المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سقف كنيسة السستين لمايكل أنجلو


 


الجعيد
9 - 7 - 2005, 04:56 AM
في آذار سنة (1508) اقام مايكل انجلوفي فلورنسا، وبدا كأنه خطط للأقامة فيها دائما، لكنه لم يتوقع نداء البابا له لرغبته بتكليفه في ان يقوم بتصوير وزخرفة السقف في كنيسةالسكستين .

كلف مايكل انجلو برسم كنيسة السكستين بدعوة من البابا يوليوس الثاني، وكان مايكل انجلو يؤثرالنحت على الرسم ، فنصح البابا بأن يكلف (رافائيل) عوضا عنه ، لكن البابا اصر على تكليفه هو بالذات.

وفي العاشر من آذار (1508) كتب مايكل انجلو العبارة التالية( اليوم انا مايكل انجلو، شرعت في رسم كنيسة السكستين) وقد جاء الرسم بعد اربع سنوات من العمل المضني والمرهق مفخرة من مفاخر الفن الإيطالي .

في رسالة في آيار (1506) ظهرت رغبة البابا يوليوس الثاني ، كاامتداد لرغبة قديمة في زخرفة الكنيسة ، بدأت منذ عهد سكستوس الرابع، ففي العام(1473) بدأ ببناء الكنيسة نفسها بالقرب من الفاتيكان ، والتى اصبحت مكان اقامة البابا فيما بعد . والمهمة الاولى لمايكل انجلو كانت في وضع الدراسات للأثنى عشر قديسا ثم استقر رأيه على دراستين ، الاولى تركز على الرسم التوضيحي للقديسين بأشكال هندسية مزخرفة ، والثانية ركزت على التصميم الهندسي الذي تحول الى اشكال شبه متحركة عبر الزوايا . وتقريبا محاطة بإطار بيضوي ، هذه الزخرفة التوضيحية هي عبارة عن تقنية مستمدة تقريبا من نوع الفريسك ، والتى هي اساس البيت الذهبي لـ (نيرو).

وهذا من فن الزخارف اخذ تسمية الغروتسكو وهو النسخة الجديدة لرسوم قديمة لـ (برنارد بينتورتشيو) لأشخاص نستطيع مقارنتهم بالمشروع الأول لـ (مايكل انجلو) مع رسوم سقف ستانزا ديلا سنغناتورا ، حيث رافائيل وضع كل شهرته 1509 ــ 1511 لكن (مايكل انجلو) قرر بعد الدراسة العميقة بأن التصوير على هذا النمط ، سيكون فقيرا جدا من الناحية الفنية ، وطلب السماح له بتطوير مخططه، وقد اعطاه البابا تلك الصلاحية في تنفيذ ما يريده.

انتقى مايكل انجلو مواضيع رسومه من قصص العهد القديم ، وهنا ولأول مرة الثقافة (اليونانية ـ الرومانية) دمجت مع عالم الكتاب المقدس، وقسم مايكل انجلو السقف الى ثلاث اجزاء رئيسية، وكل جزء يحوي ثلاث مشاهد محاطة بصور الأنبياء والقديسين : ــ

1 ــ خلق الدنيا :

أ ــ الخالق يفصل بين النور والظلام .

ب ــ خلق النجوم والكواكب .

ج ــ الرب يبارك الأرض .

2 ــ الخطيئة :

أ ــ خلق آدم .

ب ــ خلق حواء .

ج ــ الخطيئة .

3 ــ الطوفان :

أ ــ هبة نوح .

ب ــ الطوفان .

ج ــ سر نوح .

ــ 2 ــ



والشيء الواضح والجلي للموضوع الرئيسي في زخرفة السقف هو الخليقة والفناء للجنس البشري، والحاجة الماسة لظهور الرجل الجديد ، تلك المشاهد للعالم القديم قبل الحقبة الفسيفسائية ، وجدت معطياتها قبل ظهور الأثنى عشر حواريا للشعب المقدس قبل عيد الفصح والذي بدأ بالفصل الأول للخليقة وحتى الطوفان ، وقد أوضح (مايكل انجلو)بأن كل شكل في السقف كان مخططا له من وجهة النظر الدينية ، بعض مشاهد الخليقة ، تتصل بالحقبة المسيحية اتصالا مباشرا من وجهة النظر الدينية تلك، وبعض المشاهد الاخرى هي اقل قيمة فنية من سوابقها لكن (ادجار ويند) اشار الى ان تلك المشاهد كانت نتيجة سياسية خاصة للتوفيق بين الاشكال والتي تعود الى فترة الآباء السابقين .

وان التطور الظاهر في الطراز والاسلوب بالنسبة لمايكل انجلو والتقدم الواضح خلال مدة العمل التي استمرت اربع سنوات ، تجعلنا نتخيل بوضوح مدى التغيير الذي طرأ على المعنى والشكل حتى ان نهاية سقف المذبح والتي رسمت في النهاية ، جاءت اقوى وافضل من مشاهد المدخل من حيث قوة التعبير.

ويمكن ان نعتبر هذه الزخرفة والتقنية من اعظم الاعمال الفنية في غرب اوروبا .

في مدخل الكنيسة يشاهد في الاعلى( النبي زكريا ) ومناصرو السيد المسيح مجاورين له ، حيث ان اختيار وضعه فى ذاك المكان بالذات ، جاء نتيجة صلته الوثيقة بالسيد المسيح من جهة والبابوات من جهة اخرى .

في الجهة المقابلة من المدخل يشاهد الشكل الديناميكي والحيوي للنبي يونان منبثقا من بطن سمكة ، حيث رمزت الايام الثلاث التي قضاها النبي يونان في بطن سمكة متوحشة الى دفن المسيح ، وانبثاقه من بطنها دل على بعثه ثانية ، موت المسيح كرجل واعادة بعثه كإله . والرمزفي اختيار النبي يونان نفسه جاء للدلالة على غموض السيرة المسيحية في البدايات ..

هذه الرموز هي التي ادت الى اختيار مايكل انجلو ذينك النبيين لرسمهما في امكنة الشرف في نهاية الكنيسة .

اما القسم االذي يصور فيه مايكل انجلو بدءالخليقة ، فنجد فيه رسوما لبعض الانبياء يحيطون بشجرة المسيح ومولد العذراء للمخلص ، مع وجود محاور ذات اهمية في منتصف الكنيسة فخلق حواء كان من اهمها ، إذ انها تشكل جزءا رئيسيا من زخرفة قبة الكنيسة وقد تركزت في القسم الفاصل بين المدخل والقبة ، ويعتبر الفاصل الرئيسي بين المسيحية والهراطقة العابثين.

وقد رافق خلق حواء النبي (حزقيال) من جهة والملائكة والكاهنات من جهةاخرى وكما قال النبي حزقيال ــ ( أن آدم النائم على شجرة ميتة ، والتي عبرها المسيح ) وكتب سان أغوستينو ( آدم هو المسيح ، وحواء هي الكنيسة ).

عندما بدأ مايكل انجلو رسومه في شتاء(1508) ــ (1509) بدأ بقصة نوح فوق المدخل ، وأما قصة الخليقة فوق المحراب فقد رسمت فيما بعد . واستمد بعض تقنيته من ( جيرلانديو ) وهي مزج الالوان المائية مع الطينة الطرية اذ واجه مايكل انجلو عقبات كثيرة بتشكيل القالب والرسم فوقه. بدأ الرسم مع عدة مساعدين في البداية ، وبعدها تخلى مايكل انجلو عن المساعدين (من بينهم صديقه القديم (غراناتشي ) واتم الرسم كله بنفسه .( صعد البابا عدة مرات فوق السقالات لرؤية العمل عن كثب، وكان مايكل انجلو يساعده على الصعود ويشرح له بالتفصيل الافكار والتنفيذ . انتهى الجزء الأول من السقف عام 1510 ( قبة زكريا ـ خلق آدم ـ حواء ) . وفي المشاهد الثلاث الاولى التي رسمها ( مايكل انجلو ) عن طوفان نوح ، تظهر معرفته الرائعة ومهارته من خلال الوضوح والسهولة اللازمة للمشاهدة من أرضية الكنيسة لكون المسافة الفاصلة (65 قدما ) والعراة حول مذبح نوح اظهروا مواصفات معينة ، فقد ظهر اثنان منهما بمشهد جانبي واضح (شكل جانبي) وآخران متكئان على وسائد في وضعية مرتاحة ، والأثنان الآخران ظهرا بشكل واضح جلي .

بينما في صورة اسحاق كان التشابه واضحا من خلال الأجسام الرياضية ، والحركات المتسقة المنسجمة ، ونلاحظ التشابه في حركات العضلات نفسها وتناظر التكوين (كما تمثال الصدر بيلفدري ) ، التي تجلت عبقرية مايكل انجلو فيه من ابراز للعضلات ، والذي قال عنه مايكل انجلو نفسه ( هو عمل انسان لأنسان تفوق معرفته الطبيعة ) وليس غريبا ان يربح مايكل انجلو حربه مع نفسه وفنه بعمل تمثال ( اللاوكون ) الذي سبق ( تورسو بيلفدري ) ، والنماذج العارية التي تبعت اللاوكون كانت اقل واقعية ، ولكن التطور الذي حدث في اعمال مايكل انجلو يمكن ملاحظته بسهولة في الأنبياء والكهنة ، واشكال الاشخاص الذين رافقوا خلق حواء ، نشاهدهم اكبر حجما ( كاهنة دلفي ) وقد جلست على عرشها بوقار ، وحركة عينيها عكس اتجاه حركة يديها ، وهذا الأسلوب الفني لمايكل انجلو في حقبته الأولى ، نشاهد تطوره في مناظر الخليقة اذ ان عملية الفصل بين النور والظل واضحة بشكل جلي ، وقد رصد مساحة كبرى لصورة الله تقديرا للشعور الديني العامر تجاه خالق الكون .

ان صورة الاله بشكل نهر سائر ، خطوطه العريضة تحمل عكس اتجاه المسار المألوف ، ورمزت لعملية خلق آدم وبدأ الخليقة والحياة .

والدراسة الأولى لآدم ، كانت تظهر عضلاته بشكل فني ، لكن مايكل انجلو اصبغ عليه نظرته الثاقبة ، وروحه المتمردة ، وهنا بدأ الفصل بين الجسد والروح التي نستطيع لمسها في اعمال دافيد ، الاله على ايدي ملائكة بدون اجنحة ، في الحقيقة الايجابي والسلبي اجتمعا في عملية خلق آدم ، في فصل الارض عن الماء يظهر هناك إله قوي قادم نحونا .

مشهد خلق الشمس والقمر يظهرهما مايكل انجلو في حركة قدوم نحو المشاهد من اليمين ، وبهذا يكون مسرح الخلق غير واضح وشيء بعيد عن مستوى الفرد العادي ، خصوصا فصل النور عن الظلام يعطي كل الطبيعة المبدعة والخلاقة للأشخاص .

إما قصة نوح فقد جاءت مشابهة لما ورد في التوراة ( العهد القديم) ( وحتى الإنجيل) ، بما تحويه من مشاهد الغضب على الآثمين وقصة الطوفان وانقاذ الجنس البشري والطبيعة عبر الشخصية الصالحة والفاضلة المتمثلة في نوح .

وفي عام (1534 ) دعا البابا بول الثالث مايكل انجلو الى روما ليرسم يوم القيامة 16مx 14م ضمن ما صور لكنيسة السكستين ، واللوحة الاخرى الباقية لمايكل انجلو هي لوحة الأسرة .

وهذة الرسوم مع منحوتات لأطفال عراة في أوضاع مختلفة يحيط بهم أفريز ، ساعدت مايكل انجلوعلى احداث تغييرات في الفن المعماري والاشكال المنحوتة ، فقد كانت المنحوتات والرسومات تكاد تنطق لقوة التعبير المتمثل فيها .

ان ( مايكل انجلو ) اخترع الهندسة المعمارية التخيلية ، الدعائم عبر الحائط متصلة بأفريز تظهر الرسوم واضحة ومعبرة من مختلف الجوانب خصوصا في تكوينات الانبياء والحواريين واسلاف المسيح ، سواء في وضعية الجلوس أو غيرها من التكوينات وهؤلاء هم صلة الوصل ما بين المسيح والعناصر الاخرى ، من قبيلة داوود الى القديسين والانبياء ، ففي الزوايا المزدوجة يشاهد المرء وصية الخلاص القديمة قرب المدخل ( داوود يقتل جوليات ) ويوضاس الخائن وهولو فيرنز تقطع رؤوسهم وفي الناحية الاخرى موت هامان وموسى واشكال مختلفة ومناظر مختلفة ، للأنبياء والابطال والكهنة مع بعضهم البعض ضمن شجرة العائلة المقدسة للمسيح المخلص ، لقد صور مايكل انجلو مجموعة من الحقائق في تلك المساحة .الأنبياء بلون الأنسان الطبيعي ، والكاهن جالس على حجر ملون مزخرف ، ويمكن الملاحظة بأن كل صورة نبي مرفقة بحجمين صغيرين مع رسوم الأطفال ، ولقد استطاع مايكل انجلوان يفصل السطوح التخيلية ومعانيها عن الاوضاع المختلفة للرسوم وخصوصا ذاك الترتيب المدهش لجعل الزائر مبهورا من لحظة الوقوف امام مدخل الكنيسة وحتى المذبح من غير ان يجد اية صعوبة في الرؤية والفهم والاستغراق الكامل .