المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : البروزاك.. الحقيقة والمبالغة والدعايات المضادة..!!


 


ابولمى
18 - 3 - 2005, 05:47 AM
البروزاك.. الحقيقة والمبالغة والدعايات المضادة..!!



ربما لم يحصل دواء «عقار» نفسي من الشهرة والانتشار مثلما حصل لدواء البروزاك، والذي انتج للمرة الأولى في عام 1988 من قبل شركة ليلي (Eli Lilly).
إن حبة البروزاك ذات اللونين الأخضر والأصفر، حققت رواجاً ونجاحاً لم يحققه أي علاج مضاد للاكتئاب من قبل..! فهذا الدواء الذي فتح المجال بعده لعدد كبير من الأدوية المضادة للاكتئاب المعروفة بالأدوية المثبطة لمادة السيروتونين في الموصلات الكيميائية المعروفة باللغة الانجليزية بـ (Selective Serotonine Reuptake Inhibitors) ويرمز لها عادة لهذه الأدوية بمجموعة من الحروف الأولى (SSRI) والتي تشمل الآن أدوية كثيرة مشهورة ومعروفة لعلاج مرض الاكتئاب، مثل السيروكسات، السيرالكس، الفافرين، السيبرام ومجموعة أخرى كثيرة من هذه المجموعة من الأدوية المثبطة لمادة السيروتونين.

البروزاك حين ظهر في نهاية الثمانينات من القرن الماضي كان العلاج الوحيد الجديد في علاج الاكتئاب، وكان هناك حاجة ماسة لمثل هذا النوع من العلاج. فبدأ التسويق لهذا العلاج بأنه علاج فعال لعلاج الاكتئاب في البداية، وانه لا يسبب الأعراض الجانبية التي كانت أسوأ ما كان يعيب العلاجات القديمة مثل الأدوية ثلاثية الحلقات والتي منها أشهر الأدوية مثل التوفرانيل، والانافرانيل وأدوية أخرى فاعلة لكنها ذات أعراض جانبية غير مقبولة من المرضى مثل زيادة الوزن المفرطة، وجفاف الحلق، وعدم القدرة على التبول والذي يصل أحيانا إلى احتباس البول، وكذلك اضعاف القدرة الجنسية والامساك. كل هذه الأعراض الجانبية جعلت من نزول البروزاك إلى سوق الأدوية النفسية، خاصة لمرض الاكتئاب الذي يعتبر واحد من أكثر الأمراض انتشارا في الولايات المتحدة، حيث يعتبر المرض النفسي الثاني انتشارا بين الأمراض النفسية بعد الادمان على الكحول.

كبسولة البروزاك كما قلت بلونيها الأصفر والأخضر أصبحت علامة مميزة في المجتمع الأمريكي والإعلام الأمريكي، واقبل الناس على استخدام البروزاك بصورة هستيرية، بكل ما تعني هذه الكلمة..!! فأصبح يستخدم البروزاك من يعاني من اكتئاب ومن لم يعان من البروزاك، وهناك أرقام تقول بأنه في الأعوام الثلاث الأولى وصل إلى أكثر من ستة عشر مليون شخص سنوياً يستخدمون البروزاك، وهو دواء ليس رخيص الثمن، خاصة في بداية تصنيعه.

البروزاك أصبح ظاهرة طبية، وإعلامية، واجتماعية.. فقد أصبح يتردد اسم البروزاك في وسائل الإعلام بصورة مبالغ بها، حتى ان اشهر مذيعة تلفزيونية لبرامج الدردشة أوبرا وينفري، قدمت أكثر من برنامج عن البروزاك. في أحد أول برامجها أمسكت بين اصبعين من اصابعها بكبسولة بروزاك، واطلقت عليها «الحبة الذهبية» (Thw Golden Tablet) وكان الحديث عن مفعول البروزاك *****ي، وكان عدد كبير من الحضور في الاستوديو من الاشخاص الذين استخدموا البروزاك لأغراض شتى، فبعضهم للاكتئاب وآخرون للقلق وآخرون للوسواس القهري، بدأت تطول قائمة الأمراض النفسية التي يستطيع البروزاك علاجها.. وازداد استهلاك البروزاك بصورة مبالغ فيها في بقية الدول الأوروبية وبقية دول العالم بحيث انه اصبح الدواء رقم واحد لعلاج مرض الاكتئاب. هذا النجاح الباهر والدخل الكبير الذي حققه البروزاك شجع الشركات الأخرى على تصنيع أدوية لها نفس المفعول مثل السيروكسات والسبرام والفافرين والسيبرالكس.

مشكلة النجاح الباهر للبروزاك خلق جوا عدائيا من قبل الشركات الأخرى ووضعه تحت المنظار من العالمين في مجال الصحة وبدأت الردود العكسية على البروزاك وعلى أعراضه الجانبية، وكان أهمها أنه يسبب الانتحار، وهذه قضية ادخلت شركة ليلى في معركة قانونية صعبة مع خصوم متعددين، ولكن رغم عدم خسارة شركة ليلي للقضية إلا ان الاسم أصبح أقل انتشارا، الأدوية التي ظهرت بعده بدأت تأخذ نسبة من المرضى حتى ان البروزاك خسر مكانته في الولايات المتحدة الأمريكية وتدنت مبيعاته بشكل ملفت للنظر.. حيث أصبح يشكل نسبة بسيطة جدا من أدوية علاج الاكتئاب في الولايات المتحدة وبقية دول العالم، خاصة بعد ان الوكالة الأمريكية للأغذية والأدوية (FDA)، طلبت توخي الحذر في وصف البروزاك لبعض مرضى الاكتئاب خاصة الذين لديهم أفكار انتحارية، أو سبق لهم محاولات الانتحار. وكذلك حذر من استخدامه في الأطفال. أيضا المجلس الطبي الأوروبي في الأشهر القليلة الماضية لفت الانتباه إلى خطورة البروزاك على بعض مرضى الاكتئاب وطلب دراسات أخرى للتأكد من عدم وجود مخاطر الانتحار لمن يستخدم هذا العلاج.

British Medical آخر ما تم في هذا الأمر هو تحقيق كتبته جين لينزر في مجلة وهي واحدة من أهم المجلات الطبية وأكثرها مصداقية، ومجلة تحظى باحترام Journal جميع العاملين في حقل المجال الصحي. كتبت هذه الصحفية بأن شركة ليلي اخفت معلومات مهمة عن تجاربهم في ما يتعلق بأن البروزاك دواد أمين، وتقول المجلة بأن شركة ليلي لم توصل هذه الملفات الهامة إلى لجنة الأغذية الأدوية في أمريكا. كتب هذا الكلام في العدد (BMJ 33,5**2:7).

ولكن بعد فترة وجيزة نشرت نفس المجلة اعتذارا بأن الموضوع ليس صحيحاً.. هنا يأتي السؤال المحير: كيف تنشر مجلة لها سمعتها العالمية واحترامها الذي تحظى به بين كافة العاملين في المجال الطبي إذا لم تكن متأكدة مما نشرت؟ وما هو السر وراء النشر السريع لتكذيب الخبر في العدد «29 يناير 211: 330، 2**5»، هنا ترفع علامة استفهام حول استخدام البروزاك.. هل هو قوة الشركة وقوة السياسة الأمريكية، أم ان هناك أمورا لم يطلع عليها أحد.. كل هذا خلق صورة سلبية عن علاج مثل البروزاك اعتقد بأن وقته قد انتهى بظهور أدوية لها نفس الفاعلية وأقل أعراضا جانبية وكذلك ليس لها علاقة أو شبه علاقة بالانتحار.. يجب على أي طبيب ان يتمهل ويتروى عند وصف البروزاك في الأيام المقبلة سوف تظهر الكثير من الأعراض الجانبية لهذا العلاج الذي كان رقم واحد في يوم من الأيام.