المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفن التشكيلي المعاصر والدوران في فلك الآخر


 


الجعيد
23 - 11 - 2003, 05:00 AM
عبد الله أبو راشد – فنان وناقد تشكيلي

بادئ بدء،لا بد من الاعتراف العلني في مصداقية الحقائق المعيشة والمراحل الزمنية التي مرت بها المنطقة العربية من أحداث سياسية عاصفة ومنعكسات طبيعية على مجمل تفاصيل حياتنا اليومية كعرب وما اشتمل القرن العشرين من إشكاليات كبرى في كافة المسارات الوجودية للشعوب العربية وبكل الميادين الفكرية والفلسفية والاقتصادية والثقافية والإبداعية *****لكية وما لعبته منظومة الدول الغربية الأوروبية والأمريكية والصهيونية (الشرقية والغربية) على حد سواء في النهايات المؤلمة والانكساريات المدمرة للأحلام التي عاشت الأجيال العربية متأملة حينا ومخدوعة في أغلب الأحيان من تشر ذم وانقسام وتشظي وتراجع مطبق عن كل الشعارات والبرامج والخطط والاندماج الكلي في الحقبة العولمية والتي جاءت كنتيجة منطقية لأهداف الاستعمار الأوروبي القديم والغربي الحديث والمعاصر وما لعبته الحقبة الأوروبية (الاستشراقية) ومؤثراثها المباشرة في محاولة استعمارية محضة لأهمية الوطن العربي الجيو-سياسية وما يحفل به من ثروات طبيعية وسوق استهلاك جيد لمنتجاتها ونهوضها الصناعي والتنافس الاقتصادي التناحري ما بين مصالح كل دولة من تلك الدول الاستعمارية مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ، والظهور أمام العرب في أثواب المخلّص والمنقذ من ذيول الحقبة العثمانية في أنماط استعمارية مخططة في كل المسارات الحياتية من خلال استنهاض الذات العربية الساكنة والراكدة من سباتها المطبق طيلة أربعة قرون من الحقبة العثمانية وما حملته في طياتها من تخلف وتلاشي واندثار الهوية والوجود القومي العربي ، وبالتالي انغلاقنا الذاتي والموضوعي بما قسمته المشيئة الإلهية في ظل التآخي الإسلامي والقبول بالآمر الواقع وكأنه حقيقة قدرية مطلقة لا فكاك من الانصياع لإرادة الحقبة العثمانية وما جسدته من معابر ظلامية في كل أنماط وجودنا القومي ومسالك تفكيرنا ،هذا من ناحية . واللعب على جبهة الثقافة ومسالك الإبداع من تكريس قيم ومفاهيم جديدة متناسبة والأهداف الكبرى الاستعمارية لهذا البلد العربي أو ذاك والتي تلخصها مجموعة الاتفاقات السرية التي سبقت اتفاقية (سايكس – بيكو) والتي ما زال الوطن العربي يدور في فلكها بشكل ما أو بآخر ، وأن المنابت الإبداعية للفنون الجميلة (السمعية والمرئية *****موعة) في ميادين (الأدب – الموسيقى – المسرح – الصحافة-التشكيل – الفضائيات – وتكنولوجيا الاتصالات متعددة الخصائص والوظائف) ليست بدعة عربية على أية حال بل هي نتاج ثقافة ومعرفة وتجارب الآخر الأجنبي عموما والغربي على وجه التحديد ، ولا وجود لها في صيرورة الهوية العربية المتشكلة مع بدايات القرن العشرين الذي حملت رياح التغيير الكوني المعرفي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والسياسي مؤشراته الدلالية وسماته الرئيسة المتكونة والقادمة من أوروبا في ظل حقبة الاستعمار الأوروبي القديم والحديث . والفن التشكيلي باعتباره منتج أوروبي بامتياز ، وهو بلا أدنى شك استمرار منطقي – تطوري لمسالك الفنون البصرية الإبداعية التي أورثتها فنون عصر النهضة الإيطالية من جماليات وذاكرة بصرية ومفردات وما كرسته من مناهج فنية وقوانين ونظم صياغة منطقية للمنتج الفني التشكيلي إبداعيا وفق معايير خبروية معايشة قام بها فنانين عظام جعلت منها نزعة مركزية لكل التجارب الفنية في أوروبا والخارطة الكونية بأسرها في مرحلة لاحقة ،وأمست أفكارها وخطوطها وملوناتها ونسبها الذهبية القياسية والموضوعية وبنائية التكوينات الشكلانية للعمل الفني التشكيلي تشكل مرجعية ثقافية وبصرية لكل المدارس الفنية والتيارات والمعاهد والأكاديميات المتخصصة وللأفراد ، وان دخلت الفنون التشكيلية في مرحلة الحداثة الأوروبية التي عصفت بكل مناحي الإبداع والفنون التشكيلية خصوصا وما أعقبها من فنون ما بعد الحداثة (التركيبية والشيئية) والمتماهية مع المرحلة الآنية المعيشة في سياق الحقبة العولمية ،من ناحية ثانية .
من هذا المنطلق، يمكن القول بأن المنتج الإبداعي العالمي مرتبط بالنزعات المركزية الأوروبية – الغربية باعتبارها نواة أساسية لتشكيل الثورة الثقافية في محاكاة تطابقية واستنساخية في كثير من الأحوال مرت بها كل تجارب المؤسسات والشعوب في العالم لا سيما الدول الأقل تطورا والوطن العربي على وجه التحديد . والفن التشكيلي العربي في سياقه التأليفي كفن وافد ومعاصر مرتبط أساسا بالنزعات المركزية الأوروبية (الشرقية والغربية). وهو مدين لها بالوجود والصيرورة من خلال أشكال تفاعلية عديدة جسد (الاستشراق الأوروبي والاستغراب العربي ) أحد المعابر الرئيسة في هذا التشكيل الوجودي لهذا المنتج الإنساني الإبداعي الذي أفسح لنا المجال لاكتشاف ذواتنا العربية الفاعلة في كافة المستويات الثقافية المعرفية والبصرية والحضارية المتجلية في رسم ذاكرة المكان العربي وجمالياته (الأوابد التاريخية) والمناظر الطبيعية الخلوية المفتوحة والمغلقة ، والأماكن المزحومة بالعلاقات الاجتماعية وتجليات الشخوص التعبيرية في مطابقة مشهديه وصياغة أسلوبية مماثلة لفنون الغرب الأوربي ، وما فعلته قنوات الاستيعاب والتبادل الثقافي ما بين الدول الأوروبية والوطن العربي باختلاف منابته الاستشراقية في وجود هذا الفن الإبداعي في حياتنا الثقافية اليومية وما حملته ذاكرتنا المعرفية والبصرية من تراكمات كميّة أنتجها مبدعون حفروا لذواتهم الفردية الإبداعية بصمات واضحة في صيرورة الفن التشكيلي العربي محليا وعربيا وعالميا ،وكثيرة هي الأسماء والعلامات الفنية التشكيلية العربية الذين استقوا من الذاكرة البصرية الأوروبية جلّ مرجعيا تهم الثقافية والأدائية والخبروية التجريبية ،وشكلت أعمال كل من الفنانين الأوروبيين (دافنتشي- تيسانو –أنجلو-فان ديك –درور- الغريكو-رمبرانت –دافيد –رودان –دومييه –مانيه- رونوار - ديلاكروا – سيزان - ماتيس -بول كلي -–موندريان –جيكيومتي –غوغان -فان كوخ - خوان ميرو -فرانسيسكوغويا - بيكاسو - فزاريللي) وغيرهم كمحطات أساسية.وما رافق الخارطة الكونية من متغيرات مجتمعية وفلسفية وسياسية واقتصادية ومفاهيم ومعلوماتية جديدة كان لها أكبر الأثر على مجريات العمل الفني التشكيلي العربي المعاصر.

الجعيد
23 - 11 - 2003, 05:01 AM
تكملة اللنص :

هذا يقودنا إلى بداهة التعبير المفهومي لماهية الفن التشكيلي وكينونة باعتبار أن الذاكرة البصرية في سياقها التأليفي كلغة بصرية تواصلية تعبيرية سابقة للكلام (الشفاهي) وهي عالمية بالضرورة متجاوزة حدود المكان واللحظة الزمنية المعبرة عن ذاتها الوجودية والتأليفية وعن الأسلوب التقني والشكلاني والمحتوى الموضوعي في رصف المفردات الفنية التشكيلية والملونات والرموز وتحقيق الخصوصية في سياق شكلاني معاصر ومتفرد ومقروء ومفهوم من قبل فعاليات المجتمع الإنساني باختلاف طبقاته وأنسابه وثقافته ومدركاته المعرفية والبصرية والاجتماعية ،لتشكل هذه اللغة البصرية (الفنون التشكيلية) الحلقة التواصلية المفهومية ما بين الشعوب والثقافات في إطار فن عالمي يتساوق مع روح العصر ومتغيراته وديناميتة التفاعليه التطوريّة تقنيا وشكلانيا، وذاكرة معرفية (موضوعية) وتراكمات بصرية وخصوصية توليفية معبرة عن ذات فردية مبدعة ،لتشكل مجال بصري حيوي أشبه بقطع فسيفساء جمالية لرصف المعطى الحضاري في بنائية التكوينات كلوحة (بانورامية) كونية لذاكرة عالمية شمولية التفاعل الثقافي ما بين الشعوب والهويّات القومية التي لا تلغي الذات وتذوب في ثقافة الآخر وجودا وإبداعا بل توسع دائرة المعارف البصرية متجاوزة حدود المكان والزمان والأنماط الكيانية المؤسسية والحكومية، وألا تدخل بالوقت نفسه هذه المنتجات الفنية التشكيلية الإبداعية في مسالك الحقبة العولمية المدمرة للفعل الثقافي الإنساني وخصوصيات الأفراد والانتماء والهويّات، والتي تعمل باستمرار على تنميط الفن التشكيلي في قوالب سكونية جامدة كلغة بصرية محكومة بأشكال جبرية مكرسة لمفهوم أيديولوجي عدمي يفقد المدركات البصرية الجمالية وجودها وجوهرها وإقصاء للذات وخصوصية المكان والموروث الحضاري والسباحة في فلك الحقبة العولمية وميادين الفن السطحي الساذج والمبتذل والملغية للتعبير الداخلي والإحساس الإنساني لقيم الجمال والخير والمثاقفة ،وتعميم مساحة الشكلانية المجردة من العواطف والنزعات الإنسانية -الوجودية والأخلاقية والدخول في مجرة التوليف المصطنع للحقبة العولمية. أي (الأمركة) وتشكل البرامج الحاسوبية متنوعة الأسماء والمكونات كنظم شمولية مبنية على أساس الفلسفة الأمريكية النفعية في سياق مدخل النظم كاتجاه سلوكي جديد في التعامل البشري ملغية بطبيعة الحال التفاعل الإنساني الاجتماعي والإبداعي والأخلاقي كقيم إنسانية مباشرة لتكون عبر وسيط محض تقني وجعل الإنسان مجرد آلة (إجرائية) متساو الفاعلية مع الآلة (الحاسب) وليكون أحد مكونات (المدخلات) الضرورية في دينامية التواصل العملي مع هذه البرامج المعجونة بقيم صنعيه مغايرة للسلوك الإنساني الوجداني ولتطرح في نهاية المطاف (مخرجات) عدمية ممركزة لخدمة اقتصاد السوق والقيمة المضافة للتكنولوجيا المعاصرة ، والى مزيد من تهميش الفعل الإنساني الإبداعي . وسط هذه المقدمات التي قد تبدو في ظاهرها تشاؤمية ، لكن الحقيقة دائما واضحة وعارية ومؤلمة في استنطاق الوقائع ،وهذا ما يدفعنا لمشروعية المساءلة عربيا والاجتهاد التأويلي لمفهوم الذات والعلاقة مع الآخر من تفاعلات تبادلية وحالات اشتباك معرفي كما هي الحال في سياق عالمية الفن (العولمية) القائمة على علاقات تنابذ وتباعد وخوف على الذات والخصوصية والشعور بالهوية والارتداد والنكوص والعودة للموروث الحضاري والتاريخي (الأصالة) وأين نحن كعرب وعلى أية مفارق وأزمنة وأمكنة نقف، ويأتي في مقدمة هذه التساؤلات التي نراها ضرورية . هل نمتلك مقومات فن تشكيلي عربي معاصر؟ وهل يتمتع هذا الفن التشكيلي العربي بخصوصية تأليفية ومعبر عن ذاكرة المكان وجمالياته وأفكاره وقيمه الاجتماعية في أنساق بصرية كونية متآلفة مع مجموعة مكونات الدائرة المعرفية العالمية ولكل القارات الكونية؟ أم لدينا مجرد تجارب فردية إبداعية تدور في فلك المرجعيات الأوروبية عموما والغربية على وجه الخصوص في سياق الشكلية الاستنساخية لثقافة الغرب الأوروبي في مرحلة فن ما قبل الحداثة وأثناءها وما بعدها في إطار النزعة المركزية الأوروبية في الفكر والفن ؟ أم التحول النفعي إلى آليات التواصل مع المنتج الغربي الأوروبي والأمريكي المعولم كنزعة مركزية جديدة في الخارطة الكونية ضاربة بعرض الحائط بكل ما سبقها من تجارب إبداعية وثقافية وحضارية ، وابتكارها أساليب أدائية متناسبة والنفعية الأمريكية (الليبرالية) كما هو واقع الحال في بقية المجالات الحياتية المفصلية لشعوبنا ؟. الإجابة على هذه المساءلة يمكن اختصارها بعبارة واحدة(نعم) نحن كعرب ما زلنا نراوح في فلك النزعات المركزية الغربية الأوروبية والأمريكية ومشغوفين بفنون ما بعد الحداثة العولمية . وان حاول بعض الفنانين الإيهام الخداعي في استنساخ واستحضار الموروث التاريخي والحضاري والاستقواء بفنون (الأرابسك) والحروفية الساذجة كبديل ثقافي وذاكرة بصرية مواجهة للنزعات الغربية في أثواب (أصالة) فهذا السلوك التسطيحي لا يلغي الحقائق .ليس لدينا فن تشكيلي عربي معاصر متمتع بالخصوصية بالمعنى العلمي للكلمة . أي لا وجود لفن تشكيلي عربي له مرجعية بصرية ومفردات وملونات وخطوط ومكونات عابقة بالخصوصية، وإنما لدينا فن مكرور ينشر ثقافة وجماليات الآخر الغربي سواء في أنماط مناهجنا وبرامج معاهدنا وجامعاتنا وأساليب فنانينا . ما زلنا قابعين في جحور التجريبية وقلق الفوضى والبحث الخجول عن الذات وجماليات المكان وتمثل أسئلة الهويّة والانتماء والخوف من ثقافة الآخر والارتداد التأليفي لاستلهام مرجعيات أدبية والانغلاق على الذات، أو في سياق مشابهة تطابقية استنساخية مبتذلة للفنون التشكيلية العربية . ومزحومة أسواقنا الفنية التشكيلية المروجة لتجارة المنتج الفني التشكيلي العربي (بالغث) الكثير والجيد القليل في طقوس نفعية (كرنفالية) سواء في إطار المؤسسات الحكومية والنقابية ،أو في مجال تجارة العمل الفني واقتصاد السوق وترويج المنتج الفني كبضاعة (سلعية) شأنها في ذلك كبقية البضائع الاستهلاكية المعروضة في مساحة السوق المحلي العربي والدولي .وحال الفن التشكيلي العربي ليس بأفضل من بقية المعابر في السياسة والاقتصاد والثقافة والبحث العلمي والعلاقات، واكتساح العولمة وثورة الاتصالات (المعلوماتية) خصوصا . بحيث نجد المواقف العربية النخبوية والتخصصية تدور في فلك اجترار الكلام المكرور والقائم على تعظيم الذات (الفارغة) من أي محتوى موضوعي وقيمي ومعرفي والاتكاء على الماضي بما هو ماض منقرض. بحيث تقودنا هذه التهويمات الاجتهادية إلى عوالم القرون الوسطى والسباحة عكس التيار . وهذا الأمر هو مسؤولية جماعية تتحملها الحكومات والمؤسسات الأكاديمية والتربوية والنقابية والمنابر الإعلامية المقروءة والمرئية *****موعة والفنانين والنقاد على وجه التحديد.