.. نفوني من مدرستي، وقهروني!
-------------------------------------------
نجيب عبدالرحمن الزامل
.. الذي حصلَ لا يجوزُ أن يحصل، مهما كان السبب.
تلقيت خطابات، ومكالمات، كلها غاضبة، كلها مقهورة، وكلها باكية.. وهذا الذي لا يجوز: أن نقهرَ، ون**;ُحزن، ون**;ُبكي من ندعي أننا نحبهن، ونعمل من أجلهن، ولصالحهن.. ما الفائدة، مهما عملنا، حين ننتج جيلا غاضبا، كارها لمنظومتنا التعليمية، ولمن يديرها، ونقولها بصراحة أمام من خلق لنا القلوب لتخشع وتصمد، سينعكس هذا على تعلق أجيالنا الطالعة بما يرمز إليه بلدهم، حين يُقهرون عليه، ويعاملون وكأنهم لاشيء في موازين القرار، وتتلاعب بهم الأهواءُ وكأنهم والفراغ سواء..
وهنا أسأل كل مسئول في تعليم بنات المنطقة، أن يتمعن في ما يأتي، ليس لأنه مني، فمن أنا؟ ولكن لأنه من البنات اللاتي وضعوا من أجل العناية بهن، وبرأيي أن العناية بهن تفوق آلية التعليم المجردة، فإن لم نوجد نفوسا مستعدة ومعدة للتعلم والتعليم، فكل ما نخططه هو هيكلٌ من رمال..
والخطابات التي وصلتني من الطالبات، معظمها جاء بالاسم الصريح الكامل، ولم تقل لي ولا واحدة منهن أرجو إخفاء اسمي، إلا من أرسلته مرمزا، وذهبت إحدى الرسائل إلى ذكر من ذهب معها وأحتج من الطالبات بالأسماء الكاملة، وذكرن لي أسماء المسئولات اللاتي تناقشن معهن، ولم يستطعن إقناعهن، ولم يفلحن حسب قول الطالبات بأن يبرزنَ قراراً موقعا، من الوزير أو مدير التعليم، وقيل لهن انها مجرد مكالمة، ولا نعلم كل صحة هذا فلم أقف عليه، والذي يعصر قلبي كما قلت، هذا الحزنُ، وهذا البكاءُ وهذا القهرُ وهذا الغضبُ، وهذا الإحباط في كل ما وصلني مكتوبا، أو شفاها..
والقصة أن طالبات السنة الثالثة الثانوية لهذا العام، وهن من تركزت منهن الرسائل والشكاوى التي وصلتني، من التعليم المتطور الذي طبق في مجمع الأمير محمد بن فهد التعليمي، وهي من المدارس التي بنتها أرامكو بهندسة رفيعة ملائمة للبيئة المدرسية، قد صحونَ يوما قبل الدراسة بوقت قصير جدا، على رسائل هاتفية وصلت لولاة أمورهن بأنه تم نقلهن إلى مدرسة أخرى، وهي المدرسة الثانوية الثانية والعشرين، وبحي آخر. والرسائل جاءت بالأمر النافذ، وليس للتنبيه أو تبادل الرأي المسبق.. ولم يصدق الناسُ ما رأوا في جوالاتهم، وغرقت البنات في دوامات عصبية، ويشكو لي أب أن ابنته بكت حتى أغمي عليها. وسرت ودارت أخبار تضيع بين الشائعة والحقيقة. رسالة من الرسائل تخبرني فتاة بالحرف الواحد :» ان مسئولات إدارة التعليم طمعن في حسن تجهيز المدرسة، كي تكون لهن مكاتب إدارية، ويحرمن الطالبات منها، وأنا متأكدة من المعلومة 1**%.» وهنا أنا لست متأكدا، ولا أظن منطقا وعقلا أن هذا هو الهدف، وسواء أكان صحيحا أو بعيدا عن الصحة، فهو يكشف أن المنطقَ المغلوط، ينتج وقائع مغلوطة، ثم نبدأ بالنفي والندب والاتهام المتبادل ناسين أن الأصلَ ليس فقط القرار، ولكن طريقة أخذ القرار، حتى القرار الصحيح يصير فاسدا ومعط**;ِّلا متى أُخذ بظروفٍ تفسده وتعطله..
إن ما حدث أربك الأُسَرَ، وروّع البنات ( فعلا) وإلا فهموني لماذا تكتب لي البناتُ أسماءهن كاملة وكأنهن يقدمن عريضة رسمية؟ واحدة من التلميذات تكتب كلاما آلم روحي وجعلني أقرأه مرارا وتكرارا وأصفق بيدي وحدي مم**;ّا ألمّ بي من إحباط، فتكتب: «شكرا لفلان وفلان وفلانة وفلانة من إدارة التعليم، بل شكر لمديرتي فلانة، ومعلماتي فلانة وفلانة.. لأنهم خذلوني!»
ماذا تريدون أكثر من هذا؟ أسألكم بالله، ثم باسم ضمائركم الإنسانية، وبكونكم أنفسكم آباء وأمهات، كيف نرى أنفسنا أمام الله ثم أمام كل واحد منا حين نغضب طلائع الأمة التي ستسند عليها يوما؟ فإذا نحن نقدمها معطوبة القلب، غاضبة الروح، ومحبطة الآمال.. هل هذا هو المأمول منا؟ كيف نأخذ قرارا يمس عشرات البنات وأهاليهن، ثم لا يعنينا أبدا أن نضمهن ضمن عناصر القرار، وكأنهن مجرد أثاث ينقلن من مكان؟ يا إدارة التعليم أضع أمامكم هذين السؤالين، وأنا لا أملك إلا ما يتردد في قلبي وأذني من آهات البنات وغضبهن وإحباطهن، وما يجب أن اثق به أن لكم قلوبا وضمائر تحاسبكم كل لحظة، والا لما كنتم أهلا لمناصبكم، وإن أغفلتم ما كتبتُ فإما أني لا أُقرأ، فلكم العذر، أو أنكم قرأتم ووضعتم ما قرأتم جانبا، فتنأى عنكم كل الأعذار.
السؤال الأول: هل البنات أرواحٌ وأنفسٌ بعواطف وكينونةٍ شخصيةٍ فيسألن ويناقشن من أجل الإقناع لا الفرض، فكان لا بد ألا يخرج القرار قبل ذلك؟
السؤال الثاني: أم أن البنات مثل أثاث الفصل والمكاتب؟
وهنا طبعا لن تلامون.. فمن يسألُ الأثاث؟!
najeeb@sahara.com
http://www.alyaum.com/issue/page.php?IN=12510&P=4
المفضلات