المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الاعتصام بحبل الله


 


وفي مرزوقي عمار
18 - 5 - 2015, 11:39 AM
منزلة الاعتصام
ثم ينزل القلب منزل الاعتصام .
وهو نوعان : اعتصام بالله ، واعتصام بحبل الله ، قال الله تعالى”واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا” وقال “واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير”
والاعتصام افتعال من العصمة ، وهو التمسك بما يعصمك ، ويمنعك من المحذور والمخوف ، فالعصمة : الحمية ، والاعتصام : الاحتماء ، ومنه سميت القلاع : العواصم ، لمنعها وحمايتها .
ومدار السعادة الدنيوية والأخروية على الاعتصام بالله ، والاعتصام بحبله ، ولا نجاة إلا لمن تمسك بهاتين العصمتين .
فأما الاعتصام بحبله فإنه يعصم من الضلالة ، والاعتصام به يعصم من الهلكة ، فإن السائر إلى الله كالسائر على طريق نحو مقصده ، فهو محتاج إلى هداية الطريق ، والسلامة فيها ، فلا يصل إلى مقصده إلا بعد حصول هذين الأمرين له ، فالدليل كفيل بعصمته من الضلالة ، وأن يهديه إلى الطريق ، والعدة والقوة والسلاح التي بها تحصل له السلامة من قطاع الطريق وآفاتها .
فالاعتصام بحبل الله يوجب له الهداية واتباع الدليل ، والاعتصام بالله ، يوجب له القوة والعدة والسلاح ، والمادة التي يستلئم بها في طريقه ، ولهذا اختلفت عبارات السلف في الاعتصام بحبل الله ، بعد إشارتهم كلهم إلى هذا المعنى .
فقال ابن عباس : تمسكوا بدين الله .
وقال ابن مسعود : هو الجماعة ، وقال : عليكم بالجماعة ، فإنها حبل الله الذي أمر به ، وإن ما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفرقة .
وقال مجاهد و عطاء : بعهد الله ، وقال قتادة و السدي وكثير من أهل التفسير : هو القرآن .
قال ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم إن هذا القرآن هو حبل الله ، وهو النور المبين ، والشفاء النافع ، وعصمة من تمسك به ، ونجاة من تبعه وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن هو حبل الله المتين ، ولا تختلف به الألسن ، ولا يخلق على كثرة الرد ، ولا يشبع منه العلماء .
وقال مقاتل : بأمر الله وطاعته ، ولا تفرقوا كما تفرقت اليهود والنصارى .

وفي الموطأ من حديث مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله يرضى لكم ثلاثا ، ويسخط لكم ثلاثا ، يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم ، ويسخط لكم قيل وقال ، وإضاعة المال ، وكثرة السؤال رواه مسلم في الصحيح .
قال صاحب المنازل : الاعتصام بحبل الله هو المحافظة على طاعته ، مراقبا لأمره .
ويريد بمراقبة الأمر القيام بالطاعة لأجل أن الله أمر بها وأحبها ، لا لمجرد العادة ، أو لعلة باعثة سوى امتثال الأمر ، كما قال طلق بن حبيب في التقوى : هي العمل بطاعة الله على نور من الله ، ترجو ثواب الله ، وترك معصية الله على نور من الله ، تخاف عقاب الله .
وهذا هو الإيمان والاحتساب المشار إليه في كلام النبي صلى الله عليه وسلم كقوله : ” من صام رمضان إيمانا واحتسابا ” و ” من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ” فالصيام والقيام : هو الطاعة والإيمان : مراقبة الأمر . وإخلاص الباعث : هو أن يكون الإيمان الآمر لا شيء سواه . والاحتساب : رجاء ثواب الله
فالاعتصام بحبل الله يحمي من البدعة وآفات العمل
وأما الاعتصام به فهو التوكل عليه ، والامتناع به ، والاحتماء به ، وسؤاله أن يحمي العبد ويمنعه ، ويعصمه ويدفع عنه ، فإن ثمرة الاعتصام به هو الدفع عن العبد ، والله يدافع عن الذين آمنوا ، فيدفع عن عبده المؤمن إذا اعتصم به كل سبب يفضي به إلى العطب ، ويحميه منه ، فيدفع عنه الشبهات والشهوات ، وكيد عدوه الظاهر والباطن ، وشر نفسه ، ويدفع عنه موجب أسباب الشر بعد انعقادها ، بحسب قوة الاعتصام به وتمكنه ، فتفقد في حقه أسباب العطب ، فيدفع عنه موجباتها ومسبباتها ، ويدفع عنه قدره بقدره ، وإرادته بإرادته ، ويعيذه به منه .
وفي قول الله تعالى”وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ”
في هذه الآية الكريمة أمرًا مهمًا عظيمًا ألا وهو الاعتصام بحبل الله المتين وإنما يكون ذلك بطاعة الله وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم بالتمسك بالدين الحنيف والثبات عليه حتى آخر العمر، وذلك يتضمن بالتأكيد ترك البدع الفاسدة والأفكار الكاسدة التي يلقيها شياطين الأنس ليضلوا الناس عن المحجة البيضاء التي كان عليه سلف هذه الأمة وأكابرهم من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن جاء بعدهم من الذين اتبعوهم بإحسان، وكانوا نعم القدوة والمثل الذي يحتذى به، إذ توحدوا وتآلفوا ووجهوا أنظارهم نحو هدف واحد فإذا بهم قد اجتمعوا على كلمة الحق ووجهوا القصد نحو نصرة هذا الدين العظيم ملتزمين بما فيه النجاح والفلاح كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فتحقق لهم المجد العظيم والخير العميم ونالوا عزًا لا يطاولهم فيه أحد، بدءًا من البعثة المحمدية المباركة ومرورًا بعهد الخلفاء الراشدين البررة ومن جاء بعدهم ممن نور الله قلوبهم بالإيمان فانقشعت بهم ظلمات حالكة عصفت بالبلاد والديار، كيف لا وقد توحدوا على درب التقوى وجمعهم الإخلاص لله رب العالمين والتضحية والبذل، قائمين بالمعروف ناهين عن المنكر امتثالًا لقول الله تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العقاب} المائدة
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قام خطيبًا في حجة الوداع فقال: ( إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم ولكنه رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم) – وفي رواية: (مما تخافون من أعمالكم فاحذروا، يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا كتاب الله وسنة نبيه، إن كل مسلم أخو المسلم، المسلمون أخوة ولا يحل لامرىء من مال أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس ولا تظلموا ولا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ).
وهنا يجدر بنا أن نتدبر ونعي هذا البيان العظيم من كلام سيد المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فالاعتصام الصحيح والوحدة السليمة هي التي تقوم على التمسك بالحق والعمل بمثل هذه المبادىء العالية التي تقي البلاد من كثير من الشرور التي يسعى إليها صاحب الغرض الدنيىء كما كان وما زال من يوم أن ساءه ما رأى من تآلف وتعاون وثيق قائم بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ يقسم الرجل ماله شطرين ليعين أخاه المسلم، ويهب له دارًا من إحدى الدارين وبستانًا وأرضًا رغبة فيما عند الله وما عند الله خير وأبقى فيأتي من يريد زرع الفتنة ويجلس إلى نفر من الأوس والخزرج فيحدثهم بما كان بينهم في الجاهلية وينشدهم بعض الشعر مما قيل في تلك الحروب بغية إيقاع الفتنة والشحناء حتى كادت الحرب أن تقع بين طائفتين من المسلمين ولكن الخبر يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعمل بتوفيق الله على إيقاف نار الفتنة ويقول: (أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله للإسلام، وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألف به بين قلوبكم ).
إخوة الإيمان: إن في هذا توجيه إلى سبيل السلامة في الآخرة والعزة في الدنيا وذلك بالإعتصام الصحيح بالشريعة الغراء بالتمسك بالدين والحكم بحكمه وامتثال الأوامر واجتناب النواهي والوقوف عند حدود الشريعة،
عملاً بقول الله تعالى : ” وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ “
وبقول رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: ( إن اللَّه تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها، وحدّ حدودًا فلا تعتدوها).
المصدر:
http://world.mediu.edu.my/?p=819