التعليم والتغيير نحو الأفضل
----------------------------------------------------------------------
عبدالله فراج الشريف
إن خطة قومية معلنة لمناقشة قضايا التعليم وأساليب تطويره وتحديث خططه ومناهجه والعناية بصوغ مقرراته صياغة عصرية أصبحت ضرورة
إنّ اهتمام العالم من حولنا بنا، فيه دلالة على أننا جزء مهم منه، نؤثر فيه ويؤثر فينا، لنا به أوثق صلة، علاقتنا السياسية والاقتصادية معه قائمة، وعلاقاتنا الثقافية به تنمو رغم وجود عوائق عندنا،نسعى بكل جهد لإزالتها، وحينما نقرأ في الصحافة العربية أو العالمية عنا شيئاً، فعلينا ألا نفترض مسبقاً أنه سيرضينا أو على الأصح سيحابينا، بحيث يذكر المحاسن ويهمل المساوئ ويضرب عنها صفحاً، بل علينا أن نتعود رؤية الآخرين لأوضاعنا كماهي، فهم ينظرون من خارج الصورة، فيرون ماقد لا نراه، فنهتدي إلى الخلل الذي اكتشفوه فنتلافاه، كذلك يجب ألا يدهشنا إقبال الناس على الاستفادة من أسواقنا، والتي هي أساساً استهلاكية، فأنت ترى الإعلانات عبر الصحف والمجلات والقنوات الفضائية تستهدف مستهلكينا،
فالأرباح تجتذب التجار ولا شك، وإن كان تجارنا يهدونها لتجار الدنيا من حولنا فهم المقصرون، والآخرون لم يعتدوا بل هم بحثوا عن مصالحهم وحققوها، وحينما نجد حركة الرواية السعودية على ضعف في فنياتها يتسع نطاقها، وتتخذ في بعض منها أنماطا لا ترضينا، حينما تشتمل على وصف لوقائع جنسية لابطالها، فإن هذا لا يعني أن في الأمر مؤامرة علينا أو متاجرة بمجتمعنا، وإنما هي ردة فعل وقتية، فغياب حرية التعبير زمناً طويلا، ثم ارتفاع سقفها فجأة أعطى الفرصة لمن كانت مفروضة عليهم القيود للانطلاق في ألوان من التعبير على سبيل التجربة، عما قليل سيقلعون عنها، لاكتشافهم أنها لاتحقق لهم غاياتهم النبيلة، فالأدب المكشوف وإن كان نوعاً من هذا الجنس الفني وجد منذ القديم، وصاحب الإبداع منذ تدوينه، حتى عند المسلمين، إلا أنه لم يحظ بالشيوع قط لمناقضته الأخلاق، والحرية دوماً لها ثمن، وقد يكون لاتساع مساحتها ثمن كهذا، إن صبرنا عليه حيناً زال ولم يعد له أثر، وعلينا دوماً ألا نفترض أننا مجتمع ملائكي، لا نتعرض لما تتعرضه سائر المجتمعات الإنسانية من هنات ونقائص، فيبلغ غضبنا مداه إن قرأنا في صحيفة تحقيقاً يزعم أن لبعض فتياتنا اهتمامات معيبة، أو لبعض شبابنا ميولاً أنثوية مثلاً، أو أن الجنسين بعضهم يتعاطى المخدرات، فهذه أمراض العصر، ونحن نحتاج في محاربتها لغير أسلوب الاستنكار ونفي أن تكون من ما يعرفه مجتمعنا، فالمشكلات تدرس، وتوضع لها الحلول المبنية على أسس علمية وواقعية،ويجب ألا يغيب عنا أبداً أننا لن نستطيع العيش في عزلة تامة عن مؤثرات العصر، سواء أكانت عوامل إيجاب أو عوامل سلب، فهذا أمر مستحيل، وأن ثقافتنا والتي في كثير من الأحيان يعتريها كثير من الخلل لالتباسها بعادات وتقاليد أعطيت صفة القداسة، ونسبت إلى الدين وهو منها براء، هي الاخرى معوق أساسي لمواجهتنا لمشكلات العصر،
وأن جزءاً مهماً من مشكلتنا اليوم هي أنماط تعليم استقرت منذ بداية توحد هذا الكيان العظيم لدولتنا الفتية، ثم عدلت في وقت انحرفت فيه الأفكار أثر حدث مؤسف، ما كان له أن يؤثر في حياتنا ، لولا أنه وجد من عهد لهذا التأثير بأفكار عقيمة بدأت تطرح منذ ذلك الحين، واتجاهات بدأت تسود، أوقفت عجلة الحركة من أجل النهوض بالتعليم، الذي هو أداة النهوض بالأمة، هذا التعليم الذي ظل حبيس منهج عفى عليه الزمن، يربط المعرفة باتجاه واحد فقط، تبنى فيه المعارف كلها على أساس واحد سواء أكان دينياً أم دنيوياً، والمعرفة ذات المصدر الواحد لم توجد قط في هذا الكون، وادعاء هذا لون من التعطيل لمصدر المعرفة الإنسانية الحقيقي والأهم وهو العقل، وحينما نريد استعادة زمام المبادرة لتطوير وتحديث الحياة في الوطن نحو الأفضل، مع التأكيد على حاجتنا الماسة إلى ذلك، لأن السكون جمود معه الحياة تتعطل،
فإن القطاع القائد لتحريك كافة القطاعات من أجل العمل للمستقبل هو التعليم، وهو في بلادنا رغم كل مانقوله وقلناه، ماناله من التطوير والتحديث لم يمس الجوهر حتى اليوم، وظل دوماً وللاسف يعنى بالإطار الشكلي فقط، ونظرة متأنية تلقى على برامج التعليم في مراحله الأربع: الابتدائية فالمتوسطة فالثانوية فالجامعية ستكشف لك أن المقررات التي وضعت لمناهج اقرت في بدايات التعليم عند منتصف القرن الهجري المنصرم لايزال لها وجود مكثف، كما أن تجديدها منذ أكثر من ثلاثين عاماً والذي لم يمس جوهرها هو السائد حتى اليوم حتى أن المطلع على هذه الخطط والمناهج ومقرراتها يجزم بأن يد التحديث لم تلمسها يقيناً،
فإذا أضفنا إلى هذا ما نعانيه اليوم من تواضع قدرات خريجي مدارسنا وجامعاتنا، وعدم تأهلهم للعمل في مجالات تخصصاتهم إلا ما ندر، فإن خطة قومية معلنة لمناقشة قضايا التعليم وأساليب تطويره، وتحديث خططه ومناهجه، والعناية بصوغ مقرراته صياغة عصرية، يخرجها من رتابة الجمود الذي عانت منه طويلاً، أصبحت ضرورة يجب أن يتكاتف الجميع من أجل إنجازها، فنصوص مقررات مناهجنا أصبحت نصوصاً مقدسة لا يجرؤ أحد على مناقشتها، ودارت على الألسنة عبارات كأنها النصوص الشرعية، وماهي سوى اقوال لبشر اجتهدوا فأصابوا حيناً واخطأوا أحياناً، والتعليم إذا لم تختف من طرائقه طريقة التلقين العقيمة، التي جنت على جيلنا الحاضر، فجعلت، أفرادا منه ببغاوات تردد ما لم تقتنع به أصلاً، بل وتجد أن الاعتراض عليه، أو مناقشته عيبا ونقصاً يعتريها، تفر منه حتى لا توصم به، إن شخصية مواطننا الذي صاغتها لنا مراحل تعليم اعتراها الكثير من التشوهات تحتاج اليوم إلى مراجعة كلية لمعالجة ألوان الخلل التي تتراكم كلما أهملناها، ليكون إنساناً يعيش عصره، ويمتلك أدوات حل مشاكله، والمشاركة في حضارته بعلم ومعرفة، وقدرة متميزة للتعامل مع منجز حضارته السابقة وما تفرزه الحضارة الحديثة، بعيداً عن تزكية النفس واحتقار الآخرين، فهل سنجد من خلال خطة قومية للنهوض بالتعليم ما يصنع مستقبلنا الذي نرنو إليه،
ذاك ما أرجوه والله ولي التوفيق.
http://www.almadinapress.com/index.a...icleid=1017728
|
|
المفضلات