المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نساء خالدات


 


عبدالإله
5 - 1 - 2004, 10:04 PM
نساء خالدات

أم سلمة كانت كلمة السر في يوم الحديبية

واليوم عادت المرأة من جديد لتقيد بأغلال الحضارة الجديدة، ففي حين أعطت لها الحضارة المزعومة - باليد الأولى - حرية الخروج إلى المجتمعات بأي صفة كانت، سرقت منها - باليد الأخرى - كل خصال الكرامة والمعاملة الإنسانية لشخصيتها وقوامها.

فكان حقاً علينا أن نعرّف البشرية جمعاء بمكانة المرأة في إسلامنا وديننا، ونرفع عالياً علم الكرامة والعزّة التي أولاها الله تعالى لها، ونرسل في الناس كلمتنا بكل فخر وعزة وثقة: نعم، المرأة في إسلامنا أعز وأكرم وأنبل من أي نظام آخر، وأي حضارة أخرى، وأي مجتمع آخر..

ولسنا نلقي الكلام جزافاً، أو نمتطي الكلمات تطويعاً، بل إننا في هذه السلسلة نهدف إلى إيراد الدليل على ما نقول، وإجلاء الغشاوة عن الفهم السيء لهذا الدين، ونبيّن بما لا يقبل الشك أو الوهم، نظرة الإسلام السديدة تجاه المرأة وحقوقها وحرياتها.

وبضاعتنا التي نأخذ منها الشواهد والدلائل، هي سيرة الإسلام الكريمة، والقصص الرائعة التي ثبتت بالدليل والتواتر، والقرآن الكريم وقواعده وقوانينه الخالدة، والتاريخ المشرّف الذي تطأطئ له رؤوس العالمين اعترافاً له بالفضل والعظمة، فمن هذا كله نسوق لك - عزيزي القارئ - البراهين والمواعظ، ولا ننسى أن نقارن ذلك كله بما آل إليه حال المرأة في هذا العصر، وما صارت إليه من بؤس وشقاء وإهدار للكرامة، يعلمها الغرب قبل الشرق، ويحسّ بها أصحاب الفكر الغربي قبل غيرهم، وترويها لنا أرقام الإحصائيات المخجلة في بلاد الحضارة والمدنية التي ترفع شعارات تحرير المرأة، وتطلب منا في كل يوم وساعة تطبيقها، والعمل بها في مجتمعاتنا، لا رغبة في الاستفادة منها، إنما لنصير إلى ما صاروا إليه من تفسخ وفساد اجتماعي وأخلاقي.

وفي المقابل نرسل كلماتنا لتضيء سماء المشرق النائم، ليصحو ويلتفت إلى حقيقة كبيرة جداً، حقيقة دور المرأة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، ودعوتها لتستأنف من جديد بناء المجتمع إلى جانب الرجال، وتمارس دورها الفاعل والبناء في قيام الأمة وعودة نهضتها وكرامتها، ونضع النقاط على الحروف، في مسيرة تصحيح لنظرة سقيمة أكل عليها الدهر وشرب، تلك النظرة التي تحرم المرأة من كثير من حقوقها التي أعطاها الإسلام لها، وقد كانت في عهد الصحابة، والتابعين معروفة ومشتهرة، لكننا اليوم نسينا كثيراً من تلك الحقوق، وتجاهلنا كثيراً منها، حتى تبدلت المفاهيم، وانقلبت القوانين، وعادت المرأة من جديد في جاهلية جديدة، وبانتظار التطبيق الصحيح للإسلام وتعاليمه.


----------------------------------------------------------------------

قصة أم سلمة رضي الله عنها:

ووقفتنا لهذا العدد اليوم مع امرأة أخرى من النساء العظيمات في تاريخنا المجيد، وهي أم المؤمنين أم سلمة - هند بنت أبي أمية - رضي الله عنها، زوجة النبي صلى الله عليه وسلم وسميت بأم سلمة نسبة إلى ولدها سلمة. وزوجها مشهور في التاريخ، وهو عبدالله بن عبد الأسد، وأمّه برّة بنت عبدالمطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم.. فهي إذ تنحدر من أسرة شريفة عظيمة في مكة.

وقد آمنت أم سلمة مع زوجها بالنبي صلى الله عليه وسلم حينما بلغتهما رسالته، وبعد أن اشتد الأذى على المسلمين أذن النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين بالهجرة إلى الحبشة، وكانت أم سلمة من العشر الأوائل الذين هاجروا إلى الحبشة، فولدت هناك سلمة ابنها، ثم عادت فيما بعد مع زوجها إلى مكة، ولما هاجر المسلمون إلى المدينة، أراد أبو سلمة الهجرة مع زوجته وابنه، فمنعه رجال من بني المغيرة أن يذهب بأم سلمة، ونزعوا خطام البعير من يده وأخذوا أم سلمة وابنها، فأغضب ذلك بني الأسد، وأمسكوا بابنها سلمة وقالوا: والله لا نترك ابننا عندها؛ فتجاذبوا سلمة حتى خلعوا يده.

ثم هاجر أبو سلمة وحيداً إلى المدينة، وحبست أم سلمة عند المغيرة، وبقي سلمة عند بني الأسد، فتفرّق بذلك شمل هذه العائلة، وصارت أم سلمة تخرج كل غداة وتجلس بالأبطح، فما تزال تبكي حتى المساء، وذات يوم مرّ بها رجل من بني عمها فرأى ما في وجهها. فقال لبني المغيرة: ألا تخرجون هذه المسكينة، فرّقتم بينها وبين زوجها وابنها، فقالوا لها: الحقي بزوجك إن شئت، ورد بنو عبدالأسد عليها ابنها، فرحلت به إلى المدينة وحدها ما معها من خلق الله أحد.

ولما وصلت إلى التنعيم.. وهو مكان قرب المدينة، لقيت عثمان بن طلحة أخا بني عبد الدار، فقال: أين يا ابنة أبي أمية؟ فقالت: أريد زوجي بالمدينة. قال: هل معك أحد؟ قال: لا والله إلا الله وابني هذا. فأخذ بخطام البعير فانطلق بها يقودها.

فقالت: والله ما صحبت رجلاً من العرب أراه كان أكرم منه، إذ نزل المنزل.. أناخ بي ثم تنحى إلى شجرة فاضطجع تحتها، فإذا دنا الرواح.. قام إلى بعيري قدمه ورحله ثم استأخر عني وقال اركبي، فإذا ركبت واستويت على بعيري.. أتى فأخذ بخطامه فقادني حتى نزلت، فلم يزل يصنع ذلك حتى قدم بي المدينة، وقيل إنها أول امرأة خرجت مهاجرة إلى الحبشة، وأول ظعينة دخلت المدينة.

ثم بعد فترة توفي زوجها أبو سلمة متأثراً بجراحه، وبعد انقضاء عدتها خطبها أبو بكر فلم تتزوجه، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم يخطبها عليه، فقالت أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أني امرأة غيرى، (أي تغار) وأني امرأة مُصيبة، (أي عندي صبي)، وليس أحد من أوليائي شاهداً، فقال: «قل لها: أما قولك غيرى.. فسأدعو الله فتذهب غيرتك، وأما قولك أني امرأة مصيبة.. فسلّي صبيانك، وأما قولك ليس أحد من أوليائي شاهداً.. فليس أحد من أوليائك شاهداً أو غائباً يكره ذلك». ويقال إن الذي زوجها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنها سلمة.

وقد كانت رضي الله عنها أكبر زوجات النبي صلى الله عليه وسلم سناً، إلا أنها كانت موصوفة بالجمال البارع، والعقل البالغ، والرأي الصائب، وإشارتها على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية تدل على وفور عقلها وصواب رأيها. حيث أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه يوم الحديبية أن ينحروا هديهم ويحلقوا رؤوسهم، ليعودوا إلى المدينة، فتبرم الأصحاب بهذا، ولم يشاؤوا أن يعودوا دون دخول مكة، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم خيمته وهو يقول: «هلك أصحابي»، فأشارت عليه أم سلمة فقالت: يا رسول الله، لِمَ لا تبدأ فتحلق رأسك وتنحر هديك، فإذا رأوك فعلت ذلك اتبعوك.. فعمل بما أشارت عليه، ولما رأى الأصحاب فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أمامهم، ندموا على تقصيرهم وبادروا فحلقوا رؤوسهم ونحروا هديهم، حتى قيل: لقد كاد يقتل بعضهم بعضاً، لاستعجالهم ومبادرتهم.

وهذا يشير بوضوح إلى دور المرأة القيادي، فهي زوجة القائد لهذه المجموعة، وربما لولا هذا الرأي الحصيف، لكاد يقع خلاف وشقاق لا يتكهّن أحد بنتائجه، ولكن رأيها كان في مكانه تماماً، وانقشعت بهذا الرأي غمامة المعصية، واقتلعت جذور الخلاف.

فليتحدث بهذا أبناء هذه الأمة العظيمة، وليفخروا بما لديهم من هذا التاريخ العظيم، وليتحدثوا عن نساء نبيهم بكل فخر، فهذا هو الدور العظيم الذي تقوم به المرأة، حتى أنها تدخلت هنا في السياسة والقيادة، وأشارت بقرارات، وشرحت قوانين للدولة، كان لها الأثر المهم والخطير في مصير الأمة جميعها. فهل لقائل أن يقول بعد ذلك: إن الإسلام بخس المرأة حقوقها، وكمّم فمها عن المشاركة والمفاعلة في قضايا الأمة وسياساتها، أو عزلها عن الحياة الاجتماعية وغيرها؟!

وقد روي أن أم سلمة رضي الله عنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم: ما بال القرآن خصّ الرجال بالذكر دون النساء؟! فإني لا أجد ذكر النساء في القرآن! ومباشرة نزل قوله تعالى: {إن المسلمين *****لمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً} الأحزاب «35».

فنزل لأجل هذه المرأة قرآناً يتلى تأييداً ومساندة لرأيها، وإقراراً لا يقبل التأويل بأن المرأة قرينة الرجل في الدين، فانظر إلى الآية الكريمة كيف قرنت الرجال بالنساء دونما تفريق، أفلا يقرأ هذا المعنى أولئك الذين يتشدقون بحرية المرأة في الغرب؟! ألا يلاحظ أولئك أن هذا قانون إسلامي واضح وصريح ويغني عن كتب ومجلدات سطرت في حقوق المرأة شرقاً وغرباً؟!! ألا يكفي هذا القانون المرأة المسلمة لتفخر على ما سواها من نساء الأمم الأخرى بأنها نزلت فيها من الخالق البارئ ايات عظيمات تتحدث بكرامتها وحقوقها؟!

إن في قصة أم سلمة رضي الله عنها كفاية للباحث المتجرد ليعلم حقيقة مكانة المرأة في الإسلام، ونضيف إلى ذلك أنها بعد وفاته صلى الله عليه وسلم كانت لها مشاركة كبيرة في الحياة الاجتماعية والسياسية؛ فكانت تذهب إلى الذين تخلفوا عن البيعة للخليفة فتكلمهم في ذلك؛ مثل ما حصل مع عبدالله بن زمعة، وهذا دليل آخر على مشاركة المرأة المسلمة ميادين السياسة في أعلى مستوياتها.

لـــــــــ د.طارق السويدان