الرسالة
1 - 6 - 2006, 10:02 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي الفاضل :: أختي الفاضلة
قد ترى بأن القصة طويلة بعض الشي وقد تفكر في الخروج من هذه الصفحة
ولكن :: إذا قرأتها لن تأخذ منك سوى 5-7 دقائق إن شاء الله
علما بأن القصة ستعجبك ولن تندم لقراءتها
يقول صاحب القصة
عشت مرحلتي الدراسية الأولى مع واليد .. وفي بيئة صالحة أسمع دعاء أمي وأنا عائد من سهري آخر الليل .
يتردد على مسامعي صوت أبي في صلاته الطويلة .. التي طالما كنت أقف متعجباً من طولها .. خاصة عندما يحلو النوم أيام الشتاء البارد .
أتعجب في نفسي .. ما أصبره .. كل يوم هكذا .. شيء عجب !! .
لم أكن أعرف أن هذه هي راحة المؤمن وأن هذه هي صلاة الأخيار .. يهبون فرشهم لمناجاة الله .
بعد المرحلة التي قطعتها في دراستي العسكرية .. ها قد كبرت وكبر معي بعدي عن الله ..
على الرغم نمن النصائح التي أسمعها وتطرق مسامعي بين الحين والآخر ..
عُينت بعد تخرجي في مدينة غير مدينتي وتبعد عنها مسافة بعيدة ولكن معرفتي الأولى بزملائي في العمل خففت ألم الغربة على نفسي .
انقطع عن مسامعي صوت القرآن .. انقطع صوت أمي التي توقظني للصلاة وتحثني عليها .. أصبحت أعيش وحيداً بعيداً عن الجو الأسري الذي عشته من قبل ..
تم توجيهي للعمل في مراقبة الطرق السريعة ... وأطراف المدينة للمحافظة على الأمن ومراقبة السير ومساعدة المحتاجين .. كان عملي متجدداً وعشت مرتاحاً .. أؤدي عملي بجد وإخلاص .. ولكني عشت مرحلة متلاطمة الأمواج .. تتقاذفني الحيرة في كل اتجاه لكثرة فراغي وقلة معارفي .
بدأت أشعر بالملل .. ولم أجد من يعينني على ديني .. بل العكس هو ا لصحيح ..
من المشاهدة المتكررة في حياتي العملية الحوادث والمصابين ..
ولكن كان يوم مميز ..
في أثناء عملنا توقفت أنا وزميلي على جانب الطريق .. نتجاذب أطراف الحديث .
فجأة سمعنا صوت ارتطام قوي ..
أدرنا أبصارنا .. فإذا بها سيارة مرتطمة بسيارة أخرى كانت قادمة من الاتجاه المقابل .. هبينا مسرعين لمكان الحادث لإنقاذ المصابين .
حادث لا يكاد يوصف .. شخصان في السيارة في حالة خطيرة أخرجناهما من السيارة .. ووضعناهما ممددين ..
أسرعنا لإخراج صاحب السيارة الثانية .. الذي وجدناه قد فارق الحياة .. عدنا للشخصين فإذا هما في حال الاحتضار ..
هب زميلي يلقنهما الشهادة ..
قولا لا إله إلا لله .. لا إله إلا الله ...
لكن لسانيهما ارتفعت بالغناء .. أرهبني الموقف .. وكان زميلي على عكسي يعرف أحوال الموت .. أخذ يعيد عليهما الشهادة ..
وقفت منصتاً .. لم أحرك ساكناً .. شاخص العينين أنظر .. لم أر في حياتي موقفاً كهذا .. بل قل لم أر الموت من قبل وبهذه الصورة .. أخذ زميلي يردد عليها كلمة الشهادة .. وهما مستمران في الغناء ..
لا فائدة ..
بدأ صوت الغناء يخف شيئاً فشيئاً .. سكت الأول وتبعه الثاني لا حراك .
==فارقا الدنيا ==
حملناهما على السيارة .. وزميلي مطرق لا ينبس ببنت شفه .. سرنا مسافة قطعها الصمت المطبق ..
مزق هذا السكوت صوت زميلي .. فذكر لي حال الموت وسوء الخاتمة .. وأن الإنسان يختم له إما بخير أو بشر .. وهذا الختام دلالة لما كان يعمله الإنسان في الدنيا غالباً .
وذكر لي القصص الكثيرة التي رويت في الكتب الإسلامية .. وكيف يختم للمرء على ما كان عليه بحسب ظاهره وباطنة ..
قطعنا الطريق إلى المستشفى في الحديث عن الموت والأموات ... وتكتمل الصورة عندما أتذكر أننا نحمل أمواتاً بجوارنا ..
خفت من الموت واتعظت من الحادثة .. وصليت ذلك اليوم صلاة خاشعة ..
ولكن مع مرور الأيام نسيت هذا الموقف بالتدريج ..
بدأت أعود إلى ما كنت عليه .. وكأني لم أشاهد الرجلين وما كان منهما .. ولكن للحقيقة أصبحت لا أحب الأغاني ولا أتلهف عليها كسابق عهدي .. ولعل ذلك مرتبط بسماعي لغناء الرجلين حال احتضارهما .
==من عجائب الأيام ==
بعد مدة تزيد على ستة أشهر .. حصل حادث عجيب .. شخص يسير بسيارته سيراً عادياً .. وتعطلت سيارته .. في أحد الأنفاق المؤدية إلى المدينة ..
ترجل من سيارته لإصلاح العطل في أحد العجلات .. وعندما وقف خلف سيارته لكي ينزل العجلة السليمة ..
جاءت سيارة مسرعة وارتطمت به من الخلف .. سقط مصاباً إصابات بالغة ..
حضرت أنا وزميل آخر غير الأول وحملناه معنا في السيارة وقمنا بالاتصال بالمستشفى لاستقباله ..
شاب في مقتبل العمر .. متدين يبدو ذلك من مظهره ..
عندما حملناه سمعناه يهمهم ..ولعجلتنا في سرعة حمله لم نميز ما يقول ولكن عندما وضعنها في السيارة وسرنا .. سمعنا صوتاً مميزاً ..
إنه يقرأ القرآن .. وبصوت ندي .. سبحان الله لا تقول هذا مصاب .. الدم قد غطى ثيابه وتكسرت عظامه .. بل هو على ما يبدو على مشارف الموت ..
== استمرت يقرأ بصوت جميل .. يرتل القرآن ..
لم أسمع في حياتي مثل تلك القراءة .. كنت أحدث نفسي وأقول سألقنه الشهادة مثل ما فعل زميلي الأول .. خاصة وأن لي سابق خبرة كما أدعي ..
أنصت أنا وزميلي لسماع الصوت الرخيم ..
أحسست أن رعشة سرت في جسدي وبين أضلعي ..
فجأة .. سكت ذلك الصوت الندي .. ألتفت إلى الخلف .. فإذا به رافع أصبع السبابة يتشهد .. ثم انحنى رأسه ..
قفزت إلى الخلف ..
لمست يده ..
قلبه ..
أنفاسه ..
لا شيء ..
فارق الحياة ..
نظرت إليه طويلاً .. سقطت دمعة من عيني .. أخفيتها عن زميلي .. التفت إليه وأخبرته أن الرجل قد مات .. انطلق زميلي في البكاء .. أما أنا فقد شهقت شهقة وأصبحت دموعي لا تقف .. أصبح منظرنا داخل السيارة مؤثراً ..
وصلنا المستشفى ..
أخبرنا كل من قابلنا عن قصة الرجل .. الكثيرون تأثروا من حادثة موته وذرفت دموعهم .. أحدهم بعدما سمع قصة الرجل ذهب وقبل جبينه ..
الجميع أصروا على عدم الذهاب حتى يعرفوا متى يُصلى عليه ليتمكنوا من الصلاة عليه ..
اتصل أحد الموظفين في المستشفى بمنزل المتوفى ..
كان المتحدث أخوه .. قال عنه ::: إنه يذهب كل اثنين لزيارة جدته الوحيدة في القرية .. كان يتفقد الأرامل والأيتام *****اكين .. كانت تلك القرية تعرفه فهو يحضر لهم الكتب والأشرطة الدينية .. وكان يذهب وسيارته مملوءة بالأرز والسكر لتوزيعها على المحتاجين .. وحتى حلوى الأطفال لا ينساها ليفرحهم بها .. وكان يرد على من يثنيه عن السفر ويذكر له طول الطريق .. إنن أستفيد من طول الطريق بحفظ القرآن ومراجعته وسماع الأشرطة والمحاضرات الدينية .. وإنني أحتسب عند الله كل خطوة أخطوها .
من الغد غص المسجد بالمصليين .. صليت عليه مع جموع المسلمين الكثيرة .. وبعد أن انتهينا من الصلاة حملناه إلى المقبرة .. أدخلناه في تلك الحفرة الضيقة ..
== وجهوا وجهه للقبلة ..
باسم الله وعلى ملة رسول الله ..
بدأنا نُهيل عليه التراب .
أسألوا لأخيكم التثبيت فإنه يُسأل ..
استقبل أول أيام الآخرة .. وكأنني استقبلت أول أيام الدنيا ..
تُبتُ مما عملت عسى الله أن يعفو عما سلف وأن يثبتني على طاعته وأن يختم لي بخير ..
وأن يجعل قبري وقبر كل مسلم روضة من رياض الجنة ..
أخوكم الرسالة
أخي الفاضل :: أختي الفاضلة
قد ترى بأن القصة طويلة بعض الشي وقد تفكر في الخروج من هذه الصفحة
ولكن :: إذا قرأتها لن تأخذ منك سوى 5-7 دقائق إن شاء الله
علما بأن القصة ستعجبك ولن تندم لقراءتها
يقول صاحب القصة
عشت مرحلتي الدراسية الأولى مع واليد .. وفي بيئة صالحة أسمع دعاء أمي وأنا عائد من سهري آخر الليل .
يتردد على مسامعي صوت أبي في صلاته الطويلة .. التي طالما كنت أقف متعجباً من طولها .. خاصة عندما يحلو النوم أيام الشتاء البارد .
أتعجب في نفسي .. ما أصبره .. كل يوم هكذا .. شيء عجب !! .
لم أكن أعرف أن هذه هي راحة المؤمن وأن هذه هي صلاة الأخيار .. يهبون فرشهم لمناجاة الله .
بعد المرحلة التي قطعتها في دراستي العسكرية .. ها قد كبرت وكبر معي بعدي عن الله ..
على الرغم نمن النصائح التي أسمعها وتطرق مسامعي بين الحين والآخر ..
عُينت بعد تخرجي في مدينة غير مدينتي وتبعد عنها مسافة بعيدة ولكن معرفتي الأولى بزملائي في العمل خففت ألم الغربة على نفسي .
انقطع عن مسامعي صوت القرآن .. انقطع صوت أمي التي توقظني للصلاة وتحثني عليها .. أصبحت أعيش وحيداً بعيداً عن الجو الأسري الذي عشته من قبل ..
تم توجيهي للعمل في مراقبة الطرق السريعة ... وأطراف المدينة للمحافظة على الأمن ومراقبة السير ومساعدة المحتاجين .. كان عملي متجدداً وعشت مرتاحاً .. أؤدي عملي بجد وإخلاص .. ولكني عشت مرحلة متلاطمة الأمواج .. تتقاذفني الحيرة في كل اتجاه لكثرة فراغي وقلة معارفي .
بدأت أشعر بالملل .. ولم أجد من يعينني على ديني .. بل العكس هو ا لصحيح ..
من المشاهدة المتكررة في حياتي العملية الحوادث والمصابين ..
ولكن كان يوم مميز ..
في أثناء عملنا توقفت أنا وزميلي على جانب الطريق .. نتجاذب أطراف الحديث .
فجأة سمعنا صوت ارتطام قوي ..
أدرنا أبصارنا .. فإذا بها سيارة مرتطمة بسيارة أخرى كانت قادمة من الاتجاه المقابل .. هبينا مسرعين لمكان الحادث لإنقاذ المصابين .
حادث لا يكاد يوصف .. شخصان في السيارة في حالة خطيرة أخرجناهما من السيارة .. ووضعناهما ممددين ..
أسرعنا لإخراج صاحب السيارة الثانية .. الذي وجدناه قد فارق الحياة .. عدنا للشخصين فإذا هما في حال الاحتضار ..
هب زميلي يلقنهما الشهادة ..
قولا لا إله إلا لله .. لا إله إلا الله ...
لكن لسانيهما ارتفعت بالغناء .. أرهبني الموقف .. وكان زميلي على عكسي يعرف أحوال الموت .. أخذ يعيد عليهما الشهادة ..
وقفت منصتاً .. لم أحرك ساكناً .. شاخص العينين أنظر .. لم أر في حياتي موقفاً كهذا .. بل قل لم أر الموت من قبل وبهذه الصورة .. أخذ زميلي يردد عليها كلمة الشهادة .. وهما مستمران في الغناء ..
لا فائدة ..
بدأ صوت الغناء يخف شيئاً فشيئاً .. سكت الأول وتبعه الثاني لا حراك .
==فارقا الدنيا ==
حملناهما على السيارة .. وزميلي مطرق لا ينبس ببنت شفه .. سرنا مسافة قطعها الصمت المطبق ..
مزق هذا السكوت صوت زميلي .. فذكر لي حال الموت وسوء الخاتمة .. وأن الإنسان يختم له إما بخير أو بشر .. وهذا الختام دلالة لما كان يعمله الإنسان في الدنيا غالباً .
وذكر لي القصص الكثيرة التي رويت في الكتب الإسلامية .. وكيف يختم للمرء على ما كان عليه بحسب ظاهره وباطنة ..
قطعنا الطريق إلى المستشفى في الحديث عن الموت والأموات ... وتكتمل الصورة عندما أتذكر أننا نحمل أمواتاً بجوارنا ..
خفت من الموت واتعظت من الحادثة .. وصليت ذلك اليوم صلاة خاشعة ..
ولكن مع مرور الأيام نسيت هذا الموقف بالتدريج ..
بدأت أعود إلى ما كنت عليه .. وكأني لم أشاهد الرجلين وما كان منهما .. ولكن للحقيقة أصبحت لا أحب الأغاني ولا أتلهف عليها كسابق عهدي .. ولعل ذلك مرتبط بسماعي لغناء الرجلين حال احتضارهما .
==من عجائب الأيام ==
بعد مدة تزيد على ستة أشهر .. حصل حادث عجيب .. شخص يسير بسيارته سيراً عادياً .. وتعطلت سيارته .. في أحد الأنفاق المؤدية إلى المدينة ..
ترجل من سيارته لإصلاح العطل في أحد العجلات .. وعندما وقف خلف سيارته لكي ينزل العجلة السليمة ..
جاءت سيارة مسرعة وارتطمت به من الخلف .. سقط مصاباً إصابات بالغة ..
حضرت أنا وزميل آخر غير الأول وحملناه معنا في السيارة وقمنا بالاتصال بالمستشفى لاستقباله ..
شاب في مقتبل العمر .. متدين يبدو ذلك من مظهره ..
عندما حملناه سمعناه يهمهم ..ولعجلتنا في سرعة حمله لم نميز ما يقول ولكن عندما وضعنها في السيارة وسرنا .. سمعنا صوتاً مميزاً ..
إنه يقرأ القرآن .. وبصوت ندي .. سبحان الله لا تقول هذا مصاب .. الدم قد غطى ثيابه وتكسرت عظامه .. بل هو على ما يبدو على مشارف الموت ..
== استمرت يقرأ بصوت جميل .. يرتل القرآن ..
لم أسمع في حياتي مثل تلك القراءة .. كنت أحدث نفسي وأقول سألقنه الشهادة مثل ما فعل زميلي الأول .. خاصة وأن لي سابق خبرة كما أدعي ..
أنصت أنا وزميلي لسماع الصوت الرخيم ..
أحسست أن رعشة سرت في جسدي وبين أضلعي ..
فجأة .. سكت ذلك الصوت الندي .. ألتفت إلى الخلف .. فإذا به رافع أصبع السبابة يتشهد .. ثم انحنى رأسه ..
قفزت إلى الخلف ..
لمست يده ..
قلبه ..
أنفاسه ..
لا شيء ..
فارق الحياة ..
نظرت إليه طويلاً .. سقطت دمعة من عيني .. أخفيتها عن زميلي .. التفت إليه وأخبرته أن الرجل قد مات .. انطلق زميلي في البكاء .. أما أنا فقد شهقت شهقة وأصبحت دموعي لا تقف .. أصبح منظرنا داخل السيارة مؤثراً ..
وصلنا المستشفى ..
أخبرنا كل من قابلنا عن قصة الرجل .. الكثيرون تأثروا من حادثة موته وذرفت دموعهم .. أحدهم بعدما سمع قصة الرجل ذهب وقبل جبينه ..
الجميع أصروا على عدم الذهاب حتى يعرفوا متى يُصلى عليه ليتمكنوا من الصلاة عليه ..
اتصل أحد الموظفين في المستشفى بمنزل المتوفى ..
كان المتحدث أخوه .. قال عنه ::: إنه يذهب كل اثنين لزيارة جدته الوحيدة في القرية .. كان يتفقد الأرامل والأيتام *****اكين .. كانت تلك القرية تعرفه فهو يحضر لهم الكتب والأشرطة الدينية .. وكان يذهب وسيارته مملوءة بالأرز والسكر لتوزيعها على المحتاجين .. وحتى حلوى الأطفال لا ينساها ليفرحهم بها .. وكان يرد على من يثنيه عن السفر ويذكر له طول الطريق .. إنن أستفيد من طول الطريق بحفظ القرآن ومراجعته وسماع الأشرطة والمحاضرات الدينية .. وإنني أحتسب عند الله كل خطوة أخطوها .
من الغد غص المسجد بالمصليين .. صليت عليه مع جموع المسلمين الكثيرة .. وبعد أن انتهينا من الصلاة حملناه إلى المقبرة .. أدخلناه في تلك الحفرة الضيقة ..
== وجهوا وجهه للقبلة ..
باسم الله وعلى ملة رسول الله ..
بدأنا نُهيل عليه التراب .
أسألوا لأخيكم التثبيت فإنه يُسأل ..
استقبل أول أيام الآخرة .. وكأنني استقبلت أول أيام الدنيا ..
تُبتُ مما عملت عسى الله أن يعفو عما سلف وأن يثبتني على طاعته وأن يختم لي بخير ..
وأن يجعل قبري وقبر كل مسلم روضة من رياض الجنة ..
أخوكم الرسالة