على قامة الريح
--------------------------------------------------------------------------------
من يفكّنا من الجهود الذاتية؟
فهد محمد السلمان
بين حين وآخر، تتردد على ألسنة بعض المسؤولين التنفيذيين، وبشيء من الزهو جملة (الجهود الذاتية) فيصرحون أو يتحدثون في مجالسهم: أنهم افتتحوا هذه المدرسة، أو رصفوا هذا الطريق، أو أقاموا هذه المستشفى (بالجهود الذاتية)، والجهود الذاتية لمن لم يتعرف عليها في نظر هؤلاء، هي كل عمل يفكر فيه المسؤول، ويبدأ في تنفيذه دون أن يكون له اعتماد مالي من مرجعه كما لو أنه انجاز يمن به على مواطنيه كما يمن به على وزارته. في حين أن كل ما يحدث تحت هذا الاسم المبجل حتى الآن في قاموس المديرين الجدد، أن من افتتح مدرسة بتلك الجهود، إنما أخذ معلميها وكتبها وأدواتها وحتى مبناها من حصص مدارس أخرى، وأن من رصف طريقا بتلك الجهود أيضا، إنما صادر مواده من مخصصات طرق أخرى، وأن من افتتح بها قسما أو مستشفى إنما أخذ أطباءه وطاقم تمريضه وأدويته وأدواته من حصة مستشفى قائم وهكذا.
بهذه الطريقة تحدث معظم الجهود الذاتية التي يُعيّرنا بها بعض المسؤولين كما لو كانت منة منهم. وغالبا ما تفضي إلى قيام عمل أو مشروع جديد بالفعل لكنه هزيل، وغير مدروس، سريعا ما يتململ منه الناس ويكشفون سوءه، فلا هو تمّ مثلما ينبغي أن يكون، ولا هو أبقى على تلك الإمكانات التي قام عليها في مكانها الأصلي لينتفع منها الناس في مكانها الطبيعي.
جهود ذاتية كثيرة تتم هنا وهناك، في أماكن متعددة، في التعليم في الصحة في الأمانات والبلديات، غير أن كل ما تركه معظمها من أثر أنه ساهم في إضعاف أداء تلك الأجهزة بالانتقاص من أدواتها، ولم يقدّم خدمة ذات بال. ذلك لأننا ذهبنا إلى فهم قضية الجهود الذاتية على أنها استقطاع مما بين أيدينا لإقامة مشروع جديد، فكان أن دخلنا طواعية فيما يشبه قصة القرد وقطعة السكر.
في حين أن الجهود الذاتية لا تعني أبدا أن نلغي بعض أجهزة التكييف في مبنى مدرسي، ونحرمه من الماء الساخن لنوفر اعتمادا لشيء آخر، لا تعني أن نكتفي بطبقة واحدة من الاسفلت لرصف شارع ما، لنرصف بالطبقة الأخرى شارعا إضافيا تحت عنوان الجهد الذاتي، ولا تعني أن نفتح مستشفى جديدا بلا أطباء ولا ممرضات لننقل إليه عددا منهم من المشافي القائمة التي كانت تئن أساسا من العجز.. ليس هذا هو مفهوم الجهود الذاتية الذي استمرأه البعض وذهبوا فيه إلى أبعد مدى، وإنما هو كل جهد فاعل أو ابتكار خلاق يستطيع أن يوظف الإمكانات القائمة في مواقعها من أجل انجاز أكبر دون أن ينتقص خدمة أخرى.
بتعبير أوضح. هو أن نستخدم الهدر والفاقد (في الوقت وفي الإمكانات) في مشاريعنا ومؤسساتنا وهو كبير. في تبني عمل جديد أو خدمة نوعية جديدة، أمّا ما يحدث الآن من جهود ذاتية وفي غالبه، فهو ليس أكثر من محاولة تسجيل بطولات وهمية من قبل بعض المسؤولين، بل هو أحد أسباب إضعاف أداء تلك الأجهزة، وعجزها عن القيام بدورها كما يجب.
ترى كم من الحماقات ترتكب باسم الجهود الذاتية؟.. تأملوا هذا الواقع لتدركوا لماذا غابت قضية الجودة النوعية عن واقعنا الخدمي، بعدما تحول مفهوم الجهود الذاتية إلى أكبر حلبة سباق لتلميع الأشخاص، في انحياز فاضح للكم على حساب الكيف!.
http://www.alriyadh.com/2**7/11/23/article296147.html
المفضلات