المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وقفات مع الهجرة النبوية


 


بوزغار1
14 - 1 - 2007, 11:22 AM
د. عبد الحليم محمد عصفور
مشرف قسم العلاقات العامة والأعلام التربوي بالمدارس السعودية بأنقرة

الحمد لله .. الحمد لله الذي أعزنا بالإسلام وأكرمنا بالإيمان ..الحمد لله الذي جعلنا من أتباع سيدنا
محمد عليه الصلاة والسلام .. اللهم ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك لك
الحمد آناء الليل وأطراف النهار لعلك ترضى ..
ما زلنا نعيش تطلعات الهجرة النبوية الشريفة ، ما زلنا نحلل أحداثها ، ونقطف ثمارها ونتفيء ظلالها؛ لندرك أيها الإخوة المؤمنون ، أن الإسلام سلسلة مستمرة ، حلقة شاملة منذ فجر تاريخ البشرية وإلى يوم اللقاء الأكبر مع الله .. فالمسلمون يعيشون ضمن تلك الدائرة الواسعة الشاملة ، وأن منهج الله لعباده منذ فجر التاريخ البشري وإلى يومنا هذا وإلى يوم اللقاء الأكبر مع الله .. يسير وفق وتيرة ثابتة واضحة معلنة ، وما نريد أن نتحدث عنه اليوم الهجرة أيها الإخوة المؤمنون ، بدايتها مع بداية الدعوة ، لأن من أراد أن يصل إلى الله لا بد إلا وأن يضحي في سبيله ، لأن الإنسان حينما يريد أن يحقق ذاته ، أن يحقق انتماءه ، هويته ، لا بد إلا وأن يهجر كل الخصال التي تتنافى مع تلك الهوية ، لذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: [ لا هجرة بعد الفتح ، ولكن جهاد ونية ] .
الهجرة : نية ، والنبي صلى الله عليه وسلم حينما عبر عن حقيقة المؤمن *****لم والمهاجر، قال [ والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه ] ، فالهجرة محطة تعبئة إلى الله عز وجل ، تكون بترك ما نهى الله عنه ، بالانتقال من مرحلة إلى مرحلة ، من مرحلة صراع إلى مرحلة استقرار ، من مرحلة اضطراب وعذاب إلى مرحلة استقرار وهناء ، الهجرة هي بداية تكوين المجتمع المسلم .. والهجرة أيها الإخوة دليل على مصداقية السير إلى الله عز وجل .
ذكرنا حين ذكرنا من منهج الهجرة النبوية الشريفة الطاهرة ، أنها عملية انتقال وعملية ترسيخ وتثبيت للمبادئ ، فالنبي صلى الله عليه وسلم حينما خرج من داره وقد أحاط المشركون به ، وتلك قوة مادية لا يستهان بها ، من كل قبيلة أخذوا شاباً جلداً قوياً حتى إذا ما خرج رسول الله انهالوا عليه بضربة رجل واحد، فينهدر دمه في القبائل ، ولكن ربك بالمرصاد .. وتلك هي حقيقة الدعوة دائماً وأبداً ، تحيط بها دعاوى المكر، تحيط بها قوى التآمر في كل مكان وزمان .. يريدون أن يضربوه ضربة رجل واحد،
} يُرِيدُونَ ليطفئوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ { لا بالقوة الذاتية ، ولا بالقوة المادية ، إنما من خلال قوله تعالى } إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ {
على المؤمنين في كل مرحلة من مراحل حياتهم، وفي كل عقبة من عقبات هذه الحياة أن يضعوا هذه الحقيقة نصب أعينهم ، إن تخليتم أنتم فإن الله موجود ،
} هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ {
هذه حقيقة يجب أن نضعها نصب أعيننا ، انهزمنا أم انتصرنا، التزمنا أم انحرفنا ، فإن الله مظهر دينه ، ومعز نبيه ، مهما تآمر المتآمرون ومهما مكر الماكرون، وإنكم لترونه دليلاً واقعياً من خلال ما يعيشه المسلمون اليوم، ترون أن كل قوى العالم تتآمر على الإسلام ، والأغرب من ذلك أن المسلمين يتآمرون على أنفسهم ، فكل عوامل النخر والتهديم والضياع والتمزيق قائمة في المسلمين ، والإسلام ثابت قائم، لا يستطيع أحد أن ينال منه لأنه أمر الله } إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ { ، رغم أن كل الوسائل المادية التي أمرنا أن نأخذ بها وأن نعد العدة معها ، مفقودة في حياة المسلمين المعاصرين ، مع ذلك نجد أن الإسلام في انتشار وتطور واستمرار …
حياة المسلمين وواقعهم ، يبعد غير المسلمين عن الإسلام .. ومع ذلك ما من شمس تشرق إلا وآلاف المعتنقين للدين من جديد .. من من؟ من العلماء .. من الباحثين ، من الخبراء .. من كل الدنيا على اختلاف أشكالهم وألوانهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ..
ولا أكتمكم سراً إذا قلت لكم : ما من مستشرقاً ، باحثاً ، عالماً ، عاقلاً ، إلا وبذرة لا إله إلا الله مغروسة في قلبه .. إنما تنتظر الظهور ، تنتظر الانبثاق ، الخروج بعامل من عوامل الكون ..
حينما أحاط المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم ، ماذا فعل رسول الله ، فتح باب الدار ، وأخذ حفنة من التراب وراح يقرأ سورة } يس* وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ * لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ* إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ * وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ { ، ووضع التراب على رؤوسهم ، وخرج من بينهم وهم لا يرونه .. } إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ
الجانب الإيماني في حياة المسلمين ، جانب يجب أن يكون نصب أعيننا ، نأخذ بالأسباب ولا نقف معها، نعد العدة ونعتقد أن النصر من عند الله ، لا تقصيرنا ولا إعدادنا به يكون النصر أو الفشل، إنما النصر يكون من عند الله ، إنما أنت يا مؤمن في هذه الدار ، في هذا الوجود مبتلى ، وهذا الاختبار والابتلاء ليميز الله الخبيث من الطيب ، فأعد نفسك وخذ بالأسباب ، وقف مع رب الأسباب .. فإذا ما تر سخت العقيدة الصحيحة في نفوس المسلمين ، كانوا أهلاً لإدراك معاني الهجرة ولقطف ثمارها ولتفيؤ ظلالها كما ذكر .
أسأل الله العظيم .. رب العرش العظيم .. أن ينور قلوبنا وعقولنا بنور محبته .. بنور محبة نبيه .. بالتزام منهجه .. بموالاة من والى ومعاداة من عادى .. أقول قولي هذا وأستغفر الله .