المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إياك وهاذم الأحلام والأماني (الكسل)


 


محمد على مؤيد شامل
24 - 7 - 2017, 11:38 AM
إياك وهاذم الأحلام والأماني (الكسل)

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فإن كل إنسان على وجهِ هذه البسيطة تُراوِده أحلام في اليقظة والمنام، لا فرق في ذلك بين كبير وصغير، ولا بين قويٍّ وضعيف، ولا بين كريمٍ ولئيم، ولا بين عزيزٍ وحقيرٍ.
كل واحد منا له أحلامه الخاصة، ولكنها تختلف تبعًا لاختلاف الأعمار، والأفهام والأفكار، والمدارك *****الك، والحوالك، والمشارب والمآرب، والحاجات والتوجهات... إلخ.

وأشير إلى أن هناك أحلامًا تُصاحِبنا منذ الصغر، وبعضها لا تُولَد إلا عند الكبر، وبعضها تفتُرُ بسرعة، بعد أن يظهر لنا عِوَجُها وعدم صدق صلاحيتها، وبعضها الآخر تستمرُّ معنا، بل ويشتد طلبنا لها؛ نظرًا لصدق حَدْسنا تُجاهها، ومجانستها لهوانا، وتناسقها لرُؤانا، وما تطمح إليه أنفسنا.

• وأحلام اليقظة ليست كأحلام المنام:
فالأُولى تكون بتحكيم العقل، واستحضار القلب، وتكون مدروسة؛ أي: يُخطَّط لها، كما أنها تأتي نتيجةً لمجموعة من العوامل والأسباب؛ سواء كانت نفسية، أو روحية، أو اقتصادية، أو اجتماعية، وما إلى ذلك.
أما الثانية، فتدبُّ إلى عقل الإنسان بلطف وهدوء وسرية تامة، من غير أن يَعُدَّ لها العدة، ولا أن يضرب لها موعدًا، بل يكون غارقًا في نومه، وهائمًا في عالَمِه الافتراضي، غير عالَمِه الحقيقي.

وهذا النوع الثاني من الأحلام تَذَرُنا فردًا بمجرد بزوغ فلق الصبح، ثم بعد أن نلبث يومًا أو بعض يوم، لن نستطع أن نراها إلا مِن وراء حجاب؛ (أقصد ضبابية في الرؤية).
وموضوع حديثنا يتعلَّق بأحلام اليقظة التي نسعى إلى تحقيقِها، ونطمح في مصافحتها يومًا ما، ونطمع في العيش بأحضانها؛ ولذلك أحببتُ تسميها بـ"أحلام العمر"؛ لأن الإنسان يُفنِي فيها أعزَّ ما يملك في هذا الوجود (حياته).

ولكن ليس كلُّ ما يتمناه المرء يُدرِكه، ولا كل ما يحلم به يظفر به؛ لأن الرياح لا تجري دائمًا بما تشتهي السفن، ويا لها من خيبة أمل، وا أسفاه على إضاعة الأجل، إِنْ هذا الأمر حصل!
وعليه ينبغي المبادرة بتحقيق الأحلام، وذلك عن طريق الجد في العمل، وعدم الركون إلى الخمول والكسل، وترك الجنوح إلى الفشل، فإذا كان الموت هادمًا وهاذمًا وهازمًا للذَّات، فإن الكسل هادم وهاذم وهازم للأحلام والأماني.

يقول الدكتور خالد أبو شادي، في مقدمة كتابه النافع الماتع (الحرب على الكسل):
"إن الكسل داءٌ وَبِيل، إذا تمكَّن من أحدٍ، أصاب دنياه وآخرته، بل ويفقد الكسولُ بمرور الوقت إنسانيتَه، حين يضمحلُّ ذكاؤه، وتتبدَّد إنسانيته، واسمعوا قول الإمام الراغب: (مَن تعطَّل وتبطل، انسلخ من الإنسانية، بل من الحيوانية، وصار من جنس الموتى...؛ ولأن الفراغ يبطل الهيئات الإنسانية، فكل هيئة بل كل عضو ترك استعماله يبطل؛ كالعين إذا غمضت، واليد إذا عطلت، وكما أن البدن يتعوَّد الرفاهية بالكسل، كذلك النفس بترك النظر والتفكر تتبلد وتتبلَّه، وترجع إلى رتبة البهائم)[1]"[2].

وفي نفس السياق والموضعِ، يقول العلامة الراغب:
"وأن مَن تعوَّد الكسل، ومال إلى الراحة، فَقَدَ الراحة، فحبُّ الهوينا يكسب النصب، وقد قيل: إن أردتَ ألا تتعب، فاتعَبْ لئلا تتعب، وقيل: إياك والكسل والضجر؛ فإنك إن كسلت لم تؤدِّ حقًّا، وإن ضجرت لم تصبِرْ على حق"[3].
ومِن الناس مَن يُحرِق فرصَه الذهبية؛ بسبب الإفراط في تناول جرعات زائدة من الكسل، وتقديم الراحة على العمل، فسبحان الله! كيف يستبدل هؤلاء الذي هو أدنى بالذي هو خير؟ ما لكم كيف تحكمون؟!

قال محمد إبراهيم سليم:
"علَّمتني الحياة أن فن الحياة الأكبر هو الانتفاع بالفرص الذهبية التي تمرُّ بنا أحسنَ انتفاع، وقطف الثمار الطيِّبة مِن كل ما تصل إليه أيدينا بعرقنا وجهدنا"[4].

بل إن كثيرًا من الناس تكون عندهم القدراتُ والإمكانيات الكافية لتحقيق أحلامهم وأهدافهم، لكنهم لا يستطيعون إليها حيلةً، ولا يهتدون إلى ذلك سبيلًا، والسبب أيضًا الكسل، وفقدان العزيمة، وقد أصاب من قال:
فقُلْ لِمُرجِّي معالي الأمورِ ??? بغير اجتهادٍ رجوتَ المحالا[5]

إن الجد في العمل عواقبُه حميدة، وثمرته يانعة، وقطوفُه دانية، وظلاله ممتدَّة، ولذَّاتُه مُطَّرِدة، وفي هذا الصدد يقول الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله:
"عمرك هو اللحظةُ التي أنت فيها، فأتقِنِ العملَ؛ فقد لا تُواتِيك فرصة أخرى للعمل"[6].
وكم أضعنا من فرص بسبب الكسل!

ثم اعلَمْ - رحِمك الله وإيَّاي - أن مرارة الحسرة التي تأتي نتيجةً للكسل ستُنْسِيك حتمًا اللذَّات التي استمتعتَ بها وقت فراغك، فساعتئذٍ لن ينفعك الندمُ، ولن تستطيع استدراكَ ما فاتك، فافهَمْ هذا أيها الفَطِنُ اللبيب.
وكم هو سهلٌ على الإنسان أن يتمادى في كسلِه، ولكنه صعبٌ عليه جدًّا أن يتخلَّص من مرارة طعم الحسرة التي تأتي بعده، فلتعتَبِروا يا أولي الأبصار.

إن مَن يكتفي بالنظر إلى ما حقَّقه الآخرون، دون أن يُهيِّج ذلك عزمَه وهمته من أجل تحقيق أمانيه - هو مجرد جسد خاوٍ يابس، لا تدور فيه الرُّوح!
بالله عليكم، إلى متى سنظلُّ قنوعينَ ومكتفين بدَوْر المتفرِّج، دون أن نشرَعَ في الحركة والإنتاج، وهذه أحلامنا تُنادينا وتنتظرنا على أحرَّ من الجمر: فلتتخلَّصوا من إزار الكسل رحمكم الله؟!
ثم اعلَمُوا أن كلَّ مَن حقق شيئًا في هذا العالم، هو شخص كان له حلمٌ صغير، ثم آمَن به فكبر - أي حلمُه - وأيقظ قدراته، فجدَّ واجتهد، وترك الخمول والكسل، وكافَحَ حتى وصل.

يقول صاحب (المرشد الأمين) معددًا ما علَّمته إياه الحياة:
"إن أهم عوامل النجاح هو المثابرة والإصرار على عدم السماح لقُواك أن تُضعِفَها الميئِّسات التي تعترض طريقك وتعوق تقدُّمَك"[7].
أما مَن يقف ساكنًا كالشجرة التي جفَّتْ جذورها، ويبست أغصانها، فذاك امرؤ يطلب أمرًا كان مستحيلًا، ويسلك طريقًا مسدودًا، ولن يتسنَّى له مداعبة حلمه، حتى يَلِجَ الجملُ في سَمِّ الخياط، وأنَّى هذا يقع؟

ولله در القائل:
يحاولُ نَيْلَ المجدِ والسيفُ مُغمَدٌ ??? ويأمُلُ إدراكَ العُلا وَهْوَ نائمُ

وقالت العرب قديمًا: "مَن دام كسلُه، خاب أملُه". اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية 1438 (http://4loz.com/284476/%D9%85%D9%88%D8%B9%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%88%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B7%D9%86%D9%8A-%D9%84%D9%84%D9%85%D9%85%D9%84%D9%83%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9-1438) كم باقي على بداية الدراسة (http://4loz.com/284473/%D9%83%D9%85-%D8%A8%D8%A7%D9%82%D9%8A-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%B3%D8%A9) متى بداية اجازة عيد الاضحى 1438 (http://4loz.com/284462/%D9%85%D8%AA%D9%89-%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D8%AC%D8%A7%D8%B2%D8%A9-%D8%B9%D9%8A%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B6%D8%AD%D9%89-1438) متى بداية اجازة الحج 1438 (http://4loz.com/284458/%D9%85%D8%AA%D9%89-%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D8%AC%D8%A7%D8%B2%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%AC-1438) حل لعبه الشعارات (http://4loz.com/283776/%D8%AD%D9%84-%D9%84%D8%B9%D8%A8%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B9%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA) الاستعلام عن فاتورة الماء بالسعودية (http://4loz.com/284558/%D8%B7%D8%B1%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%B9%D9%84%D8%A7%D 9%85-%D8%B9%D9%86-%D9%81%D8%A7%D8%AA%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%A1-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D 8%A9).

ومما يساعد الإنسانَ على تحقيق حلمه، وتجنُّب أكاذيبِ كسله وأمانيه: وضوحُ الهدف، وعنه يقول خالد أبو شادي:
"إن معرفة الهدف هو أهم عامل تحفيزيٍّ للنفس، يَطْرُدُ عنها الكسل، ويُشعِل فيها فتيل الشوق إلى العمل"[8].
وليحرِصِ المرءُ أن يكون حُلمه كبيرًا، ولا يقنَع بالقليل، ولا يَزْهَد فيه؛ لأن الفضل كلَّه بيدِ الله تعالى، فما ظنُّكم برب العالمين؟
وقد أثبتت التجارِب أنْ ليس كلُّ ما يتمناه الإنسان يدركه كله، بل لا بد أن يستحيل بعض ذلك، ولكن ما لا يُدرَك كلُّه، لا يُترَك جلُّه.

وكلما كبر هدفُ الإنسان وحُلمه، كان شيطانُ الكسل أصغر، وعنه أبعد، يقول أبو شادي:
"الأهداف الشامخة هي وحدها ما يَطْرُد الكسل، وتستنفِرُ كلَّ ذرة جهد، أما الأهداف السهلة التي لا تتحدى ما في النفس من كنوز دفينة، وطاقات كامنة، فهي تُغرِي بالكسل، وتدفع للخمول"[9].

وقبل الختام، أريدُ أن أُشِير إلى أن الإنسان الذي ينجح في تحقيق أحلامه، هو مَن يعمل بكل جدٍّ، ويستخدم كلَّ ما أُوتِي من قوة، ويسلك الطرق الصحيحة، ولا يأبَهُ بالحظ، بَلْهَ يلتفت إليه، بل يعتمد على قدراته التي يكتشفها واحدة تلو الأخرى، ويسير نحو تحقيق حلمه وهدفه بهمة وعزم متواصلينِ، حتى يجدَ نفسَه يطير في سماء نجاحه كما يطير النسر في الجو!
إن المجد حدثني وهو صادق أنه لا ينال بالكسل، فاطرح الغطا، وشمر عن ساعديك فالأمر على عجل.

ولله درُّ أبي الطيب المتنبي؛ إذ يقول:
على قدرِ أهل العزمِ تأتي العزائمُ ??? وتأتي على قدرِ الكرامِ المكارمُ

وقال غيره:
إني رأيتُ وفي الأيامِ تجرِبةٌ
للصبرِ عاقبةً محمودةَ الأثرِ
وقلَّ مَن جدَّ في أمرٍ يُحاوِلُه
فاستصحَبَ الصبرَ إلا فاز بالظفرِ

ويقول القشيري في (تفسيره): "لا يصل أحدٌ إلى جلائل النِّعَم إلا بتجرع كاسات الشدائد، والانسلاخ عن معهودات النصيب"[10].

وذات يوم كنتُ أصول وأجول في إحدى صفحات الفيسبوك، نسِيت اسمَها، فصادفت أبياتًا شعرية للدكتور عصام العطار، وجدَتْ في قلبي مكانًا خاليًا فتمكَّنت، فأحببت أن أذكرها في هذه الخاطرة؛ يقول - ولله دره -:

العزمُ يُدني من الغايات أبعدَها
ويجعُلُ الصعبَ سهلًا حيثما وُجِدَا
فانهَضْ بعزمِك للجُلى[11] بلا مَهَلٍ
قد خاب مَن خار منه العزمُ أو قَعَدَا
إني لأُكبِرُ مَن يمضي لغايتِهِ
سيَّان إن قرُبَ المطلوبُ أو بَعُدَا

وأختمُ هذا الموضوعَ بكلامٍ جميل لخالد أبو شادي، حري بنا أن نجعله قطعةً فنية تُنقَش بماء الذهب، ولا تنسَوا أن تجعلوا له مكانًا في ذاكرتكم؛ حتى يفرَّ الكسل من حياتكم فرارَ الحُمُر المُستنفِرة من قسورةٍ، والآن أترككم مع روعتها:
"أيها الكسل الزائر:
سأقتلك لأعيش.
سأتخلص منك قبل أن تتخلَّص مني.
وأُجهِزُ عليك قبل أن تُجهِز على قلبي.
لأقتلنَّك ولو بعد حين.
فقد انتهت الهدنة ونفِدت مهلتُك.
ولن أكتفي بذلك؛ بل سألاحقك في قلوب الغافلين وبيوت النائمين.
وأغزوك في عقر دارك.
وأقتلعك من جذورك.
ثم أرمي بك بعيدًا.
أدفنك إلى غير رجعة.
وأزرع بدلًا منك شوقًا إلى العمل"[12].

إذًا فعلى العاقل ألا يضيِّع أوقاته في الدَّعَة والكسل، بل يُقبِل بجميع قُواه على تحقيق أحلامه وأهدافه، فالبدارَ البدارَ إلى العمل!
فاللهم أيقظنا من الغفلة، وادفع عنا الكسل، واستخدمنا فيما يرضيك من حسن العمل.
وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.