التربية والتعليم: هموم وتساؤلات
-----------------------------------------------------------
مستورة بنت عبدالله الوقداني
نتساءل كثيراً ونستغرب أكثر من أحداث الاستهانة بكرامة المعلمين التي توالت تباعاً في زمننا الذي ما يفتأ يهدينا غرائبة كل لحظة وحين، آخر تلك الاعتداءات المهينة ما حدث في ثانوية بينبع حيث ضرب لحد الجلد عدد من المعلمين من حوالي مئة طالب ومعاونيهم من ذويهم. كما طالعتنا الصحف أيضاً بمطاردة طالبين شقيقين لمعلم أثناء توجهه لمنزله وكانت مطاردة تشبه أفلام الأكشن وقد أنقذه الله بتوقفه عند مقر شرطة تولت الأمر والقبض على الطالبين. أي مهازل يواجهها حملة الرسالة التربوية والعلمية! مع إني لا أشك أن لبعضهم دوراً فيها إلا أنها طالت هؤلاء وهؤلاء، ولن يُقبل أي تبرير مهما كانت الأسباب، فهؤلاء المعلمون الذين تعلمنا منهم منذ نعومة أظفارنا (من علمني حرفاً، صرت له عبداً)، ورددنا كثيراً بيت الشعر الرائع:
قم للمعلم وفه التبجيلا
كاد المعلم أن يكون رسولاً
رددناه بكل قناعة رغم أننا كنا نُعاقَب بالضرب وغيره، وكنا نعقبه بالأسف والاعتذار من معلماتنا، كما كان عقاباً للتأديب وليس للتعذيب، لم يعيبنا ذلك ولم ينقص من قدرنا، ونشأنا -ولله الحمد- بمنتهى الحب والولاء لأوطننا وولاة أمرنا وأهلينا، نشأنا ونحن مفعمون بالخير والعلم والوعي والعرفان لمن أسدى إلينا معروفاً وأول هؤلاء والدانا ومعلمونا، لم يكن أي منا يجرؤ على نقل ذلك لوالديه لأنه يعلم أن الأمر سيتضاعف ضده، فقد كان المعلم يحظى بهيبة وقيمة عالية كما وصفته قصيدة الشاعر الراقي حافظ إبراهيم رحمه الله. ولكن أي مآسٍ هذه؟! يخرج المعلمون من بيوتهم لأداء رسالتهم ولا يدرون أنهم سيواجهون عقاباً من طلابهم؟! إذا كان المعلم سيء التعامل أو متجنياً، أليس هناك إدارات يرجع إليها الطلاب!؟ أم تراهم غير مسموعي الأصوات أم أن أهليهم يشجعونهم على أخذ ثأرهم بأيديهم؟! هناك خلل ما دون شك وأي خلل!! يعيش المعلمون حالة من الخوف على أنفسهم وسياراتهم وبيوتهم خاصة في ظل عدم مقدرتهم غالباً على تصليح سياراتهم بسبب ظروفهم وهمومهم، فهم أكثر الخاسرين في سوق الأسهم وبطاقات سوا، وهم أكثر المقترضين والمديونين. وكلما توالت مثل هذه الأحداث المؤسفة نتألم ويصل بنا الألم قمته، ونقول ما الذي حدث وماذا أصاب المجتمع المسلم المحافظ على قيمه ومبادئه وتماسكه!؟ أي جحود هذا الذي نعيشه اليوم ليس للمعلمين فقط بل حتى للوالدين وللوطن؟!! وينفرد كل منا بإجابة قد نتفق عليها وقد تختلف من رأي لآخر، إلا أننا جميعاً نتفق على أنها التربية سواء كانت في البيت أو المدرسة أو المجتمع بأسره بمؤسساته ومرافقه المختلفة ولا نعفي بعض المعلمين من طرائق تعاملهم وأساليبهم غير التربوية التي تقود لمثل هذا العنف، فمهما كان حجم معاناتهم الخاصة لا يحق لهم تفريغ شحناتها في طلابهم، إذاً هي التربية ولا شيء غير التربية، فهي عصب التعامل والتعايش. التربية هي المحور الذي يحمل آهاتنا، ولا شك أن التربية في البيت مهمة جداً جداً، وتقع على الأهل مسؤولية كبرى في تهذيب سلوكيات أبنائهم. لكن تتحمل المدارس أيضاً دوراً كبيراً في ذلك التهذيب وترسيخه في طلابها، هذا الدور المفقود إلى حد بعيد وغير المتابع نهائياً سوى في صفحات السجلات، بمعنى أننا ركزنا كثيراً على التعاميم والخطط المكتوبة، وما أجملها مكتوبة، لكن متابعة تنفيذها وتهيئة الأجواء للتنفيذ هذا هو المفقود.. فمن أين يجد المعلم والمعلمة الوقت للعطاء وهم يكتبون أكثر مما ينفذون ويطبقون.. حين يطبقون يفترض أن لكل مدرسة وضعاً خاصاً في خططها التربوية والإرشادية والتوعوية حسب الحاجة الملحة.. ثم أين تهيئة المديرين والمعلمين ليكونوا قادرين على التأثير بالحسنى وخلق علاقات حسنة مع طلابهم ليتمكنوا من حسن قيادتهم وتوجيههم، إضافة إلى المتابعات الميدانية لطلبتنا وطالباتنا في تجمعاتهم وتوفير فرص الالتقاء بهم خارج أوقات الدراسة وتنظيم برامج دائمة ونوادٍ حوارية ترفيهية تربوية. التربية تحتضر في بلادنا الحبيبة التي وضعها قائدنا ومليكنا أمانة في أعناقنا ونحن قصرنا، وهذا الأمر مؤسف بل ومبكٍ حقاً، ولست أكتمكم حقيقة ما أعانيه من آلام بسبب ما أشاهده من تدني المستوى التربوي حتى أنني ولا أبالغ إن قلت إنني كثيراً ما أبكي التربية وأهلها المخلصين والمخلصات الذين تم إقصاؤهم فلا وجود لهم إلا في زوايا الإدارات وتحت إمرة من لا يدركون من التربية إلا عناوينها، وبهذا تم تكبيلهم والقبض على فكرهم وعطائهم داخل الأدراج. حكت لي إحدى الزميلات عن رجل سمع كلمات نابية من ابنه فقدم شكوى ضد وزير التربية والتعليم في بلاده باعتباره المسؤول الأول عن التربية. وبالطبع أنا أعتقد أن وزارة التربية والتعليم مسؤولة عن أي انحدار في التربية، وأرجو ألا أؤخذ على كلامي هذا، فالواقع مرير أنا أعلم أن وزير التربية ونائبيه حريصون على كل ما هو مثمر ونافع ويقود للأمام، كما أعلم أنهم يتمتعون بشفافية عالية لن تجعلني في موقع المساءلة السلبية على ما قلت وسأقول، فما قصدته فعلاً أن أضع أيديهم على الجراح التي تنزف لإيقاف نزفها وإن وضعت في موقع مساءلة فليتها تكون إيجابية. فما قلته واقع نتجرع مرارته كل يوم وحان الوقت للتخلص منه إذا أردنا تذوق حلاوة التربية والتعليم، فمياديننا زاخرة بالمتفوقين والموهوبين والقادرين على نثر النجاح في ذرات الهواء الذي نستنشقه وحان الوقت للاستفادة منهم، فلماذا نتغاضى عن ذلك؟ ولست أنسى كلمات قالها أخي المشرف العام على منتديات الوزارة حيث ذكر أن الوزير ونائبيه يرفضون حذف الموضوعات الناقدة من المنتدى ويشيرون بالاهتمام بكل ما يكتب خاصة حين يلتزم أصحابها بالأسلوب الأدبي والمهذب، ويطلعون على كل شكوى أو مطلب. وكانت هذه الكلمات مبشرة بالخير وهو ما يجب أن يكون عليه المسؤول المخلص، وإن ظني فيهم لا يخالف ذلك، وليس معنى أن نكشف أخطاءنا التي تكاد تفتك بتربيتنا أننا لا نقدر جهود المخلصين والمخلصات الصادقين والصادقات العاملين والعاملات فعلاً من أجل الوطن ولا شيء سوى الوطن، هؤلاء نقف لهم احتراماً ونقول اللهم أجعلهم الأغلبية، لكن ما يؤسف له أن هؤلاء صوتهم الأضعف، وهذه رسالة مني إلى معالي الوزير ونائبيه. هؤلاء هم الذين يعيشون في زوايا الوزارة والإدارات ويهمهم العمل الجيد بصرف النظر عمن قام به المهم أنه عمل مخلص. إن وزارة التربية والتعليم هي أم الوزارات، وهي القلب النابض لها، وهي الشريان الذي يغذيها بالدماء التي لا تتمنى إلا أن تكون صافية، لذلك يعول عليها خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين والآباء والأمهات والمجتمع بأسره. وزارة التربية والتعليم ليست أي وزارة فعلينا أن ندرك أن جميع منسوبيها ومنسوباتها حملوا أمانة عظيمة، والتراخي فيها وإهمالها والتجاهل لأي صوت أو كلمة ناقدة ما هو إلا عدم تقدير لهذه الأمانة. ومما يؤسف له أن الاستهانة بالمعلم وقيمته ما هو إلا استهانة بالوزارة بأكملها بل هو في الواقع استهانة بالأمة، فالمعلم أمة في واحد وهو يستحق الحصانة شأنه شأن الدبلوماسي الذي يبني علاقات خارجية، وهو دور هام لكن دور المعلم أكبر وأعظم، فهو يبني وينشئ أنفساً وعقولاً، يبنيها لتتماسك وتقوى وتنتج وتؤتي ثمارها يانعة حلوة تمتد من الداخل إلى الخارج، فهل علمتم أشرف أو أجل منه، هذا كان سؤال حافظ إبراهيم، وترى هل توقع هذا الشاعر الراحل أن تصبح قصيدة فخره بالمعلم يرددها المعلم نادباً حظه العاثر باكياً قيمته المتناثرة، ولو راجعنا ديوان المظالم لوجدنا أكثر القضايا هناك لأهل التربية والتعليم، ونتساءل لماذا نصل لهذا الحد خاصة وأن منها قضايا كثيرة نال المعلم حقه حين تجلت الأمور. ونكرر السؤال لماذا تتجلى الأمور هناك؟ وعموماً أكان المعلم ظالماً أو مظلوماً فيجب ألا يصل المتعلم لهذا المستوى من جلد وإهانة معلمه، فهناك جهات اختصاص، إنها فجيعة لن يقضي عليها إلا أولئك المخلصون والمخلصات الذين يحملون لواء مجهودات تربوية عارمة دافعهم فيها الإخلاص لله ثم للوطن ولخادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، فقد وضع -حفظه الله- التربية أمانة في القائمين عليها، وقائدهم فيها وزير التربية والتعليم ونائبيه، علماً أن الجميع يؤمن بأنه إذا صلحت القيادة صلحت التربية كلها.لابد من تحريك الدماء في شرايين التربية والتعليم، تلك الدماء الصافية التي لا يشوبها سوى هم الوصول بتربيتنا وتعليمنا للقمة، مسؤولون يصغون لكل مخلص ومخلصة.. فالتربية والتعليم أخطر من أن تتجاهل خطاباً أو مكالمة حين تكون واضحة الهوية والمعالم، وكلنا قد سمعنا كثيراً توصية خادم الحرمين -حفظه الله- للوزراء بالعدل والأمانة، وقد أعلن للملأ أنه أخرج الميزانية لكل وزارة من ذمته إلى ذمة الوزير. فأي أمانة تلك وأي مسؤولية، إنها والله عظيمة، وإنه والله الملك المخلص الصادق الذي أعلن للملأ أن ميزانيتنا ضخمة وأضخمها للتربية والتعليم، ورغم ذلك هناك إدارات لا هواتف مباشرة بها ولا آلات تصوير ولا فاكسات، ورغم عصر الانفجار المعرفي والتقني إلا أنه ما زال كثير من طلبتنا وطالباتنا ومعلمينا ومعلماتنا لا يجيدون التعامل مع خصائص التقنية وأسرارها، وكثير من مدارسنا تخلو من أبسط أجهزتنا ناهيك عن المباني غير المناسبة.. رغم هذه الميزانية الضخمة إلا أن أعمالاً هامة وأفكاراً رائعة تتعطل وتتوقف والحجة أن الميزانية لا تسمح، تصوروا..! إننا نحلم بذلك اليوم الذي يمشي فيه المعلم في كل مكان فيقف الناس له احتراماً وتقديراً إذا عرفوا أنه معلم، نعم وسيكون قريباً بإذن الله فإنني متفائلة جداً بمليكنا العظيم وبولي عهده الأمين ومتأملة خيراً كثيراً في تفاعل معالي الوزير وسمو نائبه د. خالد المشاري ومعالي نائبه الدكتور المليص.. وننتظر حقيقة حواراً مفتوحاً مع المسؤولين ومعنا يكون غاية في الشفافية ونعطي الفرصة المطلقة لمناقشة هموم التربية ومعاناتنا لنضع النقاط على الحروف والأيادي على الجروح التي تنزف.
http://www.al-jazirah.com/138962/rj1d.htm
المفضلات