تعليمنا بين مطرقة التلقين وسندان الحفظ
على احمد المطوع - أبها
مع تباشير قدوم كل عام دراسي جديد تتجدد آمال وتطلعات الآباء والأمهات بازدهار مستقبل أبنائهم العلمي والمعرفي وهم يحثون الخطى مسرعين عائدين إلى معاقل الفكر والعلم والأدب -المدارس- التي ناهز تعدادها في بلادنا العدد الذي لو أحصي لكان رقما فلكيا يعكس لدى قارئه حالة من التطور العلمي والثقافي لأبنائنا . ولكن الواقع المعاش لدى التربويين أولا ولأولياء الأمور ثانيا يكاد يكون متضادا متعاكسا مع الصورة التي يفترض أن يكون عليها حال تعليمنا . لا احد ينكر أن تعليمنا الحكومي بمختلف مراحله لم يعد كما كان في سابق عهده يراوح مكانه بل انه أصبح يحث الخطى متقهقرا إلى الوراء في قفزات رجعية مؤلمة شواهدها هشاشة وضحالة فكر مخرجاته السنوية علىجميع الصعد والمستويات . إن بناء الأمم وتحضرها يرتكز على البعدين العقدي والمادي والأخير يرتكز على الجانب العلمي والمعرفي الذي يرتكز بدوره على الجوانب البحثية والتطبيقية القائمة على المنهج التجريبي الذي يذكي في نفوس المتعلمين حب العلم والتعلم ويقدح عقولهم لمزيد من التأمل والتفكر والإبداع . لقد كان التلقين وما زال الأسلوب الذي يغلب على تعليمنا وهو الطريقة المثلى لدى كثير من التربويين التقليدين الذين لا يستهويهم إعمال العقل وإطلاق العنان للفكر في فضاءات الإبداع والتنوير . إن شواهد حضارتنا الإسلامية منذ قديم الأزل تنحو في تعليمها للأجيال أسلوبا مغايرا لطريقتنا التعليمية الحالية فالرب تبارك في علاه وفي كتابه الكريم يستفز هممنا الفكرية والعقلية بسيل وافر من الآيات التي تحثنا على الإدراك والتأمل والتفكر - أفلا تفكرون ، أفلا يعقلون ، أفلا يتدبرون ، والنبي محمد صلى الله عليه وسلم مارس الشيء ذاته مع صحابته ، ففي أحلك الظروف لم يحجر عليه الصلاة والسلام على العقل ولم يصادر تجاربه الدنيوية الخالصة ففي غزوة بدر الكبرى كان اختيار المكان الذي عسكر فيه الجيش الإسلامي مبنيا على عقلية عسكرية مجربة فرضت نفسها وتجربتها لتكون المعيار الأول في اختيار مكان المعركة وأسلوبها ،من هنا يتضح لنا مدى أهمية التجربة والتطبيق في صقل العقل وتنمية مهاراته خدمة للفرد والمجتمع وهذا ما لا يتوفر في نظمنا التعليمية الحالية التي استمرأت التلقين أسلوب عمل وإستراتيجية بناء ، كذلك التشريع الإسلامي ينحو في إقرار بعض تشريعاته إلى الاجتهاد كنمط فكري عقلي يغوص في أعماق النص ويستخرج منه ما خفي على العامة ممن لا يستطيع إملاء العقل والفكر فيه ليكون نتاجه النهائي تشريعا يلزم المسلم اتباعه . إن بلادنا والحمد لله تعج بالكثير من المتخصصين في الجوانب التربوية والتعليمية فلماذا لا يجتمع هؤلاء الخبراء على صعيد واحد وتحت مظلة تربوية تطويرية خالصة لدراسة السبل الكفيلة التي تضمن خروج تعليمنا من نفق الرتابة والجمود إلى فضاءات أرحب من الإبداع والرقي . إن سياسة الدولة في هذا الجانب واضحة كل الوضوح فالدعم الهائل الذي تلقاه المؤسسات التعليمية في بلادنا يفوق ما يحلم به الكثير في دول ومجتمعات أخرى ما زالت تدير مؤسساتها التعليمية بمبالغ زهيدة إلا أن نتاجها العلمي والمعرفي المتمثل في الإنسان وقدراته يكون أكثر وضوحا وإشراقا من منتج مؤسساتنا التعليمية وهذا يشعرنا كآباء بألم كبير فرغم الدعم المهول الذي تقدمه الدولة لهم إلا أن مستوياتهم الفكرية والعلمية تظل دائما دون المستوى المأمول . من هنا تحتم علينا المصلحة الوطنية ومتطلبات المستقبل أن نفكر جديا في إصلاح نظامنا التعليمي وتطوير هياكله التنظيمية ولوائحه التنفيذية ليواكب العصر ويسهل علينا اقتحام مجالات التقدم واللحاق بركب الأوائل الذين ما كان لهم أن يسبقونا لولا أنهم جعلوا التعليم بنيتهم التحتية الأولى التي قامت عليها حضارتهم ليسبغوا على هذا العصر فكرهم وفنهم وثقافتهم وليشكلوا خارطة عالمة وطريقة تفكير إنسانة حسب ما تقتضيه مصالحهم ورؤاهم الإستراتيجية ليظل العربي إنسانا ونظاما عالة على هذا العالم شاهدا بليدا على هذا العصر وعلومه .
http://al-madina.com/node/90196
المفضلات