أبو مشاري2
27 - 7 - 2003, 02:30 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
نفحات من مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم
كتبه : موسى محمد هجاد الزهراني
قال صديقي: (1)
قضيت أمتع أيام حياتي ؛ قبل أسبوع في ربوع المدينة المنورة ؛ بجوار ****** المصطفى صلى الله عليه وسلم ؛كان يغيب عن ذهني أن المرء في غمرة الحياة العصرية المزدحمة ؛ يمكنه أن يجد مكاناً يهرب فيه بنفسه إلى نفسه من ضجيج الحياة ؛ ويلتقي بروحه ؛إلى أن وطئت قدماي أرض المدينة المباركة ؛ لزيارة الأهل والأحبة ؛ وشممت نسيمها العليل ؛ وهناك وجدت ما افتقدت.
ويتبدل الحال تماماً عندما تقول: بسم الله .. اللهم صل على محمد .. اللهم افتح لي أبواب رحمتك ثم تقدم رجلك اليمنى .. وتدخل مسجد ****** صلى الله عليه وسلم .. فهناك تعرف يقيناً معنى سباحة الروح في عالم الطهر والصفاء ؛ هناك تجد ما افتقده عُبَّاد الدنيا ؛ الراكضون وراء الشهوات ؛ من سعادة لايفي بوصفها قلم كاتب ولا لسان خطيب.
عجبت وأنا أسرح بروحي في عالم الملكوت الرباني الرحب ؛ حينما وقفت في منتصف روضة المسجد ؛ التي هي روضة من رياض الجنة ؛ بين بيت النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ومنبره ؛ عجبت كيف لايهتدي إلى هذا المكان من ضاقت عليه الأرض بما رحبت وضاقت عليه نفسه ؛ كيف لا يأتي إلى هنا ليفرغ ما في صدره من هموم ؛ ويبُثَّ ربَّه شكواه ؛ وقد تهيأت نفسه ؛ في روضة من رياض الجنة.
لماذا نرى الناس طلبوا السعادة في غير مظانها ؛ وهي هنا لا تكلف مالاً ؛ ولا تتعب جسداً. جلسة هنا تنقي الروحَ من أوحالها ؛ وتغسلها من أدرانها ؛ وتنقلها إلى حيث يصعد الكلم الطيب ؛ والعمل الصالح ؛ شعور.. لا أدري هل أنا الوحيد الذي أشعر به أم أن من حولي كلهم يدور في فلكه؛ كلا ؛ بل أن كل من شرفه الله بالإقامة أو زيارة مسجد ****** صلاة الله وسلامه عليه لابد وأن لامس قلبه برد المحبة حين وطئت قدماه هذا الثرى الطيب ؛ الذي لامسته أقدام النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام ..
* * *
الرهبة الكبرى .. عندما خطوت خطوات قليلة ؛ هادئة ؛ بل أحس كل قدم تختبيء وراء الأخرى حياءً .. من هول ما أنا مقدم عليه ؛ لست صوفياً مبتدعاً ولا أؤمن بترهاتهم لكنني شعرت برهبة مثَّلتها قدماي حينما نقلتهما .. بصعوبة ..أكاد أتعثر ..حتى وقفت أمام الحجرة التي يسكنها خير من وطئت قدماه الأرض .."السلام عليك يا رسول الله ..أشهد أنك رسول الله حقاً .. بلغت الرسالة .. وأديت الأمانة .. وجاهدت في الله حق جهاده .. وتركتنا على المحجة البيضاء .. ليلها كنهارها .. لا يزيغ عنها إلاَّ هالك .."
أكاد ألثُمُ أرضاً قد درجتَ بها *** أجثو من الرهبة الكبرى على قدمي
سلمت على صاحبيه الكريمين؛ شعرت أن دموعي تسابق كلماتي .. عدت مرة أخرى أمام الحجرة وكأنما أنا واقف بين يديه حقاً ؛ أخاطبه بهذه الكلمات ؛ وتخيلته ينظر إلي على ما أحمله على ظهري من أوزار ؛ ينوء بها قلبي ؛ فأطرق حياءً ؛ وأقول في نفسي :كيف لو ذادتني الملائكة عن حوضه يوم القيامة؟! كانت الدموع لا تتوقف .. وتمنيت أمنية صادقة لو أنني رأيته بأم عيني ولا أبالي بعدها إن خرجت من الدنيا أو مكثت بها ..
استفقت على منادي الحياة .. وهو يصيح بالناس كأنما يدعوهم الى أن يقفوا في الروضة .. ويسلموا على ****** من خلف دار الحجرة .. ثم يقضوا فرضهم .. الله أكبر؛ الله أكبر ؛ أشهد ألاَّ إله إلاَّ الله
بك استفقنا على صبح يؤرقه *** بلال بالنغمة الحرَّى على الأطم ..
تذكرت بلالاً حينما تعثرت الكلمات بين شفتيه .. وهو يقولها كأنما ينتزعها من أعماق فؤاده .. في أول مرة يقوم فيها يؤذن بعد وفاة إمامه صلى الله عليه وسلم.. فعذرته من كل قلبي ..
ياحُسْن المدينة وطيب المقام بها رغم حرها الشديد وبردها الأشد ؛كيف لا وقد دعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة رضي الله عنها وعن أبيها : فقال : { اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد ؛ وصححها لنا ؛ وبارك لنا في صاعها ومُدّها وانقل حُمَّاها فاجعلها بالجحفة } (2)
* * *
(قلت له) ..
- أتعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن أجر من يصبر على لأواء المدينة وحرِّها وبردها .. وشفاعته لمن مات بها وأن المدينة تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد ..
قال لي :
- .. (وابتسم ابتسامة عذبة ).. لي عمٌ صالحٌ .. خدم في مسجد ****** المصطفى صلى الله عليه وسلم خمسة وخمسين عاماً .. يحدثني .. أنه كان يشعر بأنه في عالم وبقية الخلق في عالم آخر .. لكنه .. لم يطأ بقدمه قط أرض الحجرة النبوية مع يسير دخول مثله إليها في بداية حياته . فسألته لما لم يدخلها ؟!
- قال ؛ قال لي :ـ أيهون عليك ياولدي وقد فقدت جاراً أو صديقاً تحبه حباً جماً أن تدخل منزله بعد موته بلا إذنه ؟ أيهون عليك أن ترى له في كل ركن ذكريات ؛ ثم لا يتزعزع فؤداك بين جنبيك ويضطرب؟!
- قلت له : لا..
- قال : وهل أعظمُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟.أفهل تريدني أن أدخل منـزلاً عاش فيه مع حبيبته أم المؤمنين أُمّنا عائشة الصديِّقة رضي الله عنها ؛ أياماً بل أعواماً ؛ سطر التاريخ فيها أعظم وأروع قواعد التعامل النبوي بين الزوجين ******ن ؛ ونقلت الصديقة ؛للدنيا كلها ؛ كل شيء عن حبيبها يحيي به الله الأرواح من قول أو فعل ؛ من سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم وسيد الخلق أجمعين.
أفهل بعد هذا ياولدي ..تريدني أن أتجرأ وأدخل في ذلك المكان . لا ياولدي ..لا .. واغرورقت عيناه بالدموع .
قلت لمحدثي : والحديث؟!
قال لي : مستطرداً .. كان عمي يخبر عن رجل اسمه (صالح) وكان صالحاً في نفسه؛ كان يبحث عن اللقمة الحلال ليملأ بها أفواه صغاره وزوجته ؛ فكان يأتيه رزقه رغداً من كل مكان ..
يجلس بجوار مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ويبعث صبيانه ( .. عُمَّاله) كلٌ بيده إناء يملؤه بالماء ؛ ويوزعه على الناس ويأخذ مقابله ماقسم الله له ! ويقسم الباقي على عماله ؛ ثم يصلي العشاء ويؤم منزله ؛ وهكذا حياته ؛ كان ذلك قبل دخول الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله الجزيرة .
وفي يومٍ ساقه قدره إلى منزل شخص ؛ كان يلتف حوله جماعة من الناس ؛ ليقوم باستخراج ما في أجوافهم من ضحك ؛ وما في رؤوسهم من عقول ! إن بقي لهم عقول ؛ بسخافات وشعوذات؛ لا تعدو كونها سحراً ودجلاً .
تارة يصور لهم (..إبريق الشاي) على أنه دجاجة! والأقداح ( الأكواب ) أفراخها؛ فيسحر أعين الناس ؛ وهم مستسلمون ؛ كالنيام .
قدم عليهم (صالح) و ( صديق ) معه وهم غرقى في الضحك ؛ وفي سكراتهم يعمهون؛تملأ قهقهاتهم شوراع المدينة .
دهشا مما رأياه وعلما أن وراءه ما وراءه !! من سحر وشعوذة ؛ فبادرا على الفور باستخراج مايحفظانه من نصوص القرآن والسنة من قلبيهما ليلقيا بها في وجه هذا الدجال !! إنكاراً لفعله الشنيع
إلاَّ أن الضلال - ياولدي- أعمى قلب هذا الساحر فسخر منهما ..وقال لهما كلاماً ..معناه .. أنكما لستما برجالٍ (..أي ذكرين) حتى تنكرا عليَّ .
تغير وجه (صديق صالح) وقذف في وجهه كلاماً كوقع البَرَد على الزجاج علَّه يرعوي عن غيه ! فلم يزده ذلك إلاَّ نفوراً ! وكرر كلامه للجالسين .. وقال لهم ..
- اكشفوا عنه ستجدونه أنثى!!
فقام (صديق صالح هذا ) تحت تأثير الغضب .. وكشف لهم عن (... ..) ! فإذا بهول المفاجأة يعقد الألسنة ؛ وترتفع معه الحواجب ؛ وتشرأب الأعناق ؛ وتتسع الحُدُق ؛ لفظاعة المنظر ..إنه حقاً (...أنثى)! ..
خرج الرجل مسرعاً لا يلوي على شيء ؛ يجر وراءه الخزي الذي ألصقه به ذلك الساحر الدجال؛ وقذف الشيطان في قلب (صالح) من لحظته فتوى قبيحة ! بأنه لابد له من كشف عوار الساحر وتبديد ظلام باطله وإجلاء أمره للناس .. ولكنه! أخطأ الطريق ! فعمد إلى تعلم ***** ! أي والله ياولدي فضعف الإيمان يفعل فعله في القلوب إن لم يثُب المرء إلى رشده ويلجأ إلى كتاب الله ! .
أصبح ( صالح) .. في أيام قلائل .. بارعاً في صنعته الجديدة الخبيثة التي لايتقنها إلاَّ كل بعيد عن الله تعالى ..ولا بُدَّ!.
أوغل فيها إيغالاً شديداً حتى أصبح يسخِّر نساء المسلمين لمن يريدهن لفعل الـ . . . . أستغفر الله !
ومن أين يأخذهن ؟! من أين تتوقع ياولدي ؟!
- قلت لا أعلم ..
- قال لي وقد ترقرت الدموع في عينيه ؛ من الحرم .. من الحرم .. ياولدي .
قلت له : كيف هذا يا عمي !! وهل هن . . . . . . .
- قال : استغفرِ الله يا ولدي ؛ لا تظن بهن السوء ..
- قلت : كيف إذن ؟!..
- قال : يأتيه الخبيث من أمثاله ؛ فيطلب منه شيئاً يستطيع به السيطرة على امرأةٍ ما ؛ فيكتب له ورقة ويأمره بأن يضعها في يده ويقبض عليها بقوة ؛ وينظر إلى أية امرأةٍ شاء .. وهي ( بلا شعور) ! تقوم وكأنها مخدرة وتمشي خلفه حتى تكون الفـ. . . . . . .
- قلت أعوذ بالله ..
قال .. ومرة ..
جاء أحدهم .. فأعطاه ورقة قبض عليها ؛ ثم فعل ما أمره به ؛إلاَّ أن الله تعالى أراد لتلك المرأة المسكينة المتعبدة لربها في رحاب مسجد المصطفى صلى الله عليه وسلم ؛ خيراً . فبعد أن قامت (بلا شعور أيضاً) تمشي كالشاة المقودة خلف ذلك الذئب الخبيث؛ سقطت الورقة من يده فجأة ؛ فصحَتِ المرأة من نومها وانقشعت عن أعينها سحب الظلام ؛ قبل أن يقع ما تكره ؛ فنـزلت عليه ؛ ضرباً بحذائها( القبقاب) ! على رأسه ضرباً مبرحاً ؛ حتى استخرحت الدم من رأسه وخضبت به وجهه القذر! .
قال عمي :
- وكنت أسمع بحديث النبي صلى الله عليه وسلم عن المدينة وأنها تنفي الرجال والخبث كما ينفي الكير خبث الحديد ؛ ولا أعلم صحته ! وكنت أرى ذلك الخبيث فأقول في نفسي إما أن هذا الحديث ليس بصحيح ؛ أو أن هذا الذي انسلخ من آيات الله لن يموت بالمدينة !!
أوغل ( صالح ) في غيّه .. حتى إذا قدر الله تعالى .. أن يقي المسلمين شرَّه .. سقط مريضاً مصاباً بالشلل النصفي ( الفالج ) فذهب إلى الاطباء .. وأعياه السعي وراء طلب العلاج ..
حتى يئس تماماً !! فدُلَّ على ***ٍ من شنقيط..
ـ تعلم من هو ؟ !
ـ لم يخبرني عمي باسمه ..
ـ نعم .. وماذا بعد ذلك ؟!
ـ قال ذهب إلى ال*** .. وهو يعلم أمره فقد فاحت رائحته في الناس ..وهناك انهار وخارت قواه وتوسل لدى ال*** أن يرقيه ؛ فوافق ال*** على ذلك بشرط واحد .. وهو أن يعاهده بالله تعالى على كتابه الكريم ألاَّيعود إلى ***** والشعوذة بعد أن يشفيه الله تعالى من ذلك الشلل؛ وذكره بمغبة نقضه لعهد الله من بعد ميثاقه وأن الله تعالى إن أَخَذَ ؛أخَذَ أخْذَ عزيزٍ مقتدر . فوافق ( صالح ) تحت ضغط الألم .. ومرارة الحاجة ..فوضع يده على كتاب الله .. وأقسم بالله ألاَّيعود .
أخذ ال*** يقرأ عليه القران غضاً طرياً !! حتى قضى الله بشفائه بعد جلسات متكررة !!
يتبع
نفحات من مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم
كتبه : موسى محمد هجاد الزهراني
قال صديقي: (1)
قضيت أمتع أيام حياتي ؛ قبل أسبوع في ربوع المدينة المنورة ؛ بجوار ****** المصطفى صلى الله عليه وسلم ؛كان يغيب عن ذهني أن المرء في غمرة الحياة العصرية المزدحمة ؛ يمكنه أن يجد مكاناً يهرب فيه بنفسه إلى نفسه من ضجيج الحياة ؛ ويلتقي بروحه ؛إلى أن وطئت قدماي أرض المدينة المباركة ؛ لزيارة الأهل والأحبة ؛ وشممت نسيمها العليل ؛ وهناك وجدت ما افتقدت.
ويتبدل الحال تماماً عندما تقول: بسم الله .. اللهم صل على محمد .. اللهم افتح لي أبواب رحمتك ثم تقدم رجلك اليمنى .. وتدخل مسجد ****** صلى الله عليه وسلم .. فهناك تعرف يقيناً معنى سباحة الروح في عالم الطهر والصفاء ؛ هناك تجد ما افتقده عُبَّاد الدنيا ؛ الراكضون وراء الشهوات ؛ من سعادة لايفي بوصفها قلم كاتب ولا لسان خطيب.
عجبت وأنا أسرح بروحي في عالم الملكوت الرباني الرحب ؛ حينما وقفت في منتصف روضة المسجد ؛ التي هي روضة من رياض الجنة ؛ بين بيت النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ومنبره ؛ عجبت كيف لايهتدي إلى هذا المكان من ضاقت عليه الأرض بما رحبت وضاقت عليه نفسه ؛ كيف لا يأتي إلى هنا ليفرغ ما في صدره من هموم ؛ ويبُثَّ ربَّه شكواه ؛ وقد تهيأت نفسه ؛ في روضة من رياض الجنة.
لماذا نرى الناس طلبوا السعادة في غير مظانها ؛ وهي هنا لا تكلف مالاً ؛ ولا تتعب جسداً. جلسة هنا تنقي الروحَ من أوحالها ؛ وتغسلها من أدرانها ؛ وتنقلها إلى حيث يصعد الكلم الطيب ؛ والعمل الصالح ؛ شعور.. لا أدري هل أنا الوحيد الذي أشعر به أم أن من حولي كلهم يدور في فلكه؛ كلا ؛ بل أن كل من شرفه الله بالإقامة أو زيارة مسجد ****** صلاة الله وسلامه عليه لابد وأن لامس قلبه برد المحبة حين وطئت قدماه هذا الثرى الطيب ؛ الذي لامسته أقدام النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام ..
* * *
الرهبة الكبرى .. عندما خطوت خطوات قليلة ؛ هادئة ؛ بل أحس كل قدم تختبيء وراء الأخرى حياءً .. من هول ما أنا مقدم عليه ؛ لست صوفياً مبتدعاً ولا أؤمن بترهاتهم لكنني شعرت برهبة مثَّلتها قدماي حينما نقلتهما .. بصعوبة ..أكاد أتعثر ..حتى وقفت أمام الحجرة التي يسكنها خير من وطئت قدماه الأرض .."السلام عليك يا رسول الله ..أشهد أنك رسول الله حقاً .. بلغت الرسالة .. وأديت الأمانة .. وجاهدت في الله حق جهاده .. وتركتنا على المحجة البيضاء .. ليلها كنهارها .. لا يزيغ عنها إلاَّ هالك .."
أكاد ألثُمُ أرضاً قد درجتَ بها *** أجثو من الرهبة الكبرى على قدمي
سلمت على صاحبيه الكريمين؛ شعرت أن دموعي تسابق كلماتي .. عدت مرة أخرى أمام الحجرة وكأنما أنا واقف بين يديه حقاً ؛ أخاطبه بهذه الكلمات ؛ وتخيلته ينظر إلي على ما أحمله على ظهري من أوزار ؛ ينوء بها قلبي ؛ فأطرق حياءً ؛ وأقول في نفسي :كيف لو ذادتني الملائكة عن حوضه يوم القيامة؟! كانت الدموع لا تتوقف .. وتمنيت أمنية صادقة لو أنني رأيته بأم عيني ولا أبالي بعدها إن خرجت من الدنيا أو مكثت بها ..
استفقت على منادي الحياة .. وهو يصيح بالناس كأنما يدعوهم الى أن يقفوا في الروضة .. ويسلموا على ****** من خلف دار الحجرة .. ثم يقضوا فرضهم .. الله أكبر؛ الله أكبر ؛ أشهد ألاَّ إله إلاَّ الله
بك استفقنا على صبح يؤرقه *** بلال بالنغمة الحرَّى على الأطم ..
تذكرت بلالاً حينما تعثرت الكلمات بين شفتيه .. وهو يقولها كأنما ينتزعها من أعماق فؤاده .. في أول مرة يقوم فيها يؤذن بعد وفاة إمامه صلى الله عليه وسلم.. فعذرته من كل قلبي ..
ياحُسْن المدينة وطيب المقام بها رغم حرها الشديد وبردها الأشد ؛كيف لا وقد دعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة رضي الله عنها وعن أبيها : فقال : { اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد ؛ وصححها لنا ؛ وبارك لنا في صاعها ومُدّها وانقل حُمَّاها فاجعلها بالجحفة } (2)
* * *
(قلت له) ..
- أتعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن أجر من يصبر على لأواء المدينة وحرِّها وبردها .. وشفاعته لمن مات بها وأن المدينة تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد ..
قال لي :
- .. (وابتسم ابتسامة عذبة ).. لي عمٌ صالحٌ .. خدم في مسجد ****** المصطفى صلى الله عليه وسلم خمسة وخمسين عاماً .. يحدثني .. أنه كان يشعر بأنه في عالم وبقية الخلق في عالم آخر .. لكنه .. لم يطأ بقدمه قط أرض الحجرة النبوية مع يسير دخول مثله إليها في بداية حياته . فسألته لما لم يدخلها ؟!
- قال ؛ قال لي :ـ أيهون عليك ياولدي وقد فقدت جاراً أو صديقاً تحبه حباً جماً أن تدخل منزله بعد موته بلا إذنه ؟ أيهون عليك أن ترى له في كل ركن ذكريات ؛ ثم لا يتزعزع فؤداك بين جنبيك ويضطرب؟!
- قلت له : لا..
- قال : وهل أعظمُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟.أفهل تريدني أن أدخل منـزلاً عاش فيه مع حبيبته أم المؤمنين أُمّنا عائشة الصديِّقة رضي الله عنها ؛ أياماً بل أعواماً ؛ سطر التاريخ فيها أعظم وأروع قواعد التعامل النبوي بين الزوجين ******ن ؛ ونقلت الصديقة ؛للدنيا كلها ؛ كل شيء عن حبيبها يحيي به الله الأرواح من قول أو فعل ؛ من سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم وسيد الخلق أجمعين.
أفهل بعد هذا ياولدي ..تريدني أن أتجرأ وأدخل في ذلك المكان . لا ياولدي ..لا .. واغرورقت عيناه بالدموع .
قلت لمحدثي : والحديث؟!
قال لي : مستطرداً .. كان عمي يخبر عن رجل اسمه (صالح) وكان صالحاً في نفسه؛ كان يبحث عن اللقمة الحلال ليملأ بها أفواه صغاره وزوجته ؛ فكان يأتيه رزقه رغداً من كل مكان ..
يجلس بجوار مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ويبعث صبيانه ( .. عُمَّاله) كلٌ بيده إناء يملؤه بالماء ؛ ويوزعه على الناس ويأخذ مقابله ماقسم الله له ! ويقسم الباقي على عماله ؛ ثم يصلي العشاء ويؤم منزله ؛ وهكذا حياته ؛ كان ذلك قبل دخول الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله الجزيرة .
وفي يومٍ ساقه قدره إلى منزل شخص ؛ كان يلتف حوله جماعة من الناس ؛ ليقوم باستخراج ما في أجوافهم من ضحك ؛ وما في رؤوسهم من عقول ! إن بقي لهم عقول ؛ بسخافات وشعوذات؛ لا تعدو كونها سحراً ودجلاً .
تارة يصور لهم (..إبريق الشاي) على أنه دجاجة! والأقداح ( الأكواب ) أفراخها؛ فيسحر أعين الناس ؛ وهم مستسلمون ؛ كالنيام .
قدم عليهم (صالح) و ( صديق ) معه وهم غرقى في الضحك ؛ وفي سكراتهم يعمهون؛تملأ قهقهاتهم شوراع المدينة .
دهشا مما رأياه وعلما أن وراءه ما وراءه !! من سحر وشعوذة ؛ فبادرا على الفور باستخراج مايحفظانه من نصوص القرآن والسنة من قلبيهما ليلقيا بها في وجه هذا الدجال !! إنكاراً لفعله الشنيع
إلاَّ أن الضلال - ياولدي- أعمى قلب هذا الساحر فسخر منهما ..وقال لهما كلاماً ..معناه .. أنكما لستما برجالٍ (..أي ذكرين) حتى تنكرا عليَّ .
تغير وجه (صديق صالح) وقذف في وجهه كلاماً كوقع البَرَد على الزجاج علَّه يرعوي عن غيه ! فلم يزده ذلك إلاَّ نفوراً ! وكرر كلامه للجالسين .. وقال لهم ..
- اكشفوا عنه ستجدونه أنثى!!
فقام (صديق صالح هذا ) تحت تأثير الغضب .. وكشف لهم عن (... ..) ! فإذا بهول المفاجأة يعقد الألسنة ؛ وترتفع معه الحواجب ؛ وتشرأب الأعناق ؛ وتتسع الحُدُق ؛ لفظاعة المنظر ..إنه حقاً (...أنثى)! ..
خرج الرجل مسرعاً لا يلوي على شيء ؛ يجر وراءه الخزي الذي ألصقه به ذلك الساحر الدجال؛ وقذف الشيطان في قلب (صالح) من لحظته فتوى قبيحة ! بأنه لابد له من كشف عوار الساحر وتبديد ظلام باطله وإجلاء أمره للناس .. ولكنه! أخطأ الطريق ! فعمد إلى تعلم ***** ! أي والله ياولدي فضعف الإيمان يفعل فعله في القلوب إن لم يثُب المرء إلى رشده ويلجأ إلى كتاب الله ! .
أصبح ( صالح) .. في أيام قلائل .. بارعاً في صنعته الجديدة الخبيثة التي لايتقنها إلاَّ كل بعيد عن الله تعالى ..ولا بُدَّ!.
أوغل فيها إيغالاً شديداً حتى أصبح يسخِّر نساء المسلمين لمن يريدهن لفعل الـ . . . . أستغفر الله !
ومن أين يأخذهن ؟! من أين تتوقع ياولدي ؟!
- قلت لا أعلم ..
- قال لي وقد ترقرت الدموع في عينيه ؛ من الحرم .. من الحرم .. ياولدي .
قلت له : كيف هذا يا عمي !! وهل هن . . . . . . .
- قال : استغفرِ الله يا ولدي ؛ لا تظن بهن السوء ..
- قلت : كيف إذن ؟!..
- قال : يأتيه الخبيث من أمثاله ؛ فيطلب منه شيئاً يستطيع به السيطرة على امرأةٍ ما ؛ فيكتب له ورقة ويأمره بأن يضعها في يده ويقبض عليها بقوة ؛ وينظر إلى أية امرأةٍ شاء .. وهي ( بلا شعور) ! تقوم وكأنها مخدرة وتمشي خلفه حتى تكون الفـ. . . . . . .
- قلت أعوذ بالله ..
قال .. ومرة ..
جاء أحدهم .. فأعطاه ورقة قبض عليها ؛ ثم فعل ما أمره به ؛إلاَّ أن الله تعالى أراد لتلك المرأة المسكينة المتعبدة لربها في رحاب مسجد المصطفى صلى الله عليه وسلم ؛ خيراً . فبعد أن قامت (بلا شعور أيضاً) تمشي كالشاة المقودة خلف ذلك الذئب الخبيث؛ سقطت الورقة من يده فجأة ؛ فصحَتِ المرأة من نومها وانقشعت عن أعينها سحب الظلام ؛ قبل أن يقع ما تكره ؛ فنـزلت عليه ؛ ضرباً بحذائها( القبقاب) ! على رأسه ضرباً مبرحاً ؛ حتى استخرحت الدم من رأسه وخضبت به وجهه القذر! .
قال عمي :
- وكنت أسمع بحديث النبي صلى الله عليه وسلم عن المدينة وأنها تنفي الرجال والخبث كما ينفي الكير خبث الحديد ؛ ولا أعلم صحته ! وكنت أرى ذلك الخبيث فأقول في نفسي إما أن هذا الحديث ليس بصحيح ؛ أو أن هذا الذي انسلخ من آيات الله لن يموت بالمدينة !!
أوغل ( صالح ) في غيّه .. حتى إذا قدر الله تعالى .. أن يقي المسلمين شرَّه .. سقط مريضاً مصاباً بالشلل النصفي ( الفالج ) فذهب إلى الاطباء .. وأعياه السعي وراء طلب العلاج ..
حتى يئس تماماً !! فدُلَّ على ***ٍ من شنقيط..
ـ تعلم من هو ؟ !
ـ لم يخبرني عمي باسمه ..
ـ نعم .. وماذا بعد ذلك ؟!
ـ قال ذهب إلى ال*** .. وهو يعلم أمره فقد فاحت رائحته في الناس ..وهناك انهار وخارت قواه وتوسل لدى ال*** أن يرقيه ؛ فوافق ال*** على ذلك بشرط واحد .. وهو أن يعاهده بالله تعالى على كتابه الكريم ألاَّيعود إلى ***** والشعوذة بعد أن يشفيه الله تعالى من ذلك الشلل؛ وذكره بمغبة نقضه لعهد الله من بعد ميثاقه وأن الله تعالى إن أَخَذَ ؛أخَذَ أخْذَ عزيزٍ مقتدر . فوافق ( صالح ) تحت ضغط الألم .. ومرارة الحاجة ..فوضع يده على كتاب الله .. وأقسم بالله ألاَّيعود .
أخذ ال*** يقرأ عليه القران غضاً طرياً !! حتى قضى الله بشفائه بعد جلسات متكررة !!
يتبع