المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رحلة مع مشتاق


 


عبدالإله
22 - 4 - 2004, 08:24 PM
رحلة مع مشتاق



رحلة مع مشتاق .. نعم مشتاق إلى دخول الجنات ورؤية رب الأرض

والسماوات .. إنه حديث عن المشتاقين المعظمين للدين .. الذين تعرض لهم الشهوات

وتحيط بهم الملذات فلا يلتفتون إليها !!

هم جبال راسيات .. وعزائم ماضيات .. عاهدوا ربهم على الثبات ..

[ قالوا ربنا الله ثم استقاموا ]

إذا أذنبوا استغفروا .. وإذا ذُكّـروا ذَكروا .. وإذا خوفوا من عذاب الله انزجروا ..

هم بشر من البشر .. ما تركوا اللذائذ عجزا عنها ولا مللا منها .. بل لهم غرائز

وشهوات .. ورغبة في الملذات .. لكنهم قيدوها بقيد القوي الكريم ..

يخافون من ربهم عذاب يوم عظيم ..

عاهدوا ربهم على الطاعة لما قال لهم : [ ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ]

فثبتوا على دينهم حتى ماتوا مسلمين ..

من تشبه بهم فأراد الهداية المرضية والسعادة الأبدية فلا ينبغي أن يقعد على أريكته

وينتظر أن تنزل عليه الهداية من السماء .. أو يشربها مع الماء .. كلا ..

بل عليه أن يسعى إلى تحصيلها ويبحث عن سبل اتباعها ..

ومن يخطب الحسناء لا يغله المهر ..

فعجبا لهم ما أشجعهم .. وأقوى عزائمهم وأثبتهم ..

خرج مسيلمة الكذاب في اليمامة في نجد من الجزيرة العربية فادعى النبوة ..

وأنه رسول أنزل عليه قرآن .. ومن قرآنه أنه كان يقول :

والطاحنات طحنا والعاجنات عجنا ، والخابزات خبزا ، والثاردات ثردا

واللاقمات لقما ..

ويهذي هذيانا .. يسميه قرآنا .. فاستخف قومه فأطاعوه ..

فاتبعه سفهاء رعاع .. فاغتر بقوته .. وتطاول بسطوته .. فأرسل بكتاب إلى النبي

يقول فيه : ( من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله .. سلام عليك .. أما بعد

فاني قد أشركت في الأمر معك .. وإن لنا نصف الأرض .. ولقريش نصف الأرض ..

ولكن قريشا قوم يعتدون ) ..

فلما قرئ الكتاب على النبي عليه السلام .. عجب من جرأة مسيلمة

على الملك العلام .. فكتب إليه :

( بسم الله الرحمن الرحيم .. من محمد رسول الله .. إلى مسيلمة الكذاب .. السلام على

من اتبع الهدى .. أما بعد فان الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ) ..

ثم تلفت رسول الله حوله ينظر في وجوه أصحابه .. يلتمس منهم رجلا فطنا جريئا

يحمل هذا الكتاب إلى مسيلمة .. فابتدر حبيب بن زيد رضي الله عنه ..

شاب ما أسرته عن خدمة الدين شهوة .. ولا انشغل عن ربه بلذة ..

امتلأ قلبه تصديقاً وإيماناً .. وقطع الليل تسبيحاً وقرآناً ..

أخذ الكتاب من يد النبي الأواب ومضى به من المدينة إلى اليمامة

فسار أكثر من ألف ميل .. حتى وصل إلى مسيلمة ..

فلما دخل عليه ناوله الكتاب .. فنظر مسيلمة فيه .. فغضب وأزبد وأرعد ..

ثم جمع قومه حوله .. وأوقف حبيب بن زيد بين يديه .. وسأله عن هذا الكتاب

فقال حبيب : هو من رسول الله صلى الله عليه وسلم ..

فقال مسيلمة : أتشهد أن محمداً رسول الله ؟ ..

قال حبيب : نعم .. أشهد أن محمداً رسول الله ..

قال : وتشهد أني رسول الله ؟

فقال له حبيب مستهزئاً : إن في أذني صمماً عما تقول ..

يعني أنت أقل وأذل .. من أن يُسمع كلامك ..

فأعاد عليه مسيلمة : أتشهد أن محمداً رسول الله ؟ ..

قال حبيب : نعم .. أشهد أن محمداً رسول الله ..

قال : وتشهد أني رسول الله ؟

فقال حبيب : إني لا أسمع شيئاً !!

فأعاد عليه السؤال .. فكرر حبيب الجواب ..

فغضب مسيلمة .. ودعا السياف ..

وأمره أن يطعن بالسيف في جسد هذا الفتى وهو يكرر عليه السؤال .. ولا يسمع

إلا جواباً واحداً .. لا يزيده إلا غيظاً وحقداً ..

فأمر مسيلمة السياف أن يفتح فم حبيب ويقطع لسانه !!!

فأمسك به الجنود وفتحوا فمه .. حتى قطع السياف لسانه الذاكر .. ثم أوقفوه بين

يدي مسيلمة الفاجر .. والدماء تسيل من فمه ..

فصاح به مسيلمة : أتشهد أن محمداً رسول الله ؟ ..

فأشار حبيب برأسه : نعم ..

قال : وتشهد أني رسول الله ؟

فأشار برأسه : لا ..

فأمر مسيلمة سيافه .. فقطع يده .. ثم قطع رجله .. وجدع أنفه .. واحتزّ أذنه ..

وراح يقطع جسده قطعة قطعة .. ولحمه يتساقط .. ودماؤه تسيل .. وهو ينتفض

على الأرض .. ويئن من الألم .. حتى مات رضي الله عنه ..

نعم .. قطع لسانه .. ومزق جسده .. وكسّرت عظامه ..

في سبيل رضا الرحمن جل جلاله ..

حتى إذا أوقف بين يديه يوم القيامة .. فسأله ربه : يا عبدي لم قُطع لسانك ؟

وجدع أنفك ؟ وبترت يدك ؟ وسفك دمك ؟

قال : في رضاك يا رب العالمين .. وما لجرح إذا أرضاكم ألم ..

نعم .. من أجلك يا ربِّ .. تنقلب الآلام إلى غرام .. والأنات إلى لذات ..

والبكاء إلى حداء .. والدماء إلى مسك وفيحاء ..

أحبتي في الله .. إن من وسائل الثبات على الدين .. أن يتصور العبد عاقبة صبره

على الطاعات .. ومجانبة المحرمات ..

فكيف يبيع العاقل ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر

بعيش زائل كأنه أحلام ..

كيف تباع جنة عرضها الأرض والسموات .. بسجن مليء بالبليات ..

ومساكن تجري من تحتها الأنهار .. بأعطان آخرها الخراب والبوار ..

وكيف تباع أبكار كأنهن الياقوت والمرجان .. بقذرات دنسات مسافحات ..

وأنهار من خمر لذة للشاربين .. بشراب مفسد للدنيا والدين ..

وكيف تباع لذة النظر إلى وجه العزيز الرحيم .. بالنظر إلى المائلات المميلات ..

وسماع الخطاب من الرحمن .. بسماع المعازف والألحان ..

وكيف يباع الجلوس على منابر اللؤلؤ يوم المزيد .. بالجلوس مع كل شيطان مريد ..

نعم .. كيف ترغب عنها !! وهي دار غرسها الرحمن بيده .. وجعلها مقراً لأحبابه ..

ووصف دخولها بالفوز العظيم .. وملكها بالملك الكبير ..

اللهم يا مصرف القلوب والأبصار صرف قلوبنا على طاعتك

وثبتها على دينك .... اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا

وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين ..