المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القبول في الجامعة.. هل حان تغيير التعليم الثانوي


 


ابولمى
3 - 7 - 2004, 05:54 AM
القبول في الجامعة.. هل حان تغيير التعليم الثانوي
يحق لي أن أبدأ بالعنوان الطويل الذي وضعته لهذا المقال فلم أجد أقصر منه، ورغم علمي الأكيد أن "الكتاب يُقرأ من عنوانه" إلا أن ذلك لم يشفع لي أن أعبر عن حجم المشكلة التي أحاول أن أتحدث عنها هنا. فالعنوان الطويل لم يعبر فعلاً عما أريد أن أقوله واتمنى أن المقال نفسه يعبر عما يجول في خاطري من أفكار وأسى في نفس الوقت، فعندما تكون الأفكار تبعث على الأسى عادة ما أشعر بغصة تتحول إلى مرارة أحس بها في حلقي. ربما مصدر الأسى هو انني أعمل في الجامعة وكل عام تنهال علي مكالمات لا استطيع أن احصرها من الأقارب والمعارف تطلب مني أن اساعد في قبول ابنائهم وبناتهم في الجامعة، والأمر ليس بيدي طبعاً.. كما أن مصدر الأسى هو هذا العجز الذي أشعر به كل عام فلا أمل هناك لإعادة الأمور لنصابها وتوفير مقاعد لكل الطلاب والطالبات في الجامعة. ربما يقول البعض بما أنه لا أمل في تعديل الوضع فلماذا نتحدث عن قضية متكررة ومملة والحقيقة هي أن الحديث عن بعض الأفكار حول هذا الموضوع لا تضر خصوصاً إذا كان هناك تجارب جديدة يمكن التحدث عنها.
أحياناً أسأل نفسي هل المطلوب فعلاً توفير مقعد لكل طالب وطالبة؟ وإذا كان هذا ليس ضرورياً فما هو البديل الذي يمكن أن نقدمه لطلابنا. أشعر بهذا المأزق واتمنى أن أجد حلاً له وبالطبع لا أجد ذلك الحل *****ي.. ومع ذلك فقد كنت مع فريق من جامعة الأمير محمد بن فهد في مهمة في المملكة المتحدة وكان هدفنا الأساسي هو الاستفادة من التجربة البريطانية لوضع رؤية متطورة للجامعة الوليدة تتجاوز الجمود الذي عليه التعليم العالي في المملكة. وقد قمنا بزيارة عدد من الجامعات والمؤسسات العريقة التي تملك تجارب فريدة يمكن أن تساهم في إعادة صياغة فلسفة التعليم لدينا خصوصاً فيما يتعلق بالعولمة ومسألة التنافس العالمي حول سوق العمل. على انني توقفت عند أمر مهم مرتبط بآلية قبول الطلاب في الجامعات. فعدد الطلاب الذين يلتحقون بالجامعة في بريطانيا لا يتجاوز 30% إلا أن الطلاب الذين لا يلتحقون بالجامعة لديهم فرص التدريب والالتحاق بالمصانع والشركات وهو ما لا نستطيع أن نقدمه لطلابنا. ومع ذلك تحاول الحكومة البريطانية رفع نسبة الطلاب الملتحقين بالجامعات إلى 50% وهو ما تراه الجامعات صعباً ويزيد من المشاكل التي تواجهها حالياً في عملية القبول.
عندما حاولنا أن نتعرف أكثر على آلية قبول الطلاب في بريطانيا اكتشفنا أنه يمثل ثقافة خاصة تجعل من الطالب في حالة منافسة عادلة وتدفعه للعمل والبحث عما يناسبه فنظام القبول الذي يسمى ukas أو (uk admission system) مرتبط بفلسفة التعليم. فالتعليم الأساسي يبدأ من 5سنوات إلى 16سنة ولمدة 11سنة وبعد ذلك على الطالب أن يقوم بالتحضير للدخول للجامعة لمدة سنتين ويتجاوز اختبار القدرات الوطني A Level وأن يحصل على درجات متميزة في ثلاثة مجالات، كما أن للطالب خياراً آخر ولكن في تخصصات محدودة أن يتبع المسار المهني ويحصل على مقعد في الجامعة حسب تخصصه. وغالباً ما يقوم الطالب بالاتصال بالجامعة والبحث عن التخصص المناسب له في السنة الأولى ويركز على المجالات التي تمكنه من الدخول للتخصص والجامعة التي يتمناها. وقبل أن تظهر نتائج اختبار القدرات يقدم الطالب 6نماذج لمكتب القبول وبعد ذلك يتم توزيع الطلاب حسب نتائجهم حسب الشروط التي وضعتها الجامعات مسبقاً. ويحدث أن لا يحصل بعض الطلاب على مقاعد لهم إلا أن ذلك وضع له حل بحيث تقوم كل جامعة بعد توزيع الطلاب بالإعلان عن المقاعد الشاغرة لديها ليلتحق بها هؤلاء وبذلك لا يكون لدى الجامعات أية مقاعد شاغرة. هذا النظام قد يراه البعض معقداً إلا أنه يقدم العديد من الايجابيات التي يمكن أن تستفيد منها.
ربما نتفق جميعاً على أن قبول الطلاب في الجامعات السعودية أصبح يمثل هماً ثقيلاً على الآباء والأمهات حتى أن الأسرة لا تتمنى أن يكون لها ابن أو بنت مقبلين على دخول الجامعة. المشكلة الحقيقية من وجهة نظري الشخصية في أنه لم تتطور عندنا ما يمكن أن نسميه "ثقافة القبول في الجامعة"، وهي مشكلة لا تمس الطالب فقط بل تمس الجامعة وسوق العمل بشكل عام. وعندما تحدثت مع الدكتور عيسى الأنصاري (وهو بالمناسبة رئيس الفريق في جامعة الأمير محمد بن فهد ومتخصص في التعليم وتدريب المعلمين) عن انعدام المسؤولية لدى الطالب السعودي ذكر لي أنه دائماً تثار ظاهرة أن الطالب لدينا يفتقر إلى عملية التوجيه والإرشاد المهني سواء من قبل الأسرة أو المدرسة وأن هذا يؤدي في أغلب الأحيان إلى أن يقوم الطالب باحتلال مقعد في الجامعة ويتركه بعد فترة قصيرة وفي هذا إهدار للموارد التي نحن بأمس الحاجة لها فكل مقعد يحتله أحد الطلاب يعني أن هناك طالباً آخر لن يجد مكاناً له في الجامعة، كما أنه أكد أن هذه القضية ليست قضية الطالب وحده بل هي قضية مجتمع برمته. والحقيقة انني معه في هذا الرأي لأن طلابنا مغلوبون على أمرهم ومسيرون أكثر منهم مخيرين.
ولو حاولنا أن نقارن ما يحدث عندنا بالتجربة الانجليزية سوف نجد أن الشعور بالمسؤولية لدى الطالب هناك عال جداً فالسنتان اللتان يقوم فيها الطالب بالاستعداد للجامعة تجعله دائم البحث عن التخصص المناسب وتدفعه كي يكون قريباً من الجامعة، إذ لا خيار أمامه إلا أن يقوم بهذا إذا ما أراد أن يحصل على مقعد دراسي في إحداها كما أنها تدفع الجامعة كي تطور من أساليبها في التعامل مع هؤلاء الطلاب. أذكر قبل عدة سنوات (وقد كنت رئيساً لقسم العمارة في جامعة الملك فيصل في ذلك الوقت) فكرنا في الكيفية التي يمكن أن نصل بها إلى خريجي الثانوية العامة ونعرفهم على القسم واكتشفنا أن هذا العمل مجهد ولا يمكن أن نقوم به، فالعكس هو ما يجب أن يحدث، أي أن يقوم الطالب نفسه بالبحث عما يناسب ميوله وما يمكن أن يبدع فيه. على أن الطالب في ظل فلسفة التعليم الثانوي لدينا لا يستطيع القيام بهذا العمل فهو منهك بمواد كثيرة وبرنامج دراسي صارم لا يمكنه من التفاعل مع الجامعة قبل الالتحاق بها فعلاً. ويبدو أن هذا الانفصال بين التعليم ما قبل الجامعة وبين التعليم العالي أوجد ما يمكن أن نسميه بثقافة الكسل لدى كل من الجامعة والتعليم العام، فكل منهم يتكل على الآخر لإيصال المعلومات للطالب، بينما المعني بالأمر بعيد عن المشكلة، هذه الثقافة في حقيقتها هي استمرار لفلسفة التعليم الموجه أو التلقيني (spoon feeding edycation) ولا تدفع الطالب للمشاركة والتفاعل بل وتجعل المؤسسات التعليمية في حالة خمول. ومن الواضح أن هذه الفلسفة التعليمية تمثل مشكلة حقيقية يجب أن نجد لها حلاً، ربما تبدأ من ايجاد مؤسسة واحدة فقط تكون مسؤولة عن التعليم (فأغلب دول العالم لا توجد لديها وزارة للتعليم العالي) وتغيير التعليم الثانوي بشكل كامل، فما زلت اعتقد أن حث الطالب على البحث والتقصي عما يناسبه مسألة جوهرية في التعليم العالي.
من جهة أخرى اعتقد أن ما يقوم به مركز القياس الوطني وما تقوم به كل جامعة من اختبارات للقبول لا يؤدي إلى حل المشكلة فجميعها حلول مبتورة لمشكلة أكبر بكثير من مجرد اختيار بعض الطلاب لاحتلال المقاعد التي توفرها الجامعات فكما ذكرنا تسرب الطلاب يمثل ظاهرة، كما أن آليات القبول المتبعة لا تضع الطالب المناسب في التخصص المناسب وفي هذا خسارة كبيرة لسوق العمل لأننا بذلك لا نخرج طلاباً محبين لتخصصاتهم وبالتالي لعملهم في المستقبل. ولعل هذا ما يمكن أن نلاحظه على نطاق واسع بين خريجينا، فما نتمناه أن لا نعالج المشاكل الكبيرة بحلول هزيلة فهذا يزيد الأمر سوءاً، وهو ما يجعلني أعود لأكرر اننا بحاجة إلى ايجاد نظام تعليم يبدأ من السنة الأولى حتى التخرج من الجامعة يركز على قدرات الطلاب وإعدادهم للتعليم العالي في الجامعة بدلاً من الأسلوب التقليدي المتبع حالياً. وبالتأكيد فإن هذا يتطلب التوقف عند التعليم الثانوي كثيراً كمرحلة أولية لتغيير فلسفة التعليم بشكل عام.
ولعل الأمر الأخر الذي يمكن أن نقف عنده في التجربة البريطانية هو ايجاد نظام للقبول يقلل من الشواغر في الجامعات إذ إن هناك مقاعد كثيرة تترك لا يشغلها الطلاب نتيجة لنظام القبول الذي نتبعه حالياً. فوجود مرحلتين للقبول في الجامعات البريطانية يمكن الجامعات من الاستفادة القصوى من الموارد المتوفرة لديها، ودون شك أن تلك الجامعات لديها دافع يجعلها تحرص كل الحرص على عدم ترك مقعد واحد دون أن يشغله طالب ذلك أن الدعم الحكومي الذي يقدم لها مرتبط بعدد الطلاب الذي تستوعبه الجامعة. ومع ذلك فإنني لا أدعي أن هذا النظام هو الأفضل ولكن يبدو لي أن هناك ايجابيات كثيرة فيه يمكن أن نستفيد منها لتطوير نظام القبول في الجامعات والاستفادة من الموارد الكثيرة المهدرة.
يبقى أن أذكر أن عدد الطلاب في تزايد مستمر ومن الواضح أنه لن نستطيع توفير مقاعد دراسية لكل الطلاب ولكن كذلك من العدل أن يخوض الطلاب منافسة واضحة وشفافة لا تلعب فيها أمزجة البعض بحيث يتحول القبول في الجامعة إلى منح وهبات (كما يحدث نسبياً الآن). ولنتذكر أن هؤلاء الطلاب الذين سيلتحقون بالجامعة هم عماد الوطن وتوفيرنا البيئة المناسبة لهم من البداية بحيث يشعر كل منهم بالعدل وأنه حصل على حقه سواء توفر له مقعد دراسي أم لم يتوفر، كما أنه يجب علينا التفكير من الآن في ايجاد بدائل للتعليم الجامعي فليس من المعقول أن يلتحق جميع الطلاب بالجامعة فنحن بحاجة إلى الوظائف الوسيطة والذي يبدو أنه لا يلتفت لها أحد فلا أنظمة إدارية ومالية واضحة تجعلها مقبولة بالنسبة للشباب ولا مراكز تدريب مؤهلة متوفرة وهذا يزيد من المشكلة الرئيسة واقصد بها القبول في الجامعات لأنه لا يوجد أمام الشاب والشابة سوى الحصول على الشهادة الجامعية إذا ما أراد أن يعيش حياة كريمة نسبياً.

http://writers.alriyadh.com.sa/kpage.php?ka=225


__________________

سيف الاسلام
6 - 7 - 2004, 02:41 PM
مشكووووووور اخوي ابولمى على هذا الموضوع
تقبل تحياتي

عبدالإله
6 - 7 - 2004, 06:04 PM
الله يعطيك العافيه ابو لمى