نورة الضحية مجهولة الرقم في مسلسل حوادث المعلمات
أ. د. عبدالوهاب رجب هاشم بن صادق
لن تكون المعلمة نورة التي انتقلت إلى رحمة ربها تعالى قبل مباشرتها لليوم الأول من الدوام في مدرسة الصرار بالمنطقة الشرقية وذلك وفقاً لطلب شغل وظيفة مؤقتة طبقاً لنظام العمل بالساعة، حيث لفظت أنفاسها الأخيرة حسب تقرير الوفاة رقم 232/37/14 وتاريخ 25/7/1427ه وذلك في تمام الساعة التاسعة والنصف صباحاً بمستشفى الأمير سلطان بمليجة بالمنطقة الشرقية، وبالمقابل فإن نورة رحمها الله تعالى لن تكون الضحية الأخيرة مقابل الصمت الرهيب من وزارة التربية والتعليم «لقد ناديت لو أسمعت حياً.. ولكن لا حياة لمن تنادي»، وفي نفس اليوم والذي تلاه فإن هناك العديد من الحوادث الأخرى للمعلمات، وذلك مثل الذي حدث بمحافظة بحرة بمنطقة مكة المكرمة.
والعجيب في الأمر أن وزارة التربية والتعليم لم تدرك أن شهداء الواجب لا يقتصرون على الجنود، فالطبيب والمهندس والممرض الذي يتوفى في مكان عمله يعتبر أيضاً من ضمن شهداء الواجب، وكذلك المعلم والمعلمة، فلماذا لا يقوم وزير التربية والتعليم أو من ينوب عنه أو مدير التربية والتعليم في المنطقة أو المحافظة بزيارة مواساة لذوي وأقرباء فقيد وشهيد الواجب من المعلمين والمعلمات، وذلك مثل ما يفعله وزير الداخلية أو من ينوب عنه.
وعلى الرغم من تكرار حوادث المعلمات فإن وزارة التربية والتعليم والذي أشك في قدرتها على وضع البرامج والخطط للحد والتقليل من حوادث المعلمات، حيث لم نسمع أن هناك لقاء أو ندوة أو مؤتمراً حول حوادث الطرق والمعلمات، بالإضافة إلى أننا لم نتأكد حتى تاريخه من أن وزارة التربية والتعليم قد شكلت لجنة استشارية تضم الأكاديميين والمختصين لمناقشة حوادث المعلمات.
ولنعد إلى الضحية والتي لا أعرف حتى تاريخه كم وصل عددها من بين الضحايا من المعلمات، وهذا يمكن الإطلاع عليه من إدارة العلاقات العامة بوزارة التربية والتعليم والتي سوف ترد على مقالي في العدد القادم نافية عن نفسها التورط في قضية الضحية نورة وغيرها من المعلمات اللاتي سبقن نورة إن شاء الله إلى جنة الخلد بإذن الله. وسوف تتطرق إدارة العلاقات العامة إلى أن الضحية وغيرها من الضحايا السبب في تلك الحوادث لأنهن لبين الواجب بالتدريس في المناطق النائية وتحت شروط الوزارة القاسية والتي تعتبر أنه لا بد من عقاب المعلمات بالشروط غير اللائقة لبنات هذا الوطن الغالي والتي أشك في أن وزير التربية والتعليم قد أطلع عليها والتي منها:
1 - يتعهد الطرف الثاني (المعلمة) بالعمل لدى الطرف الأول (وزارة التربية والتعليم) بالعمل بمعدل (7) ساعات يومياً من الساعة (6,45) صباحاً إلى الساعة (1,30) مساءً بدون أيام الخميس والجمع والعطل الرسمية الأخرى.
2 - الالتزام بالأوقات المحددة ولا يجوز له التأخر عن العمل عن هذه المواعيد كما لا يستحق أجراً مقابل الوقت الذي لم يعمل فيه.
3 - يجوز للجهة الإدارية أن تكلف الطرف الثاني بالقيام بأي عمل آخر من نوع العمل المتفق عليه دون أن يعترض على ذلك.
هذا بالإضافة إلى العديد من النقاط القاسية والتي تستحق من وزير التربية والتعليم قراءتها وإعادة النظر في تصحيحها عن طريق لجنة متخصصة للنظر في وضع المعلمات اللاتي يخرجن من بيوتهن عند الساعة الرابعة فجراً ويعدن إلى بيوتهن حوالي الرابعة عصراً، ولنا أن نتساءل أين الإنصاف يا وزارة التربية والتعليم من هذه الشروط المجحفة ونحن في أرض الحرمين الشريفين، وهل معلماتنا يستحقن هذه الشروط القاسية أم أن هذا هو العقاب المطلوب للحد من توظيف المعلمات؟ ثم ما هو مصير المعلمة التي توفيت أو حدث لها عاهة أو تشوه وهي في طريق المباشرة؟
وتلك النقاط السابقة سوف تخرج نورة كما أخرجت غيرها من معلمات حوادث الطرق من المولد بلا حمص، فهل يعقل ذلك؟ وهل بالإمكان من وزير التربية والتعليم إعادة النظر في ذلك وطرح طلب إلى ولي الأمر أو مجلس الشورى لتعويض معلمات حوادث الطرق بمبلغ مقطوع يساهم في رفع معنويات ذوي فقيدات وشهيدات الواجب.
إن الصمت الرهيب من وزارة التربية والتعليم وعدم الإشارة إلى البدء في وضع البرامج والخطط للحد من حوادث المعلمات، يضع العديد من التساؤلات وفي مقدمتها إلى متى يستمر مسلسل نزيف الدماء اليومي في العرض على طرقنا في المحافظات والقرى والهجر وباللون الدموي الأحمر القاني، في حين أن جميع المسلسلات المحلية والعالمية لها حلقات من البداية وهناك نهاية.
يُقال إن هناك العديد من المواصفات في وسائل النقل للمعلمات للتأكد من جودتها وصلاحيتها للنقل على الطرق، بالإضافة إلى أن سائق وسيلة النقل يجب أن يكون سعودياً ومعه محرمه، فهل يعلم وزير التربية والتعليم أن سائق السيارة التي لقيت فيها نورة مصرعها كان سباكاً. وكيف تم إعطاؤه رخصة نقل المعلمات؟
طبعاً في العدد القادم سوف ترد إدارة العلاقات العامة بوزارة التربية والتعليم أن الوزارة لا علاقة لها بذلك وأن السائق المذكور كان في دورة سباكة لتصحيح وضعه إلى سائق، وأن المعلمة هي السبب الأول في الحادث لأنها لم تلبس خوذة واقية للصدمات وملابس رجال الفضاء.
وبما أن وزارة التربية والتعليم هي المسؤول الأول عن حوادث المعلمات، فإن هناك العديد من الوزارات تشترك في هذه المسؤولية، ولكن عن طريق وزارة التربية والتعليم.
ولنا أن نتساءل هل هناك مخاطبات بين وزارة التربية والتعليم ووزارة الداخلية لتكثيف الدوريات الأمنية على الطرق التي تسلكها قوافل المعلمات، وهل تم التأكيد على جميع وسائل النقل التزود بوسائل الاتصال اللاسلكي والإسعافات الأولية وتفقد المركبة دورياً كل ستة أشهر للتأكد من سلامتها للسير وذلك عن طريق إصدار تصريح بالسير من الفحص الدوري، مع ضرورة وجود نقاط تفتيش للتأكد من الالتزام التام بضرورة أن يكون السائق للمركبة التي تقل المعلمات سعودياً.
ولنا أن نتساءل أيضاً هل هناك مخاطبات بين وزارة التربية والتعليم ووزارة النقل عند البدء في افتتاح المدارس في القرى والهجر النائية، لتحديد المسافة بين القرية أو الهجرة والمحافظة أو المنطقة التابعة لها، وبالتعاون مع وزارة الصحة لتحديد أقرب مستشفى يمكن نقل المعلمة إليه في حالة حدوث الحوادث المرورية؟. وهل هناك تعاون بين أمراء المناطق ووزارة التربية والتعليم للمساهمة في الاشتراك لوضع برامج وخطط وأهداف توعوية للحد من حوادث المعلمات، والعمل أيضاً على وضع الحوافز التشجيعية للمعلمات للمضي في القدوم إلى القرى والهجر مثل منح الأراضي والهبات، *****اهمة من البنوك لإعطاء القروض الميسرة لبناء سكن للمعلمة التي ترغب بالبقاء والاستقرار في القرى والهجر.
ولنا أيضاً أن نتساءل لماذا لا تقوم وزارة التربية والتعليم بخفض نصاب معلمات القرى والهجر من الحصص وأيضاً تقليص الدوام لمدة ثلاثة أيام فقط للمعلمة القادمة من خارج القرية أو الهجرة، وذلك على سبيل المثال بأن تقوم بتدريس جميع مقرراتها في الثلاثة أيام فقط، وعلى أن تتولى المعلمة التي تقيم بالقرية أو الهجرة التدريس لكامل الأسبوع.
ولنعد مرة أخرى إلى نورة والتي لم يشفع لها تفوقها العلمي في التعيين كمعيدة، وإلى والدتها ووالدها المكلومين والمجروحين، بالإضافة إلى أفراد أسرتها وابنها عمر ذي الأشهر السبعة. حيث أستيقظت نورة عند الساعة الرابعة فجراً مثل المعلمات اللاتي يذهبن يومياً إلى الأماكن النائية لتستعد لرحلة الموت، وقبل الوصول حدث الحادث المروري لتنتقل إلى رحمة ربها، في حين أن زميلاتها من المعلمات في أماكن مختلفة من هذا البلد المعطاء يسلكن طريق العودة ليصلن يومياً حوالي الساعة الثالثة عصراً.
ولنا أن نتساءل أيضاً هل لدى المسؤولين في وزارة التربية فكرة عن النشرة الموجزة عن القبول في كليات البنات في مختلف مناطق المملكة العربية السعودية والتي تتوفر لديّ نسخة منها للعام 1418ه/1419ه، ومن خلالها يمكن التأكد لماذا معلمة القويعية تداوم في الرياض ومعلمة الرياض في القويعية؟
لا شك في أن دراسة وافية على سبيل المثال لتلك النشرة وغيرها من الخطط والبرامج من قبل فريق من المختصين سوف يحقق بإذن الله تعالى بعض الأهداف المرجوة للحد من ظاهرة حوادث المعلمات.
|
|
المفضلات