنى انتظرنا ،وتأتي بمعنى أنك يا محمد راعٍ فيك رعونة ،أو غير ذلك من مرادات اليهود ،المغضوب عليهم كما حكاه أهل التفسير.وأياً كان معناها ،فقد نهى الله الصحابة عن التشبه باليهود ،وأمرهم بغيرها لكمالها وحسنها وأدبها.

ومن هذا الباب ما رواه البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا يقل أحدكم أطعم ربك، وضيء ربك، اسق ربك، ولا يقل سيدي ومولاي ،ولا يقل أحدكم عبدي أمتي، وليقل فتاي وفتاتي وغلامي)) فالرب هو الله عز وجل ،فلا يجوز أن يقول الرجل لمولاه: أطعم ربك يعني سيدك، وإن كان معناه صحيحاً من جهة اللغة، ولكن لما كان الرب هو الله سبحانه ،نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ،وأبدله بلفظ أحسن منه. ومن ذلك:نهيه عليه الصلاة والسلام أن يقول الرجل إذا شعر بملل أو كسل أو فتور ،نهاه أن يقول: ((خبثت نفسي)) ولكن ليقل: لقست نفسي أي فترت وكسلت ،فخبثت نفسي لفظ غير حسن وفيه معان سيئة ،فلهذا نُهي عنه والحديث في البخاري.

ومن ذلك النهي عن تسمية العنب بالكرم قال صلى الله عليه وسلم: ((لا يقولن أحدكم للعنب الكرم ،فإنما الكرم قلب المؤمن)) [رواه البخاري]. فلفظة الكرم تدل على كثرة الخير والمنافع ولا يليق إطلاقها على العنب الذي تتخذ منه الخمور والأشربة المحرمة.

ومن هذا الباب :التلفظ بألفاظ الطلاق والنكاح والعتق والظهار والنذور ونحو ذلك مما يتساهل فيه بعض الناس. ناهيك عن بعض الألفاظ التي قد تخرج صاحبها من الإيمان والإسلام ،مما يكون فيها كفر أو اعتراض على إرادة الله ،وخلقه وتصريفه لشئون الكون ،وبعض ألفاظ الاستهزاء والسخرية بالدين أو بأهله ،نعوذ بالله من الخذلان.

اسمع لهذه القصة الطريفة والتي ذكرها صاحب كتاب الحاوي للفتاوى في المجلد الأول منه ص 241 لترى حساسية السلف رحمهم الله ودقة تربيتهم حتى لأولادهم في انتقاء الألفاظ.

كان الشيخ تاج الدين ابن السبكي ،مع جماعة له في دهليز داره ،فمر بهم كلب يقطر ماءً ،يكاد يمس ثيابهم ،يقول فنهرته وقلت: يا كلب ابن الكلب ،وإذا بأبيه الشيخ العلامة تقي الدين السبكي سمعه من داخل البيت ،فلما خرج على ولده ،قال له: لم شتمته؟ فقال: ما قلت إلا حقاً ،أليس هو بكلب ابن كلب؟ فقال: هو كذلك ،إلا أنك أخرجت الكلام في مخرج الشتم والإهانة ،ولا ينبغي ذلك". فقس رعاك الله ،تربيتنا لأنفسنا ولأولادنا ،في حسن انتقاء الألفاظ.

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه ،واتباع سنة نبينا نحمد صلى الله عليه وسلم.