هل للطفل التوحدي ثقافة خاصة به أم لا؟
هذا السؤال قد حير علماء النفس حيث لاحظوا أن بعض أطفال التوحد لا يفهمون أبعاد اللعبة كما في لعبة السيارات مثلاً حيث نرى أنهم يضعونها خلف بعضها البعض دون حركة, و إنما يقومون فقط بصفها بشكل واحد أو على هيئة واحدة, بعكس أطفال آخرين في لعبهم مع الأحجية (البازل Puzzle) فقد يُركب أحدهم 1**0 قطعة بشكل مرتب و منظم و محكم. و قسم ثالث من أطفال التوحد يقومون برسم أشكال و ألوان يعجز الإنسان العادي عن رسمها. و قد أوضحت أمثال هذه المشاهدات و الملاحظات التي جاءت في الدراسات الخاصة بهذا الموضوع أن الخلايا و المراكز الموزعة في المخ هي المنطقة الوحيدة السليمة و غير مصابة بإعاقة المراكز التي لها علاقة بالنشاطات التي يعملها الطفل التوحدي. و أن بعض الإشارات العصبية المسؤولة في بعض أجزاء المخ سليمة و أن بعض الأجزاء تالفة أو أصابها خلل لذلك فإنها تنعكس على مدركات الطفل التوحدي و تفكيره مما يعطي إنطباعاً لدى الجميع بأنه لا يعرف العلاقات في اللعب أو أنه غير مثقف اتجاه اللعبة التي يلعبها. فأطفال التوحد ثقافتهم تختلف عن ثقافة الأطفال العاديين و كذلك مدى سلامة الأجهزة العصبية و المخية و الجهاز العصبي المركزي و مدى تطورهم و نضجهم النفسي و الجسمي و العقلي و تناسبها مع مجريات الأحداث و الخبرة العملية و التدرج لنمو العقل و الخبرة في مجال الحياة.
يُطلق على التوحديين مُسمى ذوي القصور النمائي الشامل Prevasive developmental Disorder (PDD) و يختلفون في سماتهم من مستوى إلى مستوى آخر مما يعكس إختلافاً في اللعب حسب شدة الإصابة بالمخ و شدة الأعراض المصاحبة للحالة المرضية.
إن العملية المعرفية و العقلية و الرضاء الوجداني للتوحديين شيء صعب جداً مع ظروف التطور التكنولوجي الحديث و مستوى الألعاب الحديثة و مدى التعقيدات التي بها , و تجدر الإشارة هنا إلى أن الوالدين في الأسرة أو الهيئة التدريسية في المدرسة أو المعهد يجب أن تختار نوعية الألعاب و مستواها العلاجي التي تُلائم ثقافة و مستوى وحدة أطفال التوحد, علماً بأن ألعاب العصر الحديث أصبحت مُعقدة و مُتطورة و تحتاج إلى إرتياح نفسي و إنعدام القلق و التحكم الجيد في اللعبة و يمكننا أن نتدرج في الألعاب حسب تطور الطفل و نضجه العقلي و سلامته النفسية و أن تقدم إليه من خلال الوسائل التي تسمح لنا باللعب معه و حسب الجدول الوظيفي لمعززات اللعب و أن تقدم إليه كذلك من خلال أجهزة الكمبيوتر ألعاب و برامج مُسلية و في نفس الوقت تعليمية و ترفيهية بسيطة حيث يكون التوحدي بإستطاعته أن يلعب اللعبة التي يختارها مثل لعبة الأتاري أو السيجا إلى جانب أن هناك ألعاباً رياضية قد نشاهدها في التلفزيون أو الفيديو.
و لا شك أن الجهات المُختصة من قطاعات الدولة يجب أن توفر للأفراد الذين لديهم إعاقة (فئة التوحد) المرافق العامة التي تتوفر فيها الألعاب و الأجهزة الترفيهية و الأجهزة الإلكترونية ذات الألعاب التعليمية المتنوعة المناسبة لهم, حيث أن هذه المشاركة و التعاون و التنسيق بين وزارة التربية و وزارة الصحة و وزارة الشؤون الإجتماعية و العمل و المؤسسات الخاصة و الخيرية سوف تكون مثمرة و مفيدة لأطفالنا من ذوي الحاجات الخاصة و التي يكون لها دور فعال في وضع استراتيجيات علاجية تُحسن و تطور وضع طفل التوحد. و من الضروري أن تدرك الأسرة المنزلية و المدرسية أن برامج أطفال التوحد ذات فائدة ترفيهية و ذات فائدة علاجية بطريقة تعليمية و عليها أيضاً أن تعرف مدى العلاقة بين الألعاب و المشاكل و الحساسية التي يعاني منها التوحدي, فمثلاً هناك ألعاب خاصة على تدريب الحواس و العقل كتلك التي قد يعاني من مشكلتها الطفل التوحدي فلا بد أن يعرف الفريق المختص العارف بالأهداف و المهارات الوجدانية و المعرفية كيف يصل إلى الطفل المصاب بالتوحد عن طريقها.
فالتدخل السريع مع تطور النمو الإدراكي لفئة التوحد أمر مهم, لمنعهم من التكسير و التخريب و هذا شيء طبيعي كما إختياره للعبة شرط رئيسي لراحته النفسية و لو أن الخبراء و المختصين يرون أهمية التدقيق في نوع اللعبة مع مراعاة نوع الإعاقة و شدتها و الإهتمام بإخضاع اللعبة للبحث العلمي بعد ملاحظة الطفل و سلوكه حيالها و الأعراض الملازمة له لأن التدخل في حل مشاكل التوحديين ضروري جداً و أن الغفلة عنهم و عدم الإرشاد و التوجيه اللازم لهم أمر ضار على العلاج و على التطور المنتظر للطفل.
و بما أن أطفال التوحد تفكيرهم غير مرن في الغالب و غير منطقي فإننا نجد أن إستجابتهم بطيئة للمواقف المعقدة في اللعبة و تنعكس على تعاملهم مع اللعبة بشكل عدواني فيقومون بالتكسير و التدمير, لذلك كان مهماً أن نبين الأهداف العلاجية للعب عن طريق إدراك القدرات المعرفية و الجسمية و النفسية لتقدم هؤلاء الأطفال و تطورهم النمائي الشامل, مثلاً لعبة الفك و التركيب التي تُعطي للتوحديين بعض المفاهيم البسيطة و الخاصة عن منهج الحياة التي يُمارسها الطفل التوحدي من واقع منزله أو مدرسته سواء كان ذلك في مأكله أو ملبسه أو أي جانب آخر من حياته الإجتماعية , علماُ بأن الألعاب تتنوع بأشكال و هيئات و صور متعددة تخدم الجانب العلاجي للطفل المصاب بالتوحد و كما قلنا أن نوع اللعبة و شكلها يرجع لمدى فهم الأسرة لحاجات الطفل مثال ذلك : الألعاب ذات التنمية للعضلات الصغيرة (أصابع اليد) و الألعاب ذات التنمية للعضلات الكبيرة (اليدين و الرجلين) و هذه الألعاب و غيرها من الألعاب ذات العلاقة بالجانب الجسمي و الحركي يجب أن تكون محل إهتمام الأسرة و المدرسة. و تأتي هذه الخطوات العلاجية من خلال التشاور مع المُختصين و إقامة الندوات العلمية و الإطلاع على البحوث التجريبية لرسم استراتيجيات مُستقبلية, و بالمتابعة المستمرة لخطوات تنفيذ البرامج العلاجية لأطفال التوحد حيث نجد أن النتائج جيدة و مثمرة لهم.
المصـــدر