من المسؤول عن تعليم اللغة الإنجليزية وتعلمها؟
عامر بن عبدالله الشهراني"مقال"
يبدأ تدريس اللغة الإنجليزية في نظامنا التعليمي من الصف السادس الابتدائي إلى المرحلة الجامعية، حيث بدأ في الأعوام القليلة الماضية تدريس اللغة الإنجليزية في الصف السادس الابتدائي للبنين والبنات، وقد صاحب ذلك بعض المشكلات، ومن أهمها عدم مواكبة المناهج لهذه المرحلة بحيث تتوافق مع مناهج المراحل المتوسطة والثانوية، أو بما يحقق مبدأ التتابع في المنهج، هذا بالإضافة إلى العجز الكبير في عدد معلمي ومعلمات اللغة الإنجليزية، حيث كان هناك نقص واضح في عدد المعلمين في تخصص تدريس اللغة الإنجليزية في المرحلة المتوسطة والثانوية قبل البدء في تدريس اللغة الإنجليزية في المرحلة الابتدائية، هذا ولا يقتصر العجز في عدد المعلمين، ولكن يتعدى ذلك إلى العجز في تمكن بعض معلمي اللغة الإنجليزية من اللغة الإنجليزية، ومن مهارات تدريسها بفعالية ونجاح.
ومن خلال الاطلاع على مستوى عدد كبير من خريجي المرحلة الثانوية في اللغة الإنجليزية، ومستوى تمكنهم من مهاراتها الأساسية (التحدث، والكتابة، والاستماع، والقراءة)، نجد أنهم لا يمتلكون أبجديات اللغة بالرغم من دراستهم لها ولمدة 6 سنوات على الأقل، ونسبة الرسوب في مقرر اللغة الإنجليزية في مراحل التعليم العام عالية، وهذا دليل واضح على أن هناك خللا في تعليمنا في هذا الجانب، ويحتاج إلى وقفه جادة، وتقييم شامل ومستمر.
وهنا أتساءل، ويتساءل معي كثيرون من أولياء الأمور، ورجال الأعمال عن الأسباب التي أدت إلى هذا المستوى الذي لم يصل إلى مستوى طموح المسؤولين عن التعليم العام، وطموح الجهات المستفيدة.
وهناك من يرى أن الطالب، أو المتعلم هو المسؤول الأول عن تعلم اللغة الإنجليزية، فالطالب الذي ليس لديه رغبة أكيدة في تعلم اللغة الإنجليزية، أو لديه اتجاهات سلبية نحوها لن يتعلم هذه اللغة بسهولة، فقد يحضر الطالب حصص، ودروس اللغة الإنجليزية، وفي حالة عدم اقتناعه بتعلمها لن يستفيد منها، وهنا يمكن تطبيق المثل الذي يقول: "بإمكانك أن تقود الحصان إلى النهر، ولكنك لن تفرض عليه أن يشرب منه"؛ ومن هنا فالطالب يمكن مطالبته بالحضور، وأداء الواجبات المنزلية في هذا المجال، ولكن لا يمكن أن تجبره على تعلم هذه اللغة إذا لم تكن هناك رغبة صادقة لديه لتعلم هذه اللغة.
وآخرون يرون أن معلم اللغة الإنجليزية هو المسؤول الأول عن تعليم وتعلم اللغة الإنجليزية في مختلف مراحل التعليم العام، وتنطلق مبررات أصحاب هذا الرأي من أن المعلم الجاد، والمخلص في عمله يؤثر في تعلم طلابه إذ يثير دافعيتهم للتعلم فيستفيدون منه أثناء تدريسه لهم، ولكن عدم تمكن المعلم من اللغة الإنجليزية ومن مهارات تدريسها يؤثر سلباً في تعلم طلابه، وكما يقال: "فاقد الشيء لا يعطيه". وقد يعود ذلك إلى عدم اقتناع المعلم بتدريس هذه اللغة، أو عدم تمكنه من بعض مهارات تدريس هذه اللغة، أو عدم استفادته من برنامج إعداده للتدريس في برامج إعداد المعلم، أو عدم مشاركته في البرامج التدريبية لمعلمي اللغة الإنجليزية التي هي في الأصل نادرة، وقليلة، كما لا يوجد حوافز حقيقية للمعلم لحضورها، والمشاركة فيها في حالة تقديمها. ويضاف إلى ما سبق أن تدريس أي لغة يحتاج من المعلم أن يبذل جهوداً مضاعفة في سبيل تحقيق الأهداف التدريسية المحددة، ولكن ما يبذله كثير من معلمي اللغة الإنجليزية من جهود يمكن وصفها بأنها متواضعة جداً، ولذلك لا يتم تعلم طلابهم لهذه اللغة بفعالية، ونجاح.
وقد يرى البعض أن السبب الرئيس في تدني تحصيل، وتعلم اللغة الإنجليزية لدى طلاب التعليم العام، أو حتى الجامعي قد يعود إلى مستوى المناهج والمقررات الدراسية، فهناك من يرى أن مناهج اللغة الإنجليزية قديمة، وتنفيذها لا يتواكب مع الثورة المعرفية، والتقدم التقني الذي نعيشه في هذه الأيام، وهذا بدوره يتطلب من مسؤولي المناهج تقييم المناهج الحالية للغة الإنجليزية، وتطويرها لكي تكون مواكبة للتقدم التقني في مجال تقنيات التعليم، ولنظريات تعلم اللغات الأجنبية، ولتواكب المستجدات المختلفة في هذا المجال.
وهناك من يرى أن الوقت المخصص لتدريس اللغة الإنجليزية في الجدول المدرسي غير كاف؛ وبناء على ذلك يقترحون زيادة عدد الحصص الأسبوعية لتدريس اللغة الإنجليزية. وهنا أقول: إن الوقت المخصص لتدريس اللغة الإنجليزية في مراحل التعليم العام مناسب، ولكن يحتاج إلى أن يستثمر بالطريقة الصحيحة، ويتم التركيز على الجوانب التطبيقية؛ لأن تعلم اللغة الإنجليزية يتطلب من المعلم توظيف مهارات مختلفة في الجوانب التطبيقية، وعدم الاعتماد على التدريس النظري فقط. وقد شرعت المدارس الأهلية في تدريس اللغة الإنجليزية لجميع صفوف المرحلة الابتدائية، ولكن لم ينجح أغلبها في هذا الجانب؛ لأنه لا يوجد منهج محدد، ومناسب لطلاب المرحلة الابتدائية، إضافة إلى أن معلمي اللغة غير متمكنين منها، وكثير منهم تنقصه الخبرة في تدريس هذا التخصص.
وفي هذا المجال أرى أن عملية تعليم، وتعلم اللغة الإنجليزية مسؤولية مشتركة بين المعلم، والمتعلم، والبيئة المدرسية بشكل عام، وتحتاج إلى منهج متطور، ومناسب للمتعلم، وقدراته، وإمكاناته. كما أرى أن تدريس اللغة الإنجليزية في مراحل التعليم العام لا يتواكب مع ما تنفقه وزارة التربية والتعليم من ميزانيتها في هذا المجال لأن مخرجات المرحلة الثانوية، ودرجة تمكنها من اللغة الإنجليزية دون المستوى المأمول، وهذا فيه هدر تربوي، وفاقد تعليمي للجهد، والمال، والوقت بدون عائد يذكر، ويحتاج ذلك إلى إعادة نظر من كافة الجوانب.
كما أن برامج إعداد المعلم تحتاج إلى إعادة نظر؛ لأن كثيراً من معلمي اللغة الإنجليزية يحصلون على درجة البكالوريوس دون تمكن من أساسيات اللغة الإنجليزية، ومهارات تدريسها، وبالتالي ينعكس ذلك سلباً على تعليم وتعلم اللغة الإنجليزية لدى طلابهم.
وهذا يؤكد الحاجة إلى تطوير برامج إعداد المعلم بحيث تشتمل على ما يستجد في هذا المجال من تركيز على مهارات الاتصال، وتقنيات التعليم، ومهارات التعلم الذاتي، وغيرها من المهارات الأخرى.
وفي وقتنا الحاضر لغة التدريس في كثير من كليات الجامعات هي اللغة الإنجليزية، والطلاب الملتحقون بالجامعات في هذه الكليات غير متمكنين من اللغة مما يجعل هذه الجامعات تقدم برامج مكثفة في اللغة الإنجليزية، وهذه البرامج تبدأ تدريس اللغة وكأن الطالب ليس لديه خلفية، أو خبرات سابقة في هذه اللغة من مراحل تعليمية سابقة. وهذا فيه هدر، وفاقد تعليمي على المستوى الجامعي؛ لأنه يفترض أن يلتحق الطالب بالدراسة الجامعية ولدية أساسيات اللغة الإنجليزية.
كما اقترح على وزارة التربية والتعليم عدم التوسع في تدريس اللغة الإنجليزية في المرحلة الابتدائية حتى تعالج تدريسها في المراحل الأخرى، ويتم توفير معلمين متمكنين في هذا الجانب، وإذا استمرت مشكلة تعليم اللغة الإنجليزية، وتعلمها كما هي في مراحل التعليم العام بوضعها الحالي بدون عائد إيجابي بشكل كبير على المتعلم فقد يكون من المناسب إعادة التفكير في وجودها في مناهج التعليم العام، مع إدراكي التام بأن اللغة الإنجليزية في وقتنا الحاضر هي اللغة العلمية العالمية، ونحتاجها في كافة جوانب الحياة.
*أكاديمي وكاتب سعودي
