كتاب اليوم
-------------------------------------------------
ميسون الدخيل
مساهمة في الارتقاء بالوعي نحو مسيرة الإصلاح التربوي
سعدت كثيرا بخطاب خادم الحرمين الشريفين في مجلس الشورى يوم السبت لأنه أظهر أهمية مساهمة جميع شرائح المجتمع في التنمية والارتقاء بالوطن، كما أكد على مسؤولية كل منا في محاسبة نفسه قبل محاسبة الآخرين بما في ذلك عدم السكوت عن الخطأ أو التساهل في حقوق المواطنين أو أي هدر في الأموال العامة. ولكي يصبح المواطن قادراً على المشاركة يجب أن يكون على مستوى معين من المعرفة والثقافة والوعي مما سيساعده في اتخاذ القرارات السليمة وإصدار الأحكام الموضوعية والمنطقية، وبذلك سوف يكون جاهزا للمساهمة في تحقيق رؤية قائدنا بخلق مجتمع مترابط، متعاون، لديه فكرة واضحة عن دوره في مسيرة الوطن نحو التقدم والازدهار والنمو الثقافي والاقتصادي مما سيؤمن بإذن الله تعالى حقوق كل مواطن على هذه الأرض الطيبة في التحصل على أعلى مستوى من الخدمات في جميع المجالات سواء كانت صحية، تعليمية ،ثقافية، قضائية، معيشية ترفيهية وغيرها مما يقدم من الدولة. كما سيؤدي للتعايش مع بقية بلدان العالم في سلام وعلى نفس المستوى من التقدم والفاعلية.ولكي نستطيع أن نحلل ونشارك في تطوير الخطوات التي تتخذ من قبل وزارتي التربية والتعليم العالي، ومن موضع المواطن المطلع والمسؤول، يجب أولا أن نتسلح بما سوف يمكننا من القيام بهذا الدور الهام بالمعرفة والتي سيساهم في توضيحها وتسهيل فهمها الاطلاع على خبرات دول أخرى، ومن هذا المنطلق سوف أقوم بدوري كمواطنة تلبي نداء قائدها في تحمل المسؤولية، وسوف يكون ذلك بمشيئة الله تعالى من خلال تقديم سلسلة من المقالات في مجال التربية والتعليم، مجال تخصصي، للمساعدة في توضيح المشروع الضخم للإصلاح التربوي الذي ما زال في مراحل تنفيذ أولى خطواته، من أجل التوصل وبمشاركة الجميع إلى تحقيق الرؤية والرسالة التي قدمها خادم الحرمين الشريفين لمستقبل ومسيرة وطننا الغالي. وسوف أستخدم خبرتي التي تحصلت عليها مؤخرا من زيارتي لليابان للتعرف على الإجراءات التي اتخذتها الدولة من أجل تحقيق الرؤية الجديدة لليابان كدولة وكشعب للقرن الواحد والعشرين. وأريد أن أوضح هنا أنه عندما أعرض خبراتهم فإنني أريد أن ندرس ونتعلم من خبرات الغير لنقل ما نراه يتماشى مع بيئتنا وثقافتنا حتى لا نضيع الوقت في اختراع ما سبق أن جرب وثبتت فاعليته، وأضيف هنا أنهم أيضا قاموا بنفس الخطوة من دراسة خبرات دول أخرى ونقل ما وجدوه يتماشى مع مجتمعهم وثقافتهم، حيث كان ذلك خلال اجتماع وزراء التربية والتعليم لمجلس الدول الثمان (كندا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، اليابان، روسيا، بريطانيا، والولايات المتحدة الأمريكية)، الذي أقيم في شهر أبريل من عام 2**0م في اليابان، بعد أن أدخلت قضية التعليم ولأول مرة، نظرا لأهميتها في تشكيل مستقبل الدول وتنمية اقتصادها، في جدول أعمال رؤساء الدول الثمان خلال مجريات القمة التي كانت قد عقدت في قولون عام 1999م.سأبدأ من الأسباب التي أدت إلى المطالبة بالإصلاح التربوي لديهم وما أريده هنا أن نلاحظ التقارب في الكثير من هذه العوامل مما يجري لدينا في المملكة بشكل خاص وفي العالم العربي بشكل عام. فإن توصلنا لرؤية هذا التشابه استطعنا أن نستوعب مكونات المسطح التالي والذي يحتوي على الخطوات الأولية التي اتخذت من قبل الدولة من أجل تسهيل عملية وضع الخطط والاستراتيجيات لمعالجة الخلل وبنفس الوقت إدخال ما سيساهم في تحقيق التصور الجديد لمسار الدولة في القرن الجديد،فمنذ منتصف الثمانينات بدأ المجتمع الياباني يعاني من عدة أمور منها ابتعاد الأجيال الشابة عن ثقافة وتاريخ بلادهم وتقليد المجتمع الغربي في الجوانب السلبية لا الإيجابية، عدم تفاعلهم مع القضايا العالمية، عدم وجود القدرات في التعامل مع الكثير من المهام التي يتطلبها سوق العمل مثل العمل الجماعي والتكيف وأسلوب حل المشكلات ومهارات التفكير الناقد والتفكير الإبداعي، كما أن عوامل مثل التمدن أحدثت انخفاضاً في نسبة الولادة وتراجعاً في الدور الأساسي الذي كانت تلعبه الأسرة والمجتمع في المهام التربوية التي كانت تشكل سندا قويا في تعليم وتدريب النشء على السلوكيات الصحيحة بالإضافة إلى نقل الثقافة المحلية والعادات والتقاليد، وبالتالي ظهرت مشاكل مثل المشاكسات بين التلاميذ، الغياب والتسرب من المدارس، ارتفاع في نسبة جنوح المراهقين، والأهم الابتعاد عن التعاطف مع الغير والتراجع في الحس الوطني وبالتالي المسؤولية نحو المجتمع المحلي والوطن ككل، هذا بالإضافة إلى ملاحظة أن التعليم أصبح يعتمد على أسلوب التلقين وهنا أضيف أنني لاحظت ذلك شخصيا من الطريقة التي قدمت فيها المحاضرات من قبل أساتذة جامعة طوكيو للبنات بحيث إن كثرة التساؤلات التي كان فريق الأكاديميات السعودي يصر على معرفة الإجابة عليها قبل الانتقال إلى المعلومة التالية، أدت إلى أن المحاضر لم يتمكن من إعطائنا المعلومات كاملة لأنه لم يكن يتوقع أو لم يخطط للتوقف والإجابة على الأسئلة، فالطالب أو التلميذ الياباني لا يناقش أو يسأل، ما عليه سوى الإصغاء والانتباه، وإن استعصى عليه أمر فما عليه سوى البحث عن المعلومة بنفسه. وعليه فإن مهارات التفكير والإبداع لم تلق الاهتمام اللازم لتنميتها لعدم تواجد الأنشطة والتدريبات التي تساعد على اكتسابها من خلال التمرين والممارسة.ثم كان التركيز على نشر المعرفة والعلم للجميع أي التعليم الكمي مما أدى إلى إهمال واضح في التعليم النوعي مثل الانتباه للتنوع بين الأفراد في طرق التعلم والاهتمامات والقدرات. وبما أن الشركات الكبرى كانت تنتقي موظفيها من أرقى أربع جامعات، والشركات الأخرى من بقية الجامعات، وحيث إن المجتمع لم يكن قد بدأ يعاني من انخفاض في نسبة المواليد، فقد أدى ذلك إلى أن الجامعات قامت في اشتراط اجتياز اختبارات صعبة لا تقبل سوى إجابة واحدة لكل سؤال، واعتمدت عليها في القبول دون إعطاء أي اهتمام للمعدل أو المقابلة الشخصية، وبما أن أولياء الأمور حصروا مستقبل أبنائهم في التعليم الجامعي فإن ذلك جعلهم يشكلون ضغطاً على أبنائهم مما أدى بدوره إلى ارتفاع في نسبة الانتحار بين الشباب، كما أن تركيز الطلبة أصبح يتمحور ومنذ بدء المراحل الأولى للتعليم على كيفية التدريب على الإجابات الصحيحة لهذه الاختبارات، ومما أدى إلى أن الطالب لا يستطيع أن يشرح كيف توصل للإجابة أو حتى يتقبل رؤية أخرى أو إجابة أخرى قد تكون منطقية أو ممكنة ولهذا السبب لم يتعود الطلبة على المرونة التي هي من مرتكزات التكيف وأسلوب حل المشكلات، وعليه بدأت الجامعات تضخ في سوق العمل شباباً غير مؤهل للمتطلبات الحديثة مما أدى إلى ارتفاع في نسبة البطالة، فمثلا في مجال تقنية المعلومات اتجهت الشركات الكبرى إلى الهند في توظيف المختصين لأنهم قد دربوا وفق أعلى المعايير كناتج لاهتمام الهند بتنمية الموارد البشرية لديها من أجل تغطية متطلبات الأسواق العالمية سواء نقلت أعمالها إلى الهند أو قامت في نقلهم للعمل في مراكزها حول العالم. وتجربة دولة الهند خبرة عالمية مهمة أتمنى من الكتاب الأكاديميين ممن اطلعوا عليها أو قاموا بدراستها أن يتفضلوا بعرضها علينا في مقالاتهم من أجل التوسع في مجالات الاطلاع لدينا مما سيساهم بدوره في تنمية المخزون المعرفي الذي سيُرتكز عليه عند المشاركة في مسيرة الإصلاح التربوي.كان هذا عبارة عن عرض للنسيج الذي شكل الدافع الأساسي للمجتمع في اليابان للمناداة بالإصلاح التربوي ، وأرجو أن أكون قد وفقت في توضيح صورة الوضع الكائن، كما أشرت إلى الوضع الذي حددته اليابان لتحقيق الرؤية بالشكل والهوية التي ستمثل الدولة في القرن الجديد. وإن كان لدولة متقدمة مثل اليابان مشاكل في مجال التربية والتعليم قريبة من مشاكلنا أو تشابه إلى حد كبير ما نعاني منه في الوطن العربي، فهذا يجعلنا نركز أكثر على خبرتها في التعامل مع هذه المشاكل من حيث الدراسة والتشخيص ومن ثم وضع الخطط والاستراتيجيات وجدول التنفيذ، خصوصا أنهم دخلوا في العام السادس منذ بدء مسيرة الإصلاح وخصوصا أن بوادر التغير في الانتعاش الاقتصادي للدولة قد بدأت تظهر بعد التراجع الذي عانت منه في التسعينات من القرن الماضي. وفي المقال القادم بإذن الله سوف أتحدث عن الخطوات الأولى التي تم اتخاذها للتحضير قبل بناء استراتيجيات الإصلاح التربوي.
* كاتبة سعودية
http://www.alwatan.com.sa/news/write...d=118&R****=54
المفضلات