المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دكتاتورية معلم


 


قريات الملح
1 - 1 - 2004, 12:51 PM
لا أجد أدنى غضاضة أو تردد بالكتابة عن حدث مهما صغر طالما انه يمكن الاستشهاد به للتدليل على قصور يمس الجميع او ممارسة قد تتعرض لها شريحة كبيرة من الناس، فالله سبحانه وتعالى ضرب مثلاً ببعوضة، فلماذا لانستشهد نحن بحدث ولو كان يبدو بسيطاً إلا ان اثره عظيم وان بدا عابراً فإن جرحه غائر؟!. أما الحالات الفردية التي يندر ان تتكرر فإنها مهما عظمت قد لاتستدعي نشرها على الملأ ويكتفى بكتابتها للمسؤول مباشرة ومتابعتها كحالة فردية فاذا لاحظنا تقصيراً في الاهتمام بها فان التقصير قضية ذات بعد عام تستدعي عندئذ الاستشهاد بها كمثال.
في يوم السبت الماضي كتبتُ عن طفل يدرس في إحدى المدارس الأهلية في الصف الرابع الابتدائي صفعه مدرس متعاقد وبعد ان صفعه أوسعه ضرباً وركله اربع مرات.
الدكتور عبدالله المعيلي مدير عام التعليم بالرياض تجاوب مشكوراً كعادته وهاتفني لاخذ المعلومات التفصيلية عن الحادثة واسم المعلم والمدرسة والطالب ووعد ان يتم التعامل مع ما حدث بل بدأ في التعامل معه وهو امر لا أشك فيه طالما خلفه رجل مخلص مثل الدكتور عبدالله المعيلي.
أتدرون ما حدث بعد إعطائي المعلومات لمدير التعليم وقبل ذلك إبلاغي لمدير المدرسة؟! لاشك ان المعلم تمت مساءلته ولو مبدئياً حول الموضوع اما من مدير المدرسة او ادارة التعليم فما كان منه الا ان اشترك في حصة الرياضة (مع انه مدرس رياضيات) وامر الطفل المذكور بالخروج من الملعب وعندما سأله لماذا؟! اجابه أنت تعرف السبب!! وفعلاً خرج الطفل مكسور الخاطر نادماً على انه اشتكى شخصاً نافذ السلطة عليه!!. ولم يقف الامر عند هذا الحد بل لازال حتى إعداد هذه الزاوية عصر يوم الاثنين يوجه للطالب امام زملائه عبارات تشعره بانه ارتكب جرماً بشكواه تلك.
هذا الموقف ذكّرني بموقف مشابه لمعلم آخر من نفس الفئة عندما اشتكى من عنفه صغيرٌ في الصف الثاني الابتدائي اصبح يستهل حصته الدراسية بإيقاف الطالب امام زملائه وجعلهم يرددون عبارة "الكذاب أهوه".
لا أخفيكم، فما ان علمت عن ذلك التطور الخطير "في نظري" في قضية الطالب الصغير حتى فكرت في ابلاغ الدكتور عبدالله المعيلي لانني اجزم انه قد كلف من يتولى التعامل مع هذا الموقف لكنني وجدت ان هذا الامعان في اذلال صغارنا اكبر من ان نتعامل معه كحالة خاصة او فردية تنتهي برفع الظلم والمعاناة عن ذلك الطفل.
ان ماحدث ويحدث امر عام يمس الوطن مستقبلاً لأن معناه ان صغارنا في المدارس الخاصة "التي يغيب فيها العنصر الوطني بإستثناء مدير يقبع على مكتبه ولايحتك بالصغار" يتعرضون لممارسات خطيرة لاتقل عن تلك التي تنكشف عند زوال نظام حكم دكتاتوري ظالم وهذا يعني ان ابناءنا الذين نلحقهم بالمدارس الاهلية بسبب ازدحام المدارس الحكومية وافتقارها للخدمات الاساسية كدورات المياه الصحية والتكييف وابسط مقومات السلامة يتعرضون في المدارس الاهلية لخطر نفسي مخيف لايقل عن الخطر العضوي الذي تشكله المدارس الحكومية.
ليس اخطر من الظلم على النفس البشرية الا خطورة تعرضها للعقوبة لانها عبرت عما تعرضت له من ظلم وهذا مايحدث في مثالنا الذي يبدو صغيراً الا انه خطير بحجم خطورة ما يسببه التباغض بين المجتمع وبعض افراده.
إن الحل الوحيد لرفع الظلم عن المجموعات التي تعيش بين الاسوار كطلاب المدارس ونزلاء دور الرعاية الاجتماعية ونزلاء دور الايتام ودور الملاحظة يكمن في تكثيف تواجد العنصر الوطني الذي هو العين الجريئة والغيورة وهذا لايحدث في المدارس الخاصة وهذا مايجعلنا نكرر القول ان برود وزارة التربية والتعليم في امر فرض حد ادنى لاجور السعوديين والسعوديات في المدارس الاهلية وعدم جدية هذه الوزارة في امر إجبار تجار المدارس على تحقيق نسب مقبولة في السعودة رغم ارتفاع نسب البطالة اقول ان ذلك البرود وعدم الجدية من قبل الوزارة يعرضان مجتمعنا لخطر شديد قد نندم عليه كثيراً ونتمنى لو لم نجامل الوزير!!

http://writers.alriyadh.com.sa/images/alahedb.jpg
كاتب في جريدة الرياض

قريات الملح
1 - 1 - 2004, 12:54 PM
المقال السابق


سبق أن كتبت عن ما يعانيه الصغار من طلاب المدارس الخاصة من عنف شديد من بعض المعلمين المتعاقدين وعلى وجه الخصوص من اشقاء عرب من جنسية معينة نوهت إلى أنهم ربما عانوا من ضغوط نفسية في بلدهم أو عنف جعلهم "يفشون خلقهم" في أبنائنا بل صغارنا بطريقة ستؤدي لا محالة الى عقد نفسية لا تحمد عقباها وكره للمدرسة وربما كره للمجتمع هذا إلى جانب ان هذه الممارسات مخالفة لتعليمات وزارة التربية والتعليم وتتنافى تماماً مع ما تعلنه الوزارة من عبارات تلفزيونية منمقة توحي بأن الوزارة تتودد للطالب وتريد أن تحببه في المعلم والمدرسة وتصور المعلم على أنه الشمعة التي تحترق ليضيء المجتمع وهذه حقيقة المعلم الوطني في مدارس الحكومة إلا أن العمالة "الرخيصة" في المدارس الأهلية المدفوعة الثمن المعانة من الوزارة تمارس كل ما يخالف السياسة المعلنة للوزارة لسبب بسيط هو أن الوزارة تكتفي بمراقبة المدارس الأهلية عن طريق مدير مواطن ولا تكترث بدراسة وضع الطلاب وإجراء جس نبض لمدى ارتياحهم وعدم تعرضهم لأي نوع من أنواع سوء المعاملة أو الإهانة أو سوء الاستغلال.
أعتقد "غير مستند الى دراسة نفسية" ان هذا الإهمال لذلك الجانب من قبل الوزارة هو سبب تزايد حالات الاعتداء من قبل طلاب المرحلة الثانوية على المعلمين كما تتناقل الصحف وأعني أخبار حرق سيارة معلم أو ضربه أو الإساءة إليه فالواضح أن الطالب يحمل معه منذ الصغر عقدة نفسية تتمثل في عداء مع المعلم نتيجة اضطهاد ولد حب الانتقام عندما أصبح الطالب قادراً على الدفاع عن نفسه بعد أن كان يرضخ تحت ظلم المعلم دون عوين أو سند.
لاحظت مؤخراً أن الاختلاف في الرأي مع وزارة التربية والتعليم أفسد قضية الود بيني وبين بعض منسوبي الوزارة لكنني لاحظت ايضاً ان ادارة التعليم في المنطقة الوسطى تتجاوب مع القضايا التي اطرحها في شكل مثال حي أو حادثة بعينها فتطلب الأسماء والمعلومات وأنا وإن كنت أتحفظ على الطريقة غير المباشرة التي يتم بها الاتصال إلا أنني أجد أنها تحقق الهدف وتستحق الاستمرار في العمل على تنوير الوزارة بأمثلة واقعية لما أريد الوصول إليه عل التجاوب يستمر ويصبح مباشراً كما فعل معالي الوزير ذات مرة قبل أن يجد أني صريح جداً أطلب دعوة بالرحمة إذا أهديت العيوب!!
أشتكى اليّ طفل قريب في الصف الرابع ابتدائي بمدرسة أهلية مؤكداً بألم شديد أن المدرس من الجنسية إياها صفعه فلما استدار وجهه عدله بصفعة أخرى بخلف اليد ثم "ركله" أربع مرات ثم جره بأذنه وجلسه في الكرسي "بمناسبة الركل فقد تزامنت الحادثة مع مباريات في كرة القدم على كأس معالي وزير التعليم غطيت إعلامياً بشكل ملفت للنظر"!!.
علامات الإعتداء كانت واضحة على خد وأذن الصغير إلا أن علامات الحزن والأسى كانت أكبر وأعمق ويبدو أننا نسيء تقدير أحاسيس أولئك الصغار فقد حاول الطفل أن يؤكد لي أن المعلم لم يطبق العقوبة نفسها بحق زميله لأنه من نفس "جنسيته" أما ما هي مخالفة الطالبين فهي أنهما خرجا إلى السبورة ولم يستطع أي منهما حل مسألة الرياضيات بالسرعة المطلوبة. ولقد تعمدت أن أؤخر ذكر سبب الضرب لأنني أرى أنه ما من سبب يدعو لضرب صغير في الابتدائية بهذه الطريقة.
ذهبت إلى المدرسة وقابلت المدير ولن أستعجل الحكم على مدى التجاوب لأنني لم ألمس التجاوب بعد، ورغم أنه لم يساورني أدنى شك في صدق الصغير سواء في طريقة روايته أو في الدلائل الواضحة لما تعرض له من ضرب مبرح ومهين، إلا أنني قابلت عدداً من طلاب الفصل وأكدوا ما حدث بل وعبروا عما يعانونه من عنف ذلك المعلم معهم جميعاً وسألتهم ما إذا كانوا مستعدين للتحدث عن هذا الأمر وكان واضحاً أنهم يتمنون أن يسألوا عنه لكن ذلك لم يحدث!!.
كان ذلك مثالاً حياً لموضوع سبق ان كتبت عنه كفكرة ولم يشهد أي تجاوب من الوزارة فهل تتجاوب الوزارة أو ادارة التعليم مع المثال الحي، لدي الأسماء والمعلومات الموثقة والشهود وليس لدي أية مساومة سوى شرط واحد هو أن يصاحب إنصاف هؤلاء الطلاب الصغار "إن حدث" خطوات عملية للقضاء على جميع أشكال الاعتداء على الأبرياء الصغار عن طريق تلمس شكواهم بواسطة عناصر من الوزارة لا علاقة لهم بالمدرسة أو مالكها.

محمد الاحيدب ـ كاتب في جريدة الرياض