اللون الاخضر اللون الازرق اللون الاحمر اللون البرتقالى
تغذية المنتدى صفحتنا على تويتر صفحتنا على الفيس بوك

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 5 من 8

الموضوع: ة "قوي الاحساس" قص رائعة لا تدعوها تفوتكم

  1. Top | #1

    تاريخ التسجيل
    24 - 1 - 2008
    اللقب
    تربوي جديد
    معدل المشاركات
    0.00
    المشاركات
    7
    معدل تقييم المستوى
    0

    توضيح ة "قوي الاحساس" قص رائعة لا تدعوها تفوتكم

    (ليال)
    تقف اليوم أمام عيني شاب في عمر الزهور تهديني أسعد لحظات حياتك، أتذكرك عندما كنت رضيعا بين يدي أسأل نفسي ماذا أفعل بك، واليوم تحملني على اكف السعادة و تقول تفضلي يا أمي هذا ابنك الذي لطالما حويته بين جنبات صدرك و خفت عليه من ظلمات المكان ها هو يهديك نورا يشع من عينيه نور أضاء المكان كله فرحا و بهجة، اليوم أدركت بأنك يا بني نور عيني أدركت بأنك حقا قوي الإحساس.
    سأحكي لكم قصة "قوي الإحساس" لا لتبكوا أو تضحكوا لا لتحزنوا أو تفرحوا و لكن لتنظروا إلى حياتكم وتعتبروا.
    قبل أكثر من عشرين تزوجت من رجل يدعى "ياسر" كان ****ا سعيدا في بدايته إن أمكن قول ذلك، على الأقل من وجهة نظري أنا، كان نعم الزوج الطيب و الحنون و الخلوق و ازدادت سعادتنا سعادة عندما جاء "مروان" إلى عالمنا و أضاء بضحكته أركان البيت كانت حايتنا سعيدة هانئة و لكن بدأت تصرفات "ياسر" تتغير شيئا فشيء و تحول فجأة إلى شخص لا مبال و حتى قاس في بعض الأحيان حدث معه شيء جعلني أحس بأنه أصبح يكرهني و يكره حتى أبنه، ولكن كلما سأله لا يجيب، زاد الأمر سوءا عندما أصبح لا يطيق المكوث بالبيت و صار يمضي جل وقته أما في العمل أو في بيت والدته، ومع هذا فقد اعتبرت الأمر مجرد حالة عابرة و سيعود إلى سابق عهده أو ربما هي مشاكل العمل أو......... و لكن ما من شيء تغير بل زادت حالته سوءا سألت والدته و لكنها لم تفدني بشيء و أحسست بأنها تخفي شيئا ما، المهم بقي على حالته هذه شهورا وبقيت أنا أجد له كل يوم الأعذار و راء الأعذار عله يعود يوما ما إلى ما كان عليه.

    (ياسر)
    بعد أن عادت "جمانة" و أعادت معها كل الذكريات الجميلة ، ذكريات الشباب و السعادة، ذكريات الحب الأول الذي كتب له ينتهي قبل أن يبدأ، عادت "جمانة" اليوم لتحيي في قلبي ما ظننت بأني قد قتلته يوم اجبرها والدها على الرحيل و تركي ورفض ****نا، عادت " جمانة" اليوم لتقلب حياتي رأسا على عقب، عادت و في لحظة رأيتها هدمت حياتي مع" ليال" نسيت أن لي أبنا و زوجة و أن لي حياة جديدة غير التي كانت مع "جمانة"، عادت و بعودتها كان علي أن اختار بينها و بين حياتي الجديدة، بين ما يجب أن أفعل و ما أود أن أفعل، ضللت بين النارين احترق إلى أن قالت "جمانة": لقد عدت لأجلك يا "ياسر" لكي نتزوج لن يفرق بيننا احد. في تلك اللحظة اخترت طريق حياتي الجديد و تخليت عن كل شيء، كان ذلك ما رأيته حقي في أن أعيش سعيدا، أما "ليال" فأنا لن أقدم لها شيئا غير التعاسة، ولكن ما كان يؤرقني ابني "مروان".
    قررت وكان قرارا نهائيا قلت لأمي:
    - سأتزوج جمانة و نرحل خارج البلاد.
    عارضت أمي وبشدة و كادت تتبرأ مني لولا أني استطعت أن ألمس قلبها الحنون بدموعي و أكدت لها باني لا أستطيع العيش بعد اليوم مع ليال و أني سأطلقها، أما أبني فكان ذلك ما ينغص علي حياتي الجديدة.
    انتهى و اتخذ القرار ركبت الطائرة مع زوجتي جمانة و تركت كل شيء ورائي و بدات حياتي السعيدة.

    (ليال)
    أمسكت الورقة بيدي و أنا غير مصدقة ما جاء بها، حاولت استرجاع بعض الأحداث الماضية علها تحمل ما يبرر هذا القرار، ا هكذا دون مقدمات ترمي بوجهي ورقة الطلاق ما الذي فعلته، ماذا حدث بيننا ؟
    حملت نفسي و ذهبت إلى بيتي حماتي أسأل عن صحة الأمر و أسأل عن مكان ياسر قابلتني بوجه يدل على أن الأمر مؤكد و صريح و لكن وراءه قصة كانت ضحيتها الأولى و الوحيدة انا و الصغير مروان، المهم روت حماتي أو والدة طليقي القصة على أنقاض حياتي وهي تتحسر على ما فعل أبنها و تعتذر وتتأسف.
    كانت قصة رومانسية جميلة انتهت ب**** سعيد للحبيبين و لكنها خلفت ورائها امرأة محطمة و رضيعا يبكي ولا يدري لما يبكي، تركنا والدك لأجل حبيبته "جمانة" كيف سأخبرك يا بني أنت لن تفهم هذا ما يسمونه القدر.
    عدت إلى بيتي المحطم و دخلت غرفتي أقفلت على نفسي الباب، و غرقت في بحور دموعي علها تغسل رماد نفسي المحترقة، بكيت وبكيت على كل شيء على الخيانة على فقدان الزوج على الرضيع الذي صار بدون أب، بكيت على " ليال" المسكينة التي أصبحت مطلقة دون سابق إنذار،ولكن السؤال الذي كانت تغطيه دموعي هو ماذا أفعل الآن؟ هل أغرق في بحور دموعي وأتحسر على ما جرى؟، أو هل أواصل حياتي كأن شيء لم يحدث و اعتمد على نفسي؟. كنت مجبرة على الاختيار الثاني لأن " مروان" كان موجودا في حياتي و لن استطيع أن أقدم له شيئا بدموعي و حسراتي التي ظننت أن طلاقي من ياسر سيكون آخرها و لكن ما يخبؤه الزمن كان قاسيا جدا علي و على "مروان".
    بعد أيام و بعد أن صفت نفسي و ذهب بعض الهم و الحزن واجهت العائلة بخبر طلاقي من "ياسر" طبعا كما كان متوقعا ثار الجميع و هاجوا و لأن صاحب الجريمة سافر فقد كانت ثورة ما فتات أن خمدت بعد أن واجهتها بقولي: "هذه حياتي ولا دخل لأحد فيها".
    عدت إلى عملي غير آبهة بنظرات زملائي وزميلاتي لأن الحال تغير فقد صرت الآن " المطلقة"، لبست ثوب الشجاعة ووشحت اللامبالاة في مجتمع يحطم الصخر بعقده وعاداته الغريبة فقد كان همي الوحيد "مروان" وفقط هو لأني قررت أن لا اتركه لمثل هذا المجتمع الذي لا يرحم قررت أن أكرس نفسي وكل جهدي في سبيل أن أراه رجلا صالحا ناجحا.
    صارت ابتسامة ابني "مروان" البلسم الشافي لكل جراحي و الماء البارد الذي أطفأ الحروق التي تركها في نفسي الزمن، صارت كل ضحكة منه فمه الندي حياة جديدة أعيشها شعرت بالنعمة التي منحها الله لي بعد أن تعرضت للظلم، شعرت بسعادة ما بعدها سعادة وأنا امضي جل وقتي في ملاعبته ومداعبته وهو يضحك و ينطق بحروف لا معنى لها ولكنها بالنسبة لي كانت أجمل الكلمات و أعذب الألحان، كانت لحظات أنسى فيها ماضي الأيام الحزينة.

    (ليال)
    بلغ "مروان" عامه الأول وبلغت سعادتي الحدود وفرحتي عمت الأفاق بولدي الذي سيصير سندي في حياتي وما هي إلا سنوات حتى الرجل الوحيد فيها، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه. بما اني كنت أدرس في الجامعة نصف الأسبوع الأول فقد كنت اترك "مروان" في رعاية والدتي أما باقي أيام الأسبوع فقد كانت له وحده. وفي أحد الأيام عدت وفي أحد الأيام ذهبت إلى بيت أهلي لأخذ "مروان" طلبت أمي مني المكوث للغداء قالت بأنها لم تعد تراني كثيرا هذه الأيام ، طبعا بقيت و من اعز من والدتي ******ة رغم كثرة مشاغلي يومها.
    بعد الغداء جلسنا أنا وأمي نتجاذب أطراف الحديث و"مروان" نائم بيننا كملاك، وعينان لا تكاد تفارقه وما ننفك نذكره كل دقيقة ، بعد صمت قالت أمي في قلق:
    - حسنا اخبرني يا ابنتي الم تلاحظي شيئا على "مروان"؟
    سؤال غريب ماذا يمكن أن ألاحظه؟ سألت السؤال في نفسي ثم وجهته لها قائلة:
    - ألاحظ ماذا؟
    ضحكت من كلامها ولكنها كانت جادة هذا ما بدا في وجهها فدب القلق في نفسي فسألتها:
    - ماذا ما الأمر خبريني هل يعاني مروان من خطب ما؟
    ترددت قليلا ثم قالت:
    - حسنا لا أريدك أن تقلقي و لكن هناك شيء غريب في " مروان" فهو غير نشيط ولا يتجاوب مع حركة الأشياء من حوله الأطفال في سنه يتبعون حركات كل الأشياء من حوله و يحاولون تلمسها و لكن أبنك لا يفعل بل يتفاعل فقط مع الأصوات من حوله.
    نظرت في وجهها مستغربة فلم أفهم ما تقصد ثم نظرت إلى "مروان" وهو يغط في نوم عميق، بدت لي مجرد تهيئات، ولكن أمي تملك الخبرة الكبيرة في تربية الأولاد و يمكن أن يكون ما قالته صحيحا ولكن ماذا تقصد بقولها هذا؟ سألتها على الفور:
    - ماذا تقصدين بقولك يا أمي أنا لم أفهم ؟
    بدت قلقة عندما قالت:
    - لست متأكدة ولكن يبدو أن عيناه تشكوان خطبا ما.
    صرخت قائلة:
    - عيناه؟؟؟
    اهتز مروان المسكين لصرختي فسميت عليه فعاد إلى نومه من جديد، قلت لأمي:
    - أمي هذه مجرد تخيلات "مروان" طفل هادئ بالعادة وليس من الأطفال المزعجين هذا فقط.
    قالت مستسلمة:
    - حسنا أرجو ذلك، أنصحك بأن تأخذيه إلى الطبيب لتتأكدي؟
    حملت "مروان" وخرجت من عندي أمي تمنيت لو لم أبقى للغداء لن ما قالته قد زرع الخوف والفزع في نفسي وأذهب راحة البال، طول الطريق إلى البيت وأنا أحملق فيه كان نائم في حنانا غير مدرك لما يدور حوله وأنا أسأل نفسي إن كان يعاني خطبا ما، تمنيت في تلك اللحظة لو ينطق ويقول لي : يا أمي أنا لا أشكو من شيء. عندما وصلنا البيت وضعته في سريره وأنا انتظر بلهفة متى يفيق وأتأكد بأنه بخير، ظل الوسواس ينخر في نفسي كيف لم ألاحظ شيئا عليه من قبل؟ كيف أن يكون ملاكي الصغير يشكو شيئا ولم أحس بذلك كيف إذن أكون أما؟ فجأة سمعت صراخه يخترق جدران الغرفة هرعت مسرعة إليه وحملته بين يدي ونظرت إليه هل من شيء غريب؟ لا ادري ولكن كيف سألاحظ وأنا لم أفعل ذلك من قبل.
    المهم خطرت ببالي فكرة أعدت مروان إلى سريره ، أحضرت لعبته الخاصة وكانت تصدر صوتا بمجرد تحريكا في البداية وضعتها أمام وجهه ولكنه لم يهتم لأمرها وبقيت عيناه معلقة في الهواء ولكن بمجرد أني حركتها وأصدرت صوتا حتى اهتزت عيناه واتجهت لمصدر الصوت، أخذت أحرك اللعبة يمنة ويسرة وهي تصدر الأصوات وهو يتبعها بعينيه، ارتعشت أوصالي وبدا قلبي يخفق بشدة يبدو أن ما قالته أمي جزء من الحقيقة والجزء الآخر سيؤكده الطبيب. بت تلك الليلة على الجمر أنتظر متى يطلع الصبح حتى أكون عند الطبيب ويقول لي ابنك بخير و لكن تلك الساعات كانت كأنها سنوات وما كادت تنتهي حتى أحسست باني قلبي سينفجر من القلق.
    حملت أبني إلى طبيبه الذي اعتدت على مراجعته منذ الولادة فحصه و لم يشأ أن يقول شيئا أخبرته بشكوكي أو بالأحرى شكوك أمي ولكنه لم يشأ أن يؤكد لي شيئا بل أرسلني إلى طبيب آخر مختص في طب العيون، وفحصه هو الآخر وأجرى له اختبارات الأشعة وقال بأن آتي لآخذها غدا، غدا هذا مستحيل قد أموت كمدا قبل أن يأتي الغد أخبرته باني سأدفع أموال الدنيا لأعرف النتيجة حالا، طبعا لم يجد إلا أن يستسلم أمام إصراري. بعد ساعتين من الزمن خرجت نتيجة الفحوصات واستدعيت إلى مكتب الطبيب وبعد اخذ ورد وتردد قال الطبيب وما كاد يفعل حتى انهارت قواي ولم تعد قدماي تحملاني: أبنك يا سيدة ضرير منذ الولادة آسف لقول هذا ولكن ما من شيء يمكن فعله.
    هكذا بكل بساطة ابنك ضرير يا سيدة ماذا يعني هذا؟ بقيت أقلب الكلمة في رأسي وأبحث لها عن معنى محدد ووجدته أخيرا، هذا يعني أن ابني لم يرى يوما وجهي وجه والدته، لم يرى ابتساماتي وضحكاتي،ابني لا يعرف من ألوان الدنيا التي لم تتفتح بعد أمام عينيه سوى اللون الأسود، ابني الذي اعتبره نور عيني لا نور في عينيه، كانت ضربة قسمت ظهري وقلبي وحطمت آخر أمل لي في حياة تعمها السعادة ويحتضنها الفرح، ضربة أصابت كبدي الذي لا يمكن أن أعيش به وهو عليل.
    حملت أبني وخرجت من عندي الطبيب وذهبت مباشرة إلى بيت والدتي تركت "مروان" هناك، ادعيت أن لدي عملا وقد أتأخر وعدت إلى بيتي، دخلت غرفتي وأقفلت على نفسي الباب وارتميت على السرير وانفجرت باكية بكيت وبكيت حتى كاد قلبي ينفطر وجفت دموع عيني ورفضت الخروج من مقلتي.
    كيف أتصرف الآن؟ ماذا أفعل؟ كيف أستطيع تربيته وهو على هذه الحال وأنا لم أكد حتى أحس بوجوده في حياتي وهو بحاله الطبيعية أو التي كنت أظن أنها طبيعية، وأنا لم أكد ألملم حطام نفسي الذي خلفه هجر "ياسر" لي، وأنا لم أكد اعرف معنى الأمومة، ماذا أفعل بك يا أبني الضرير؟؟؟؟
    تمنيت للحظات لو أني لم أتزوج، لم أرزق بطفل أصلا، تمنيت لو لم أولد في هذه الحياة لأرى حياتي بهذا الشكل.... نمت في بحر دموعي وحلمت بلاشيء فلم تعد هناك أحلام أو كوابيس يمكن أن تصف حياتي هذه هذا ما رسخ في ذهني في تلك اللحظات القاسية، نمت لساعات وافقت وأنا أصرخ وأنظر حولي مروان، مروان، مروان أين أبني؟ تملك الرعب نفسي ثم أدركت الحقيقة وعدت إلى الواقع، جلست على السرير أفكر وأفكر ثم تراءى إلى ناظري المصحف موضوعا فوق المكتب اتجهت إليه وقد كان ملجئي الأول والأخير ولكني كنت أكابر، قرأت وقرأت حتى أحسست بان نار قلبي بدأت شيئا فشيء تخمد وتنطفئ لأني في الأخير لم أجد غير الله أنيس في منحتي، قمت وصليت ركعات واستغفرته وتبت إليه وشكرته على نعمه.
    خرجت من بيتي مسرعة إلى بيت أمي كان شوقي لأبني يفوق كل شعور وكأني لم أره منذ أيام، عندما دخلت البيت كانت أمي تحمله بين أحضانها اختطفته منها واحتضنته بقوة واعتذر له مرارا وتكرارا وأمي تنظر في استغراب، عدت إليك يا بني لست أنا من تترك فلذة كبدها لست أنا. أخبرت أهلي بالحقيقة وقد حاولت أن أظهر رباطة جأشي وكأن الأمر لم يؤثر في بقدر ما يعتقدون، صدموا للخبر و لم يصدقوا الأمر وطلبوا مني زيارة أكثر من طبيب للتأكد وإذا لزم الأمر سننقله إلى خارج البلاد للعلاج.
    مر العام سريعا بين الانتقال من طبيب إلى آخر ولكن ما من فائدة كان الأمل معدوما في ان يبصر "مروان" النور حتى بعملية جراحية، انتهى العام باستسلامي للواقع وقبوله كما هو ضريرا كان خوفي كله على "مروان" من ما ينتظره في هذا العالم الذي لا يرحم الأصحاء فما بالكم بطفل ضرير، كان همي الوحيد أن اجعل شخصيته قوية كي يواجه هذا العالم والطريقة الوحيد لفعل ذلك هي أن أعامله كطفل سليم كي لا يحس بأي نقص اتجاه نفسه ولكي يعتمد عليها.
    مرت السنوات الأولى سريعا وبدأ "مروان" يكبر شيئا فشيئا ويدرك حقيقة حالته ولكن ما أسعدني هو أن البيت صار يزهو بصوته وهو يتكلم ويغني وينادي ماما وأهم شيء هو حبه الشديد لي لدرجة انه لا يتذمر ولا يتألم أبدا أمامي إذا تعرض لمضايقات من باقي الأطفال و لم يسألني يوما لماذا يا أمي أنا هكذا؟ مع أني أعلم بأنه يطرح هذا السؤال الآف المرات على نفسه كان حقا قويا رغم صغر سنه.
    عند بلوغه سن الخامسة أدخلته مدرسة خاصة بالمكفوفين وقد وجد راحة كبيرة في الاختلاط مع أقرانه، وبدأ يتعلم القراءة والكتابة بطريقة براغ وتعلمتها أنا أيضا معه كي أستطيع مساعدته في الدراسة، كنت أقله بالسيارة ذهابا وإيابا إلى المدرسة لأني كنت لا أتحمل أن اتركه وحيدا في الشارع وهو لا يرى فيه غير اللون الأسود، المهم كنت أحرص دائما أن يكون مرتاحا و في مأمن من أي مضايقات سواء من أقرانه في المدرسة أو حتى في الشارع.
    أذكر مرة أني تأخرت في الذهاب لأعيده من المدرسة وعندما وصلت أخبرتي معلمته بأنه غادر المدرسة أرتجف قلبي من الخوف والرعب، خرجت كالمجنونة أبحث عنه في الشارع المؤدي إلى المدرسة وبعد أن فقدت الأمل في إيجاده وقد هممت بالاتصال بالشرطة إذ بي ألحمه جالسا في احد المطاعم يأكل البطاطا المقلية هادئا وادعا كنت سأوبخه بشدة من خوفي عليه ولكني لم أشأ أن افعل وإنما تظاهرت بان الأمر عادي حتى لا يشعر بالنقص، جلست معه وأكلنا معا البطاطا.
    أذكر أيضا عندما انتقل "مروان" إلى السنة الثالثة طلب مني أن أدعه يذهب وحده إلى المدرسة كان ذلك من سابع المستحيلات بالنسبة لي كيف ادعه يمشي في الشارع وحيدا ولكنه ظل يلح ويلح وبدأت دموعه تترقرق في عينه وبما أني لا أتحمل الدموع في عيني ملاكي الصغير فاني أدعيت بأني موافقة على ذلك،
    استعد في ذلك الصباح للذهاب للمدرسة طبعا استعديت أنا أيضا مع انه قال بأنه يحفظ الطريق عن ظهر قلب ولكن لم أستطع أن أدعه يذهب وحيدا، تركته حتى خرج من البيت وتبعته وهو يمشي في الشارع بعصاه وفعلا كما قال كان يحفظ الطريق جيدا سعدت جدا بابني الذكي والنبيه، وصل إلى المدرسة ولم أعد إلى البيت حتى تأكدت بأنه دخل إلى صفه، عندما عاد في المساء سألته عن المدرسة كيف كانت فضحك وقال لي: أمي لقد كنت معي فلماذا تسألين؟ لقد ذهبت معي في الصباح وعدت معي في المساء.....
    أدعت أن الأمر غير صحيح وأني كنت في البيت ولكنه قال: قد أكون ضريرا ولكني أشم رائحتك وأسمع وقع خطواتك من مسافة بعيدة جدا.
    هكذا مرت السنوات بلحظاتها السعيدة والحزينة معا وبوجود "مروان" معي صارت اللحظات السعيدة اسعد واللحظات الحزينة صارت بوجوده أقل حزنا، استطعت أن أحول عجزه الذي أبكاني إلى قوة تدفعني أنا وهو إلى المستقبل دون عقد أو خوف، بل على العكس كان مصدر فخر لي لأني أم لفتى بجمال و ذكاء "مروان" لكن ألسنة الناس لا ترحم دائما لطالما آذته وآذتني خاصة عندما يقولون"مسكين" كانت وقع هذه الكلمة شديد على نفسي أتمنى لو أصفع الشخص الذي ينطق بها وأريته حقا من المسكين، لكني فيما بعد لم يعد يهم ما تنطق به هذه الألسنة لأنها تنطق على الهواء ولا تدري من حقيقة الأمر، المهم مضت الأيام والأشهر والسنوات سريعا ونور عيني ينير الدنيا بما فيها ولكن هذه الدنيا تخبئ لنا دائما ما لا نتوقعه.



    ملاحظة: انتظروا أحبتي الاجزاء الباقية إن شاء الله تنال اعجابك م


  2. Top | #2

    تاريخ التسجيل
    24 - 1 - 2008
    اللقب
    تربوي جديد
    معدل المشاركات
    0.00
    المشاركات
    7
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي

    ( ياسر)
    عدت أخيرا إليك يا موطني الغالي بعد غياب عشر سنوات مضت سريعا في زخم الحياة لم أحس بها إلا وأنا أعد سنوات أولادي، "سامي" في التاسعة، و"ريم" في السادسة و "أحمد" في الرابعة، عدت وأنا أتساءل إن تغيرت الأشياء أو تغير الناس، عدت ومن بالي تغب ذكرى ابني الذي تركته قبل عشر سنوات ولا أحد يدري عنه شيئا حتى "جمانة" لم اخبرها بالأمر، عدت وكل شيء يقودني إلى ذلك المكان إلى بيتي القديم حيث تركت حياتي الماضية.
    لمشيئة الصدف أو ربما كانت مقصودة قصدا اشتريت شقة في حي لا يبعد كثيرا عن الحي الذي كنت أسكن فيه مع زوجتي السابقة، ولكني لم استطع أن اذهب إلى هناك لأطمئن على أبني خفت لا ادري مما ولكني بقيت أتخيله في كل طفل أراه في الشارع كيف يمكن أن يكون شكله بعد هذه السنوات، كنت أحيانا اجبر نفسي على نسيان الأمر والعيش حياتي الجديدة ولكن من دون جدوى تظل صورة" مروان" الصغير تلاحقني دائما ولكن لا املك شجاعة لأحرك قدمي باتجاه بيته لأني لا أملك الإجابة لأول سؤال سيطرحه علي لماذا تركتني؟.
    زرت قبر أمي الغالية وبكيت فراقها وأنا أذكر دموعها يوم رحلت وتركتها وحيدة ، أحيانا أتساءل إن كان ما فعلته خطا أو لا يبدو أني بغيابي حطمت حياة كثير من الأشخاص ولكن في الوقت ذاته بنيت حياة كثير من الأشخاص، دعوت لأمي بالرحمة ولي أيضا تمنيت أن تكون قد ماتت وهي راضية عني، رغم أن ما فعلته كان ضد رغبتها ولكن حنانها وحبها لي كان فوق كل شيء، آه يا أمي سامحيني.
    سجلت الأولاد في مدرستهم الجديدة بدا الأمر صعبا قليلا ولكنهم سيعتادون على الأمر أما "جمانة" فكانت مرتاحة جدا وكأن شيئا لم يتغير، هي تعلم بان هذا المكان يحمل لها ولي الكثير من الذكريات السعيدة و الحزينة وفي كل شبر منه توجد حكاية حدثت في الزمن الماضي. التحقت بعملي الجديد وفي ظرف ثلاث أشهر استقرينا نهائيا في بيتنا الجديد و بدأ الأولاد يعتادون على الحي الجديد والأصدقاء الجدد ووعدتهم بأن آخذهم في جولات عدة في مختلف أنحاء المدينة إذا أحسنوا التصرف.
    (ليال)
    دخلت على "مروان" غرفته كان مستيقظا رغم أن الوقت كان لا يزال مبكرا، كان يكتب في كراسته التي لا تفارقه، هذا الولد يعشق الكتابة ولا يتعب أبدا...... جلست بجانبه وقلت:
    - ما رأيك أن نخرج اليوم؟ لقد افتتحت مكتبة جديدة في وسط المدينة وفيها كتب رائعة أريدك أن تتطلع عليها.
    قال:
    - هل فيها كتب للمكفوفين؟
    قلت:
    - طبعا فيها قسم خاص بقوي الإحساس مثلك.
    ضحك وقال:
    - مكفوف يا أمي أنا مكفوف لست قوي الإحساس.
    قلت:
    - ولكني أفضل أن أناديك بهذا الاسم انه الأنسب لك.
    أجل قوي الإحساس كان لابني"مروان" إحساس قوي يفوق إحساس المبصرين، صحيح انه لا يستطيع الرؤية لكن صدقوني كان يبصر بقلبه القوي، يحس كل شيء يحس حزني وسعادتي يحس خطواتي الذاهبة والعائدة يحس حركات يدي وحركات قدمي، يحس بكل ما في داخلي دون أن انطق به، وسترون ذلك بأنفسكم فيما بعد. المهم تناولنا طعام الإفطار وخرجنا من البيت لزيارة المكتبة الجديدة طول الطريق و"مروان" يروي قصته التي يكتبها والتي ينوي المشاركة بها في مسابقة القصة التي تقيمها المدرسة وكانت بطلة القصة سيدة اسمها" ليال" طبعا كانت أنا ولكن القصة كانت مختلفة عن قصة حياتي فقد كانت عبارة عن مغامرات ولكنها كانت قصة جميلة جدا وأعجبت بطريقة نسجه للأحداث كان يملك موهبة الكتابة لذلك أنا أحاول دائما جعله يطور مواهبه هذه.
    جلنا جميع أجنحة المكتبة وتفقدنا كل الكتب والقصص الموجودة في قسم المكفوفين اقصد قويي الإحساس وأشترى "مروان" البعض منها أو ما استطعت دفع ثمنه فقد كانت غالية جدا، بينما كنا نهم بالخروج من ذلك الجناح فجأة دون أن انتبه اصطدمت بأحدهم وتبعثرت الكتب على الأرض دون أن انظر إلى صاحب الوجه انحنيت لأجمع الكتب وفعل الرجل مثل ذلك والتقت عيني بعينه وبصرخة واحدة قلنا:" ياسر" "ليال"........ كيف أصف لكم ذلك اللقاء تركت الكتب وبقيت كالبلهاء أنظر إليه غير مصدقة لما رأته عيني تعرفت عليه من أول نظرة تلعثم لساني ولم أستطع أن أنطق بحرف ولكن كان هناك من نطق به قالت سيدة كانت تقف بجانبه:
    - هل تعرفان بعضكما.
    ماذا نعرف بعضنا........ لا ادري ربما كان هذا يوما ما زوجي أظن ذلك وتركني لأجل أخرى قد تكون أنت نظرت وإذ بثلاث أولاد ينظرون إلي وربما هؤلاء أولاده من يدري، هكذا بقيت أنظر للحظات إلى العائلة السعيدة و اكلم نفسي وفجات أفقت من شرودي على كلمات السيدة قالت:
    - تفضلي هذه كتبك.
    استدارت إلى ياسر وقالت:
    - يبدو أنكما تعرفان بعضكما البعض من تكون السيدة؟
    لم يجد ما يقول ولكني تداركت الأمر وأنطلق لساني قائلا:
    - آه سيد ياسر..... لقد كنا نعمل معا قبل سنوات، كيف حالك؟ أهذه عائلتك؟
    أضطر "ياسر" لمجاراتي في الكلام قائلا:
    - بخير وأنت "ليال" كيف حالك؟
    قلت:
    - الحمد لله.
    قالت السيدة :
    - أهلا سعدنا بالتعرف إليك سيدة ليال أنا اسمي جمانة وهؤلاء أولادي سامي ريم و أحمد.
    - تشرفت ما شاء الله.
    كانت تبدو سيدة ودودة هذا ما ظهر على وجهها وهي تبتسم في براءة أو هكذا ظننت، إذن أنت هي التي تركني من أجلك وهؤلاء الذي ترك مروان من اجلهم، غريبة هي صدف الحياة أن نلتقي في هذا المكان بعد هذه السنوات الطوال وقد بنى كل منا حياته الجديدة ولكن هناك من يبني حياته على حطام حياة الآخرين بدأت ألعب في داخلي دور الضحية الذي لم أستطع أن أمثله حقا أمامه حتى أعذبه على ما فعله ولكن فجأة جاء صوت مروان وهو يهزني من ثوبي و يقول:
    - أمي هيا بنا لنذهب؟؟؟؟
    تذكرت لست الضحية الوحيدة توجد ضحية أخرى ادخلي إلى المسرح، التفت وجه كل من ياسر وزوجته نحو مروان وبقيت الأبصار مشدودة إليه، قالت السيدة وهي تقترب من مروان:
    - ما شاء الله أهذا أبنك انه وسيم جدا؟؟
    أجبتها بالإيجاب مدت يدها إليه لتسلم عليه ولكن كما تعلمون هو ضرير بقيت يدها معلقة في الهواء وحيدة، تبادلنا النظرات وأشرت إليها بيدي بأنه لا يبصر فجأة تغير لون وجهها و بدا الحزن عليه ولكنها استدركت الأمر وأمسكت مروان من يده في ود بالغ وقالت:
    - مرحبا يا صغير ما اسمك؟
    - مروان...
    كيف أصف لكم كيف كانت مفاجأة "ياسر" عندما شهد بعينيه هذا المنظر، بقي مجمدا في مكانه ينظر إلى مروان أو بالأحرى إلى أبنه الضرير غير مصدق بهذه الحقيقة......... حسنا يكفي لا أظن بأن الكلمات تستطيع أن تصف لكم ذلك.


  3. Top | #3

    تاريخ التسجيل
    22 - 1 - 2008
    اللقب
    تربوي مبدع
    معدل المشاركات
    0.04
    الدولة
    السعودية
    المشاركات
    238
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي

    مشكوووووور على الموضوع الرائع


  4. Top | #4

    تاريخ التسجيل
    24 - 1 - 2008
    اللقب
    تربوي جديد
    معدل المشاركات
    0.00
    المشاركات
    7
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي

    (جمانة)
    منذ أن عدنا من النزهة و"ياسر" يحبس نفسه في الغرفة لا ادري ما الذي حصل له، فجأة تكدر حاله وبدا الحزن عليه، لم أشأ أن أزعجه وتركته يخلو بنفسه، بعد أن تناول الأطفال العشاء اغتسلوا وخلدوا إلى النوم، طبعا لم يتناول "ياسر" شيئا عندما دخلت عليه الغرفة كان جالسا على السرير شارد الذهن، جلست بجانبه وفتحت كتابي أقرأ وانتظرت أن يقول شيئا ولكنه صامت شارد فقلت في نفسي سأجد أي موضوع نتحدث فيه حتى يخرج من حالة الصمت قلت له وليتني لم أقل:
    - منذ متى وأنت تعرف تلك السيدة لم تخبرني عنها من قبل؟ أرأيت أبنها كم هو وسيم ولكن المسكين ضرير.
    أخذت أحدثه عن تلك السيدة وأبنها و الفت قصة عنهما دونما أن أشعر ظنا مني بأني سأجعله يخرج مما هو فيه ويكلمني ولكني كنت الفتيل الذي أشعل وقود الانفجار، صرخ في وجهي قائلا:
    - توقفي أرجوك توقفي هذا يكفي.
    ترقرقت عيناه بالدموع ثم فاضت، ماذا ياسر يبكي هذا أمر جلل؟؟؟؟؟
    بقيت انظر إليه في استغراب ثم سألته في غضب:
    - ما الأمر ماذا جرى لك منذ أن عدنا وأنت بهذه الحال؟
    انقشع دخان الانفجار ولم يبقى إلا الرماد، بدأ "ياسر" زوجي العزيز في سرد قصته التي تشبه قصص الأفلام التي نشاهدها ولا نصدق قصصها لأنها من المستحيل أن تحدث بتلك المصادفات الغريبة ولكنها حدثت فعلا على لسان زوجي بل وحدثت في حياتي أنا لأنها الجزء الذي طالما بقي مخفيا في ظلام النسيان، المهم كانت الكلمات تخرج من فم "ياسر" وكأنها جمرات حارقة تحرقه قبل أن تحرقني سمعت وسمعت وسمعت...... أخيرا انتهى من سرد القصة.
    لم أجد ما أضيف بعد هذا كله صدقوني لم أجد مكانا أضع فيه نفسي هل أنا الضحية؟ أم هل أنا الجلاد؟ احترت في أمري هل ألومه على ما فعل وهو قد فعله لأجلي ولأجل حبنا؟ أم هل أؤيده فيما فعل واسكت ؟ ولكن ما ذنبها هي بل ما ذنب ذلك الطفل الضرير...... ماذا ضرير؟؟؟؟؟؟؟؟ أجل ذلك الطفل الضرير، انفجرت فيه قائلة دون وعي:
    - "ياسر" كيف تركت أبنك الضرير، كيف استطعت فعل ذلك؟؟؟؟؟
    قال و دموعه لا تزال على خديه:
    - أقسم لك لم أكن أعلم بأنه ضرير،أقسم بذلك.
    رحت اكلم نفسي و ألومها "كفانا الآن لوما فلم يعد اللوم يفيد في شيء حتى الندم لن يغير شيئا، المهم الآن ماذا سأفعل لأجل "ياسر" وقد تملك الحزن قلبه، فلا أحد يتمنى لو كان في مكانه في مثل هذا الموقف، ما أستطيع فعله سأفعله".

    (ليال)
    بينما كنت في المطبخ أغسل أواني الغداء إذا بأحدهم يطرق الباب، طبعا نهض ملاكي الصغير "مروان" ليفتحه كان لا يتواني عن فعل كل شيء حتى يساعدني ولا يشعرني بأنه "عاجز" كم اكره هذه الكلمة ولا أطيق سماعها خاصة إذا كانت وصفا لحالة أبني، طبعا هو ليس كذلك أبدا ولم أشعر يوما بأنه كذلك على العكس تماما كان تصرفاته تنم عن شخص يفوق الناس العاديين أمثالنا في كل شيء لأنه كان ولازال قوي الإحساس. المهم أين وصلنا؟ أجل نهض "مروان" لفتح الباب و تناهى إلى مسامعي صوت امرأة و بعد لحظات دخل "مروان" المطبخ وقال:
    - أمي إنها صديقتك التي التقينا بها في المكتبة....
    صديقتي التي التقينا بها في المكتبة؟ أي صديقة؟ تحركت ذاكرتي و فجأة صرخت دون وعي:
    - مستحيل ماذا تريد؟؟؟
    سألني "مروان" على الفور مستغربا:
    - أمي ما الأمر؟؟؟
    أفقت من صدمتي و تنبهت إلى "مروان" ما كان علي أن أظهر له شيئا فهو كما تعلمون قوي الإحساس، مسحت يدي المبللتين و أنا أقول:
    - لا شيء ولكن لم أكن توقع زيارتها.
    حسنا لم اتاكد بعد أنها هي ربما يكون ابني مخطئا، ولكن كيف يخطئ وسمعه ما شاء الله، اتجهت إلى الباب و رجلاي ترتجفان بل وقلبي أيضا ما عساها تريد ربما أرسلها "ياسر"، ماذا يريد منا ألم يتركنا و ها قد بني لنفسه حياة جديدة، أسئلة كثيرة كان تدور في رأسي بسبب هذه الزيارة الغريبة و المخيفة.
    حقا كما قال ابني كانت زوجة "ياسر" واقفة عند الباب وما إن رأتني حتى أظهرت ابتسامة عريضة كأنها تقابل صديقتها الحميمة لم أجد في تلك اللحظة إلا أن ابتسم في وجهها وكأن شيئا لم يكن، قالت السيدة بود تحيني:
    - مرحبا سيدة "ليال"...
    أجبتها بالمثل، قالت:
    - ما شاء الله ابنك ذاكرته قوية ما إن سمع صوتي حتى تعرف علي.
    لم اجبها واكتفيت بالابتسام.
    ساد الصمت لحظات، لا أدري كان يبدو أن في جعبتها الكثير من الكلام ولكنها لم تجد من يشجعها حتى قلت لها:
    - نعم سيدتي هل من مشكلة؟؟
    نظرت يمنة و يسرة ثم قالت وهي تنظر إلى داخل البيت:
    - هل يمكن أن أحادثك في أمر مهم.
    أدركت في تلك اللحظة أنها قد علمت كل شيء، ببرود سمحت لها بالدخول، دخلنا غرفة الجلوس وأشرت إليها بالجلوس فجلست، كانت تبدو في ملاحمها طيبة وحنون و طريقة تصرفها مهذبة أي أنها لم تكن فضة أو قاسية، جلست أنا أيضا قبالتها، فجأة دخل "مروان" علينا وسألني:
    - أمي هل تشرب صديقتك شيئا؟؟
    لا تستغربوا هو دائما يفعل ذلك مع صديقاتي، نظرت إلي زوجة "ياسر" مستغربة ثم قالت معتذرة:
    - لا داعي لذلك ، شكرا يا صغيري.
    كم كرهت مثل هذه التصرفات التي تحسس ابني أنه عاجز و تحسسه بأنه لا يستطيع فعل شيء، هذا ما حاولت أن اجعله لا يشعر به أبدا، قلت لها بإصرار:
    - طبعا ستشربين.... احضر لنا العصير.
    خرج و بعد وقت عاد يحمل صينية بها أكواب العصير، لم تفارقه نظراتها حتى ظننت بأنه سيسقط في أي لحظة، طبعا ابني "مروان" لا يستعمل العصا داخل البيت لأنه يحفظه شبرا شبرا وزاوية زاوية، وضع الصينية وطلبت منه أن يذهب إلى غرفته فأطاع.
    هيا يا امرأة قولي ما في جعبتك فالفضول يكاد يقتلني بل والخوف أيضا هكذا أخذت احدث نفسي وهي شاردة وكأن جبلا وضع على لسانها وأخيرا بعد صمت طويل جدا قالت:
    - لقد عرفت كل شيء لقد قص علي "ياسر" حكايتكما.....
    طبعا حكى لها نصف الحكاية لأن النصف الآخر كان معي، واصلت كلامها قائلة:
    - منذ أن التقينا في المكتبة و رأى أبنه وحاله غير الذي كان، ليس هذا فقط بل حبس نفسه في البيت وهو دائم الحزن والشرود ولا أدري ماذا أفعل معه ، هو مصدوم لأنه رأى ابنه في هذه الحالة فهو لم يتوقع أن يكون ضريرا.
    أحسست في تلك اللحظة بأن دمائي تغلي في عروقي ولكني كتمت غيضي حتى لا يصل أي كلام إلى مسامع "مروان" و قلت متصنعة الهدوء:
    - يا سيدة "جمانة" ما بها حال ابني؟ أنا لا اسمح بأن تتحدثي عنه بهذه الطريقة، ثم هو تركنا لما هو مهتم الآن؟
    قالت:
    - هو لم يكن يعرف بأن ابنه.....
    رمقتها بنظرة حادة ثم قلت:
    - ما الفرق؟
    - طبعا الأمر يختلف فهو يشعر بالذنب لأنه ترك ابنه الضرير وتخلى عنه.
    - يا سيدة المشكلة ليس في كونه ضريرا كما تقولين المشكلة أنه تركنا و بني له حياة جديدا لذلك ما عاد يهمنا أمره.
    - ماذا عن "مروان" هو ابنه ومن حقه......
    قاطعتها قائلة:
    - بالنسبة ل "مروان" والده قد مات و لم يعد موجودا لذلك أنصحه بأن يسلم بهذه الحقيقة.
    - لا هو لم يمت.
    وصل الأمر إلى النهاية لم أشأ أن أكمل حواري معها لأني خفت أن يصل شيء منه إلى مسامع مروان لذلك طلبت منها مغادرة بيتي على الفور، بقيت مندهشة لموقفي ولم تتحرك من مكانها رغم إصراري، بدت مصرة على موقفها وعلى مواصلة النقاش، قالت:
    - سيدة "ليال" فكري جيدا قبل أن تتخذي أي قرار لأن في استطاعة زوجي أن يخبر ابنه الحقيقة ولن تستطيعي فعل شيء حينها.
    أحسست لحظتها بأن غرزت سكينا في قلبي بكلامها هذا وكأنها تهدنني بل هددتني بالفعل.
    قلت بغضب:
    - هل تهدينني؟
    قالت و علامات الهدوء بادية على وجهها:
    - طبعا أنا لا أفعل ذلك.
    سكتت لحظات ثم قالت:
    أرجو أن تقدري موقفي وموقف زوجي وتسمعي ما عندي إلى النهاية.
    نظرت إلى وجهها وكان يبدو عليه الهدوء والوداعة مما جعلني استسلم وأجلس ثانية، قالت:
    - أنت سيدة عظيمة ولا احد يشك في ذلك لأنك استطعت تربية طفل ضرير وحدك وبطريقة تبدو راقية جدا وهذا ما تدل عليه تصرفاته، صدقيني منذ أن التقينا و صورته لم تفارق مخيلتي و ضللت أحكي عنه طول الوقت حتى انفجر "ياسر" بوجهي بتلك الحقيقة المرة، لم أستطع حينها أن أفكر في نفسي لأني ما كنت الضحية بقدر ما كنت أنت وهذا الولد ولكن ما فكرت فيه هو حال زوجي التي صارت من سيء إلى أسوء لم أجد سوى أن أقصدك طالبة منك السماح و ما أظنه يكفيك وطالبة منك أن تقدري موقفي فكل ما أريده منك هو أن تدعي "ياسر" يرى ابنه و يتعرف عليه و أعدك بأنه لن يخبره شيئا عن الحقيقة.
    أحسست الصدق في كلامها أو ربما طيبتها أثرت فيا، قلت لها:
    - وعلى أي أساس سيكون ذلك.
    قالت وهي تبتسم:
    - ألست صديقتك التي التقيت بها في المكتبة؟؟
    لم يكن الأمر يدعو للابتسام بل كان بالنسبة لي وكأنه تهديد ولكن بطريقة طيبة.


  5. Top | #5

    تاريخ التسجيل
    24 - 1 - 2008
    اللقب
    تربوي جديد
    معدل المشاركات
    0.00
    المشاركات
    7
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي

    (جمانة)
    بالتأكيد كل من يرى ما فعلت وأفعل سيقول عني مجنونة ولكني لست أبدا كذلك فهذه هي الطريقة الصحيحة والواعية لمعالجة الأمور ولكن مفاهيم مجتمعنا هي التي قلبت الأمور وجعلت من الخطأ صوابا ومن الصواب خطأ، كان قيامي بجمع "ليال" و "ياسر" في بيتي حتى يتصالحا أقل شيء يمكن أن أفعله من اجل عائلتي ومن أجل "مروان" أيضا لأنه يستحق أن يكون له أب وأن يشعر بحنانه.
    بعد محاولات طويلة ولجوئي إلى التهديد مرغمة وافقت "ليال" على دخول بيتي أخيرا ربما شعرت بالخوف من أن يعرف ابنها الحقيقة، ولكنها وذلك المهم قد وافقت على الجلوس مع "ياسر".
    جلسنا ثلاثتنا في غرفة الجلوس مرت الدقائق والدقائق ولكن لا أحد خرجت من فمه كلمة واحدة لذلك قلت في نفسي بالتأكيد ستمر القرون ولن يحصل شيء لذلك أخذت المبادرة وقلت:
    - أولا يجب أن تتصافى القلوب والنفوس حتى نستطيع التفكير و اتخاذ القرار الصحيح، اسمع "ليال" كان ما فعله "ياسر" خطأ كبير بحقك وبحق ابنك لذلك فهو نادم على ما فعل و يعتذر منك وما أظن بأن اعتذاره يكفيك.
    قالت :
    - لا يهم... قولي ما عندك بسرعة من فضلك.
    قلت:
    - حسنا ما يهم هو أن "ياسر" يشعر بالندم الشديد على ما فات ويريد أن يكفر عن ذنبه لذلك هو يطلب منك السماح له برؤية ابنه بين الفترة والأخرى.
    سألت:
    - بصفته ماذا؟
    أجبت:
    - سهلة ألسنا أصدقاء منذ زمن بعيد سنكون كذلك أنت فقط اسمحي له بزيارتنا والتعرف على والده وأخوته وأخته، صدقيني لن يكون هناك مشكلة أبدا خاصة ل "مروان".
    قالت:
    - ولكنه لم يعتد على مخالطة الناس خاصة من لا يقدرون ميزاته.
    قلت:
    - سيعتاد على الأمر إذا ساعدتنا في ذلك وتوقفت عن التصرف بقسوة و جفاء.
    مشكلة "ليال" أنها لا تريد من أحد أن يدخل دائرة حياة ابنها "مروان" سواها هي، وأنا أجل لها ذلك كثيرا لأنه إن دل على شيء فإنه يدل على حبها الشديد له و محاولتها حمايته بكل السبل فلو كانت امرأة عادية كانت عاندت وأصرت ورفضت حتى الحديث معنا ولكن لأنها خافت على ابنها تنازلت عن كبريائها.
    فجأة قالت "ليال":
    - حسنا أنا موافقة ولكن بشرط.
    هكذا وبسرعة وافقت لم أكن متأكدة من موافقتها على طلبي وطلب "ياسر" بهذه السهولة ولكنها فعلت، نظر إليها "ياسر" باستغراب وتفاجئ وكانت أول مرة يفعل منذ جلوسها معنا.
    سألتها:
    - وما شرط هذا؟؟
    قالت:
    - لا أريد وبأي حال من الأحوال أن تخبرا "مروان" الحقيقة، أفهمتما.
    تبادلنا أنا و"ياسر" النظرات ولكنه لم يقل شيئا يبدو أنه قد سلمني قيادة المهمة وتخلى عنها لأنه يحس بأنه في موقف الجاني لذلك لم يرى من حقه القبول أو الرفض، طبعا لم يكن أمامنا من حل آخر سوى القبول، قلت:
    - طبعا هذا وعد.
    يبدو أن اللقاء قد انتهى وقفت "ليال" للمغادرة فانطلق لسان "ياسر" قائلا لها:
    - "ليال" أنا اعتذر.
    دون أن تلتفت إليه قالت بجفاء:
    - لا يهم.

    (ليال)
    لا أدري كيف سيكون هذا وكيف سأعتاد عليه بل وكيف سيعتاد ابني "مروان" عليه فهو بالتأكيد سيحس بأن شيء ما غريب فطول حياتنا نعيش بعيدا عن الناس لأني خفت من الأذية كثيرا خفت من تصرفات الناس الجاهلة بالتأكيد كانت ستؤذي "مروان" لذلك أبعدته عنهم حتى أحميه منهم، كيف الآن سيدخلون حياتنا فجأة وبأي صفة؟ والله هذا أمر صعب صعب جدا علي وعليه ولكني مضطرة لفعل ذلك لأنه يستطيع أن يخبره بالحقيقة ولن أستطيع حينها فعل شيء وستكون هذه الحقيقة قاضية لابني، لذلك فكرت ووازنت بين الأمرين فوجدت الأول الأرحم علي وعلى ابني، ثم إني لمحت ندما في عيني "ياسر" ربما جعل قلبي يرق لحاله.
    عندما وصلت إلى الشقة كان "مروان" ينتظر أمام الباب حييته و سألته مستغربة:
    - لما تنتظر هنا لما لم تدخل؟؟
    أجاب:
    - لقد نسيت مفتاحي في البيت.
    - لا بأس صغيري اعتذر إذن لأني تأخرت لقد كنت في زيارة لصديقتي أتذكر تلك التي التقينا بها في المكتبة إنها تسكن في الحي المجاور.
    قلت له ذلك عامدة لأن الخطة تقضي ذلك وبما أني وافقت عليها كان لا بد أن أسير فيها إلى النهاية.
    قال:
    - اجل أذكرها تبدو سيدة ودودة...هيا أمي ألا يوجد شيء يؤكل أكاد أموت من الجوع؟
    ضحكت وقلت:
    - هيا ادخل وسنرى.
    (مروان)
    فجأة ودون سابق إنذار دخلت تلك العائلة إلى بيتنا بشكل غريب أحسست بأنهم يقتحمون حياتنا اقتحاما، كانوا يزوروننا بين الحين والآخر خاصة الأولاد وكانت أمي تصر على زيارتهم أيضا، كان هذا الأمر يزعجني بعض الشيء بالرغم من أنهم كانوا طيبين ولكني لم اعتد على وجودهم في حياتي وأيضا لأني أحب الوحدة و السكون، المهم كانت علاقتي بالولدين علاقة سطحية ورسمية أما أختهم "أميرة" فقد خفيفة الروح و اجتماعية وثرثارة أجل كانت ثرثارة بحيث أتمنى أحيانا لو أخيط شفتيها، وأيضا أينما ذهبت وجدتها في وجهي صوتا طبعا فأنا لا أرى الصورة، ترافقي في الطريق للمدرسة وتعود معي وتردد على بيتنا أكثر من شقيقيها، حتى أنها أحيانا تطلب مني أن أراجع معها دروسها، المهم اقتحمت هذه الفتاة حياتي ولا مفر من تقبلها، حسنا لا أريد أن اكذب اعتدت على وجودها بل أحببتها كثيرا.
    أما أمي فقد كانت تصرفاتها غريبة فهي لا تحدث والدة الأولاد كثيرا هذا إذا زارتنا في البيت لأنها لم تكن تفعل ذلك كثيرا، وهذا ما أثار استغرابي كثيرا ولكن تصرفاتها مع الأولاد كانت عادية بل كانت تستقبلهم في البيت وترحب بهم دائما وطلبت مني أكثر من مرة أن أتقرب منهم وتحججت بأننا يجب أن نختلط بالناس وقالت بأنهم طيبون و محبوبون ولكني فيما بعدت صدمت عندما عرفت الحقيقة التي بقيت أكتمها.


صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

      
twitter facebook rss
yahoo

المشاركات المكتوبة تمثل رأي كاتبيها و ليس بالضرورة تمثل رأي و منهج إدارة الموقع.

الساعة الآن 07:09 AM