رمضان بدون دراسة !!
-----------------------------------------------
د.سعد بن محمد الفياض
كانت الدراسة في أعوام سابقة تصادف شهر الخير، شهر رمضان المبارك، ومعها تنطلق الشائعات والأخبار بوجود إجازة!! لما في الصيام من معاناة شديدة، وإرهاق كبير على الطلاب والطالبات وخصوصاً إذا صادف وقت الامتحانات وأيضاً على المعلمات اللاتي يعملن في مدارس بعيدة خارج مكان إقامتهن ويقطعن المسافات الطويلة إلى مدارسهن! ونحن في هذه السنة من نعمة الله علينا وعلى أبنائنا وبناتنا ومعلمينا ومعلماتنا أن رمضان هو وقت إجازة دراسية رسمية، فيه ترتاح الأبدان وتسكن النفوس، فهي فرصة سانحة، وغنيمة عظمى، لاستغلال هذا الشهر الفضيل بعمل الطاعات والازدياد من الخيرات.. فها هو المنادي فيه ينادي: (يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر) شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، فيه ليلة خير من ألف شهر، من قام لياليه إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن صام أيامه إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه (لله في كل ليلة عتقاء من النار) شهر تفتح فيه أبواب الجنان، وتغلق فيه أبواب النيران، وتصفد فيه مردة الجن، فليت شعري من لم يتب في رمضان متى يتوب؟! ومن لم يشمر عن ساعد الجد في رمضان متى يشمر؟! فالمحروم حقا من حُرم الرحمة والمغفرة والخير في رمضان!! ذلك الشهر الذي قال الله فيه: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} شهر الذكر والقرآن {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}والصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، شهر الابتهال والدعاء {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} فهنيئاً لمن صام وتحلى بآداب الصيام وأخلاقه، وهنيئاً لمن أشغل ليله بالتهجد والقيام وحفظ جوارحه من اللغو، والرفث وقول الزور {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} ويا خسارة من صام عن المفطرات ولم تصم جوارحه عن المحرمات! من الغيبة والنميمة والبهتان، أو اللهو والغفلة والهذيان!! (لمن لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)، (ورغم أنف من أدرك رمضان ولم يغفر له) إن أيام وليالي رمضان، أوقات مباركة، وأزمنة فاضلة، اختصها الله بعبادات جليلة، وشعائر عظيمة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ...}نعم إنها أيام معدودات وليست شهوراً أو سنين متتالية فالله يجازي على القليل بالكثير ويضاعف لمن يشاء أضعافاً كثيرة.نعم رمضان في هذه السنة عطلة وفراغ، فأين المشمرون؟ أين المتاجرون مع الله السباقون للخير المسارعون للفوز؟ فالسلعة موجودة والثمن معلوم (ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة)، {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ...}لذا فإن الغبن الحقيقي ليس في ضياع مال أو خسارة أسهم! ولكن الغبن الحقيقي والخسارة الفادحة، من أدرك مواسم الربح مع الله فضيعها وأدرك أزمنة التجارة مع الكريم ففرط فيها (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ).إن الوقت هو عمر الإنسان والوقت لا يقدر نفاسة إلا به والوقت هو أنفاس تتردد ودقات قلب تنطق قائلة (إن الحياة دقائق وثوان) والمرء سيسأل ويحاسب عن وقته عامة وشبابه خاصة (لن تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله من اين اكتسبه وفيما أنفقه وعن علمه ماذا عمل به).والمرء راع ومسؤول عن رعيته ومن هذه المسؤولية مسؤولية التربية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ...}فما أجمل أن يربي المرء أولاده على استغلال مثل هذه المواسم وحثهم على المسابقة في أداء الأعمال الصالحة، وكم هو جميل أيضاً أن تتربى الأسرة في رمضان على مائدة القرآن فتنشأ الناشئة مكتملة الشخصية ديناً وخلقاً وتربية.
http://www.al-jazirah.com/125621/rj2d.htm
المفضلات