3-محبة الصوفية للرسول صلى الله عليه وسلم
تتحدد محبة الصوفية للرسول صلى الله عليه وسلم من خلال نظرتهم لشخصيته صلى الله عليه وسلم فهم يعتبرونه" كلمة " الله أو نور الله الذي كان له وجود قبل الخلق، بل كان وجود الخلق من أجله .وتظهر هذه الكلمة الإلهية في كل دورة من الزمان في صورة الأنبياء ،أي أنها أزلية ظهرت بدءا مع الأنبياء ثم اكتملت بظهور الرسول صلى الله عليه وسلم ،ثم تواصلت في شخص الأولياء. (1) ولهذا قال أبو العباس القصاب " لم يمت محمد صلى الله عليه وسلم وإنما الذي مات استعدادك لان تراه بعين قلبك " (2)

وأطلق بعض المتصوفة كمحيي الدين بن عربي وعبد الكريم الجيلاني على رسول الله صلى الله عليه وسلم اسم " الإنسان الكامل".وفي هذا المعنى يقول عبد الكريم الجيلاني " اعلم أن الإنسان الكامل نسخة من الحق ... ثم اعلم أن الإنسان الكامل هو الذي يستحق الأسماء الذاتية والصفات الإلهية استحقاق الأصالة والملك بحكم المقتضى الذاتي " (2) .

وقال صدر الدين – وهو تلميذ بن عربي – " إن الحق تعالى لما تجلى لذاته وشاهد جميع صفاته وكمالاته في ذاته، وأراد أن يشاهدها في حقيقة تكون له كالمرآة ،أوجد الحقيقة المحمدية التي هي جميع أهل النوع الإنساني "(3).
ولهذا يقول الصوفية أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول " من راني فقد رأى الله " (4 )

ولما كان الحب عند الصوفية هو فناء المحب في المحبوب ،ولما ادعوا الاتحاد بالله والفناء فيه ،فلم يستعص عليهم القول بالاتحاد بالرسول صلى الله عليه وسلم والفناء فيه بدعوى محبته .

فلا يكفي في نظرهم تقليد الرسول صلى الله عليه وسلم في أفعاله وأخلاقه، بل تاقت نفوسهم إلى دوام حضوره معهم ،لذا يراه المريدون في شتى الصور في النوم واليقظة ..ورؤيته في المنام من الأمور العادية في الحياة الصوفية .فقد حكي عن أبي سعيد الخرازانة انه قال " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت :أرسول الله ،اعذرني فإن محبة الله تعالى شغلتني عن محبتك .فقال :يا مبارك من أحب الله فقد أحبني " (5)

..................................................


1- "انظر التصوف الإسلامي " ألبير نصري نادر ص 28
2- "التصوف الإسلامي "ص.29
3- " رسالة التحقيقات الأحمدية في حماية الحقيقة المحمدية " لأحمد بن إسماعيل بن زيد العابدين بن البرزنجي ص.37
4- " التصوف الإسلامي "ص.29
5- المرجع السابق ص.84



وللصوفية طرق خاصة في التعبير عن المحبة :كإقامة حلقات الذكر التي يردد فيها اسم "الله" وقراءة بعض الأوراد، مع توجيه القلب توجيها تاما نحو الله تعالى .وقد يصحب هذا التوجه القلبي وسائل أخرى مثل تعذيب البدن أو حبس النفس وغير ذلك من الأمور التي تؤدي إلى محو شعور الصوفي بذاته تدريجيا ،ووقوعه في حالة تشبه الغيبوبة .وأحيانا يصاحب حفلات الذكر الموسيقى والغناء .وتتدرج هذه الطرق حتى تصل إلى درجة الفناء حيث يبطل شعور المتصوف بكل ما حوله ويخيل إليه أنه قد اتحد بمحبوبه .

إن المتأمل في نظرة الصوفية للمحبة بشكل عام ولمحبة الرسول صلى الله عليه وسلم بشكل خاص؛ ليجد غلوا وبعدا عن عقيدة التوحيد الإسلامية. لأن قولهم أن "الإنسان الكامل نسخة من الخالق " شرك عظيم لما فيه من مخالفة لمبدأ التوحيد الذي أقره الحق سبحانه ﴿قل هو الله احد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا احد ﴾

كما أن قولهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال "من رآني فقد رأى الله" افتراء عظيم لان الحديث الصحيح الثابت عند البخاري هو " من رآني فقد رآني فإن الشيطان لايتمثل بي "(1) .

أما طرقهم في التعبير عن هذه المحبة من إقامة حفلات للذكر مصحوبة بالموسيقى والغناء ثم التدرج في ذلك حتى يبلغ الصوفي درجة الفناء؛ فإننا لن نجد ردا عليها أبلغ من قوله عز وجل ﴿ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ﴾ .أي أن إتباعه صلى الله عليه وسلم والاقتداء به وإحياء سنته والذب عنها هي أبلغ الطرق وأجملها للتعبير عن حبه صلى الله عليه وسلم.




.................................................. ...

1-صحيح البخاري 8/402كتاب "التعبير" باب – من رأى صلى الله عليه وسلم النبي في المنام –





إن الإسلام دين شامل، يهتم بالظاهر كما يهتم بالباطن .والإيمان كما هو تصديق بالقلب هو أيضا نطق باللسان وعمل بالأركان .فلا يكفي أن نتذكر عهد النبي صلى الله عليه وسلم ونتأسف على فواته ؛لايكفي أن نقول نحن نحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ بل يجب أن تكون أعمالنا ترجمانا حقيقا لما في قلوبنا ،وأن نتبع من نحب ونعلم أن طاعتنا للرسول صلى الله عليه وسلم هي طاعة لله عزوجل ومحبته صلى الله عليه وسلم محبة لله عزوجل ؛لان الحق سبحانه ربط بين الأمرين معا في غير ما آية .


ولندع كلمتنا الأخيرة وليست الآخرة لمحمد قطب في تأملاته لواقع المحبة النبوية، وصرخته ضد هذا الواقع المرير ،حيث يقول " إن ما حدث ويحدث ليعتبر جرما عظيما وزيغا عما أراده الله عز وجل للبشرية ..إن الله سبحانه وتعالى لما أوجب محبة المصطفى صلى الله عليه وسلم أراد بها تلك الحبة الايجابية المثمرة التي تخفق بذكر المحبوب، لكن أيضا ترفض سجنه في قفص وجدانها بل تسعى جهد ما تستطيع إلى تشخيص صورة ****** ونشر مبادئه وتعاليمه حتى تصبح صورته ملء النفوس وملء الحياة في ذات الوقت " (1)



.................................................. .............


1- قبسات من الرسول صلى الله عليه وسلم " ص.12