المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كابوس "التريلة"... شيء من التعليم****** مقال خطير


 


ابولمى
20 - 4 - 2005, 04:55 AM
كابوس "التريلة"... شيء من التعليم


عبدالله محسن المطيري*
يعتبر النشاط اللاصفي من مرتكزات المنهج الحديث الأساسية والمهمة فهو قادر على اكتشاف المواهب وتنميتها وإبرازها بحكم أنه النشاط الذي يفترض أن يقوم على اختيار الطالب له وحرية المشاركة فيه، ولهذا شرط رئيس لا يمكن لهذا الهدف أن يتحقق بدونه، هذا الشرط هو أن يكون الطالب هو العنصر الفاعل والرئيس في هذا النشاط ويتخلص من وصاية المعلم ولو في هذا النشاط فقط. كما أن هذا النشاط متنوع يلبي حاجات أساسية في الإنسان عقلية وروحية وجسدية ولكن المؤسف أن هذا النشاط أشبه بالمعطل في مدارسنا. وذلك لعدة أسباب متداخلة لعل منها سيطرة النشاط الوعظي على ما سواه من الأنشطة اللاصفية. فالطلاب اعتادوا على أن يذهبوا للمصلى ويستمعوا لمحاضرة طويلة ثم ينصرفوا أشبه بالكومبارس الذين يحضرون المشهد التمثيلي كجزء من الموقف الطبيعي وكماليات الديكور دون أن ينبسوا ببنت شفة كما يقال. هذا الأسلوب ساد لوقت طويل حتى أصبح هو المعتاد والأصل والطبيعي ومن الصعب تغيير العقول تجاهه, ولذا حين صدر نظام رائع بإقامة مجالس حوار للطلاب يتعلمون فيها ويتدربون على ثقافة الحوار مع إشراف بعيد من المعلمين دون ممارسة السيطرة المعهودة، بقي هذا النظام حبرا على ورق لعدة أسباب من أهمها أن الجهة المنفذة لهذا القرار "المدارس" لم يعرفوا ولم يمارسوا على مدار عقود من الزمن ثقافة الحوار فكيف يعلمونها ويشرفون عليها وقد قيل قديما فاقد الشيء لا يعطيه.
بل كان من الأحرى زرع وتعليم ثقافة الحوار للمعلمين أولا لتستطيع مواجهة ثقافة التضليل والتفسيق والاستدراج في الحديث لإقامة الحجة على المخالف، ولو كان الخلاف في أبسط القضايا الفقهية ومن ثم الحرب الشعواء ضده والتحذير من أفكاره" المسمومة".
هذه البيئة الفكرية المسيطرة على التعليم ساهمت في ترسيخها ثقافة الوعظ أحادية الطرف والطرح والتي هي عاجزة في أغلب الأحيان، بحكم عدم التخصص، عن الإفادة من العلوم المهمة في العملية التربوية كعلم التربية والنفس والاجتماع، بل تكتفي بإعادات أصبح الطالب يحفظ خطوطها العريضة بمجرد سماعه للعنوان. وأيضا بسبب عجز كثير من المتحدثين عن طرح مواضيع ذات طابع عميق وعصري فعدتهم الفكرية والثقافية لا تساعدهم في الحديث عنها.
أذكر أنه قد زارنا في المدرسة أحد المتحدثين ليحدث الطلاب عن "الأمن الفكري" ولكن الحديث انساق به، لا إراديا، للحديث عن طاعة الوالدين ولم يبق للمحاضرة إلا عنوانها الحزين. وعلى ذلك قس فالطالب يتخرج في الثانوية وهو في حالة من العجز عن اتخاذ القرار وتحديد توجهه في المستقبل فلم يكن أحد مهتم بالحديث له وتعليمه ونقاشه في مثل هذه القضايا الهامة والحساسة.
في الأسبوع الماضي زار المدرسة أحد الوعاظ ومفسري الأحلام المشهورين ليلقي محاضرة على الطلاب. اجتمع الطلاب في ساحة المصلى والتزموا الصمت والهدوء. ثم تحدث المحاضر لهم في البداية عن ضرورة تحديد الهدف في الحياة (الهدف الديني فقط). فاستبشرنا خيرا بهذا الموضوع الهام فقد يعالج هذه القضية الحساسة والمباشرة للطالب. واستخدم المحاضر مثالا لتقريب وجهة النظر عن طريق التشبيه بكرة القدم وكيف يحقق اللاعب هدفه ولم يفته أن يشير إلى أن اللاعبين (حسب وصفه) لا يسترون عوراتهم أثناء اللعب. لم يكن هذا الأمر مستغربا حتى بدأ المحاضر بالدعاء على الطالب الذي سيصلي اليوم بدون وضوء بالموت، ليس الطبيعي، بل دهسا بين عجلات شاحنة، (يدخل رأسه بين كفرات تريلة)، جزاء له وردعا لأمثاله بحكم أنه كافر صلى للمعلم ولم يصل لله. هذا الأمر أثار الذعر في كثير من الطلاب وولد لديهم كوابيس تعيد المشهد الذي صوره المحاضر في دعوته. في هذه اللحظة لا بد أن نتوقف كثيرا ونحلل هذا الفكرة في ضوء منهج الدعوة الدينية ذاته. نجد أننا نستطيع تسجيل اعتراضات كثيرة منها:
أولا: أن هذه الطريقة في الدعوة تخالف الأسلوب القرآني في الدعوة قال تعالى: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" وليس الدعاء بهذا الشكل المريع القاتل من الحكمة والموعظة الحسنة.
ثانيا: أن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم تثبت معاملة للكفار والمشركين تخالف هذا الأسلوب فما بالك بالمسلمين. وكلنا يعرف حديث الشاب الذي قدم للنبي صلى الله عليه وسلم ليستأذنه بالزنا (تحليل ما حرم الله) وكيف قربه الرسول صلى الله عليه وسلم إليه وحاوره حتى أقنعه ولم يدع عليه بالهلاك والموت كما فعل صاحبنا. وكذلك رفض الرسول صلى الله عليه وسلم الدعاء على أهل الطائف حين ردوه ورفضوا دعوته بل دعا لهم.
ثالثا: ليس هذا الأسلوب بالأسلوب التربوي الصحيح. فمن هم المخاطبون هنا؟ هم طلاب في مقتبل العمر ما زالوا في طريق طلب العلم ومن الطبيعي وقوع الخطأ منهم ودور المربي هو التقرب إليهم وتفهم طبيعة مرحلتهم العمرية وليس تنفيرهم والدعاء عليهم بالهلاك وما جعل التعليم والتربية إلا لإصلاح الأخطاء بأساليب صحيحة ولو كان العلاج من الداء بالموت لما احتجنا للمدارس وبقينا في بيوتنا كل منا يدعو على الآخر.
رابعا: في ظل مشاكل العنف والإرهاب التي يعاني منها الوطن الكثير ويبذل الكثير من الأرواح والأموال في سبيل القضاء عليها، نجد أن هناك من يكرس، دون قصد ربما، ثقافة التكفير والتطرف، فما الذي سيمنع الطالب من قتل زميله الذي يصلي بدون وضوء وهو يدعو عليه بالموت ويعتقد بكفره وخروجه من الدين؟
هذه الحادثة الجزئية تعتبر ممثلة لكثير من القضايا التعليمية التي تكاد تشل العمل التعليمي في مدارسنا، فكل دارس للتربية والمناهج يعلم أن التعليم لدينا لا يزال يتبع الأسلوب التقليدي في التعليم والتربية وهو القائم على التلقين والحفظ وسيطرة المعلم. وكل متخصص أيضا يعلم أن هذا النمط من التعليم أصبح من مخلفات قرون ماضية في كثير من الدول وأنه عاجز عن تحقيق الأهداف الحقيقية للتعليم العصري فلا هو قادر على إخراج طالب مفكر ولا مبدع لأن هذا الأمر يتطلب تعليما قائما على اعتبار الطالب في كل خطوات العملية التعليمية وإتاحة الحرية له في النقد والإبداع. وهذا الأمر لم يكن من اهتمامات التعليم التقليدي الذي يهتم بنقل مجموعة من المعارف من ذاكرة المعلم إلى ذاكرة الطالب. ولكننا مازلنا ندور في فلك هذا التعليم التقليدي ولا نستطيع منه فكاكا هذا بالإضافة إلى أن التعليم لدينا مشحون أيديولوجيا بشكل كبير ولا أدل من ذلك على أن الكثير من المدارس لم تنفذ القرار الوارد بإنشاد السلام الوطني في الطابور الصباحي وليس هذا بمستغرب بل هو نتاج سنين طويلة من العداء للوطنية بحكم أنها بدعة وضلال وعداء للدين. ومن يطلع على التقدم الهائل والنقلات النوعية المتتالية في فلسفات وطرق ووسائل التربية والتعليم يعلم أن وزارة التربية والتعليم يجب أن تكون أكثر الوزارات حراكا تطويريا وعملا دؤوبا لمتابعة كل تطور وتقدم في عملية التربية والتعليم. ولكن الواقع، من وجهة نظري على الأقل، يقول عكس ذلك فما زالت خطوات التطوير لديها بطيئة ومتثاقلة والوقت للأسف لا يسعفها فقطار الأمم يسير بسرعة هائلة ويلزم للحاق به عمل غير اعتيادي وهمة رائدة تتجاوز كل العقبات من أجل خير هذا البلد وأهله.


*كاتب سعودي
http://www.alwatan.com.sa/daily/2**5-04-20/writers/writers06.htm