ايقاع الحرف
-----------------------------------------------
كيف نستفيد من اليوم العالمي للمعلم؟
ناصر الحجيلان"
المعلم هو حجر الزاوية"، و"المعلم هو عصب العملية التعليمية"، و"التعليم رسالة الأنبياء"، و"قم للمعلم وفّه التبجيلا"، و"الله الله بالتعليم.."، و"من علمني حرفًا صرت له عبدًا"، و"المعلم وما أدراك ما المعلم.."، وغيرها من المقولات المكررة التي يزداد ترديدها في المناسبات العامة - مثل مناسبة اليوم العالمي للمعلم أو في حفلات المدارس وإدارات التعليم - تكشف لنا الاهتمام الكبير الذي نوليه للتنظير في رسم القيم المثالية التي قلما نجد لها رصيدًا في الميدان التطبيقي.ورغم أن المقولات السابقة تتضمن أخطاء علمية وأخلاقيّة إلا أننا كذلك لانهتم بالتدقيق فيها لأننا في الواقع مشغولون عنها ولا يعنينا أن تطبق أو لا تطبق. فمثلا، موضوع العبودية الذي تقرره مقولة "من علمّني حرفًا" ليس موضع نقاش مع أنه يتضمن المبادىء المضادة للعلم نفسه؛ فالعبودية في أحد أشكالها تعني الانقياد والتبعيّة الشخصية والمعرفية. وهذه لو تحققت فإنها تدلّ على فشل التعليم وتؤكّد على دور الكتاتيب القائم على مقولة "الخير كل الخير في الاتّباع". وبهذا لن نستفيد من تعليمٍ يعيد تكرار نماذجه المنتَجة عن طريق المحاكاة.هل يكفي التصريح الصحفي أو إلقاء الخطب وإعادة المواعظ عن أهمية المعلم في هذه المناسبة؟ نتمنى أن يكون لدى وزارة التربية والتعليم برامج محددة تستثمرها في مثل هذا اليوم كما هو الحال في بعض دول العالم الأخرى. ففي بعض الولايات الأمريكية يستثمر هذا اليوم في إقامة حفل أبهى ما يكون بالمهرجان تشهده المدينة بأكملها، فهناك حفل عام ومعارض لإبراز جهود المعلمين في البحث أو الابتكار أو اكتشاف طرق تدريس جديدة أو عرض ما لديهم من قدرات في التمثيل أو الغناء أو عرض مشاهد كوميدية.أتذكر أني حضرت ذات مرة حفلا للمعلمين في مدينة سياتل بمناسبة اليوم العالمي للمعلم وقد استعدت المدينة للحفل قبل يوم تقريبًا بتزيين الشوارع المحيطة بالساحة. وجلبت الفرق وأحيت حفلا يبدأ بعد الظهر تقريبًا ويستمر حتى المساء. وفي المكان صالات لعرض إبداعات المعلمين في الرسم والتصوير والبحوث والابتكارات. وهناك مشاهد تمثيلية وكوميدية يسهم المعلمون في تقديمها للترويح عن الحضور؛ واستمر الحفل قائمًا والناس تروح وتجيء مع أطفالهم وعوائلهم. لقد كان الحفلا بهيجًا وحافلا بإنجازات معلمي المدينة المتعددة لدرجة أن من يحضر تلك المناسبة يفخر بالمعلمين ويخرج وهو مقتنع بأن هؤلاء المعلمين الذين يطالبون الطلاب بالإبداع والابتكار هم في الأصل مبدعون ومتميزون ويستحقون الدعم والإشادة.وإذا كنّا في الغالب نُركز على الجانب النظري الذي يطالب الطلاب والطالبات بالتميز والإبداع، فلماذا لا يكون هذا اليوم مناسبة يمكن استثمارها لإبراز الجوانب المتميزة لدى المعلمين والمعلمات؟ إن ذلك فرصة لشحذ همم المعلمين والمعلمات وتحفيزهم على العطاء وجعلهم يواصلون البحث ويستنفدون طاقاتهم الكامنة في العمل والانخراط في محاولة تطوير الذات ومواكبة مستجدات العصر من علوم تقنية ومعرفية.فلدينا عدد كبير من المعلمين والمعلمات ممن يملكون القدرات الإبداعية ولكنهم مغمورون ضمن العدد الأكبر من المعلمين الراضين بالخمول والروتين والملل. ومن المؤمل أن تضع وزارة التربية والتعليم خطة لاستثمار ما يملكه المعلمون والمعلمات من قدرات ومهارات وعرضها في هذه المناسبة أو ما يشبهها. ولو تحقق ذلك فإنه سيساعد على تشجيع الكفاءات التربوية الجادّة وتهيئة البيئة المناسبة لها للبروز والتقدّم، وفي الوقت نفسه يحرّض بقية المعلمين على اطّراح الكسل وترك التشكي والمبادرة بالبحث عن المجالات التي تساعدهم على تغيير أنفسهم والإضافة إلى معارفهم وتنمية مهاراتهم.يضاف إلى ذلك، فإن وجود حفل بهذه المناسبة تقيمه كل مدينة وكل حي لعرض جهود المعلمين الذاتية، يبرز بشكل مباشر مكانة المعلم للمجتمع عمليًا لكي نرى بأعيننا ذلك المعلم القدوة والمعلم المبدع والمعلم الذكي دون الاكتفاء بترديد مقولات تبجيل المعلم التي لا يصدق أكثرها على الواقع.
http://www.alriyadh.com/2**7/10/07/article285139.html
المفضلات