آلية العيش في القرن21:
تطبيق استراتيجية تعلم الإلكتروني
د. أحمد عصام الصفدي٭
نشرت جريدة الرياض بالملحق في عددها الصادر يوم السبت 3 ربيع الأول 1427 ه مقالاً بعنوان «من الصعب تعميم التعليم الإلكتروني على جميع المدارس». تساءلت صحيفة الرياض مع المشرف العام على مدارس الملك فيصل الأستاذ الدكتور محمد الخطيب عن: حقيقة التعليم الإلكتروني في المدارس، وفائدة هذا النوع من التعليم، والفرق بينه وبين تعليم الحاسب الآلي في المدارس، وما مدى توفر الإمكانات والتجهيزات في المدارس. أجاب الدكتور الخطيب الذي أكن له التقدير على تساؤلات صحفي جريدة الرياض بالمعرفة والدراية الواسعة حول التعلم الإلكتروني. وما ورد من شرح لهذا النوع من التعليم أو بالأحرى التعلم الإلكتروني صحيح ومطابق للواقع. ما أهدف إليه من كتابتي التالية التوسع على ما جاء في صحيفة الرياض بحيث يرتبط موضوع التعلم الإلكتروني والتعليم عامة بشمولية أكبر؛ ألا وهي معاشنا في القرن 21. فهل فعلاُ نعيش القرن 21 ؟! أم لا زلنا نردد في التربية ما حفظناه من الغرب في منتصف القرن ال 20؟! إن كان الأمر كذلك - وهذا ما أراه ويؤيدني فيه كثير من المفكرين ورجال التربية والناس عامة - فما هي آلية العيش في القرن21؟
أين نحن الآن؟
تخلفت الأمة الإسلامية كثيراً عن ركب الحضارة والتقدم في التكنولوجيا (التقنية أو التقان) بجميع أنواعها وأشكالها. هذا تقرير يعرفه الجميع ويشهد به. لسنا في هذا المقال نبحث عن الأسباب فقد كتب فيها الكثيرون. نحن نبحث عن جانب واحد وعامل النهوض فيه. ذلك هو جانب التقنية (التكنولوجيا). تحدث الكثيرون وبحثوا وناقشوا الفجوة الرقمية بين من يمتلك ومن لا يمتلك المعرفة والمعلومات والقدرة على الاستخدام، فحتم ذلك التفريق بين المجتمعات المتقدمة وتلك المتخلفة. هذا بالنسبة للفجوة الرقمية إلا أن هناك فجوة تقنية خاصة لم تأخذ الاهتمام الكافي، تلك هي فجوة التقنية الصلبة والناعمة والناعمة-الصلبة - كالبرمجيات والآلة والتصنيع وغير ذلك.
يُرجع كثيرون أحد أسباب النهضة التقنية الحديثة في اليابان إلى طالب الدكتوراه الذي أُبتعث إلى الولايات المتحدة للدراسات العليا، ولكنه اختط طريقاً آخر عندما اهتدى إلى تقنية المولد الكهربائي (الدينمو) الصلبة فتعلمها وأتقنها وعاد بها إلى اليابان لتجتاز اليابان الفجوة ويبدأ المشوارالتقني.
كيف سنستطيع نحن تجاوز الفجوة والعيش في القرن 21؟
مقدمة الحل
ما يزيد في مركب النقص عندنا تشخيص أنفسنا أننا في مؤخرة ركب الأمم في التقنية، سواء أكانت تقنية المعلومات والاتصال، أو تقنية الاستكشاف، أو تقنية استخدام المصادر والآلات والأجهزة والأدوات، أو غير ذلك من أنواع التقنيات. لعل أهمها تقنية إنتاج التقنية. من هنا كان السعي إلى تجاوز هذه الهوة السحيقة في التقنية واللحاق بركب الدول المتقدمة صناعياً، ومواكبتها بالارتقاء إلى الانتاج.
يقول الله تعالى في كتابه العزيز في سورة الإسراء آية 36: { ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسئولا} فهمنا لهذه الملكات هو ما فهمه ال*** المودودي. 1) السمع هو تلقي المعلومة، أو المعرفة والعلم،أو التقنية. وهذا ديدن الأمم المستهلكة. 2) البصر هو تصنيف المعلومة إلى نافع وضار، ومفيد وغير مفيد، وصالح وطالح. فيكون الأخذ بالنافع وطرح الضار، والاستفادة من المفيد والتجاوز عن غير المفيد، واستخدام الصالح والاستغناء عن الطالح. هذه المرحلة الثانية هي من خطوات البحث العلمي في فرز المعلومة ذات العلاقة عن تلك التي لا علاقة لها بالموضوع. 3) الفؤاد هو إنتاج المعلومة، أو المعرفة والعلم، أو التقنية. ويقول - رحمه الله - إن من جاز المراحل الثلاث وجبت له قيادة الأمم. من بداهة القولأن كل من هذه الملكات أساسها العقل. فبدون التفكير لا يمكن حتى تجاوز مرحلة السمع. ويرتقي التفكير فيما بعد إلى المستوى الأعلى بحسب استخدامه في المرحلة.
لعل هذه المقالة الأولية تضع يدها على الآلية التي تدفع إلى تحقق تعلم يقود إلى تملك التقنية وإنتاجها.
بعض الحل: استراتيجية تطبيق التعلم الإلكتروني
التعلم الإلكتروني هو طريقة استخدام المعلومة والاتصال. قد يكون الشخص المتعلم طفلا في مرحلة الحضانة أو الروضة، أو مجموعة طلاب يتعاونون في مشروع عبر الانترنت، أو طلاب يشاهدون رسما متحركا لقانون فيزيائي أو تفاعل كيميائي حمّله مدرسهم للتو في الحاسوب (الكومبيوتر) - كل ما سبق من التعلم الالكتروني.
والتعلم الالكتروني موجود حولنا قي المدارس، الكليات، الجامعات، المراكز الاجتماعية، في مكان العمل، وفي المنزل. كثير من التعلم الالكتروني جارٍ الآن إلا أنه ليس من نوع تطور التقدم الذاتي الذي تستطيع القيام به المنظمات والأفراد. يشبه ذلك أن تكون الوحيد الذي يمتلك هاتفاً جوالاً، إلا أنك لا تستطيع إحراز كامنه حتى يستخدمه أغلب الناس. لذلك لم يكن التعلم الالكتروني مرسخ في تدريسنا وتعلمنا. بهذا المفهوم البسيط والعميق قامت وثيقة التشاور التي أصدرتها إدارة التعليم والمهارات في المملكة المتحدة (2**3) ببحث مفهوم التعلم الالكتروني. وهي بحق وثيقة دقيقة وموثقة علمياً وتربوياً.
ويجد الناس في التعلم الالكتروني فرقاً هاماً في إتقانهم لمهارة ما، وفي سهولة الدراسة، وتمتعهم بالتعلم. والتعلم الالكتروني مهم لأنه يساهم في جميع المشاريع الحكومية في التربية، تحسين المستوى، تحسُّن الجودة، إزالة معوقات التعلم *****اهمة في التعلم، الإعداد للتوظف، زيادة المهارة في مكان العمل، وفي النهاية ضمان أن يًحرز المتعلم كامل إمكانياته.
فوائد التعلم الإلكتروني عديدة أهمها بالنسبة لهذه الدراسة تمكين المتعلمين والمدرسين. وأهم قيمة أنه يساعد في تحسين المعايير وإحرازها، ويصبح المتعلمون أكثر تكلفاً وحنكة. إلا أن هناك ضعفا وعوائق عديدة، أيضاً، مثل قلة نسبة المدارس التي تحصد النفع، وعدم انهماك القياديين التربويين في استغلاله. عليه، فنحن في أمس الحاجة إلى إستراتيجية لتعلم إلكتروني يمس حياة كل فرد متعلم شرط أن لا يحل بحال من الأحوال محل المدرس.
يتم تطوير إستراتيجية تعلم إلكتروني ديناميكية بالتعاون مع الجهات الحكومية ، والوكالات، وآخرون. ثم يؤمل أن تتطور هذه الإستراتيجية الدينامكية بالاستشارة والحوار؛ ومن خلال المؤتمرات والندوات واستفتاءات البحوث. كما سيمكننا موقع الإستراتيجية على الشبكة من تبادل المعلومات، والأفكار.
يغطي تطبيق الإستراتيجية مجالات متنوعة وعريضة. يعود ذلك إلى إمكانية تطبيق الإستراتيجية في سائر مجالات الحياة التعليمية، الاقتصادية، الاجتماعية.. الخ. إلا أننا سنكتفي في هذا المؤتمر بعرض تطبقين مكملين لبعضهما البعض. يتلخص تطبيق إستراتيجية التعلم الإلكتروني الديناميكية في: دعم التعاون بين معلمي المدارس في جوانب المشاركة في الممارسة، الاشتغال بالتعلم المباشر، ومناقشة قضايا اهتمام مشترك؛ وتقييم الإستراتيجية. تستطيع نظم التعلم الإلكتروني تعزيز قيمة التقييم بتحليل نتائج مدى المشاركة والاشتغال وفق معايير مقننة، وتحديد قضايا الاهتمام المشترك. كما يعني القياس بالتحقق الكمي التحقق عن مدى فاعلية الإستراتيجية. ويمكن كما يذكر نشواتي قياس الجوانب باستخدام وسائل وأدوات الملاحظة المباشرة، والاستبانات، والاستفتاءات، وقوائم المراجعة، ومقاييس التقدير.
يقع أكثر العمل اللازم لتطبيق الإستراتيجية على عاتق الشركاء التربويين والوكالات، وشركات الخبرة المحلية. ونتوقع دوراً قوياً لوزارات التربية والتعليم في تطبيق الإستراتيجية، وتوجيه المسيرة، وتصميم إطار العمل.
ومع أن إستراتيجية التعلم الالكتروني هي للمدى البعيد إلا أن خطواتها الأولى تقوم على برامج تقنية المعلومات والاتصال في المدارس. وسيعطيننا تقييم الإستراتيجية دليل النجاح. فالنجاح دليله نتائج المنافع الكمية والنوعية، ونتائج التعلم الالكتروني. يتم الحكم على تقدم ونتائج الإستراتيجية عند المقارنة مع الأهداف القائمة. تصور ما يستطيعه نظامنا التعليمي في المملكة العربية السعودية القيام به إذا كان وقوده التعلم الالكتروني. فنحن نتطلع إلى نظام تعليم نهدف إليه فيما بعد العقد القادم، وقدرات يؤجهها التعلم الالكتروني. لذلك فإن الهدفين الأساسيين اللذين نطمح إلى الإعداد لهما من خلال إستراتيجية في التعلم الالكتروني هما: إحراز كافة المتعلمين لطاقتهم الكامنة، وقوى تعليمية عاملة متمكنة من أجل التغيير.
تدعو الحاجة لتحقيق التطلع إلى ملاحظة جوانب عديدة، أهمها على سبيل المثال لا الحصر:عقد العزم على البدء، تطوير تقنية المعلومات والاتصال، تغيير جذري في فهمنا للتقنية وتعاملنا معها، ومن ثم إنتاجها، وتُحمِّل المتعلمين من جميع الأعمار مسؤولياتهم للطريقة والكيفية التي يتعلمون بها محرزين غاياتهم الخاصة وتعليم حياة مستمر. ستشكل الإستراتيجية المقترحة رؤية تعلم مستقبلية وتقترح كيفية تحقيق الرؤية بأمثلة من تطبيق فعلي قائم. ولكن لما كنا لا نتطلع إلى تنفيذ الاسترتيجية قريباً بل قد يمتد الأمر إلى ما بعد العقد القادم فإنه يجدر بنا ملاحظة التطور التقني الهائل القادم خلال هذه الفترة والإعداد له.
وبعد، لعلنا بهذا التطلع نحقق حلم النهضة التعليمية ونقدم لمتعلمينا آلية العيش في القرن الحادي والعشرين.
استشاري تقنية التعليم والتصميم التعليمي
|
|
المفضلات