تقدم سويسريون بطلب إلى برلمان مقاطعة (فالية) يدعو لسحب منهج جديد لتدريس الدين (يتناول المسيحية والديانات الأخرى بما فيها الإسلام للصفين الثالث والرابع الابتدائي) لأنه "ساوى بين النبي محمد وعيسى... وذكر اسم محمد أكثر مما ذكر عيسى... وفيه تطاول على الكاثوليكية".
وقال المحتجون الذين شكلوا لجنة باسم (القرابة والمواطنة) وأرفقوا احتجاجهم بألفي توقيع: إنهم اختاروا تقديم احتجاجهم للسلطة التشريعية بدلا من وزارة التعليم لتنبيه السلطات إلى الرمز السياسي للاحتجاج... وهددوا بالتقدم بـ "مبادرة شعبية" تجبر حكومة المقاطعة على طرح المنهج للتصويت لأخذ موافقة السكان.
وانتقل الاحتجاج بسرعة خاطفة إلى الأصعدة السياسية والثقافية والاجتماعية وهي : الاشتراكيون، المتدينون، العلمانيون، الرافضون للهولوكوست، الإصلاحيون، الكاثوليك، والبروتستانت...، الجميع أدلى بدلوه متحدثا عن الكتاب والإسلام *****يحية والأديان الأخرى.
موقف السياسيين
على الصعيد السياسي أصدر حزب اتحاد الوسط الديمقراطي (UDC) اليميني بيانا قال فيه: الكتاب لا يكرّس مساحة كافية للمسيحية التي ظهرت فيه مثل "فارزة غير مهمة بين اليهودية والإسلام". ويأسف البيان لغياب الكنائس والكاتدرائيات عن الرسوم الكارتونية التي احتواها الكتاب "في حين نبعت الكنس اليهودية *****اجد مثل الفطر على ورق مصقول"، على حد تعبير البيان. وتأسّف الحزب لتحدث المنهج بكثرة عن أيام السبت وشهر رمضان في حين لم يذكر الصوم الكبير عند المسيحيين (كاريم ـ بفتح الراء ـ carême) ولا أعياد الميلاد وأعياد الفصح.
رئيس الحزب في منطقة الفالية أوسكار فرايسنكر يقول "المنهج يتحدث عن الإسلام بوضوح في حين أن الفصل المخصص عن المسيح ظهر وكأنه دليل سياحي حول كيفية القيام بجولة خلال سفرة داخل فلسطين".
موقف المسيحيين
القس البروتستانتي (شفيق كشفجي) المتخصص في حوار الأديان (من أصل هندي) يقول لـ "الوطن": من المهم أن تكون لدينا مفاتيح معرفة لفهم الأديان الأخرى. لكنه يوجه انتقادا "لمُسَلَّمات" يقدمها الكتاب. يقول: "في الفصل المخصص لمحمد جاء في النص أن محمداً موحى إليه في حين أن المسيحية لا تؤمن بهذا... تماما مثلما قال النص إن المسيح قد صلب في حين أن الإسلام لا يؤمن بذلك... كان يجب أن نقول إن المسلمين يقولون كذا، *****يحيون يقولون كذا... لا نقدم مسَلَّمات."
ولا يخفي كشفجي نزعته المؤيدة لليهود بقوله: "الكتاب يقول إن القبائل العربية أعلنت تأييدها لمحمد لكنه لا يقول كيف؟ ولا يقول إن محمدا كان مقاتلا وخاض 20 حرباً... كان من الأجدر أن يتحدث الكتاب عن سبب محاربة محمد القبائل اليهودية بعد أن اتهمهم بالخيانة... كان على الكتاب أن يتحدث بتفصيل عن هذا الموضوع".
نقاد آخرون قالوا كانت هناك خشية واضحة لدى معدي الكتاب بعدم جرح حساسية المسلمين... يرد شواب: "من الممكن أننا كنا حذرين جدا إزاء الإٍسلام... لدينا عادة قديمة داخل ديانتنا المسيحية بتوجيه الانتقاد لكننا كنا أكثر حذرا إزاء الأديان الأخرى".
حصص الأديان من الكتاب
الكتاب عبارة عن جزءين: الأول (144 صفحة) لتدريس طلاب الصفين الثالث والرابع (ابتدائي) في الجزء الفرنسي من سويسرا واحتوى على أربعة فصول: للتدريس النظري وللأسئلة والتمارين. وقد قسّمت فصول الكتاب بين الأديان كما يلي:
تاريخ النبي داود (13 صفحة للدرس و24 صفحة للتمارين).
ظهور النبي عيسى في فلسطين (14 صفحة للدرس و14صفحة للتمارين).
وضع المرأة في العهد القديم (15 صفحة للدرس و12 صفحة للتمارين)
تاريخ النبي محمد وولادة الإسلام (15 صفحة للدرس و21 صفحة للتمارين).
أما الجزء الثاني (136 صفحة) فهو منهج تربوي للمدرسين يقدم طريقة تدريس المنهج لصفوف المرحلة المتوسطة وقد احتوى هو الآخر على أربعة فصول للتدريس النظري والتمارين، قسمت بين الأديان كما يلي:
تاريخ موسى (18 صفحة للدرس و24 صفحة للتمارين).
الأسبوع الأخير من حياة عيسى (16صفحة للدرس و17صفحة للتمارين).
وضع المسيحيين اليوم (12 صفحة للدرس و20 للتمارين).
تاريخ السيهدارتا وولادة البوذية (14 صفحة للدرس و19 للتمارين).
ومن مجموع صفحات الجزءين البالغة 270 صفحة خصص 93 صفحة للمسيحية، و79 لليهودية، و36 للإسلام، و33 للبوذية، و27 لوضع المرأة في العهد القديم.
موقف المسؤولين عن إعداد المنهج من الحصص
يرى توماس رومر أستاذ مادة العهد القديم في جامعة لوزان، وأحد مراجعي الكتاب الذي تعرض لانتقادات بدعوى تقديمه دعاية لأديان أخرى على حساب المسيحية: "المنهج متوازن جدا... والكتاب يستمد جذوره من تعاليم المسيحية واليهودية وأن مساحة كبيرة منه خصصت للديانتين... ولا يحتوي على مقاصد لقدح المسيحية ومدح الإسلام". يضيف: أولئك الذين اغتاظوا من الكتاب فاتهم أنه كتاب جدّي لتدريس الأديان "وليس موعظة لتلقين التعاليم المسيحية".
يرد القس البروتستانتي كلود شواب، وهو أحد المسؤولين عن المنهج على انتقادات مماثلة: "تشغل المسيحية واليهودية ثلاثة أرباع المنهج فيما كرس الربع الباقي لاكتشاف الديانات الأخرى وهذه النسب تتلاءم مع نسب الديانات الموجودة في البلاد.
ملاحظات للمسلمين لم يؤخذ بها
أنيطت مهمة مراجعة الفصل المخصص للإسلام للأستاذ الجامعي سليم بن يونس وهو في الوقت نفسه إمام مسجد الجامعة التقنية العليا في لوزان. يقول الهدف من الكتاب خلق معرفة لدى التلاميذ الصغار عن الفوارق بين الأديان بهدف تطوير أحاسيسهم للانفتاح واحترام رفاقهم الآخرين... لكن الهدف لم يحترم لأن عدة فقرات عن الإسلام غير صحيحة. يؤكد ابن يونس لـ "الوطن" أنه قدم العديد من الملاحظات لكن لم يؤخذ بغالبيتها. يقول "أنا غير مسؤول عن الكثير مما قيل عن الإسلام في المنهج، فالكثير من ملاحظاتي لم يؤخذ بها، ولهذا طلبت ألا يوضع اسمي على الكتاب". وقد أكد شواب طلب ابن يونس هذا. بالرغم من ذلك فقد ظهر اسم ابن يونس على الكتاب عن طريق الخطأ.
ملاحظات للمسلمين أخذ بها
يقول ابن يونس لـ "الوطن" من الملاحظات القليلة التي أخذ بها قول المسودة الأولى للكتاب إن العرب ما كانوا يعرفون كلمة "الله" قبل الإسلام وقد أخذوها من كلمة (ألوهيم) التي كان يستخدمها اليهود. وقد تم حذف هذه الفقرة بعد التأكيد على معرفة العرب للكلمة وأن أبا الرسول صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله. ومن الأمور التي تم تعديلها قول المسودة الأولى إن القرآن لم يتحدث عن النبي إبراهيم إلا في السوّر المدنية بزعم أنها محاولة لاسترضاء اليهود... وقد أكد ابن يونس للجنة إعداد الكتاب أن الكثير من السور القرآنية التي تحدّثت عن النبي إبراهيم هي مكيّة. وقد تم الأخذ بهاتين الملاحظتين باعتبارهما خطأين فادحين، فيما أهملت الملاحظات الأخرى.
نقاط اعتراض المسلمين
النقطة الجوهرية التي أثارت اعتراض المسلمين ما جاء حول حياة النبي محمد بعد هجرته إلى المدينة، نقرأ: "في المدينة لم يكن محمد وأتباعه في ديارهم: كانوا مهاجرين، لم يكن لديهم سوى القليل من المال، والأرض لم تكن لهم كذلك... ومن أجل أن يؤمنوا عيشهم فقد استولوا capturent على الجمال واستحوذوا emparent على بضائع قوافل المكيّين". وتقول فقرة أخرى في الكتاب: "واجه المسلمون القادمون من مكّة شحة في الموارد... وعلى عادة البدو القديمة شن محمد الغزوات (للاستيلاء على البضائع والجمال) مستهدفاً القوافل المكّية على طريق سوريا".
يقول سليم بن يونس: هذه الفقرة تتضمن "أحكاما سلبية عن الإسلام وذلك بتعمدها استخدام مصطلحات قدمت محمداً كما لو كان رئيس مجموعة من قطاع الطرق". ويضيف أن معدّي الكتاب أحرار في الحكم على الإسلام مثلما يريدون لكن من واجبهم أن يحترموا، في منهج يخاطب الأطفال، القواعد التي من أجلها وضع الكتاب... وعلى المدرسة أن تقدم للأطفال بدقة ما يؤمن به أصحاب الديانات عن ديانتهم وليس ما يؤمن به معدو الكتاب عن ديانات الآخرين. يقول: هذا الجانب لم يحترم في الكتاب وأخشى أن يؤثر على إيمان الأطفال المسلمين بديانتهم. وقال متهكما: "أخشى أن يقوم الأطفال المسلمون بتطبيق ما ذكر لهم عن الإسلام فينهبون زملاءهم في الفصل".
يقول ابن يونس إنه أكد في ملاحظات لم يؤخذ بها أن النبي صلى الله عليه وسلم حرّم الغزوات وأن المسلمين لم يهاجموا القوافل المكّية للاغتناء بل كان إجراء لمقابلة المثل بمثله تجاه أناس كانوا قد صادروا ودمروا ممتلكات المسلمين في مكة بمن فيهم النبي محمد.
من جانبه يقول شواب إن الكثير من المسلمين وجهوا لنا لوماً شديداً بسبب ما ذكر عن الغزوات.
نشر رسوم للرسول والصحابة
اعترض المسلمون أيضا على نشر الكتاب رسوماً للرسول والصحابة وزوجته خديجة رضي الله عنها مأخوذة من الكتب الفارسية التي اشتهرت بها. من بين الرسوم: محمد يرضع وهو بين ذراعي مرضعته حليمة السعدية، خديجة في سطح منزلها وهي تنظر إلى محمد عائداً لها من تجارته، الملك جبريل وهو يسلم رسالة النبوة لمحمد، صحابة الرسول وهم يبنون في المدينة أول مسجد في الإسلام، تشييع أبو طالب عم النبيّ... إلخ.
التركيز على القضايا الفرعية

اعتبر المسلمون أن الكتاب ترك القضايا الجوهرية عن الإسلام ليتناول المماحكات والخلافات الفرعية كاتهامه للخليفة عمر رضي الله عنه بأن له مواقف معادية للنساء، وأن الباب الذي فُتح للمساواة بين الرجال والنساء سرعان ما أغلق في عهد الخليفة عمر، والحديث عن خلاف بينه وبين السيدة أم سلمة الزوجة السادسة للرسول بسبب حقوق المرأة، وحرمانه للسيدة فاطمة بنت محمد من حقها في الميراث، وعدم تمكن فاطمة من الدفاع عن حقوقها...إلخ
الإساءة لبعض الأنبياء
انتقد المسلمون أيضا ما ينقله الكتاب عن الكثير من (الإسرائيليات) من بينها قصة قتل موسى لمصري كان يتقاتل مع عبراني بصورة تسيء إلى مكانة النبي موسى، واحتجوا أيضا على ذكر الكتاب أن "النبي داود دبّر قتل قائد جنده (أوريا) بإرساله إلى الصف الأول في معركة وإعطائه توجيهات إلى القواد الآخرين ليدفعوا به إلى الهلاك كي يتخلص منه ويتزوج من زوجة قائد الجند، التي كان قبل ذلك قد زنى بها بعد أن شاهدها تستحم".
يقول ابن يونس إن الصورة عن الأنبياء عند المسيحية واليهودية هي غير ما عندنا في الإسلام ومثل هذا التصوير من شأنه أن يشوّش ذهن الطفل المسلم.
أما جان كلود بازيه المتخصص في الحوار بين الديانات والإسلام، والمشارك في إعداد المنهج فيقول: "إن داود بالنسبة للمسلمين هو نبيّ، فهم لا يستطيعون أن يتصوروا أنه قاتل ولا يقبلوا نعته بالقاتل أو الزاني طبقا لما جاء في العهد القديم.

إلصاق قضايا بالإسلام غريب عنها
اعترض المسلمون أيضا على احتواء الكتاب على أحكام وتصورات مسبقة عن الإسلام وإلصاق قضايا به هو غريب عنها. في القسم المخصص عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم والسيدة خديجة هناك ملاحظة تتحدث عن ال**** في الإسلام تقول: "عند المسلمين الآباء هم عادة من يتولون مسؤولية اختيار أ**** أبنائهم وبناتهم".
يقول ابن يونس، مثل هذا التأكيد غير وارد في كتب الأحاديث الصحيحة بل أعطى الرسول كل فرد الحق في اختيار شريكه. ويشير الكتاب في فقرة أخرى إلى أن "الإسلام ينظر للعزوبية كأمر معيب سواء كان ذلك للرجل أو المرأة". يقول ابن سليم إن هذا لا يوجد في تعاليم الإسلام وإن نقل هذه الصورة للطفل المسلم سيجعله يعتقد أنه ممنوع عليه البقاء دون ****. وهناك فقرات مثيرة للجدل في الفصل الذي يتحدث عن مكانة المرأة في الإسلام. واحدة تؤكد "أن ال**** والإنجاب هو القدر الحتمي للمرأة،" وأنه "باستثناء المنزل فللمرأة أدوار صغيرة يمكن أن تلعبها في المجتمع".
في الكتاب رسم تخطيطي يعلّم الأطفال كيف يرسمون السيدة خديجة في منزلها وهي تنتظر الرسول الكريم متوجها إلى المنزل، كما يعلم الكتاب الأطفال كيفية رسم "يد فاطمة"، التي شرحها بأنها: "واحدة من أكثر الرموز الإسلامية انتشارا في العالم الإسلامي"، وهي "علامة للقوة، والبركة، وطرد الحسد". يقول ابن سليم هذه التأكيدات ليس لها أساس في الإسلام... ومن الخطأ جعل الأطفال يعتقدون بأمور دخيلة على الإسلام فبهذا نكون قد دفعناهم للإيمان بالوهم.
كما تضمن الكتاب صورا عن نقوش الحناء على اليد، وقدم للأطفال سلسلة من القصص لا علاقة لها بالإسلام البتة مأخوذ بعضها من كتاب إدريس شاه بالفرنسية بعنوان "حكايات الدراويش Contes Derviches".
بعض الإنصاف للإسلام
بالرغم من ذلك هناك جوانب إيجابية في الكتاب فهو يؤكد أن الإسلام ساهم في بناء الحضارة الإنسانية وأن المسلمين برعوا في علم الفلك والملاحة والرياضيات وهم من اكتشف الصفر... أما عن صدر الإسلام فيقول الكتاب إن الكثير من المكيين التجار والأغنياء رفضوا دعوة الإسلام لأنه ساوى بين الناس وطلب من الأغنياء أن يعطوا من ثروتهم للفقراء.
انقسام المسلمين حول المنهج
هناك أقلية من مسلمي سويسرا ممن يعتقدون أن مبدأ تدريس الإسلام في مدرسة بدولة غربية "أمر جيد"، وأن تدريس المنهج على علله أفضل من لا شيء مع إمكانية تصحيح الأخطاء الواردة فيه مستقبلا.
الغالبية العظمى ترى العكس، تقول إن الغرب يريد أن يظهر وكأنه يولي أهمية للإسلام *****لمين لكنهم يحرمون على المسلمين كتابة المادة الخاصة بدينهم بل يحرمونهم حتى من المشاركة بإعدادها فيقوم مسيحيون ورهبان بكتابة المادة استنادا لما وضعه المستشرقون والرحّالة عن الإسلام. ويؤكدون أنها "عقلية وصاية" مازالت قائمة عند الغرب. يقول هؤلاء: إذا كان الغرب يريد أن يدرس الإسلام لأبنائه وأبناء المسلمين فعليه أن ينيط المهمة للمسلمين أنفسهم، تماما مثلما يدرّس المسيحيون الديانة للمسيحيين، واليهود لليهود (في مدارسهم الخاصة).
ويضيف هؤلاء: إن الطالب المسلم ابن التسع سنوات سيصاب ذهنه بالتشوش عندما يدرس في هذا المنهج أن المسيح هو الله أو ابن الله عند بعض الطوائف المسيحية، ثم يدرس في الإسلام أن عيسى رسول الله ونبيه وليس ابنه.