المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أيها التربويون: ما لنا وما عليكم


 


ابولمى
12 - 3 - 2004, 06:17 AM
علي الخشيبان*
في الأسبوع القادم يجتمع مسؤولو التربية وقياداتها في مكة المكرمة لعقد لقائهم السنوي حول التربية وهمومها ولأن الطالب هو موضوع اللقاء كما هو مقرر له فإن القضية لها بعد أعمق وارتباط مباشر مع الواقع التربوي الذي يعيشه أبناؤنا الطلاب فهم الهدف وهم الوسيلة في نفس الوقت ولذلك فإن التعامل مع قضاياهم أمر أشد حساسية من السياسة أو الاقتصاد لأن من تنتجهم التربية هم من سيتعامل مع تلك القضايا الأساسية بشكل مباشر، فالطالب إما أن يخرج عالة على المجتمع وكأنه لم يتعلم سوى القراءة أو الكتابة أو يكون أداة فاعلة تسهم في تطور المجتمع بكل ما لهذه الكلمة من معان، ولتحقيق تلك الطموحات يتضاعف الدور الاجتماعي ليوصل رسالته إلى أولئك المجتمعين وليسمع منهم تحت منهج يطرح ما للتربويين من حقوق على المجتمع وما عليهم أن يقدموه إلى المجتمع في هذا المؤتمر، ولتكن البداية بما للتربويين على المجتمع بكل فئاته لأن المجتمع الذي ينشد تطورا تربويا لأبنائه لابد أن يتعامل مع مؤسسات التربية بطريقة تمنح الثقة المطلقة لتلك الفئات وخاصة عندما يتم الحديث عن مسؤولي التربية وقياداتها وأجهزة الوزارة بكل أركانها، فالقبول الاجتماعي يجب أن يكون مقرونا بثقة في أولئك العاملين في المجال التربوي الذين لم يصلوا إلى هذه المواقع إلا بعد إيمان تام بأنهم قادرون على تحمل المسؤولية الاجتماعية بكل أبعادها القائمة, كما أن العمل في سبيل دعم المؤسسات التربوية من جانب الآباء والأمهات هو المرتكز الثاني الذي سوف يجعل التعامل مع مؤسسات التربية يتمتع بالوضوح بدلا من أن يتحول إلى كيل الاتهامات دون معرفة الحقائق المؤدية إلى الصواب وهذا ما تعكسه الاتهامات القائمة للوزارة بين قائل بتطرفها إلى اليمين أو قائل بتطرفها إلى الشمال وهذا منهج لا يخدم سوى أولئك الذين يحاولون إيقاف عجلة التطور في العمل التربوي وهذا ما جعل المجتمع بل وكثيراً من فئاته يصنف المؤسسات التربوية على أن دورها محصور في التعليم الديني ويصارع من أجل إثبات ذلك وهذا في الحقيقة مخالف للمنهج العلمي فالمؤسسات التربوية المعنية بالتعليم ما قبل الجامعي ليست سوى تأسيس متساو للمعارف العلمية والمهارات السلوكية والتطبيقية في حدود لا ترتقي إلى أن تصبح متخصصة وهذا ما يجب أن تفعله لإيجاد التوازن المعرفي والمهاري الذي تقدمه لأبنائنا الطلاب، فالمنهجية العملية للعمل التربوي هي أن لا تتحول إلى تعليم يجعل العلوم الطبيعية وحدها هي الهدف أو العلوم الدينية أو العلوم الاجتماعية، فالتوازن في إرسال المعرفة هو الهدف لأنه بزيادة مسلك علمي على آخر سوف يحول الهدف التربوي إلى خدمة أهداف معينة دون غيرها وهذا ما سوف ينعكس سلبا عندما يتم تكثيف المعرفة في مسار محدد حيث يفقد المجتمع توازنه الحقيقي وتصبح لديه كثافة في الجوانب التي تم التركيز عليها دون غيرها، وهذا بالتأكيد ينعكس على إفرازات التعليم الجامعي الذي يأتي إليه الطلاب بمعرفة مركزة في منهج محدد دون غيره ومن الطبيعي أن تأتي المخرجات في اتجاه واحد وهذا هو المبرر الوحيد الذي يجب على المجتمع أن يدركه في تصنيفه للمؤسسات التربوية فمن الخطأ أن يتم تصنيف التعليم لدينا على أنه تعليم ديني فقط لأنه إذا كان كذلك فلن يكون لدينا تعليم شامل يعتمد التنوع المعرفي بشقيه النظري والتطبيقي, وبهذا يكون الهدف التعليمي الذي يصنف التربية والتعليم لتحقيق اتجاه واحد قد انحرف عن مساره نحو تأصيل المعرفة الدينية وهي هدف اجتماعي بارز في كل فئات المجتمع من الطلاب وبجميع اتجاهاتهم التخصصية العلمية والعملية تأصيلا تعامليا يعكسه سلوكهم الاجتماعي وليس شهاداتهم العلمية وهذا ما نعاني منه في استعراضنا للمخرجات التربوية, ولذلك فإن تحقيق الثقة في المؤسسات التربوية ومساعدتها على إعادة تشكيل منهجها التربوي بما يخدم الأهداف الاجتماعية كفيل بأن تتجاوز التربية كل المعوقات وممارسة الإفتاء التربوي وغيره من كل أولئك الذين يفتون للتربية ويوجهون بلا إدراك مؤصل عن دور التربية الحقيقي لأن المنتج النهائي ألا يتم إخراج تلميذ يحفظ المجلدات ولا يجد عملا ولكن الهدف أن تخرج تلميذا محصنا في فكره الديني والاجتماعي الذي ينعكس على سلوكه مع تخصص دقيق في علم يخدم المجتمع ويساهم في تطور الأمة وبدون إهمال لكل العلوم سواء منها الدينية أو الطبيعية والتي تعاني بشكل خاص من تقليل في شأنها بين الطلاب مما جعلهم يحجمون عنها وقد يبررون عدم قدرتهم على التعامل معها بعدم أهميتها وأنها فرض كفاية مع أنها قد تصل إلى بوابة الواجبات عندما يكون المجتمع بحاجة إليها وهذا التبرير يقودنا مرة أخرى للحديث عن الواجبات التي نطمح في سماعها من أرباب التربية وروادها وهي بلا شك لن تخرج بعيدا عن ممارسة الدقة في اختيار تلك القيادات التربوية التي نؤمن عليها أبناءنا فليس الشكل أو المظهر هو المحدد الذي نتعامل معه في تأكيد الثقة بالأفراد ولكن السلوك الحقيقي الذي يعكسه حب لهذا الوطن والمجتمع وأبنائه وليس المصالح الشخصية وعليكم أيها التربويون أن تفتشوا عن حملة هذه الصفات حتى نطمئن على أن بناتنا وأبناءنا في أمن وأمان فكري وهذا سوف ينعكس على مستوى الثقة التي تتعاملون بها في أروقة مؤسستكم التربوية حتى لو فقد أحد وظيفته أو موقعه الإداري، فالتربية والتعليم لا تحتمل الخطأ أو أي شكل من التأخير كما أن عليكم أن تتقدموا في خطوات التطوير والتغيير حتى إن وجدتم من يحاول أن يقف عائقا لكم فما دمتم شجرة مثمرة فسيكثر أولئك الذين يرمونكم ولكن الوطن والمجتمع مساحة لا تقبل الخيار أو المساومة وعليكم أن تستمعوا إلى أبنائكم الطلاب وليتكم تنفذون فقط ما يريدونه، فهم فقط من يستطيع تشخيص واقعهم التربوي وليس من يتحدث بعيدا عن تلك الأجواء التربوية ومجالها المؤثر.
* كاتب وأكاديمي سعودي

http://www.alwatan.com.sa/daily/2**...s/writers07.htm