المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل حقوق المرأة مهضومة في التشريع الإسلامي


 


aboresh
16 - 11 - 2003, 06:40 PM
هل حقوق المرأة مهضومة في التشريع الإسلامي

ليس الهدف من تعاور هذا الموضوع بالدراسة الموجزة هو بسط القول في ما كرَّم به الإسلام المرأة من حقوق، فهي فوق ما يمكن تصوره، وقد قيل فيه الكثير، ولكن الهدف هو تبيان أهم الأسس التي تبنى عليها الشريعة الإسلامية أحكامها، الأمر الذي لا يُنتبه إليه عادة في دراستها، وهو ربط تلك الأحكام بسلوك المسلم المخاطب، الذي توجهه خشية الله تعالى توجيهاً عظيماً لا يوجد في أي مصدر آخر موجَّه لسلوك الناس· لأن رقابة الوازع الديني المستمرة ليست كالرقيب الذي تضعه القوانين الوضعية، إذ إن سلطته محدودة، ولا طاقة لها بمراقبة أسرار الإنسان·

لذلك سنقف في بعض المحطات التي فضل الله عز وجل فيها الرجل على المرأة تفضيلاً قد يبدو لبعضهم أنه السبب في إلحاق الرجل الضرر بالمرأة، دون البحث عن مسوِّغ هذا التفضيل على مستوى الظاهر، وعلى مستوى جانب من الحكمة الإلهية فيه·

دأب الغرب على التبجح بوضع قوانين وبيانات تضبط ممارسة الإنسان لحقوقه، كما أنه يتبجح بالدفاع عن حقوق المرأة وحقوق الطفل خاصة، معتقداً أنه السبَّاق إلى هذه المكرمات، التي غُيِّبت في سلوك المجتمعات البشرية وقوانينها وأعرافها، وقد تعمد مهندسو هذه الشعارات والقوانين المنظمة لهذه الحقوق أن يقفزوا على مصادر هضمها ومسبباته لينزلوا بمظلتهم في ساح الإسلام الذي يعارض ويشوَّه منذ أن صدع الرسول صلى الله عليه وسلم بما أُمر به، وهذه المحاربة اختلفت أساليبها عبر التاريخ، منها الحملة الإعلامية المبنية على الإقناع <الديماغوجي>، وعلى الهجمات العسكرية المتطورة، وذلك بتشويه منهج الإسلام في تنظيم حياة البشر، وتمتيع المرأة ـ خصوصاً ـ بحقوقها، وهذا التحامل كالجرثومة تتنوع أشكاله وصوره تبعاً لتنوع الظروف والعوامل، ذلك أن أعداء الإسلام دأبوا على نعته بكونه هضم حقوق الإنسان بعامة وحقوق المرأة بخاصة، متخذين سلوك بعض المسلمين المنحرفين ذريعة لهذا الادعاء المبني على جهلهم للتعاليم الإسلامية المراعية لجميع متطلبات الإنسان النافعة له، ومصالحه عبر حياة البشرية، أو حقدهم على الإسلام ومعتنقيه·

يقول تعالى: (الرجال قوَّامون على النساء بما فضَّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم)(1)·

يقول الزمخشري: <يقومون عليهن آمرين ناهين، كما يقوم الولاة على الرعايا··· وفيه دليل على أن الولاية إنما تستحق بالفضل، لا بالتغلب والاستطالة والقهر، وقد ذكروا في فضل الرجال: العقل، والحزم، والعزم، والقوة، والكتابة في الغالب، والفروسية، والرمي وأن منهم الأنبياء والعلماء، وفيهم الإمامة الكبرى والصغرى، والجهاد، والآذان، والخطب، وبما أنفقوا: وبسبب ما أخرجوا في نكاحهن من أموالهن في المهور والنفقات>(2)·

فإذا كان الله تعالى جعل الرجل قوَّاماً على المرأة، فإنه أوجب عليه أن يوفر لها ما تضمنه قول النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يجيب عن سؤال والد حكيم بن معاوية رضي الله عنه:
<يا رسول الله، ما حق زوج أحدنا عليه؟ قال: <تطعمها إذا أكلت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تقبِّح ولا تهجر إلا في البيتد>(3)،
لقد حفظ الإسلام كرامة المرأة فحذَّر الرجل من تقبيحها بإسماعها ما تكره، وما يجرح نفسها، وبما أن الرجل قوَّام على المرأة بموجب ما فضله به الله على مستوى التكوين البيولوجي والفيزيولوجي، وتحمل المسؤولية الكبرى، وغيرها من الخصائص الأخرى، فإن هذا التفضيل تقابله ضمانات شرعية تحمي المرأة من سوء فهم الرجل للهدف من الحقوق التي فُضِّل بها، إضافة إلى أن الإسلام حينما يشرِّع قوانينه وأحكامه، ينطلق من كون المؤمنين الذين سيطبقونها لهم وازع ديني وعقل رزين يجعلان الزوجين وجلين خائفين من الله عز وجل في كل سلوك يُقدمون عليه، لذلك أذن للرجل بتأديب زوجه تأديباً خفيفاً قصد تقويم إعوجاجها الذي غالباً ما ينتج مما يتولد عن أنوثتها، وتكوينها العام، فقد ثبت علمياً ـ إن كان لزاماً إقناع من قصر نظرهم وعميت قلوبهم ـ أن دماغ المرأة أقل تركيزاً من دماغ الرجل، وهو ما سبق إلى الإشارة إليه قوله تعالى: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضلَّ إحداهما فتذكِّر إحداهما الأخرى) البقرة: 282·
يقول الزمخشري: <وشهادة النساء مع الرجال مقبولة عند أبي حنيفة فيما عدا الحدود والقصاص>· ويقول: <ومن بدع التفاسير: فتذكِّر، فتجعل إحداهما الأخرى ذكرا، يعني أنهما إذا اجتمعتا كانتا بمنزلة الذكر>(4)·

لكن الله عز وجل ربط هذا الإذن بما ينبغي أن يتوافر في المؤمن من التقوى التي تمنعه من ظلمها، وهو الشرط الشرعي والمنطقي الذي يتجاهله من لا يربط سلوك الرجل المتقي بالحكم الشرعي التأديبي، أي الضرب الخفيف التأديبي الذي لم يبحه الإسلام إلا إذا كان له مسوِّغ شرعي، ولا تشوبه شائبة من الظلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: <لا يجلدْ أحدكم امرأته جلد العبد ثم يجامعها في آخر اليوم>(5)، أما هجر الرجل لزوجه في فراشها فهو إجراء دال على غضبه عليها، غالباً ما لا تتحمله، لكونها تشعر بالمهانة وغيرها، فتحس بانقطاع رابط قوي أسس عليه رباط ال****، فتتراجع عن خطئها·

وإذا انتقلنا إلى محطة الميراث نجد الإسلام قد فضل الذكر على الأنثى في نصيبهما من الميراث، لحكمة إلهية، يمكن إدراك جزئية منها، وهي أن الذكر هو المسؤول في التشريع الإسلامي عن المرأة مسؤولية تحرم عليه التصرف في مال زوجته إلا برضاها، وعلى الرغم من ذلك فإن الشريعة الإسلامية منحت للأنثى نصيباً مهماً من الميراث، إلى درجة أنها قد ترث ما فسر به قوله تعالى: (فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس من بعد وصية يوصى بها أو دين) النساء: 11·

يقول الزمخشري: <ألا ترى أن امرأة لو تركت زوجها وأبوين فصار للزوج النصف وللأم الثلث والباقي للأب حازت الأم سهمين والأب سهماً واحداً، فينقلب الحكم إلى أن يكون للأنثى مثل حظ الذكرين>(6)· ومن محطات حقوق المرأة حقها في ال**** بعد موت زوجها وهي نفساء، مراعاة لضمان استمرار حياتها في كنف من يصون حقوقها، وينفق عليها، في الحديث الشريف: <فأرسل ابن عباس غلامه كُريباً إلى أم سلمة يسألها، فقالت: قُتل زوج سُبيعة الأسلمية، وهي حبلى، فوضعت بعد موته بأربعين ليلة فخُطبت، فأنكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم>(7)·

وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بمعاملة المرأة معاملة طيبة، وذلك في قوله: <واستوصوا بالنساء خيراً، فإنهن خُلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تُقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء خيراً>(8)·

إن ما يمكن أن يجعل قوة الرجل البدنية والعقلية وشعوره بتفضيله عن المرأة في بعض الأمور، سبباً في ظلمها، احتاطت الشريعة الإسلامية في إزالته بشتى الوسائل منها هذا الحديث الذي دعا فيه النبي صلى الله عليه وسلم المسلم إلى معاملة المرأة معاملة حسنة، تضمن كرامتها وحقوقها العامة، كما أن المسؤولية قد تم تقاسمها بينهما كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: <كلكلم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، والأمير راع، والرجل راع على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته>(9)، وهكذا ضمن الإسلام للمرأة كل حقوقها، وحَفِظَ كرامتها، وأشركها مع الرجل في تحمل المسؤولية لتكون عضواً عاملاً في الأسرة، وفي المجتمع، لتُسهم في تحقيق متطلبات البشر عبر التاريخ·

ومن محطات حقوق المرأة حماية الإسلام لليتيمة التي تكون تحت كفالة رجل يحل له ال**** بها، فقد نزلت آية كريمة في هذا الأمر، وهي قوله تعالى: (ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يُتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن *****تضعفين من الولدان وأن تقوموا لليتامى بالقسط) النساء:127·

يقول الزمخشري: <وكان الرجل منهم يضم اليتيمة إلى نفسه ومالها، فإن كانت جميلة غنية قال: زوِّجها غيرك والتمس لها من هو خير منك، وإن كانت دميمة، ولا مال لها قال: تزوجها فأنت أحق بها>(10)

قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ في سبب نزول هذه الآية الكريمة: <هو الرجل تكون عنده اليتيمة هو وليُّها ووارثها فأشركته في ماله حتى في العَذْق فيرغب أن يَنكحها ويكره أن يزوِّجها رجلاً فيَشركه في ماله بما شركته، فيعْضُلها فنزلت هذه الآية>(11)·

فهل الفكر الغربي كرَّم المرأة بحقها في الحرية التي جعلها وسيلة لاستغلالها في مجالات متعددة استغلالاً بشعاً أدى إلى الإجهاز على كرامتها، وتمريغ شرفها في التراب، فقد استُغلت في المجال السياسي والإعلامي، وفي الإعلانات التجارية التي أصبحت وسيلة لإغراء الوسيط التجاري *****تهلك، كل ذلك باسم الحرية ومساواتها مع الرجل، فأي حرية هذه التي نزعت عن المرأة لباس الشرف والعفة والكرامة الذي كساها به الإسلام·

إن من يتتبع التشريع الإسلامي في مجال حقوق المرأة سيقف على حقيقة جليلة، وهي أن الإسلام راعى خصائص الأنوثة والفرق البيولوجي والفيزيولوجي بين الرجل والمرأة، فشرَّع قوانين وضوابط تجعل الرجل مكرَّماً في موقعه، والمرأة مكرَّمة في موقعها، وجعل بينهما مودة ورحمة واحتراماً متبادلاً يؤدي إلى تقاسم المسؤولية بينهما طيلة استمرار العلاقة الزوجية بينهما·


الهوامش
1 ـ تفسير الكشاف للزمخشري 1/495، رتبه وضبطه محمد عبدالسلام شاهين· دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1415هـ·
2 ـ رواه البخاري وأبو داود والنسائي وغيرهم·
3 ـ تفسير الكشاف 1/321·
4 ـ رواه البخاري في باب النكاح·
5 ـ تفسير الكشاف 1/473·
6 ـ رواه البخاري في كتاب تفسير القرآن، سورة الطلاق·
7 ـ رواه البخاري في كتاب النكاح·
8 ـ رواه البخاري في كتاب النكاح·
9 ـ تفسير الكشاف 1/558·
01 ـ نفسه 1/558· العَذْق: النخلة

سيف الاسلام
18 - 11 - 2003, 04:10 PM
بارك الله فيك اخي العزيز على جهودك العظيمة في نشر الثقافة الاسلامية بصورتها الحقيقية
تقبل خالص تحياتي

الباسل
20 - 11 - 2003, 07:37 PM
بوركت من أخ فجزاك الله خير على ما تقوم به أخي aboresh

aboresh
20 - 11 - 2003, 08:18 PM
كل الشكر لك اخي الباسل على مرورك
و اتمنى ان لا تحرمنا من ابداعاتك
تقبل خالص تحياتي