تعليم (التعليم) مسؤولية مَن؟
محمد بن عبدالعزيز الفيصل
(التعليم)... مع وضوح هذه الكلمة وبيان ما تشتمل عليه من معنى، إلا أن (البعض) قد حملها أكثر من ذلك بكثير، فحملت أعلى من طاقتها، فأصبحت تشتمل على أمور لا حصر لها (الوظيفة، الوجاهة، المنصب...). صحيح أن هذه الأشياء قد تكون ملازمة لها بالضرورة، ولكن اشتمالها عليها أمر غير منطقي وبعيد عن الدقة. قد تكون (العولمة) هي الملامة في مثل هذه المواقف، وخاصة في هذا الزمن، الذي تتبدل فيه المعاني فتلبس ثياباً (جديدة) قد لا تليق بها، ولكنها تناسب (الأيديولوجية) الزمانية التي يعيشها ويفكر بها (معظم) البشر الآن.تتزايد مع مرور الزمن (الحاجة) إلى توفير الكوادر (المحلية) المؤهلة علمياً وعملياً، وذلك لتشغيل القطاعات والمؤسسات، الحكومية والخاصة، التي تحتاج إلى وجود الأيادي والعقول (المؤهلة) فيما يخص احتياجاتها (المتزايدة)، وبالفعل استطاع التعليم (العالي) أن يؤهل أعداداً كبيرة من (الخريجين) تمكنت من الالتحاق بكثير من الجهات والعمل على تطويرها والوصول إلى بعض المراكز القيادية فيها، فمخرجات التعليم (العالي) جيدة، وقد أثبتت صلاحيتها من خلال مواءمتها لأغلب احتياجات سوق العمل.في اليوم (الموعود) الذي يتخرج فيه الطالب من الثانوية العامة (التعيسة)، مخلفاً رواءه العديد من (الذكريات) المثخنة بالجراح، من الذكرى الحسنة التي خلفها معلمو الأجيال لطلابهم... فبعد أن (ينجو) الطالب من هذه المرحلة، أو بالأصح من الاختبارات (التعجيزية) التي يشرف على (طبخها) نخبة من (السلبيين) عقلياً ليبرهنوا للطلاب (المساكين) على مدى القدرات العقلية (الخارقة) التي يتمتعون بها كمعلمين وموجهين تربويين!، والكل يسمع في كل عام عن الأسئلة (الغريبة) التي تصيب التلاميذ بالإغماء والتشنج.. في قاعات الامتحان.وقد حاولت وزارة التربية والتعليم تفادي هذه المشكلة والحدّ من منها بقرارها الأخير؛ فيتخرج أبناؤنا من هذه (الحرب) غير المتكافئة، (منتصرين، مهزومين) إلى عالم جديد تسود فيه (الحرية)، وتصطبغ فصوله بالاحترام والتقدير، وتسود فيه المنطقية والعقلانية (المحكمة) التي تذوب أمامها (معظم) ملامح التسلط والكره؛ فينتقل الطالب من طور التعليم (الفارغ)، إلى الطور (الغامض) عند كثير منهم؛ فأغلب المتقدمين إلى الجامعات لا تتوافر لديهم أبسط المعلومات عنها؛ مما يوقعهم في الحيرة، وفي ذلك الوقت من العام تكون أبواب الجامعات مشرعة، وتبدأ عمادات القبول والتسجيل محاولاتمحدودة لترشيد الطلاب وتبصيرهم بالجامعة التي يقدمون للانتماء إليها، وكذلك الكليات التي يوشكون على الدخول فيها، وذلك عبر بروشورات توزع عليهم أثناء زيارتهم للأماكن المخصصة للقبول، وأقرب مثال على ذلك ما تقوم به جامعة الملك سعود وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، مع أن الطالب قد (رُسِمَ) في ذهنه أن الجامعة هي الطريق الآمن للوصول إلى (الوظيفة) و(احتضانها)؛ فيبدأ في ممارسة السلوكيات التي تعلمها أثناء دراسته في مرحلة التعليم (العام)، من الأمور التي (جبله) عليها المدرسون في (السابق)، بأن التعليم (غصب)، ودائماً يكون رغم أنف الطالب؛ فيكون اختيار الطالب (عشوائياً)، غير مبني على أسس معينة، بل إن اختياره يكون مبنياً على مقولة ل(فلان وفلان)، من الزملاء وغيرهم، وبالمعنى العامي: (مع الخيل يا شقراء). وبعد انتظامه في إحدى الكليات قد يخفق في دراسته، أو يحالفه الحظ فيتخرج في (الجامعة) بمعدل متدن؛ فيخسر كل شيء؛ فلا يستفيد من العلم الذي أتيحت له الاستزادة منه، إضافة إلى أنه خسر (الوظيفة) التي كان يطمح في الوصول إليها، بل إنها كانت الدافع الرئيس لدخوله هذه المرحلة.الجامعات عبارة عن مؤسسات تعليمية (غير ربحية)، هدفها سام وواضح، وغير قابل للمزايدة؛ فبعض من يلتحقون بالجامعات يتذمرون من كثرة المواد المقررة التي تخرج في الغالب عن التخصص الذي يختبئ تحته الدارس؛ وهذا (التذمر) غير مقبول من الجانب المنطقي؛ فالجامعات تقوم بإعطاء الطالب بعد تخرجه شهادة تثبت أن صاحبها قد انتهى من مرحلة (البكالوريوس)، وهي درجة علمية ليست بالسهلة؛ فالجامعي بعد تخرجه يكون (مؤهلاً) ثقافياً وفكرياً وعلمياً، ويمتلك مخزوناً جيداً من المعلومات العامة، وذلك من خلال انتظامه في مقاعد الدراسة فيها، إضافة إلى تردده على المكتبات العامة لإعداد البحوث والدراسات التي كُلف بها. ومن لا يملك الاستطاعة والجلد على الدراسة الجامعية التي لا تقدم الوظائف (المضمونة) بعد التخرج فهناك معاهد متخصصة تقوم بإعطاء الطالب كمية معينة من (العلم)، الذي يحتاج إليه لكي يقوم بواجباته (الحتمية)، عند تخرجه فيها والتحاقه بالقطاعات التي تقبل هذا النوع من الخريجين!الجامعات تمثل كيانات علمية بعيدة كل البعد عن الجوانب الأخرى؛ فحتى مَن ينضمون إليها من أعضاء هيئة التدريس يكونون ملزمين بمتابعة مسيرتهم العلمية؛ فالترقيات العلمية قد رُبطت بشكل مباشر بالمرتب (الشهري) الذي يتقاضاه عضو هيئة التدريس؛ فلو توقف نتاجه العلمي فإن الجامعة ستضطر إلى التخلي عنه، وذلك بتحويله إلى موظف إداري أو مدرس في مرحلة التعليم العام, وحتى من يريد الاستمرار في عطائه، وذلك بعد وصوله مرحلة التقاعد يجب أن يكون على درجة أستاذ مشارك أو أستاذ (بروفيسور)، على أقل تقدير.قد يكابر (البعض) ويزعم أننا قد قطعنا في تعليمنا (العام) أشواطاً واسعة وتجاوزنا العديد من المراحل (المتقدمة)، وحققنا الأهداف بالشكل المطلوب... كل ذلك صحيح وقد تم تطبيقه على الأوراق (الصفراء) فقط، ولكننا لم نصل إلى أذهان أبنائنا، ولكننا نحاول أن نوصل إليهم أبسط المعاني التي تشتمل عليها هذه الكلمة... (التعليم).
http://www.al-jazirah.com/166425/ar3d.htm
|
|
المفضلات