المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تابع غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم


 


شيخ الميداان
20 - 3 - 2006, 06:52 PM
تابع/غزوة بدر


ومع أن ملابسات أسرى بدر، كانت استشارة، وأخذ فيها النبي صلى الله عليه وسلم برأي الصديق، وقبل الفداء. فقد نزل القرآن بترجيح رأي الفاروق، وعاتب المؤمنين على قبولهم الفداء. وقال: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال:68].

فتشبث بعض الذين كتبوا في فقه السيرة، بأن في القصة دليلاً على اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم في الأحكام، وإذا صح له أن يجتهد 'صح منه بناءً على ذلك أن يخطئ في الاجتهاد ويصيب'.

وهذا الكلام لا يصح أن يطلق على سيد الخلق، ولا يصح أن يُسوَّى اجتهاده باجتهاد غيره، ولم نقرأ في الكتاب ولا في السنة، ولا في كلام السلف والأئمة، ما يشير إلى نسبة الخطأ إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قريب أو بعيد.



وليس في القصة اجتهاد، بل الذي فيها استشارة ـ كما ذكرت ـ في تطبيق أحد حكمين معروفين على الأسرى. والثابت من روايات أهل الحديث 'أن النبي صلى الله عليه وسلم استشار أبا بكر وعمر واستشار الناس في الأسرى يوم بدر .. قال عمر: فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر، ولم يهوَ ما قلت, وأخذ منهم الفداء, فلما كان من الغد، قال عمر: فغدوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلى أبي بكر، وهما يبكيان، فقلت: ما يبكيك أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاءً بكيت، وإن لم أجد بكاءً تباكيت لبكائكما. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: 'أبكي للذي عرض عليَّ أصحابك من أخذهم الفداء؛ لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة لشجرة قريبة منه'.

فليس في هذه الرواية اجتهاد مطلقًا، ولا خطأ في الاجتهاد، ولا تدل على عتاب النبي صلى الله عليه وسلم في اجتهاده، بل الذي فيها استشارة في اختيار أي حكمين معروفين قبلاً، للأخذ به في أسرى بدر، وذلك بدليل ما يأتي:

1ـ رواية الإمام أحمد قصة الأسرى كانت بلفظ: 'استشار النبي صلى الله عليه وسلم الناس في الأسرى يوم بدر...'. فالموضوع استشارة، وليس اجتهادًا لتعرف حكم جديد غير معروف، والاستشارة لتخير أنسب الحكمين المعروفين، وللإمام التخير فيهما.

2ـ فسر ابن عباس قوله تعالى: {لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال:68] بقوله: لولا ما ثبت في أم الكتاب، من أن المغانم والأسرى حلال لكم، لمسكم فيما أخذتم من الأسرى فداءً عذابٌ عظيمٌ. فكيف يخطئ فيما وافق المكتوب في أم الكتاب.

3ـ صح في الحديث: 'ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين لا اختيار أيسرهما، ما لم يكن إثمًا'. فكيف يوصف اختياره الأمر المنسجم مع فطرته التي فطره الله عليها، بأنه خطأ.

4ـ قوله تعالى بعد ذلك: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً} [الأنفال:69] إقرار قبول الفداء، وهل يكون الإقرار على الخطأ؟ إن قضية الخطأ لازمة أن يؤمر برد الفداء، لا أن يباح له أكله حلالاً طيبًا.

5ـ قبل النبي صلى الله عليه وسلم فدية اثنين أسرا في سرية عبد الله بن جحش، وكانت في رجب من السنة الثانية، أي قبل بدر بشهرين فقط، وهما عثمان بن عبد الله بن المغيرة، والحكم بن كيسان، وكان فداء كل واحد أربعين أوقية من الذهب، ولم يخطَّأ وقتئذٍ، ولم يعاتَب، فكيف يخطَّأ ويعاتَب هنا؟

6ـ جاء في رواية حديث صحيح عن علي قال: جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر، فقال له: 'خير أصحابك في الأسارى: إن شاؤوا القتل، وإن شاؤوا الفداء.

على أن يقتل منهم ـ يعني من الصحابة ـ في العام المقبل مثلهم ـ: يعني مثل الأسرى سبعون رجلاً ـ فقالوا: نختار الفداء، ويقتل منا', وذلك رغبة منهم في الشهادة في سبيل الله.

فقد فعلوا ما أذن لهم فيه؛ وكان العتب موجهًا إليهم. لاختيارهم غير الأولى.

7ـ نصت كتب السيرة على أن النبي صلى الله عليه وسلم استشار كبار الصحابة، كما استشار عامة الناس الذين قاتلوا وأحرزوا الغنائم، وأصابوا الأسرى، فكان الاتجاه إلى أخذ الفداء، فلم يكن العتاب موجهًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بل إلى الذين مالوا إليه، وأشاروا به.

8ـ وفي سياق قصة العتاب، روينا قوله صلى الله عليه وسلم: 'أبكي للذي عرض عليَّ أصحابك من أخذهم الفداء. لقد عرض عليَّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة'. وقوله هذا واضح في أن بكاءه لما كان يتهددهم من العذاب القريب. ولهذا جاء الخطاب موجهًا إلى الجماعة: {لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ} [الأنفال:68].

9ـ كيف يظن بالنبي صلى الله عليه وسلم أنه يريد عرض الدنيا، وهو الذي أبى أن تكون له جبال تهامة ذهبًا. وقال: 'ما لي وللدنيا، ما أنا والدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة، ثم راح وتركها' وهو الذي 'مات ودرعه مرهونة عند يهودي في ثلاثين صاعًا من شعير، أخذها رزقًا لعياله'.

وإذن، فالمخاطب، والمعاتب، والذي خوف بالعذاب القريب، هو ذلك النفر من الصحابة الذين اقترحوا قبول الفداء, وليس هو رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولهذا جاءت صيغة الخطاب بجمع المخاطبين، لا الواحد المخاطب.



الدرس الثاني: تفريغ القلب من المادة

فقد تعلق بعض المسلمين بالغنائم عقب النصر، وكادوا يختلفون فيما بينهم، فأدبهم القرآن، وصرفهم عن التشاغل بالمادة، والتنازع بسببها:

{يَسْأَلونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال:1].

فلما ثابوا إلى الرشد، وتطلعوا إلى مرضاة الله، نزل قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ} [الأنفال:41].

لقد كانوا في فاقة، لكن ما ينبغي أن تحملهم فاقتهم على الاختلاف من أجل المادة، فإن طاعة الله ورسوله فوق كل اعتبار. فلما استقاموا على الحق، وآثروا مرضاة الله، رزقهم الله من فضله، وآتاهم أكثر مما كانوا يودون.

'عن عبد الله بن عمرو، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر، في ثلاثمائة وخمسة عشر رجلاً من أصحابه، فلما انتهى إليها قال: 'اللهم إنهم جياع، فأشبعهم، اللهم إنهم حفاة فاحملهم، اللهم إنهم عراة فاكسُهم'.

ففتح الله له يوم بدر، فانقلبوا حين انقلبوا، وما منهم رجل إلا وقد رجع بحمل أو حملين، واكتسوا وشبعوا'.


والدرس الثالث: أن النصر بيد الله ومن عند الله
فالظواهر ما كانت تشير إلى انتصار المسلمين: قلة في العدد والعدة، جياع حفاة عراة، فوجئوا بالقتال، فأجمعوا أمرهم عليه، وربطوا الإيمان على قلوبهم، وتعلقوا بالله، واستماتوا في القتال طلبًا للشهادة .. وحرضهم النبي صلى الله عليه وسلم وبشرهم، واتخذوا معه جميع ما في طوقهم من الأسباب، فهيأ لهم أسباب النصر في المادة والروح:

1ـ وعدهم إحدى الطائفتين: القافلة أو النصر.

2ـ غشاهم النعاس، لتهدأ أعصابهم، ويستوثقوا من أنفسهم.

3ـ أنزل عليهم الماء من السماء، تثبيتًا لأقوامهم، وتطهيرًا لأجسادهم.

4ـ صور لهم عدد المشركين قليلاً كيلاً يفزعوا منه، وليجترئوا عليه.

5ـ وأرى نبيه العدد قليلاً، ليقوى قلبه، ويشتد عزمه.

6ـ أرسل ملائكته تقاتل مع المسلمين، وتثبت مواقفهم، وتنفث روح الاستشهاد، والثقة بنصر الله.

7ـ ألقى في قلوب المشركين الرعب، وهو نذير الفشل والخسران.

وصدق الله العظيم: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7].


الدرس الرابع: عاقبة الكبر والخيلاء، الخزي والسوء والعار
فهذا أبو جهل، لم يسمع إلى نصيحة أبي سفيان، بأن يعود بعد أن نجت القافلة، بل أصر على الخروج، والفخر بذبح الجمال، وشرب الخمور، وغناء القينات بهجاء المسلمين، وآمال النصر المعسولة.

فكانت عاقبته أنه قتل في المعركة، شر قتلة، وعلم أن آماله تكسرت، وأحلامه تحطمت..

سأل ولدا عفراء عن أبي جهل يوم بدر، فلما عرفاه، شدا عليه مثل الصقور، ورمياه بسهامها حتى سقط عن فرسه. ورآه عبد الله بن مسعود، فطار إليه كالعصفور، وجثم على صدره، وهو يجود بأنفاسه، فقال له أبو جهل: لقد ارتقيت مرتقى صعبًا يا رويعي الغنم. فقال له عبد الله: ها قد أخزاك الله يا عدو الله. فقال أبو جهل: لمن الدائرة اليوم؟ قال عبد الله: لله ورسوله. وأخذ خنجره فاحتز رأسه به، وحمله إلى الرسول وصحابته، فكبر وكبروا وقال: هذا فرعون هذه الأمة.. وكذلك تكون عواقب الفخر الفازع، والتعالي الأثيم على عباد الله المستضعفين.

وكتب ربك الشهادة لولدي عفراء الفتيين الناعمين المؤمنين.


والدرس الخامس: تبدأ الحياة بعد الموت
لا تنتهي الحياة بالموت، إلا وتبدأ حياة البرزخ، ويجب الإيمان بهذه الحياة الخاصة. وأن الأموات بعد دفنهم يسمعون ولا يتكلمون.

وقد صح عذاب القبر ونعيمه.

وقد 'مر النبي عليه الصلاة والسلام بقبرين، فقال: إنهما يعذبان، وما يعذبان من كبير. ثم قال: بلى. أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستنزه من البول، ثم دعا بجريدة رطبة، فكسرها كسرتين، ووضع على كل قبر كسرة، وقال: أرجو أن يخفف عنهما ما لم ييبسا'.

كما أخبرنا بأن الحيوانات تسمع تعذيب العصاة في قبورهم.

ولا بد من التسليم بهذه الحقائق الغيبية، وإن كنا لا نملك الحواس التي تنقل إليها حياة أهل القبور، كما تملكها بعض الحيوانات.

والقرآن يشير إلى ذلك بقوله: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:46].

ويخبر عن سعادة الشهداء قائلاً: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [آل عمران:170]



يتبع ....غزوة أحد........... قسم الدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم....في وقت لاحق-إنشاءالله-

نبع الوفاء
20 - 3 - 2006, 07:01 PM
جزاك الله خير الجزاء ..

أسأل الله أن يجعل ماقدمة ...

في ميزان حسناتك ....

مشعل ك ق س
20 - 3 - 2006, 07:28 PM
مشكوووووووووووووووووووووووووووووووور[b]