الهيروين يباع على أبواب المنازل والخوف يلجم الغاضبين
سكان الحفرة بجدة يحلمون بمداهمة أمنية تخلصهم من كابوس مروجي المخدرات
مدمن: مدمنون يتساقطون موتى من الجرعات الزائدة أو المسمومة حيث يخلطون الهيروين بسم الفئران


جدة: عاصم الغامدي
حصاد المداهمات الأمنية في بعض أحياء جدة، أحيا آمال سكان أحياء أخرى تعاني الأمرين من مخالفين لنظم الإقامة، يمارسون أعمال خارجة على القانون، ويسببون حرجاً وإزعاجاً مستمرين للسكان، الذين لا يملكون شيئاً غير الدعاء للخلاص من هذا الواقع الأليم.
من هذه الأحياء التي صارت المداهمة حلماً من أحلام سكانها اليومية، حي الحفرة، الذي يطلق عليه أيضاً حي القوزين أو حارة المليون، والذي يعاني سكانه من انتشار بؤر الفساد، وممارسات تتراوح بين ترويج للمخدرات، وجرائم سرقة، وترويع لأمن السكان، وحرمان من الراحة والشعور بالأمان.
حي الحفرة الذي يحده من الجنوب شارع الملك خالد وشرطة منطقة مكة المكرمة، ومن الغرب ما كان يعرف بحراج الدراجات النارية وسيارات النصف نقل وشارع المخزومي، ومن الشمال شارع الستين وجسر الملك فهد، ومن الشرق أطراف حراج الكيلو 2، لا يقل عن الأحياء التي داهمتها الحملات الأمنية الأخيرة، ويؤكد سكانه على ضرورة تنظيم حملة مداهمة أمنية له تنظفه من عصابات الإجرام والمخدرات والتهريب والسرقة وغيرها، والقضاء على إحدى البؤر الخطرة في جدة، مشيرين إلى أن ضيق الأزقة والحواري لا يمكن أن يقف حائلاً أمام رجال الأمن الذين اقتحموا أحياءً أكثر صعوبة من هذا الحي.
عندما دخلنا الحي لم نجد من يتحدث معنا أو يدلنا على أي شيء سوى بعض المدمنين الذين ينتهزون فرصة دخول أي زائر جديد للحي، ويحاولون مساعدته للحصول على ما يحتاج من مخدر مقابل بضعة ريالات تؤمن لهم جرعة إضافية يتعاطونها، وصبيان المروجين الذين ينتشرون في الزوايا ويراقبون المداخل والمخارج لاصطياد من يرونه طريدة مناسبة، وللتحذير من أي غريب يشكون في أمره بعد أن تدربوا على ذلك. ويعمل في بقالات الحي وكافيترياته بنغاليون وفي ورش التبريد باكستانيون، والواقف من جهة شارع الستين وجسر الملك فهد غالبا ما يلاحظ دخول عدد من أبناء الجاليات التي اشتهر أفرادها ب*** هذه السموم وتهريبها في أحشائهم واختفاءهم في الحي.
من الوهلة الأولى تظهر صعوبة مداهمة الحي كما فهمنا ممن تحدثوا معنا لضيق مداخله وأزقته وتعرجها،حتى ليبدو أشبه بقلعة حصينة لا يستطيع أحد الدخول أو الخروج إلا عبر هذه الأزقة التي تشبه الشقوق في جدران المنازل الشعبية المتهالكة التي يخيل للزائر أنها تسند بعضها حتى لا تسقط، وفي نهاية كل زقاق يجلس الفتية والشباب من صبيان المروجين يراقبون المداخل،وإذا ما رأوا زائرا غريبا يقومون بالتحرش به على الفور للتعرف على هويته واختلاق أي سبب للتعارك معه، حيث يشترك في العراك آخرون بالحجارة من على أسطح المنازل، أما إذا عرفوا أنه مدمن جاء للحصول على المخدر، فإنهم يسألونه إن كان هناك بائع معين يتعامل معه أو إن كان يبحث عمن يقدم له المخدر ليقوموا بمساعدته في الحصول على ما يريد.
وفي أحد المداخل وقفنا نحاول تصوير هؤلاء المراقبين فرآنا أحد المدمنين من مدخل الشارع الرئيس الذي دخلنا منه إلى الحي، وكان يعتقد أننا نبحث عن بائع للحصول على جرعة مخدرة، فوقف عند أحد المداخل لكنه حين لاحظ أننا بصدد تصوير الزقاق الذي يقف فيه امتقع وجهه وظهرت عليه بوادر الشر وهو يتقدم نحونا، ولم نجد أمامنا غير التحدث معه بطريقة ودية وهو مازال يعتقد أننا نبحث عن جرعة من المخدر، وبعد أن هدأ غضبه حذرنا من مغبة الدخول أو التصوير مؤكدا أن هؤلاء المجرمين لن يتورعوا عن ضربنا وسلبنا كل ما نحمله من كاميرات أو هواتف نقالة وحتى نقود.
وعندما سألناه إن كان يعرف جنسياتهم قال: منهم سعوديون ومنهم من أبناء الجالية اليمنية المولودين هنا في الحي أو "اللحوج" أو ما يطلق عليهم الخدم وهم موجودون على مدار الساعة. بعد النصيحة تركناه وحاولنا الدخول من زقاق آخر لاكتشاف مداخل الأزقة وما يقوم به المراقبون على أمل أن نستطيع تصوير مدمن يحاول الشراء. وانتقلنا إلى زقاق لا يزيد عرضه في بعض جوانبه عن 3 أمتار وتتفرع منه عشرات الأزقة أو "الزواريب" التي لا يمكن الدخول إليها بأي وسيلة مواصلات فيما يتمركز المراقبون على زواياها الداخلية، وتوقفنا أمام إحدى البقالات محاولين التحدث مع البائع البنغالي، الذي رفض في البداية لكنه بقليل من الإقناع وافق على أن نلتقط له صورة، وأن يحدثنا عن مشاكل الحي. وكانت التعبيرات المرسومة على وجهه عند حديثه عن الحي أبلغ من أي كلام، قال: في هذا الحي الكثير من المشاكل وقد تعرضنا للسرقة عدة مرات من بعض المدمنين، دون أن نفعل شيئا، وتوقف عن الحديث فهممت بالعودة إلى السيارة التي تقف أمام البقالة لإحضار الكاميرا، حين حضر اثنان من المشبوهين ممن كانوا يتمركزون في إحدى زوايا الزقاق المقابل للبقالة، وسألا زميلي عما نريد وما الذي نبحث عنه في الحارة، وعرضوا عليه خدماتهم الترويجية بطريقة غير مباشرة للتأكد من هويتنا وما إذا كنا نشكل أي خطر عليهم، وعندما أجاب زميلي بالنفي قمت بإخفاء الكاميرا وعدت إلى السيارة للخروج من هذا الشارع الذي لا يوجد له أي مخرج آخر ومن السهل جدا في حال اكتشاف حقيقة ما نقوم به الإيقاع وإلحاق الأذى بنا.
عندها خرجنا إلى ما يشبه الشارع لأنه أكثر اتساعا من الأزقة، ويعتبر الشارع الرئيس في الحارة. أوقفنا السيارة أمام إحدى الكافيتريات المنتشرة في أماكن عدة، وما إن دخلنا إلى الكافيتريا محاولين التحدث مع العامل البنغالي الموجود فيها حتى اقترب منا أحد العاملين في الورش المجاورة للحي، وهو يرتدي بدلة مخصصة للعمال، وقال لنا: عامل الكافيتريا بنجلاديشي ولا يعرف شيئاً، فسألناه هو عن حقيقة ما يقال عن الحي، فأجاب: كل ما يقال صحيح، وعندما همّ بإرشادنا إلى أماكن بائعي المخدرات بناء على طلبنا شاهد أحد الشباب من أبناء الحي يقترب منا، فأومأ بحركة من عينيه محذرا من التحدث أمام هذا الشاب وغيّر الحديث إلى إصلاح السيارة ثم غادرنا مسرعاً إلى الورشة، فلاحظ الشاب حيرتنا وعلم من بائع الكافيتريا أننا من الصحافة فجاء إلينا مسرعاً، وعرفنا بنفسه طالباً عدم ذكر اسمه، ورمز إليه بـ"ج. ص."، رفض التصوير، وذكر أن عمره 19 عاماً، وقال إنه من مواليد الحي، مطالباً بإنقاذه من هذه الممارسات المشبوهة، قائلاً: إننا نشهد فيه مواقف مؤلمة فكثير من الشباب من أبناء الأسر المحترمة يتساقطون في الأزقة نتيجة المخدرات، وليس الرجال فقط من يعمل في بيعها، بل حتى النساء يشاركن في البيع والترويج والتخفي من الجهات الأمنية، وأغلبهم من أبناء الجالية اليمنية.
وتحدث عن حملات المداهمة التي تقوم بها الجهات الأمنية، فقال: إنهم وكما تلاحظون يمارسون عملية البيع من المنازل وبمجرد أن يلاحظوا وجود أي أشخاص ليسوا من سكان الحي أو من زبائنهم، يبدؤون في التسلل إلى المنازل، فالمراقبون ينتشرون في كافة أزقة الحي التي لا يزيد عرضها عن مترين وتضيق في بعض الأماكن لأكثر من ذلك، وما أن يشعروا برجال الأمن الذين يتواجدون بشكل شبه يومي حتى يلوذوا بالفرار، وقد شاهدنا الكثير من المآسي في هذا الحي جراء هذه التجارة الخبيثة، كما أن هناك الكثير من المدمنين الذين يحضرون إلى هنا لشراء المخدرات وتناولها في الشارع حتى لا يتم ضبطهم من قبل رجال الأمن المتواجدين على مداخل الحي من الخارج، ونحن نقيم في هذا الحي مكرهين ولا نستطيع أن نمارس فيه أي أنشطة بريئة، بل إننا نغادر الحي لممارسة نشاطنا خارجه لأن الجو العام فيه موبوء.
وغادرنا "ج. ص." وهو يرجونا أن لا ننشر صورته التي التقطناها في غفلة منه وهو يشير إلى المنطقة التي ينتشر فيها بائعو المخدرات، وبرر خوفه بأنهم مجرمون لا يتورعون عن عمل أي شيء، وأخبرنا أن هناك رجل أمن يدعى أبا عماد داهمهم فهاجموه في منزله وهددوه بالسلاح إن كررها.
وتوجهنا إلى عدد من كبار السن يجلسون أمام كافيتريا لنتحدث معهم عن حقيقة ما يشاع عن الحي، وما إن بدأنا السؤال حتى أبدى بعضهم امتعاضه ورفض الحديث، فيما أنكر البعض انتماءه للحي أو معرفته بأي شيء، لكن أحدهم عندما لمس حيرتنا وإصرارنا على الحصول على أي معلومة أرشدنا إلى كابينة اتصالات بجوار الكافيتريا لعل العاملين فيها يستطيعون مساعدتنا أو التحدث إلينا، وعندما ذهبنا إلى الكابينة وسألنا الموظف الموجود فيها عن حقيقة ما يشاع عن الحي، قال: نسمع عن الكثير من الكوارث وليس المشاكل وأكثرها من التشاديين والمواطنين العاطلين عن العمل، وهي مشاكل كثيرة لا أستطيع أن أحصرها، وما أعرفه أن الناس تخشى دخول هذا الحي بسبب وجود عصابات السرقة والسلب وبيع وترويج الهيروين، أما المخدرات الأخرى فلم أسمع عن وجودها مع أنني أعمل في هذه الكابينة منذ حوالي 7 سنوات، لكني لست من سكان الحي، وأكد أنه ليس خائفا من الحديث معنا لأنه لا يخاف إلا الله، لكن معلوماته عما يدور داخل الحي مما يسمعه من المارة والزبائن، حتى الشخص الآخر الذي يجلس إلى جواره أنكر معرفته بأي شيء وأن سبب حضوره إلى الحي لزيارة صديقه.
وفي بقالة مجاورة حاولنا التحدث مع البائع البنغالي إلا أنه أنكر معرفته باللغة العربية وحضر شخص كان ينظر إلينا باستغراب وكأنه يحاول أن يقول شيئا، وأنكر أنه من سكان الحي، وقال إنه يعمل سائق أجرة بين جدة والطائف، وإنه حضر إلى البقالة ليصرف 2** ريال دفعها له راكب، ولكن الملفت أن البقال أعاد له 170 ريالاً فقط، وبعد عدة دقائق عاد بعد أن خلع "الغترة" التي كان يضعها على رأسه وبدأ يترنح ويميل للأمام وكأنه سيتقيأ ما في جوفه. واقترب منا أحد سكان الحي وكان يراقبنا منذ فترة، وقال: إنه أحد المدمنين المنتشرين حول الحي ويعملون على ترويج الهيروين ليحصلوا على جرعة مجانية، وكثيرا ما نشاهدهم ينامون هنا أسفل الجسر أو يسقطون موتى على الأرصفة جراء تناول جرعة زائدة أو مسمومة، إذ إننا نسمع أن التجار يخلطون الهيروين بسم الفئران، وعندما طلبنا منه اسمه وأن نلتقط له صورة لنشرها مع التحقيق ارتجفت أوصاله وقال بصوت مرتجف: إنهم سفاحون ولدي أطفال أريد تربيتهم فقد أمضيت عمري كله في هذا الحي لأنني مولود فيه وأبلغ الآن 42 عاما، و أشار إلى اسمه بـ"ع .علي"، وأن هذا الحي منذ كان اسمه القوزين مشهور ببيع الخمور في المنطقة المجاورة لحراج الدراجات النارية والمقاهي المحيطة به من الجهة الشرقية، وكان يطلق عليه في الماضي "المشاط" أما مسمى الحفرة فأطلقه عليه المدمنون، وحارة المليون أطلقه بعض السكان بسبب كثرة الأطفال في الحي الذين ينتشرون بالعشرات في الأزقة. وقال: أعتقد بأن مداخل الحي الضيقة جعلته أشبه ما يكون بقلعة حصينة تستعصي على الاقتحام ما يصعب مهمة رجال الأمن إذا أرادوا مداهمته، كما أن هناك صحفياً حاول دخول الحي فتعرض للضرب حتى أصيب بكسر في الجمجمة، وصعوبة المداهمة وتحقيق نتائج حقيقية أمر صعب لأن بيع المخدرات يتم داخل البيوت، حيث يقوم البائع بتسليم المخدر للمدمن عند باب منزله، ومن ثم يقوم بإغلاق باب المنزل وفي حال رغبة الجهات الأمنية اقتحام المنزل فعليها أن تحضر معها موظفات أمن وسجانات لوجود عائلات داخل المنازل، كما أن طبيعة بناء المنازل المتلاصقة تمكنهم من إخفاء أي شيء وانتقال الهاربين من منزل إلى آخر.
وأضاف بحرقة: نتمنى أن تقوم الجهات الأمنية بإزالة الحي بالكامل حتى يتم تنظيف المنطقة من هذه الأوكار المشبوهة، ونطالب بتكثيف الرقابة على مداخل الحي والقبض على المشتبه بهم وقت الدخول وليس وقت الخروج ومعهم المخدرات، إذ كيف تصل المخدرات إلى هذه الأوكار لو لم تكن عن طريق الداخلين إلى الحي؟ كما أن القبض على المدمنين قبل دخولهم الحي سيساعد في حل المشكلة، فحين لن يجد المروجون والبائعون من يشتري منهم المخدر لن يمارسوا نشاطهم المشبوه.
ويؤكد علي أن هناك منطقتين أخريين مشبوهتين إحداهما تعرف بالمثلث ويسيطر عليها أفراد الجالية التشادية وهي أقرب إلى حي الهنداوية منها إلى السبيل، والأخرى برحة الجيلاني، وهي أقرب إلى موقف مكة، وقد تخصصت كل منهما بترويج نوع محدد من المخدرات، كما تخصصت "الحفرة" في ترويج الهيروين.