علولي حمودي
5 - 3 - 2010, 04:31 PM
هل نحن شعوب مرائية ؟!
الكاتب: فضيلة ال***/ سلمان بن فهد العودة
السبت 15 صفر 1431الموافق 30 يناير 2010
قبل بضعة أشهر ؛ زارني وفد من محطة تلفزيونية تتبع الاتحاد الأوربي ، وسألوني عن أشياء كثيرة حول الإسلام والعروبة والوطن ..
ثم حدثوني عن مشاهدات عاينوها واستغربوها ، قالوا : لقد تغدينا اليوم في مطعم, وشاهدنا فتيات بالعباءة حين وصلن إلى طاولتهن تغير نمط سلوكهن ، وصارت الضحكات تتعالى والشعور تتطاير والمعا**ات تتكرر ، ثم بدأنا نستقبل منهن بلوتوثات إباحية بشكل مستمر .. فبماذا تفسر هذا ؟
قلت لهم : إن هذا يحدث ، ولكن من الخطأ تعميمه ، فثمّ كثيرون لديهم قيم ومبادئ ؛ يؤمنون بها ويعملون بها في السر والعلانية ..
بيد أن الملاحظة ذاتها واجهتني كثيراً في الطائرات المغادرة إلى دول أوربية ، وفي مدنٍ عالمية وعربية جعلتني أتساءل:
-هل نحن مجتمعات مرائية ؟
-وأبادر بالنفي ؛ لأن التعميم مرّة أخرى خطأ وجناية وظلم ، على أنني أعترف بأن عدداً غير قليل من رجالنا ونسائنا لا يعبرون عن أنفسهم ولا عن قناعاتهم ، بقدر ما يعبرون عن مجاملة من حولهم بشيءٍ من التصنّع والتكلّف والتمظهر الذي يلغي استقلال الشخصية ووضوحها .
إن الرقيب أو المندوب الاجتماعي في دواخلنا هو الأقوى سيطرة ، والأشد إحكاماً ، وفي حالات كثيرة يتغلب حتى على الرقيب الإيماني والقيمي فضلاً عن الرقيب النظامي .
لقد كان من فضائل الإسلام العظيمة الحفاظ على الترابط الاجتماعي ، وتكريس نظام الأسرة والوصية بالوالدين والأرحام والقرابة والجيران في عددٍ كبير من النصوص المحكمة ، وهذه إحدى الضروريات الشرعية القطعية .
وهي من ميزات التشريع الإسلامي ، وقد ظلت قائمة حتى في أحلك الظروف .
لكن حين تضعف التربية تتحول من تربية على القيم والقناعات الذاتية والإيمان بها والإخلاص لها ، إلى تربية على (مظاهر) تلك القيم ، حتى لو غابت القيم ذاتها ، فيتظاهر المرء بالصدق وهو كاذب ، أو بالتدين وهو منافق ، أو بالورع وهو جريء على حدود الله ، وقد يمارس نوعاً من الاحتساب بحماسة على فعل قد لا يكون مقتنعاً بتحريمه أو بخطورته ، لأن المجموعة التي يعيش معها ترى ذلك .
قد يضرب الأب ابنه على ترك عبادة من العبادات, أو خلق من الأخلاق ويقهره على الامتثال ، لأنه لا يريد أن يقال : ابن فلان فعل أو ترك ، فينشأ الطفل كارهاً لهذا الخلق الذي تعرّض للضرب بسببه ، ولو مارسه ظاهرياً فهو يتحيّن الفرصة التي تسنح لكي يمارس حريته ورغبته في نقيض ما تربى عليه ، ولا غرابة أن يبالغ في التشفي من ماضيه بالانغماس المفرط فيما حُرم منه سلفاً .
الأب والمعلم أو الفقيه ليس شرطياً يملي على الأبناء والبنات, مهمته الأمر والنهي دون مراجعة ولا سؤال ، وأولادك سيكبرون ويستقلون في بيوتهم ، *****ؤول لن يدوم لهم .. وإن كان هذا لا يمنع أن يمارس دور الشرطي في حالة من الحالات .
قلت لأبٍ غاضب يوماً : هدئ أعصابك ، فلست أنت الذي خلقت هذا الولد ، ولا أمه ، الله خالقه ولو شاء لجبره على الهدى, ولكن ابتلاه ليؤمن من يؤمن ويكفر من يكفر .
وكل من تراهم على ظهر هذه الأرض هم ذرية نبي معلم مكلم ، هو آدم -عليه السلام- ، وفيهم البر والفاجر والمؤمن والكافر والطيب والخبيث .. فلا تشمخ بأنفك وتقول : فلان بن فلان يفعل ويفعل ؟
(إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)(القصص: من الآية56) ، (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) (الغاشية:22،21) .
اشتكى إلي أحد الأبناء أنه يحافظ على الصلاة , ويبكر إليها ويقيم وضوءها وركوعها وسجودها ، ولكنه في قلبه يكره الصلاة ويقلق إذا حضر وقتها ..
وحين سألته تبيّن أن والده -رحمه الله- كان السبب ، لقد كان يجلده على الصلاة وهو صغير ، ولم يتلطّف معه أو يتدرج ، ولم يسمعه يوماً حديثاً عن فضل الصلاة وأجرها وثمرة المحافظة عليها ، لم يخاطب قلبه بزرع المحبة ، ولا خاطب عقله بزرع القناعة والإيمان ، وإنما كان مهموماً بأن يشاهده يصلي ، أما كيف .. فهذا لم يخطر له على بال .. وما فكر يوماً أن يشجعه على مبادرة ، أو يكافئه على إنجاز .
حين نتحدث عن "الخصوصية" نبالغ حتى لكأننا من غير طينة البشر, أو أن النواميس والسنن تُسْتَثنَى في حقنا, ولا تفعل فعلها إذا كان الأمر يتعلق بنا .
لنقل إننا شعب من شعوب الله ، وكل شعوب الله مختارة (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) (الإسراء:70) ، وحين نقول (شعب الله) فالنسبة هنا باعتبار الخلق والرزق والربوبية فهو رب العالمين .
ولا يحسن بنا كمجتمع المبالغة في الادعاء ، والتزيّد في الكلام ، وترداد أننا الأحسن والأفضل والأتقى ، فهذا ما كان الله يعيبه على بني إسرائيل : (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (المائدة:18) .
قال حذيفة -رضي الله عنه- : نِعم الإخوة لكم بنو إسرائيل إن كانت لهم كل مُرة ولكم كل حُلوة , فلا والله لتسألن طريقهم قِدَّ الشراك .رواه ابن جرير , وابن أبي حاتم , والحاكم وصححه .
وجود الأسرة والقبيلة والعائلة والترابط الاجتماعي شيء جميل ورائع ، وضمانة لتواصل الأجيال , ورعاية الكبار وأداء الحقوق, والإحسان والشفاعة فيما لا يبخس الآخرين حقوقهم, ولا يجور عليهم ، لكن قد جعل الله لكل شيء قدراً ، وحين تتحول هذه الرابطة إلى عصبية ، أو نصرة بغير الحق ، أو محسوبيات للقرابة وبني العم والأصهار على حساب المستحقين وأهل الجدارة ، وإلى تمييز حتى في العقوبات فهذا خطأ فادح .
من الخطأ تضخيم دور العلاقة الأسرية على حساب الفرد ومسؤوليته ، ومن الخطأ المبالغة في الإحساس الأبوي عند الحاكم والعالم *****ؤول بما يقلل من دور الآخرين ويجعلهم مجرد ظل ، أو آلة للتنفيذ ، ويقلل من فرص إحساسهم بالمسؤولية وتحمل تبعة الخطأ والصواب ..
وصلتني هذه الكلمات العجيبة , وأنا أتهيأ لختم المقال؛ فوجدتها أوجز وأبلغ مما قلت :
" إن الشخص المفعم بالضجة لا يمكن أن يكون سعيداً ؛ فالمرء كثيراً يحتاج إلى الصمت "
وعقولنا ممتلئة بالضجيج .
إننا نحمل أسواقاً تجارية في رؤوسنا ، وكل أنواع النفايات !
ونحن لسنا واحداً ، نحن في الداخل عبارة عن حشد ، أناس كثر ، وهم يتقاتلون دوماً ، يقاتل بعضهم بعضاً ، يحاولون الفوز بالسيطرة ، كل قطعة من عقولنا تريد أن تصبح الجزء الأكثر قوة !
وهذه كلمة قالها (أوشو) الفيلسوف الهندي :
هاه .. إذاً لسنا وحدنا أولئك المسكونين بالآخرين في ضمائرنا ، ولسنا وحدنا الذين نعبر عن الآخرين أكثر مما نعبر عن ذواتنا ! ونتقمص شخصيات عديدة بل ومتناقضة دون أن نشعر بالحرج !
ربما الفرق بيننا وبين الآخرين أننا نتعايش مع شخصيات عديدة مزدوجة في داخلنا بالقسر والإكراه ، بينما الآخرون يتعايشون معها بالطوع والرضا والاختيار ، ولذا يسهل عليهم الخلاص منها؛ بينما نظل أسرى لها وقتاً أطول .
إن الإيمان قيمة ذاتية لا ينوب فيها أحد عن أحد ، ونصوص القرآن تؤكد على معنى (أن ليس للإنسان إلا ما سعى) .
وتحذر من المصلين المرائين القساة (الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) (الماعون:7،6)
دكتور سلمان بن فهد العودة
http://islamtoday.net/salman/artshow-28-126818.htm
الكاتب: فضيلة ال***/ سلمان بن فهد العودة
السبت 15 صفر 1431الموافق 30 يناير 2010
قبل بضعة أشهر ؛ زارني وفد من محطة تلفزيونية تتبع الاتحاد الأوربي ، وسألوني عن أشياء كثيرة حول الإسلام والعروبة والوطن ..
ثم حدثوني عن مشاهدات عاينوها واستغربوها ، قالوا : لقد تغدينا اليوم في مطعم, وشاهدنا فتيات بالعباءة حين وصلن إلى طاولتهن تغير نمط سلوكهن ، وصارت الضحكات تتعالى والشعور تتطاير والمعا**ات تتكرر ، ثم بدأنا نستقبل منهن بلوتوثات إباحية بشكل مستمر .. فبماذا تفسر هذا ؟
قلت لهم : إن هذا يحدث ، ولكن من الخطأ تعميمه ، فثمّ كثيرون لديهم قيم ومبادئ ؛ يؤمنون بها ويعملون بها في السر والعلانية ..
بيد أن الملاحظة ذاتها واجهتني كثيراً في الطائرات المغادرة إلى دول أوربية ، وفي مدنٍ عالمية وعربية جعلتني أتساءل:
-هل نحن مجتمعات مرائية ؟
-وأبادر بالنفي ؛ لأن التعميم مرّة أخرى خطأ وجناية وظلم ، على أنني أعترف بأن عدداً غير قليل من رجالنا ونسائنا لا يعبرون عن أنفسهم ولا عن قناعاتهم ، بقدر ما يعبرون عن مجاملة من حولهم بشيءٍ من التصنّع والتكلّف والتمظهر الذي يلغي استقلال الشخصية ووضوحها .
إن الرقيب أو المندوب الاجتماعي في دواخلنا هو الأقوى سيطرة ، والأشد إحكاماً ، وفي حالات كثيرة يتغلب حتى على الرقيب الإيماني والقيمي فضلاً عن الرقيب النظامي .
لقد كان من فضائل الإسلام العظيمة الحفاظ على الترابط الاجتماعي ، وتكريس نظام الأسرة والوصية بالوالدين والأرحام والقرابة والجيران في عددٍ كبير من النصوص المحكمة ، وهذه إحدى الضروريات الشرعية القطعية .
وهي من ميزات التشريع الإسلامي ، وقد ظلت قائمة حتى في أحلك الظروف .
لكن حين تضعف التربية تتحول من تربية على القيم والقناعات الذاتية والإيمان بها والإخلاص لها ، إلى تربية على (مظاهر) تلك القيم ، حتى لو غابت القيم ذاتها ، فيتظاهر المرء بالصدق وهو كاذب ، أو بالتدين وهو منافق ، أو بالورع وهو جريء على حدود الله ، وقد يمارس نوعاً من الاحتساب بحماسة على فعل قد لا يكون مقتنعاً بتحريمه أو بخطورته ، لأن المجموعة التي يعيش معها ترى ذلك .
قد يضرب الأب ابنه على ترك عبادة من العبادات, أو خلق من الأخلاق ويقهره على الامتثال ، لأنه لا يريد أن يقال : ابن فلان فعل أو ترك ، فينشأ الطفل كارهاً لهذا الخلق الذي تعرّض للضرب بسببه ، ولو مارسه ظاهرياً فهو يتحيّن الفرصة التي تسنح لكي يمارس حريته ورغبته في نقيض ما تربى عليه ، ولا غرابة أن يبالغ في التشفي من ماضيه بالانغماس المفرط فيما حُرم منه سلفاً .
الأب والمعلم أو الفقيه ليس شرطياً يملي على الأبناء والبنات, مهمته الأمر والنهي دون مراجعة ولا سؤال ، وأولادك سيكبرون ويستقلون في بيوتهم ، *****ؤول لن يدوم لهم .. وإن كان هذا لا يمنع أن يمارس دور الشرطي في حالة من الحالات .
قلت لأبٍ غاضب يوماً : هدئ أعصابك ، فلست أنت الذي خلقت هذا الولد ، ولا أمه ، الله خالقه ولو شاء لجبره على الهدى, ولكن ابتلاه ليؤمن من يؤمن ويكفر من يكفر .
وكل من تراهم على ظهر هذه الأرض هم ذرية نبي معلم مكلم ، هو آدم -عليه السلام- ، وفيهم البر والفاجر والمؤمن والكافر والطيب والخبيث .. فلا تشمخ بأنفك وتقول : فلان بن فلان يفعل ويفعل ؟
(إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)(القصص: من الآية56) ، (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) (الغاشية:22،21) .
اشتكى إلي أحد الأبناء أنه يحافظ على الصلاة , ويبكر إليها ويقيم وضوءها وركوعها وسجودها ، ولكنه في قلبه يكره الصلاة ويقلق إذا حضر وقتها ..
وحين سألته تبيّن أن والده -رحمه الله- كان السبب ، لقد كان يجلده على الصلاة وهو صغير ، ولم يتلطّف معه أو يتدرج ، ولم يسمعه يوماً حديثاً عن فضل الصلاة وأجرها وثمرة المحافظة عليها ، لم يخاطب قلبه بزرع المحبة ، ولا خاطب عقله بزرع القناعة والإيمان ، وإنما كان مهموماً بأن يشاهده يصلي ، أما كيف .. فهذا لم يخطر له على بال .. وما فكر يوماً أن يشجعه على مبادرة ، أو يكافئه على إنجاز .
حين نتحدث عن "الخصوصية" نبالغ حتى لكأننا من غير طينة البشر, أو أن النواميس والسنن تُسْتَثنَى في حقنا, ولا تفعل فعلها إذا كان الأمر يتعلق بنا .
لنقل إننا شعب من شعوب الله ، وكل شعوب الله مختارة (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) (الإسراء:70) ، وحين نقول (شعب الله) فالنسبة هنا باعتبار الخلق والرزق والربوبية فهو رب العالمين .
ولا يحسن بنا كمجتمع المبالغة في الادعاء ، والتزيّد في الكلام ، وترداد أننا الأحسن والأفضل والأتقى ، فهذا ما كان الله يعيبه على بني إسرائيل : (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (المائدة:18) .
قال حذيفة -رضي الله عنه- : نِعم الإخوة لكم بنو إسرائيل إن كانت لهم كل مُرة ولكم كل حُلوة , فلا والله لتسألن طريقهم قِدَّ الشراك .رواه ابن جرير , وابن أبي حاتم , والحاكم وصححه .
وجود الأسرة والقبيلة والعائلة والترابط الاجتماعي شيء جميل ورائع ، وضمانة لتواصل الأجيال , ورعاية الكبار وأداء الحقوق, والإحسان والشفاعة فيما لا يبخس الآخرين حقوقهم, ولا يجور عليهم ، لكن قد جعل الله لكل شيء قدراً ، وحين تتحول هذه الرابطة إلى عصبية ، أو نصرة بغير الحق ، أو محسوبيات للقرابة وبني العم والأصهار على حساب المستحقين وأهل الجدارة ، وإلى تمييز حتى في العقوبات فهذا خطأ فادح .
من الخطأ تضخيم دور العلاقة الأسرية على حساب الفرد ومسؤوليته ، ومن الخطأ المبالغة في الإحساس الأبوي عند الحاكم والعالم *****ؤول بما يقلل من دور الآخرين ويجعلهم مجرد ظل ، أو آلة للتنفيذ ، ويقلل من فرص إحساسهم بالمسؤولية وتحمل تبعة الخطأ والصواب ..
وصلتني هذه الكلمات العجيبة , وأنا أتهيأ لختم المقال؛ فوجدتها أوجز وأبلغ مما قلت :
" إن الشخص المفعم بالضجة لا يمكن أن يكون سعيداً ؛ فالمرء كثيراً يحتاج إلى الصمت "
وعقولنا ممتلئة بالضجيج .
إننا نحمل أسواقاً تجارية في رؤوسنا ، وكل أنواع النفايات !
ونحن لسنا واحداً ، نحن في الداخل عبارة عن حشد ، أناس كثر ، وهم يتقاتلون دوماً ، يقاتل بعضهم بعضاً ، يحاولون الفوز بالسيطرة ، كل قطعة من عقولنا تريد أن تصبح الجزء الأكثر قوة !
وهذه كلمة قالها (أوشو) الفيلسوف الهندي :
هاه .. إذاً لسنا وحدنا أولئك المسكونين بالآخرين في ضمائرنا ، ولسنا وحدنا الذين نعبر عن الآخرين أكثر مما نعبر عن ذواتنا ! ونتقمص شخصيات عديدة بل ومتناقضة دون أن نشعر بالحرج !
ربما الفرق بيننا وبين الآخرين أننا نتعايش مع شخصيات عديدة مزدوجة في داخلنا بالقسر والإكراه ، بينما الآخرون يتعايشون معها بالطوع والرضا والاختيار ، ولذا يسهل عليهم الخلاص منها؛ بينما نظل أسرى لها وقتاً أطول .
إن الإيمان قيمة ذاتية لا ينوب فيها أحد عن أحد ، ونصوص القرآن تؤكد على معنى (أن ليس للإنسان إلا ما سعى) .
وتحذر من المصلين المرائين القساة (الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) (الماعون:7،6)
دكتور سلمان بن فهد العودة
http://islamtoday.net/salman/artshow-28-126818.htm