العصبية والعناد صرخة افتقاد
[frame="3 80"]السؤال :
ابني يبلغ من العمر 5 أعوام ونصفا، ولد في عمان، وانتقلنا إلى كندا، وعندما كان عمره عاما كنت أنا ووالده نعمل كثيرا، وأحيانا في العطلات، وكانت ترعى ابني مربية كانت تعطيه بعض الحريات كمشاهدة التليفزيون.
إياد طفل مختلف في نومه منذ مولده، والآن هو أسوأ من الفترة السابقة، لا يسمع كلام أي أحد، غاضب طوال الوقت، ويضايق أخاه الأصغر منه الذي يبلغ عاما، لا يحترمني أنا ووالده؛ فينادينا بأسمائنا مباشرة، عندما نخرج لنتسوق يريد أن يشتري كل شيء، وعندما نقول له: "لا" فإنه يبدأ في الصراخ.
في المدرسة يقول عنه مدرسوه: إنه متفوق ومؤدب (على عكس البيت).
عندما يكون هادئا يقوم بتقبيلي، وأنا أحاول جاهدة تهدئته، وأن أشعرة بحبي له.
أريد المساعدة.[/frame]
[frame="5 80"]
الجواب :
سيدتي الفاضلة، أهلا بك ومرحبا على صفحة "معا نربي أبناءنا"، وندعو الله أن يهدينا وإياك إلى سواء السبيل.
أود أولا سيدتي أن يتسع صدرك وأنت تقرئين الرد على استشارتك، وأن تقرئيه بنفس صافية بعيدة عن مشاغل عملك ومشاغل الحياة اليومية التي تطحن كل شيء للدرجة التي لا نجد فيها فرصة للتفكر والتدبر في كل ما يحدث حولنا.
إنما يصدر من ابنك من سلوكيات غير مرغوب فيها من عصبية وحدة، ورميكم بالأشياء، وصعوبة في التعامل، وسبكم، وضربه لأخيه، وصراخه، وخبطه الأشياء وعدم احترامه لكم... إلى آخر ما ورد من شكوى في رسالتك يرجع إلى افتقاده لك ولوالده.. افتقاده لجو أسري ينشأ فيه، افتقاده للأم التي تحتضن وترعى وتلعب وتمرح وتحاور وتناقش وتتفقد أحوال أبنائها.
أنا لا أدري -سيدتي- ما ظروفك أو طبيعة الحياة التي تعيشينها في كندا، والتي تضطرك أن تتركي ولديك مع جليسة أطفال ليل نهار، وبعض العطلات الأسبوعية أيضا، وتجعل -أي جليسة الأطفال- ابنيك أو أحدهما يشاهد التلفاز لفترة زمنية طويلة (وربما يكون هذا أهون الأمور التي تفعلها معهما في أثناء غيابك)، وقد فسرت أنت لها هذه الفعلة على أنها تمنح ابنك مزيدا من الحرية، وهذا غير صحيح؛ فهي تريد أن تلهيه عنها أو تشغله بدلا من وجع الدماغ الذي يمكن أن يسببه لها، وإذا افترضنا جدلا أن هذا هو اعتقادها؛ أن تجعل ابنك يشاهد التلفاز فترة طويلة كنوع من ممارسة الحرية؛ فهذا أدهى وأمرّ؛ لأن كل الأبحاث والدراسات أثبتت التأثير السلبي على الطفل عندما يترك لمشاهدة التلفاز مدة تزيد عن ساعة يوميا.
سيدتي، تحملي كلماتي الناقدة وربما كانت لاذعة، والتي لا أستطيع أن أمنع نفسي من قولها؛ فأنا لا أدري إذا كنت مشغولة إلى هذه الدرجة ولا تستطيعين العناية بأبنائك، أو تكون رعايتهم -على أقل تقدير- تحت إشرافك وعلى مرأى ومسمع منك، أقول: إذا كنت غير مستعدة لهذه الرعاية فما الذي جعلك تقدمين أنت وزوجك على إنجابهما؟ وإذا كان الأمر جاء بقدر من الله دون الترتيب له؛ فعليك إذن أن تتحملي أنت وزوجك أمر رعاية هذه الأسرة، وأن تخلقا الوقت خلقا لتكوني بجوار طفليك اللذين خرجا للحياة لا ليتركا لجليسة أطفال؛ بل ليجدا أبا وأما فرحين مستعدين لقدومهما يرحبان بهما قولا وفعلا.
إن طفليك يحتاجان منك: إذا صحيا من نومهما وجداك بابتسامة دافئة تستقبلي معهما يوما جميلا جديدا، وإذا استعدا للذهاب إلى مدرستهما وجدا أما تودعهما بابتسامة رقيقة وحضن دافئ، ويحتاجان إذا عادا يجدان أما تشتاق لهما وتستمع لما يرويانه عليها من أحداث بالمدرسة تبادلهما النقاش والحوار وتبادلهما حبا بحب وعطفا بعطف، تلعب معهما، تساعدهما إذا تعثرا في شيء، تتنزه معهما في عطلات آخر الأسبوع، تتفهم مشاعرهما، تلبي احتياجاتهما، تعلمهما الصواب من الخطأ، ويشاركك والدهما في كل ما سبق أو بعضه.. وأنا حين أطلب منك ذلك فلا يعني أن تكرسي كل دقيقة من عمرك لولديك؛ بل كل ما أطلبه أن تجدي وقتا لأبنائك لرعايتهم، وأن يجدوك حيث يحتاجونك.
سيدتي، إذا استمر الحال بكم هكذا فثقي أنك ستجدين ابنك الذي تشتكين منه عما قليل شابا متمردا عنيدا عصبيا جاحدا لا يعرف ما معنى البر، وأنى له أن يعرف هذا فهو أمر لم يجربه، ولم يربَّ عليه، ولم يبره أبواه حتى يبرهما؛ بل لديه استعداد عال للإصابة باضطرابات نفسية شديدة قد بدأت بوادرها بالسلوكيات التي تشتكين منها، ولن يقف الأمر عند هذا الحد؛ بل سيكون له عواقب وخيمة إذا تزوج هذا الشاب وأنجب بدوره أولادًا يتعامل معهم بنفس الطريقة إن لم تكن أسوأ، إنكما لا تخطئان -سيدتي- في حق ابنكما فحسب بل في حق أجيال قادمة.
أسمعك تقولين: ولماذا لم يحدث كل هذا لأخيه أيضا؟ الإجابة بمنتهى البساطة أن كلا منهما كانت له استجابته الخاصة تجاه أسلوبكما في التربية، وهذا ما يعرف بالفروق الفردية، وثقي تماما أن ابنك الآخر إذا كان قد عومل بنفس أسلوب أخيه فإنه يحمل بذور هذه الاضطرابات، لكنها ربما لم تظهر بعدُ، أو أنها ظاهرة، ولكن بشكل آخر لم تنتبها له أنت وزوجك بعد.
الوقت لم يفُت بعد سيدتي؛ فعليك بتدارك الأمر وإصلاحه، وأوله أن تمنحي ولديك وقتا وحبا واهتماما، وثقي أن ذلك وحده كفيل بأن يعدل كثيرا من السلوكيات التي ذكرتها، وإذا تبقى منها شيء فنحن هنا؛ فعاودي الاتصال بنا وستجديننا قلبا وقالبا معك.
مرة أخرى سيدتي أعتذر عن قسوة كلماتي، لكن كان من الأمانة بمكان أن أوضح لك عاقبة إهمال الأطفال، وجعلهم على هامش حياتنا.[/frame]
http://www.islamonline.net/servlet/S...ParentCounselA
