المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قم للمعلم وفه التدريبا


 


ابولمى
23 - 10 - 2004, 08:50 PM
منذ فترة والحديث في كل وسائل الإعلام يدور حول التربية والتعليم منصبا في مجمله على المنهج الدراسي بنوعيه الرسمي المعلن والخفي المستتر وممتدا للمعلم المتهم الأول. وفي هذه المقالة سنركز أيضا على المعلم ولكن من منظور قد يختلف عن الطروحات السابقة التي تطرقت إلى ممارسات المعلم خارج المنهج الدراسي وكان لها الأثر الكبير في تشكيل توجهات بعض الطلاب الفكرية وربما تحريضهم ضد الدولة وأنظمتها أقول سأحاول أن أذهب إلى أبعد من الممارسات ذاتها لنتعرف على بعض المسببات التي قد تكون وراء تلك الممارسات.
ما من شك أن المعلم هو أكثر عناصر العملية التربوية التعليمية تأثيرا على الطلاب سلبا أو إيجابا ولكن هل هناك علاقة بين تلك التأثيرات وكفاءة المعلم وقدراته الشخصية والعلمية؟ المتعارف عليه أن هناك علاقة بين ضعف كفاءة بعض المعلمين وخروجهم عن محتوى المنهج الدراسي المعلن إلى ممارسات ولكن الفرضية التي سأطرحها هي أن خروج المعلم عن المنهج الدراسي المعلن إلى ممارسات خفية أو معلنة لا تخلو من أفكار متطرفة وتوجهات فكرية متشددة يجد فيها كل من المعلم والطالب ذاته: المعلم تعويضا عن النقص في كفاءته والطالب هروبا من رتابة الجو الدراسي - مرتبط ارتباطا وثيقا بكفاءته العلمية والمهنية.
هذه الفرضية لا أملك دليلاً عليها لكنني من خلال ملاحظات شخصية وجدت أن هناك عدداً من المؤشرات التي قد تدل على صحة هذه الفرضية منها، أن المعلم المؤهل الكفء يجد أن الوقت المخصص للمنهج الدراسي غير كاف. وغالبا ما يلجأ إلى أوقات إضافية لإعطاء المنهج حقه من الشرح والتفصيل والإيضاح، كما أن المعلم الكفء دائما يحرص على الجديد والمفيد لطلابه وبالتالي تجده يشغل وقته ويبذل قصارى جهده في تطوير قدراته من خلال القراءة والاطلاع والتدريب المستمر، فنجد أن تخصصه ومهنته تشغل معظم وقته ولا يكون لديه وقت للاهتمام بالقضايا الثانوية الخارجة عن تخصصه، كما أن المعلم غير الكفء غالبا ما تجده يبحث عن قضايا وموضوعات يستثير بها طلابه ويشغلهم عن إفلاسه في تخصصه إضافة إلى توفير بيئة مشبعة بالرتابة في مدارسنا مما يجعل خروج المعلم إلى موضوعات خارج الدرس رحلة ممتعة لكثير من الطلاب.
مرة أخرى أقول إن هذه الفرضية قد تكون من ضمن عوامل أخرى ساهمت في خروج المعلم عن المنهج الدراسي سواء داخل قاعات الدراسة أو داخل المدرسة وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال تسطيحاً للممارسات التي يقوم بها بعض المعلمين خارج المنهج وتحمل توجهات فكرية متطرفة بكل معنى الكلمة فالقضية تنطلق من قناعات وتوجهات بل من عقائد يؤمن بها بعض المعلمين ويتبنونها بشدة وبالتالي تنعكس على ممارساتهم داخل المدرسة وربما خارجها. ولكنني أرى أن علينا أن ننظر إلى تدريب المعلمين ورفع كفاءتهم وتطوير قدراتهم كضرورة حتمية أولا ليسهموا في المحافظة على جودة التعليم في بلادنا والارتقاء بمستوى مخرجاته بما يحقق الطموحات ويلبي التطلعات من خلال رفع مستوياتهم العلمية في تخصصاتهم وتطوير قدراتهم المهنية في طرق وأساليب التدريس والتقويم وبالتالي ينشغلون بمسؤولياتهم كمربين ومعلمين وموجهين ومرشدين لطلابهم ضمن رسالتهم وبالتالي نكون ساهمنا في الحد من خروجهم عن المنهج الدراسي إلى ممارسات تقوم على التحريض والتأليب على الدولة وأنظمتها والمجتمع ومكتسباته الوطنية.
إن التدريب في حد ذاته هو ضرورة في هذا العصر الذي يشهد تحولات سريعة وخطيرة شملت كل المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية وغيرها حتى أصبح العالم قرية صغيرة في زمن العولمة ولأن المعلمين هم حلقة الوصل بين المجتمع ونظامه التعليمي وأي قصور في قدراته يجعل هناك خللاً وقصوراً في مواكبة النظام التعليمي لحركة المجتمع المستمرة والمتطورة.
وسوف أتطرق باختصار لعدد من المفاهيم التي أرى أن هناك حاجة لتدريب معلمينا عليها ليكونوا قادرين على تلبية احتياجات المجتمع ومواكبته للتحولات التي يشهدها العالم في عصر العولمة. هذه المفاهيم هي، تدريب المعلمين المستمر على الجديد في مجال التخصص وفي مجال طرق وأساليب التدريس والتقويم لرفع كفاءتهم العلمية والمهنية، تدريب المعلمين على فهم الأنظمة واللوائح المعمول بها في الوزارة وقد شهدت الوزارة في الآونة الأخيرة كما هائلا من الأنظمة واللوائح جاءت مكثفة وسريعة وبالتالي أكاد أجزم أن عددا كبيرا من المعلمين يجهلونها أو لا يدركون أبعادها ومضامينها، تدريب المعلمين على فهم أولويات المجتمع والعملية التربوية والتعليمية في ظروف المرحلة الحالية ليكونوا قادرين على غرسها في نفوس طلابهم، تدريب المعلمين في مجال الحاسب الآلي وتطبيقاته المتعلقة بالعملية التربوية والتعليمية وبعض تطبيقاته الأخرى التي يحتاج إليها المعلم في حياته وفي أداء مهنته على الوجه المطلوب، تدريب المعلمين لمواجهة تحديات العصر التي تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر في بيئة التعليم وأهدافه ومناهجه واستراتيجياته مثل تحدي العولمة وما تحمله من مظاهر ومضامين مختلفة مثل تطور وسائل الاتصال، والإعلام، والمعلومات، والانتشار السريع للإنترنت، والتحولات الاقتصادية وتداخل القيم والثقافات وغيرها، تدريب المعلمين لفهم أهمية القيم الحديثة مثل الابتكار، الطموح، التفوق، الجودة وما إلى ذلك للمنافسة في هذا العصر، تدريب المعلمين على كيفية إكساب طلابهم قيما إنسانية عالمية مثل التكافل الاجتماعي، احترام الآخرين، التسامح، تقدير قيمة الوقت والعمل، والعمل الجماعي، تحمل المسؤولية، الإنتاجية وغيرها...، تدريب المعلمين على فهم قضايا كبرى هامة مثل العنف بجميع أنواعه، الفقر، والتطرف، والحروب، العدالة الاجتماعية، حقوق الإنسان والشورى وغيرها. وأخيرا وليس بآخر تدريب المعلمين على فهم واستيعاب المفاهيم الحديثة في مجال الإدارة والتربية مثل المعيارية والاعتمادية، الجودة *****اءلة وغيرها.
إن هذا التوجه يتطلب من وزارة التربية والتعليم إعادة النظر في خططها الاستراتيجية ودعمها للتدريب لأن الملاحظ أن هناك قصوراً كبيراً في البرامج التدريبية التي تنفذها الوزارة من حيث شموليتها وعدم التركيز على المفاهيم الحديثة إضافة إلى التنفيذ الذي غالبا ما يستند إلى أشخاص غير مؤهلين للتدريب ونحن نعرف أن هناك مؤسسات ومراكز متخصصة في التدريب تضمن نتائج إيجابية لبرامج التدريب التي تنفذها. كما أن ميزانية الوزارة والتي كانت العام الدراسي الماضي 45 مليونا فقط كان نصيب المعلمات 8 ملايين فقط والواقع أن هذه الميزانية غير كافية لتدريب أكثر من مئتي ألف معلم ومعلمة في المملكة أكثر من النصف معلمات إذا أردنا فعلا رفع كفاءتهم وتطوير قدراتهم على الوجه المطلوب.

علي عيسى الشعبي*
*كاتب سعودي