المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفجوة عميقة بين الأهل و المراهقين بسبب البعد والإهمال


 


ابولمى
30 - 4 - 2004, 05:17 AM
تتعرض العلاقات اليوم ما بين الآباء والأبناء وخاصة من هم في طور المراهقة إلى الكثير من الصراعات حيث يسعى المراهقون إلى التحرر من القيود التي تفرضها عليه الأسرة والتمتع بالاستقلال الذاتي باللجوء إلى من يسمعهم أو يصغي إليهم لمساعدتهم وإيجاد حلول للمشكلات التي يعانون منها، وقد دلت الدراسات أن 95% من الشباب يعانون من مشكلات بالغة يواجهونها عند محاولتهم عبور فجوة الأجيال التي تفصل بين أفكارهم وأفكار آبائهم، أبرزها ثلاث مشاكل في نطاق الأسرة هي : صعوبة مناقشة مشكلاتهم مع أولياء أمورهم، صعوبة إخبار أولياء أمورهم بما يفعلونه، وجود تباعد كبير بين أفكارهم وأفكار أولياء أمورهم.
(الوطن ) ناقشت هذا الموضوع مع مجموعة من المراهقين والمراهقات لتتعرف إلى آرائهم عن قرب فأكد عبد العزيز أحمد طالب ثاني ثانوي علمي (16) عاماً قائلاً: أجد نفسي لا أستطيع التفاهم مع والديّ، ولا أستمتع في الجلوس معهما لأنني لا أعجبهما كما قالا لي وكرراها مرات ومرات فصرت أهرب منهما، وفي وقت اجتماع العائلة أجلس في غرفتي أو ألعب مع أخي الصغير، أريد أن أعيش في العالم الذي أصنعه بنفسي بمشاهدة التلفاز ولعب البلاي ستيشن، لأنني لا أرى منهما سوى معارضة دائمة وعدم الرضا عن سلوكياتي تجاه إخوتي وبالتالي أجد نفسي غير إخوتي وكل يوم يتباعد ما بيننا ويفصلنا جدار يكبر كل يوم " .
الطالبة أبرار هادي 19 عاماً أولى جامعة قالت: يئست من إمكان التفاهم مع أمي وأبي وخاصة في السنوات الأخيرة فقد زادت علي الضغوط منهما وأصبحت حالتي مزرية للغاية، فالرقابة علي أصبحت ليست خارج المنزل فقط بل وأنا وسط عائلتي، خاصة أثناء مشاهدتي للتلفاز ومكالماتي في الهاتف، وحتى عند استلام الفواتير يسألني والدي وأمي (رقم من هذا؟) ويستمر الوضع نفسه أثناء استخدامي للإنترنت بمراقبتي إن كان هناك حوار مع أحد الشباب أم لا، وهكذا أجد أنني محاصرة من كل الجوانب فكيف لو أردت الخروج مع إحدى الصديقات إلى أحد المطاعم أو مناسبة لإحدى الزميلات في بيتها؟ فذلك يعد من المستحيلات والموبقات .
وتتساءل: هل ما نشاهده على الفضائيات وما يتخلله من نماذج يجعلنا نشعر أننا نعيش في عالم لا يمت لواقعنا بصلة يفرض علينا أن نقفل كل التقنيات التي لدينا ولا نتعامل مع هذا العصر ونكتفي بكوخ على نهر مع مزرعة للحيوانات وننعزل عن العالم؟ ربما من هذا الواقع لا أجد أن هناك فرصة للتفاهم مع أبي وأمي فهم على قناعة تامة بأن ما يفعلانه في مصلحتي وأنا أرى أن علينا أن نواكب عصرنا.
وقال الشاب خالد محمد ـ طالب جامعة ـ 22 عاماً: أنا أصغر إخوتي وأشعر أنني وأبي وأمي نعيش كل في زمن مختلف عن زمن الآخر بكل تفاصيله، فهما دائما يتكلمان عن أيام زمان ويترحمان على أيام الخير والاحترام في نظرهما، التي يحترم فيها الابن أباه ويستمع لكلامه ويوقره، أما العصر الحالي فهو عصر الشر والمخدرات والجريمة برأيهما، بينما أراه عصر التقدم والتكنولوجيا والفضاء، وعصرهما عصر التخلف والجهل والعلاقات الزائفة بين الناس، وهذا يتسبب في مشادات كلامية لا حدود لها بيننا تنتهي بغضبهما واتهامي بأنني متطاول ولا أحترمهما وأكلمهما كما أكلم زملائي، ولديهما قناعة كاملة بأن ما يقولانه من المسلمات وعلي أن أتقبله وأسير على نهجه، فكيف أوفق بين ما نعيشه حاليا وما يدور في مخيلتهما عن الماضي؟ وكيف أتفاهم معهما؟
وبكت الطالبة رويدا إبراهيم ثانوية عامة علمي 18سنة بحرقة وهي تحكي عن حياتها عندما سألتها "الوطن" عن علاقتها مع أبيها و أمها وقالت: علاقتي مع أبي وأمي سطحية جداً ومبنية على مبدأ أم وأب وابنتهما في حالة اللقاء النادر جداً الذي عادة ما يكون على مائدة الطعام أو على مقاعد السيارة حيث يدور بيننا حوار ضيق غير متعمق فيما تحتاج إليه المراهقة خاصة تحت مسمى "الفضفضة"، أما من ناحية إبداء رأيي فمن الطبيعي أنه غير معترف به ومهمل في أغلب الأحيان من قبلهما.
وتصف رويدا "أبي دائماً مشغول ولا يأتي إلا في الحادية عشرة ليلاً وقليلاً ما نلتقي على مائدة الطعام، وأمي امرأة عاملة وبالتالي تأخذ قسطاً من الراحة ثم تخرج بعد المغرب ولا نراها إلا قبل دخول والدي إلى البيت بربع ساعة لكي تستقبله أما نحن أبناؤها فلسنا في حسبانها أبدا .
وقت فراغي أقضيه بين الكتب والتلفاز والمجلات والإنترنت، وكوني الفتاة الوحيدة اليافعة في البيت وعدم وجود أخ أو أخت مقاربين لي في السن يدفعني لتكوين علاقات والتعارف مع الناس رغم حبي للانطواء بعض الأوقات، ولا أعتبر نفسي مراهقة لهدوئي وبعدي عن التصرفات التي تميز فترة المراهقة.
وفي لقاء مع عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز بجدة الدكتورة مها أركوبي لمعرفة رأيها في الموضوع وصفت العلاقة بين الوالدين والأبناء بأنها مهمة جداً ولابد من اطلاع الوالدين على طرق تربية الأبناء بقراءة الكتب المتخصصة والتواصل مع الأبناء منذ طفولتهم .
وقالت: أحد أسباب سوء العلاقة بين الوالدين والأبناء خاصة المراهقين أن كثيرا من الآباء والأمهات لا يقضون أوقاتاً للترفيه مع أبنائهم في مختلف مراحل العمر، ولا يوجد بينهم تفاهم واحترام مع عدم اكتراث بآرائهم ورغباتهم وعدم توفر مبدأ الإنصاف والاستماع لآراء الأبناء دون ردود فعل متوترة، والقناعة أن العلاقة مع الأبناء هي إعطاء أوامر وتوجيهات فقط، كما لا يسعى الوالدان إلى قضاء وقت ممتع مع أبنائهما ومشاركتهم في اهتماماتهم، ما يخلق فجوة عميقة بين الآباء والأبناء في الأفكار والرؤى بالرغم من أن الدين الإسلامي يحض على تربية الأبناء تربية صالحة ومتوازنة، ومن الخطأ الفادح أن نلوم هذا الجيل باستمرار ونحمله خطأنا نحن الكبار لانشغالنا عنه باهتماماتنا وأعمالنا وديوانياتنا وحفلاتنا وإهمالنا لأولادنا في أهم مراحل نموهم، إننا بحاجة لعلاقة صحية ننسجم من خلالها مع بعضنا، وما نراه الآن من صراعات في كل أسرة سببه أن الأبناء كبروا وأصبحت لديهم اهتماماتهم وأفكارهم المستقلة التي قد لا يعلم عنها الوالدان شيئاً في كثير من الأحيان وهي أزمة حقيقية في مجتمعنا.
وتابعت: ولا ننسى أن هناك عوامل أخرى ساعدت على تفاقم المشكلة منها الأفكار الخارجية من الفضائيات والإنترنت والإعلام الغربي حول الأزياء والموسيقى والأكل و غيرها، وهي قيم دخيلة شكلت فكرا جديدا لدى الشباب والشابات يختلف عما تربى عليه الآباء والأمهات الذين يجب أن يتعاملوا مع أبنائهم بشيء من التوازن في التشدد والرعاية لأن لدى هذا الجيل أفكارا وقيما يجهلها الأهل تماماً وتولد الصراع العائلي المستمر .
والحل في نظرها أن يقف الأهل مع أنفسهم أمام الله ثم أمام أولادهم ويعترفوا أنهم أخطأوا في منحهم حقوقهم من الرعاية والتنشئة الوجدانية والنفسية بصدق ومنتهى الصراحة، وأن يبدأوا معهم صفحة جديدة تتميز باحترام رأيهم دون شروط أو أحكام مسبقة مهما كان مختلفاً عن آرائهم وعدم الاستخفاف بهم أو الاستهزاء بآرائهم أو التهجم عليهم.
واختتمت الدكتورة أركوبي حديثها بالقول: يجب أن نمنح أبناءنا المراهقين الثقة بأننا نقف معهم لمواجهة الصعوبات في حياتهم، ونشجع أفكارهم، ودائما نتواصل معهم ومع تطلعاتهم، ونتعامل معهم بصبر وتسامح ومحبة دون ديكتاتورية، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة في تعامله وأخلاقياته مع الآخرين حتى لو اختلفوا معه بالموعظة الحسنة والصدق في القول والأخلاق والمحبة والتسامح.