مقاعد الدراسة تحتفظ بذكريات التعليم قبل 61عاماً
--------------------------------------------------------------------------------
الملك عبدالعزيز يحول تكلفة احتفال أهالي الرياض بعودته من مصر لإنشاء المدرسة "الأهلية"
ابن نغيمش يطلع الزميل الناصر على الدروع التذكارية للمدرسة
تحقيق - بندر الناصر: تصوير - بدر الحربي
ما إن تطأ قدماك "المدرسة التذكارية" او المدرسة الاهلية كما تسمى سابقاً في قلب العاصمة الرياض (حي البطحاء)، الا والحنين الى مقاعد الدراسة يجذبك للجلوس في فصولها، فكل شيء قد تغير، الا الجو التعليمي الذي صنعه المربون في هذه المدرسة لم يزل باقياً.
المدرسة التذكارية تمثل بداية التعليم الرسمي في العاصمة، وأنشئت من قبل اهالي مدينة الرياض ابتهاجاً بعودة الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن - طيب الله ثراه - من زيارته لمصر عام 1364ه، حيث تم افتتاحها في 1367/8/5ه بحضور الملك عبدالعزيز (رحمه الله) واعيان واهالي الرياض، حيث كان مسماها آنذاك المدرسة الاهلية، وكان اول مدير لها هو الشيخ عبدالله بن ابراهيم السليم (رحمه الله).
وفي عام 1384ه تغير مسمى المدرسة الاهلي الى التذكارية، عندما قام مجموعة من الطلاب يرافقهم احد الأساتذة بزيارة للملك فيصل (رحمه الله) في منزله بالمعذر لطلب مشاركته من خلال الكلمة الافتتاحية للمجلة التي تعتزم اصدارها، واكد الملك فيصل (رحمه الله) على الوفد بإبلاغ المسؤولين ان المدرسة اسمها "التذكارية" فسميت بذلك.
"الرياض" تعود بالذاكرة الى هذا المكان لاسترجاع الذكريات الجميلة والطريفة التي مرت على عدد ممن سبق لهم العمل بهذه المدرسة التاريخية فكان التحقيق التالي:
درس واحد بالأسبوع
في البداية يقول راشد بن سليمان الخيبري احد المعلمين الذين امضوا ثلاثين عاماً في المدرسة؛ بدأها مدرساً ثم اختتمها أميناً للمكتبة، انه في عام 1388ه تم نقلي من منطقة المدينة المنورة الى الرياض، وعندما قمت بمراجعة ادارة التعليم التي كانت ملاصقة للمدرسة وهي الآن الوحدة الصحية تم توجيهي للمدرسة التذكارية لكي أباشر بها، وفي اول يوم قابلت مدير المدرسة الأستاذ سليمان الدغيري ووجدتها مدرسة مغايرة عن المدارس التي كنت ادرس فيها، اذ ان عدد طلابها يفوق 12**طالب ويوجد فيها ما يقارب ال 40فصلاً دراسياً، وكان عدد كل فصل من 46الى 50طالباً، حيث كانت هذه مهمة شاقة على المدرس، فكيف يؤدي المعلم رسالته وسط هذه الاعداد الكبيرة. مشيراً الى ان ذلك امر يتطلب على الشخص ان يرتب نفسه حتى يستطيع ايصال المعلومة لكل طالب.
واضاف في السابق كان المدرس يقوم الطالب أربع مرات في الشهر، وهو امر صعب في ظل الاعداد الكبيرة داخل كل فصل، مشيراً الى انه قد يضطر المعلم الى اتخاذ عدة اساليب لضمان دقة التقويم ومن ذلك فتح باب المناقشة والحوار بين الطلاب لتقديم المعلومات التي يحملونها حول المقررات التي يدرسونها.
سبب التسمية
ومضى الخيبري في تقديم ذكرياته، قائلاً: حقيقة عندما جئت للمدرسة لم أكن اعلم عن سبب التسمية، فكما رواها لي المدير السابق الأستاذ سليمان الدغيري (رحمه الله) الذي يعتبر مؤرخاً للمدرسة، انه عندما كان الملك عبدالعزيز رحمه الله في زيارة الى مصر، وعاد الى جدة، وعلم اهالي الرياض بذلك قام تجار الرياض بجمع مبلغ مالي لاعداد وليمة واحتفال خاص بعودة الملك عبدالعزيز، فلما سمع الملك عبدالعزيز (رحمه الله) بذلك ارسل لهم يطلب منهم عدم التصرف بالاموال، حتى يأتي للرياض، وعندما عاد وانتهوا من السلام عليه، ابلغوه بأنهم يرغبون بإعداد احتفال كبير بمناسبة عودته فقدم الملك عبدالعزيز (رحمه الله) مقترح بأن يتم عمل مشروع خيري بهذه الاموال، فقالوا الرأي رأيك والشور شورك، فقال لهم هذه الاموال التي جمعتموها سنبني بها مدرسة، فأسسوا المدرسة الاهلية من البناء الشعبي، وتم تغيير اسمها الى التذكارية في عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز (رحمه الله).
موقف محرج!!!
وقال الغريب ان اعمار الطلاب في ذلك الوقت كانت اكبر من المعلمين، مما تسبب لنا احراجاً شديداً، فأنا عندما عملت مدرساً كان عمري 17عاماً وانهيت دراستي الابتدائية، من ثم درست ثلاث سنوات، يعني كل دراستي تسع سنوات فقط، اضف لذلك انني تخرجت وانا لم احصل على حفيظة نفوس.
ويضيف من المواقف الطريفة كان لدي درس في الصف السادس، وكانت المادة علوم، وطلبت من احد الطلاب ان يقوم بحل احد التمارين على السبورة، وانا جلست مكانه واذا بالموجه يدخل الفصل والطالب أخطأ في الحل، فطلب مني الموجه بأن أقوم بالحل ظناً منه انني طالب، فكانت ردة فعل الطلاب ان قاموا بالضحك بصوت عال وقالوا هذا هو مدرسنا، وكان هذا موقفا محرجا لي وبشدة!!.
زيارة الوفد الامريكي للمدرسة
من جانبه يروي المعلم الخيبري زيارة الوفد الامريكي مطلع التسعينات الهجرية، قائلاً: ان كل وفد يقوم بزيارة وزارة المعارف (سابقاً) يتم تحويله علينا حتى يزور المدرسة ويطلع عليها، لكن الموقف الصعب هو اننا تبلغنا بأن وفداً امريكياً ثقافياً سيقوم بزيارة المدرسة، وهو ما اوقعنا في حرج شديد فنحن لا نعرف اللغة الانجليزية وتعليمنا كمعلمين هو ابتدائي، لكن الذي انقذنا هو انه كان عندنا معلمون من عدة جنسيات عربية وكان لديهم خلفية جيدة في اللغة الانجليزية، فقاموا بوضع لوحات ترحيبية باللغة الانجليزية، وقاموا بدور الترجمة وكان موقفا صعبا مر علينا نحن المدرسين.
علاقة المعلم بالطالب والمناهج
ويضيف: كانت علاقتنا مع الطلاب في السابق قوية ومتينة، ولا تقتصر فقط داخل الفصل، بل كان البعض يستوقفني في الشارع ويسألني عن ما يشكل عليه من خلال المنهج، ففي الماضي كان مثلاً كتاب النصوص لا يوجد به شرح كلمات ولا تعليمات ولا غيرها مثل الآن، فهو الامر الذي يستدعي ان تكون العلاقة قوية بين المعلم والطالب، لكن لما جاءت المناهج الجديدة وتبسيطها بدأت العلاقة تتفكك، اصبح كل شيء امام الطالب مبسطاً حتى انعكس على العلاقات فيما بيننا، فلم تعد الآن العلاقة كالسابق، فالمدرس اعتمد على الكتاب المبسط من جميع النواحي، واهمل الاطلاع على المراجع التي تزيد من ثقافة الطالب، فكنا سابقاً نعتمد على دفتر التحضير فلا يمر يوم الا ويطلع ويوقع عليه المدير.
اعادة بناء المدرسة
يروي لنا المدير السابق سليمان الدغيري (رحمه الله) انه عندما انتهت اعادة بناء المدرسة وتسليحها بالحديد ابلغتنا ادارة التعليم بأنه سيتم منحكم جزءا من المدرسة، والباقي منها سيتم اضافة مدرسة أخرى، لكن الدغيري رفض، وقال "كيف يتم ذلك والمدرسة ما بنيت إلا من أجلنا والا تبغون تأخذونها منا"، ولما جاء أول يوم بعد نهاية الترميم طلب المدير من كل طالب في الصباح بأن يأخذ طاولته الخاصة به والتوجه لفصله وبذلك قمنا بتوزيع الطلاب على الفصول الدراسية، وقطع الطريق أمام تقسيم المدرسة، فما كان من مدير التعليم إلا أن قال "الله يبارك عليكم المدرسة".
طالب متزوج
أحد المواقف الطريفة والمحرجة للغاية في الوقت نفسه يرويها المعلم الخيبري، قائلاً: في بداية التسعينات، وفي أحد الأيام عقب نهاية الدوام، وتقريباً قبل المغرب، كنت راكباً سيارة "تاكسي" وإذا بأحد طلابي اسمه (الحجازي) يسير على قدميه شاهدته ومعه امرأة وطفل، كنت أظن أنها والدته، لم يدر بخلدي أن يكون طالب في الصف الخامس متزوجا ولديه أبناء.
ويضيف عندما جاء اليوم الثاني وفي ا لمدرسة جاءني الطالب وقال لي "يا أستاذ أنا سلمت عليك أمس هل رأيتني، قلت له نعم رأيتك، وكانت معك أمك أو أختك، فقال الطالب: لا يا أستاذ هذي زوجتي، وبنتي" فهو موقف أثر في نفسي كثيراً، ومن يومها لم أرفع صوتي عليه مراعاة لظروفه.
ويروي كذلك أحد المواقف التي حصلت له مع أحد الطلاب الذي كان شقياً للغاية، اذكر فقط اسمه الأول "بنجر" حيث كنت في الفصل، وكنا في الدور العلوي، وكان يصدر حركات غير جيدة، وهو بجوار مفتاح المروحة، وطلبت منه أن لا يكررها فما كان منه إلا أن قام بضرب رأسه بمفتاح المروحة وسال دمه بغزارة وغادر المدرسة إلى المنزل بحثاً عن والده ليتهمني بضربه، فلم يجده، فحضر شقيقه وكانوا يتجولون في المدرسة بحثاً عن المدرس الذي ضربه، فلما شاهدني شقيقه توقف وقال "طالما الأستاذ راشد ما أقدر"، ووضحت له الحقيقة له، فاعتذر مني لأنني سبق وأن درسته.
جيل المعلمين
لقاؤنا الآخر كان مع المعلم فهد بن راشد الجوير الذي كان طالباً في المدرسة التذكارية وحصل على شهادة الابتدائية، ومن ثم أنهى دراسته في معهد المعلمين، وعاد مدرساً في المدرسة، وقال: شاءت الأقدار أن أعود لمدرستي معلماً واجد المعلمين الذين درسوني قد أصبحوا زملاء لي.
وأضاف الجوير أتذكر أنه عندما كان عمري ست سنوات، وعندما التحقت في المدرسة كانت لدي صعوبة في نطق حرف الراء اذ انطقها (غينا)، وفي أول يوم دراسي من ذلك العام قابلني الأستاذ عبدالله المزيعل (شفاه الله) وسألني ما اسمك؟ قلت "مدغي" يعني لا أدري، كرر سؤالا آخر لديك اخوان يدرسون في هذه المدرسة؟ قلت "مدغي"!! المهم عاود وكرر عدة أسئلة وكانت إجابتي واحدة لم أغيرها، فما كان من المعلم المزيعل إلا أن توجه لشقيقي الذي كان يدرس في الصف الثالث إبراهيم، وأبلغه بأن شقيقه لا يصلح للدراسة، وعدت من المدرسة وحرمت من سنة دراسية كاملة.
درست بحقيبة أحد الطلاب!
ومن المواقف الطريفة كذلك، قال: كنا سابقاً قبل الخروج من المدرسة نجتمع في فناء المدرسة ونقوم بوضع حقائبنا الدراسية، ورميها في الفناء، واللعب، وكنا قرابة 40طالباً، حتى يتم فتح باب المدرسة للخروج، فالذي حصل هو انه قمت بحمل حقيبة دون أن انتبه والاحظها، وخرجت بسرعة للحاق والركوب بالسيارة التي تنقلنا والجلوس بجانب نافذة السيارة، وكانت تقف (سابقاً) بجانب مقر البلدية، وعند وصولي إلى المنزل قمت بفتح الحقيبة التي كنت أظنها خاصة بي لتحدث المفاجأة عندما فتحت الحقيبة وجدتها تحتوي على ساندويتشات، ونحن كما تعرف لم نكن في ذلك الوقت نأخذها معنا، فقد كان الإفطار في المنزل، وبحثت عن اسم طالب على الكتب لكي أعيدها لكنني لم أجد ذلك، وبقيت معي وعند عودتي في اليوم الثاني حصلت على شنطتي وبقيت أدرس بشنطتين، حتى لم يتبق إلا مدة قليلة على انتهاء الفصل الدراسي الأول عثرنا على صاحبها.
مدير المدرسة
وفي نهاية هذا الحديث عن المدرسة التذكارية كان لنا لقاء مع مدير المدرسة الأستاذ راشد بن نغميش الذي أمضى 29عاماً في التعليم، وقال عند تعييني في المدرسة كانت لي قصة مغايرة تدل على قوة مدير المدرسة سابقاً الأستاذ سليمان الدغيري (رحمه الله) فكان أخي سعد مدرساً في هذه المدرسة، وأنا طالب في معهد إعداد المعلمين، وكانت هناك أنشطة طلابية تقيمها المدرسة كنت احضر عن طريق أخي، وأبدعت في عدة عروض وأنشطة لاقت اعجاباً من المدير الذي سألني أين تعمل قلت أنا طالب في معهد المعلمين، قال: هل ترغب العمل معنا، قلت، نعم، فقال: إذن اعتمد تعيينك عند تخرجك، وبالفعل كانت له كلمة عند إدارة التعليم وتم تعييني.
وأضاف: من المواقف التي لا تزال عالقة في ذهني، حينما كنت طالباً في المدرسة، حيث قررت الإدارة تنظيم رحلة إلى الخرج للطلاب المتفوقين، وفي ضوء ذلك تم استبعاد طالبين لتدني مستواهم الدراسي، وأثناء موعد انطلاق الباص، قام الطالبان باللحاق بنا بواسطة دراجتيهما الهوائيتين، وأثناء الطريق توقف الباص، وتم نقلهما معنا في مشهد طريف لا ينسى.
http://www.alriyadh.com/2**7/03/28/article236707.html
أخبار التربية والتعليم ليوم الاربعاء 9 / 3 / 1428 هـ 28 مارس 2**7م
رد مع اقتباس
تواصل معنا
إعلانات نصية
الخصوصية
المفضلات